قاعدة التسامح في أدلة السنن

الدرس 18

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق، هل أن لحجية خبر الثقة او حجية الظهور أثراً بناءً على كون مفاد اخبار من بلغ هو الوعد بالثواب، والوعد بالثواب امر واقعي وليس حكما شرعياً او موضوعا لحكم شرعي، والصحيح ان للحجية اثاراً:

من تلك الاثار هو جواز الاسناد والاستناد فان من أوضح اثار الحجية ان يسند مفاده الى الشارع وان يستند اليه في مقام العمل، ولذا يصح للفقيه ان يسند الوعد بالثواب في أيٍ مورد ورد فيه خبر ولو كان ضعيفا الى الشارع، كما للمكلف ان يستند في هذا الوعد الى الشارع.

بل للفقيه ان يفتي بان هذا المورد من موارد الثواب بعد وعد الشارع به.

بل على مبنى السيد الإمام من ان الوعد بالثواب ملازم للطلب والترغيب يمكن ان يفتي الفقيه بالترغيب أيضا حيث ذكرنا سابقا ان مفاد اخبار من بلغ اما الوعد بالثواب محضا وهذا ما ذهب سيد المنتقى واما الوعد بالثواب الدال بالمدلول الالتزامي على الترغيب في موارد ورود الثواب وهو ما ذهب اليه السيد الإمام.

فكلاهما يرى ان مفاد اخبار من بلغ الوعد بالثواب لا الاستحباب النفسي ولا الحجية ولا الاستحباب الطريقي الا انه بحسب نظر صاحب المنتقى ان مفاد اخبار من بلغ مجرد الوعد بالثواب من دون ان تتضمن ترغيبا لا بالمدلول المطابقي ولا بالالتزامي فما يفتي به الفقيه هو ان هذا المورد من موارد الثواب.

اما على مبنى الإمام وان مفادها الجعالة على العمل والجعالة على العمل مسلتزمة عرفا لنحو من الترغيب وان كان مدلولا التزاميا فلا يمكن التمسك باطلاقه لسائر الموارد ولكن في الجملة هناك ترغيب فيستطيع ان يفتي ان بعض موار ثبوت الثواب مرغوب فيه في الجملة.

فحينئذٍ يتبين الفرق بين القول بالحجية والاستحباب النفسي باحتمالاته والاستحباب الطريقي والقول بالوعد على الثواب.

فان قلنا بالحجية العرفية بمعنى ان المستفاد من اخبار من بلغ جعل الكاشفية للخبر الضعيف في موارد المستحبات فحينئذٍ يكون الخبر الضعيف الدال على الاستحباب مقيداً للخبر الصحيح الدال على عدمه اذا كان الخبر الضعيف ذا قيد كما لو ورد خبر صحيح على عدم رجحان الاستياك ودل ضعيف على ثواب على الاستياك قبل الصلاة فانه يكون مقيدا له.

واما اذا كان الضعيف يدل على الرجحان مطلقا فانه على مسلك الحجية معارض للخبر الصحيح الدال على عدم الرجحان.

اما بناءً على الاستحباب النفسي فتارة ندعي ان البلوغ مجرد واسطة في الثبوت أي ان الاستحباب ثابت للعمل بعنوانه فافطار الصائم بعنوانه مستحب والبلوغ مجرد واسطة في ثبوت الاستحباب لافطار الصائم حينئذٍ يفتي الفقيه بناءً على الخبر الضعيف باستحباب إفطار الصائم اما اذا لم يكن مفادها الا ان مورد الاستحباب النفسي العمل الذي بلغ عليه الثواب، لا العمل بعنوانه بحيث يكون البلوغ واسطة في العروض أي انه معروض للاستحباب أيضا، اذا ما يفتي به الفقيه هو الكبرى أي ما بلغ عليه الثواب فهو مستحب بهذا العنوان واما إفطار الصائم فما هو مصداق من مصاديق ما بلغ عليه الثواب لا ان له استحبابا يخصه

فبناءً على ان الاستحباب النفسي موضوعه ما بلغ عليه الثواب وقلنا بان مفاد اخبار اخبار من بلغ الوعد بالثواب مع دلالة هذا الوعد على الترغيب بنحو المدلول الالتزامي أيضا يقول الفقيه انا افتي بالكبرى وهو الترغيب بالجملة لما وعد عليه الثواب غاية ما في الباب يبقى الفرق بين الاستحباب النفسي لما بلغ عليه الثواب وبين الترغيب فيما وعد عليه بالثواب انه علىا لقول بالاستحباب فهو مدلول مطابقي فيستطيع الفقيه التمسك باطلاقه في موارد الشك اما على القول بان مفادها الوعد وان الترغيب مدلول التزامي لم تكن النصوص بصدد بيانه لا يمكن ان يتمسك باطلاقه فيفتي بالترغيب بالجملة.

واما ان قلنا بالاستحباب النفسي والمقارنة بينه وبين الاستحباب الطريقي فلابد من الالتفات الى انه ان قلنا بالاستحباب النفسي للعمل بعنوانه أي ان إفطار الصائم بعنوانه مستحب والبلوغ واسطة في الثبوت حينئذٍ لو دل الخبر على استحباب غسل الزيارة عن البعد لامكن للفقيه ان يفتي باجزائه عن الوضوء اما لو كان مفاد الاخبار الاستحباب النفسي لما بلغ عليه الثواب فالغسل بما هو غسل ليس مستحبا وانما غسل زيارة الحسين لكونه مما بلغ عليه الثواب مستحب لا لعنوانه فلا يمكن للفقيه ان يفتي باجزائه عن الوضوء.

ولاجل ذلك انما تتضح الثمرة بين النفسي والطريقي بناءً على ان البلوغ واسطة في الثبوت لا في العروض.

واما الفرق بين الوعد بالثواب والقول بان مفاد الاخبار مجرد الارشاد الى حكم العقل بحسن الانقياد فلا يستطيع الفقيه ان يفتي بمضمونها بيء مادامت ارشاد كما هو مبنى السيد الخوئي.

هذه الثمرة الأولى من ثمرات الحجية.

الثمرة الثانية انه بناءً على ان مفاد اخبار من بلغ الوعد بالثواب فانّ ذلك يكون عاملا في تقوية احتمال الثواب اذ ما دام هذا الوعد ظنيا فلازال يحتمل عدمه ويقوى احتماله باخبار من بلغ، وهو مؤكد للانقياد أي الاتيان بالعمل بداعي الانقياد.

اذ لا نحتاج الا الى ما يدفع اللغوية، ويكفي في رفع لغوية الحجية وجود اثر وهو توقية احتمال الثواب، فيكون ذلك تقوية للاتيان بالعمل بداعي الانقياد.

الأثر ال 3: ان يقال بانه اذا دلت اخبار من بلغ بالمدلول المطابقي على الوعد بالثواب فقد دلت بالمدلول الالتزامي على انه لا يخلف وعده فهناك ملازمة عرفية بين الوعد وبين قبح خلف الوعد فاذا دلت بالمدلول المطابقي على الوعد بالثواب دلت بالمدلول الالتزامي على قبح خلفه، فيقول المكلف قامت لدي حجة على ان الله لا يخلف وعده.

ثم يقع الكلام في تنبيهات اخبار من بلغ.

فهنا مجموعة من التنبيهات المتعلقة باخبار من بلغ على جميع المباني.

التنبيه الأول: هل انه يستفاد من اخبار من بلغ الشمول للثواب غير المعين ام تختص بالثواب المعين، فقد يقال بان ظاهرها النظر للمعين، حيث قالت من بلغه شيء من الثواب على عمل فعمله كان اجر ذلك له، وان كان رسول الله لم يقله، فمنظورها الثواب المحدد.

فلو ورد عندنا خبر لا يحدد الثواب وانما قال إفطار الصائم ذو ثواب، فهل يشمله اخبار من بلغ ام لا، فهل تشمل اخبار من بلغ ما لم يكن فيه تحديد للثواب ام لا، فقد يقال بالشمول وذلك ل3 قرائن.

الأولى ان يقال ظاهر قوله من بلغه شيء من الثواب فعمله، عود الضمير فيه الى شيء من الثواب فاذا عاد الى ذلك الشيء من الثواب فكانه قال من بلغه شيء من الثواب فحصل ذلك الشيء من الثواب فان هذا عنوان مطلق لما بلغه شيء محدد او بلغه غير محدد الا ان يقال ان هذا التعبير فعمله من باب الاستخدام لا ان الضمير يعود لنفس الثواب أي فأتى بالعمل الذي يحصل ذلك الثواب لا انه فعمله أي طلب ذلك الثواب، بل اتى بالعمل المحصل لذلك الثواب فيكون منظور الرواية الى العمل لا الى نفس الثواب.

القرينة الأخرى رواية الاقبال من بلغه شيء من الخير ويقال باطلاق هذا العنوان لما اذا لم يكن الثواب محددا،

المهم القرينة ال 3 مادامت هذه النصوص في سياق اما الترغيب نحو ما بلغ عليه الثواب او في سياق الحث نحو الانقياد او بيان عنايته وكرمه بان يعطيهم ما املوا او الارشاد لحكم العقل بحسن الانقياد، يرى العرف انه لا خصوصية للثواب المحدد فسواء محدد او غير محدد ما دام السياق هو الوعد والحث والإرشاد فانه لا فرق في هذا السياق بين كونه محددا او لا.

وعليه لو قلنا بان مفاد اخبار من بلغ الوعد بالثواب مع ذلك تشمل ما لم يكن الثواب محددا ولا يقال بناءً على ذلك لم تفد اخبار من بلغ شيء جديدا لان الحكم حاكم لترتب الثواب على الانقياد، نقول العقل يخفى عليه الوعد بالثواب الواقعي اذ مفاد ابر من بلغ وان شمل الثواب غير المحدد الا ان مفادها انا الثواب الواقعي في هذا المورد موعود به سواء كان محددا اثباتا او لا، وهذا مما لا يتنه له العقل وحده.

واما اذا قلنا بان مفاد اخبار من بلغ الحجية او الاستحباب النفسي فقد افاد في المحكم لا نتعدى الثواب غير المحدد والسر فيه ان الحجية الشاملة للخبر الضعيف خلاف القاعدة فيقتصر على المقدار المتيقن أي ما دام مفاد اخبار من بلغ امرا مخالفا للقاعدة وهو حجية الضعيف في باب المستحبات فنقتصر على لسانها وهو الثواب المحدد، او الاستحباب النفسي للخبر الضعيف خلاف العادة فيقتصر على ما ورد الثواب المحدد.

ولكنه فيه ان المدار على الملاك المستفاد من سياق اخبار من بلغ فاذا لم نفهم ملاك منظور اليه بل كان تعبدياً غيبيا فهنا يتم كلامه، اما اذا استفدنا انه وان كان مفادها حجية البر الضعيف او الاستحباب النفسي الا ان ملا جعل الحجية او الاستحباب النفسي هو الترغيب في تحصيل الثواب في موارده وعليه مقتضى عمومية هذا الملاك ان لا خصوصية للثواب المعين والمحدد اذا فمجر ان يكون مفاد اخبار من بلغ الحجية او الاستحباب النفسي لا يعني الاقتصار على ما ورد في لسان الدليل ما دمنا نفهم من القرائن السياقية انه جعل الحجية لملاك الترغيب وتحصيل اكبر مقدار من الثواب.