قاعدة التسامح في أدلة السنن

الدرس 20

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

لازال الكلام في الوجوه التي افيدت لمنع شمول اخبار من بلغ ملا دل على الوجوب او الحرمة او الكراهة، والوجه الاخير وهو ما يمنع من شمول اخبار من بلغ لما دل على الكراهة ان يقال ان المكروهات في النصوص الشرعية على أربعة اقسام:

الأول ما كان مفاده الارشاد الى قلة الثواب نظير ما اذا ورد لا تصل في الحمام او بعد طلوع الشمس فان مفاده الارشاد الى ان ثواب هذه الصلاة اقل من غيرها، وهذا لا دلالة له بالالتزام على ان في الترك ثوابا.

القسم الثاني ما يدل على الارشاد الى الاثر الوضعي كالنهي عن الجماع في وقت الخسوف فان مفاده الارشاد الى ان في ذلك أثرا وضعيا مبغوضا ولا دلالة له بالالتزام على ان في الترك ثوابا.

الثالث ما كان مفاده الارشاد الى حزازة مولّويّة بمعنى ان للمولى حزازة في هذا الفعل وان لم تدرك تلك الحزازة، مثلاً ما دل على النهي عن تسمية الولد بخالد او حكم او حكيم فان غاية مفاده ان في هذه التسمية حزازة واما في الترك ثوابا فلا دلالة له على ذلك.

والقسم الرابع: ما كان ظاهره رجحان الترك نظير ما دل على النهي عن النوم بين الطلوعين، او ما دل على النهي عن النوم في ليلة القدر.

فان ظاهر قوله لا تنم ليلة عرفة، او لا يؤخذك النوم ليلة عرفة انه كناية على ان في ترك النوم رجحانا بلحاظ ان فيه احياءا لهذه الليلة، فهذا القسم من المكروهات هو الذي يتوهم دلالته بالالتزام على ثبوت الثواب على الترك ورجحان الترك فيدعى شمول اخبار من بلغ له.

الا ان هذا القسم الرابع ليس من المكروهات وانما من المستحبات فان مجرد التعبير بالنهي هو مجرد نهي صوري وعلى مستوى المراد الاستعمالي وهو كناية عن كون الترك راجحا مستحبا فهذا القسم خارج عن محل البحث.

ولكن يمكن التعليق على بعض ما مضى من الوجوه التي ذكرها سيد المنتقى بَانياً على عدم شمول اخبار من بلغ لمورد الكراهة، فالوجه الرابع الذي افاده وهو انه ظاهر اخبار من بلغ ان موضوعها العمل الذي يكون محركه داعي الثواب عادة وطبعا، وهو المستحب لا مثل المكروه والواجب.

ولكن يلاحظ عليه ان هذه الاخبار لا يستفاد منها الا ان موضوعها العمل المأتي به بداعي الثواب، واما كون داعي الثواب هو المحرك للعمل فلا دلالة للاخبار على هذا، وانما ذكرت ان موضوعها العمل الماتي به بداعي الثواب لانها ذكرت بلوغ الثواب فكانها قالت اذا بلغ الثواب على عمل فمن الطبيعي ان يكون بلوغ الثواب هو الداعي للإتيان بالعمل، فانها قالت فعمله لأنّه من الطبيعي انه لو اتي بالعمل اتي به بداعي الثواب، لا ان منظورها خصوص حصة من الاعمال وهي التي يكون المحرك لها عادة هو الثواب، فالتفريع لأجل ان بلوغ الثواب سبب لحصول هذا الداعي لا لأجل التخصيص كي يستفاد من ذلك اختصاصها بالمستحبات.

واما الوجه الخامس الذي افاده وهو ان الخبر الدال على الوجوب انما يدل بالالتزام على العمل بداعي الفرار من عقوبة الفعل والخبر الدال على الحرمة انما يدل بالالتزام على الترك بداعي الفرار من العقوبة، وهكذا، فان هذا لا يمنع استدلال المستدلين فانهم لا يزعمون ان في الخبر الدال على الحرمة مدلولا التزاميا على ترتب الثواب على الترك في حد ذاته، هم يقولون احتفاف هذه الاخبار أي الاخبار الدالة على الحرمة والوجوب والكراهة احتفافها بالمرتكز المتشرعي القطعي الواضح على ان في ترك الحرام وفعل الواجب وترك المكروه ثوابا، اوجب انعقاد مدلول التزامي لها على ان في الترك ثوابا، لا انها بذاتها لها هذا المدلول الالزامي، كي نصب اهتمامنا على منع ذلك، وان الخبر الدال على الحرمة او الوجوب اصلا ليس فيه مدلول التزامي على ان في الترك ثوابا، صحيح انه في حد ذاته لا دلالة فيه على ذلك مطابقة او التزام وانما المدعى احتفاف هذه الاخبار بمرتكز متشرعي واضح على ان في الترك ثوابا اوجب ظهورها في ذلك.

نعم لعل مقصوده قده ويكون هذا وجها للمنع ان المستفاد من اخبار من بلغ للوجوب ان موضوعها بلوغ الثواب وانما يصدق بلوغ الثواب بخبر اذا كان نفس الخبر مع غمض النظر عن أي ضميمة دالا على الثواب، وانما لم يصدق انه بلغ الثواب بالخبر وانما بدليل اخر، فحيث موضوع هذه الاخبار ان يبلغك الثواب بخبر بمعنى انه لولا هذا الخبر لما بلغك الثواب، حيث ان مفادها ذلك لم يصدق انه بلغك الثواب بخبر يدل على الحرمة او الكراهة او الوجوب، وان كان في الترك ثوابا، فهذا مسألة اخرى الا انه لا يصدق بذلك انه بلغك الثواب بهذا الخبر، فهذا هو وجه انصراف اخبار من بلغ عن المشول لهذه الموارد الثالث.

المقام الثاني في هذا التنبيه انه اذا وردنا خبر يدل على الكراهة فهل تثبت به الكراهة ام يثبت به فقط الثواب على الترك فيدل بالدلالة الالتزامية على رجحان الترك، افاد الاعلام انه لا يستفاد منه اثبات الكراهة على جميع المسالك.

اما على مسلك الحجية فلان غاية مفاد اخبار من بلغ ان الخبر البالغ حجة في دائرة معينة وهي اثبات الثواب لا اكثر من ذلك، اذا فعلى مسلك الحجية لا تثبت الكراهة بخبر يدل على الكراهة بالمطابقة.

اما على مسلك الاستحباب النفسي لعنوان ما بلغ فيرد عليه انه لو ورد عندنا خبر يدل على الكراهة فاما ان يثبت هذا الخبر الاستحباب النفس للفعل وهذا خلف دلالته على الكراهة واما ان يثبت به كراهة الفعل وهذا يعني ان قوله في صحيحة هشام كان اجر ذلك له، مستعملا في اكثر من معنى فان هذه الكلمة كان اجر ذلك له اتعني انه في موارد الاستحباب تثبت الاستحباب وفي موارد الكراهة تثبت الكراهة وفي موارد الوجوب تثبته وهذا خلاف الظاهر جدا.

فان الظاهر من هذه الفقرة ان الثابت سنخ واحد من الحكم لا في كل مورد سنخ يناسبه من الحكم، حتّى لو قلنا بجواز استعمال اللفظ في اكثر من معنى.

اما لو قلنا ان مفاد اخبار من بلغ الاستحباب الطريقي فالامر كذلك لان مؤدى الاستحباب الطريقي ان في التسلّك بالخبر البالغ والاخذ به طريقية لحفظ الملاكات الواقعية، فخذوا به، اما ان مدلول الخبر وهو الكراهة يثبت شرعا فان هذا مما لا يدل عليه.

نعم لو قلنا مفاد اخبار من بلغ حكم طريقي، لا الحجية ولا الاستحباب النفسي ولا الطريقي، فكأن مفاد اخبار من بلغ انه لو ورد عليكم خبر يدل على ثواب فان الاخذ بهذا الخبر مطلوب من اجل التحفظ على نوع ذلك الحكم المدلول عليه بهذا الخبر.

فاذا كان مفاد اخبار من بلغ ان الاخذ بالخبر البالغ مطلوب لأجل التحفظ على الحكم المدلول بهذا الخبر، كان دالا بالالتزام على ثبوت ذلك الحكم الذي يراد التحفظ عليه، وهذا نظير ما ادعي في اخبار التعلم يسال العبد يوم القيام ما عملت فيقول ما لعمت فيقال هلا تعلمت.

فقد استفاد السيد الخوئي ان مفاد اخبار التعلم الوجوب الطريقي ومعنى الوجوب الطريقي ان الامر بالتعلم كما يثبت ان التعلم مطلوب يثبت تنجز الحكم الواقعي الذي يراد تعلمه والوصول اليه، فلها مفادان ان التعلم مطلوب وان الحكم المتعلم منجز في حقك فكذلك اذا حملنا اخبار من بلغ على الحكم الطرقي فكانها قالت اذا وردك خبر دال على الكراهة فخذ به تحفظا على الحكم المدلول عليه بهذا الخبر فان هذا يدل الالتزام على ثبوت ذلك الحكم ولا يقال انه لازم ذلك ان يستفاد من اخبار من بلغ اكثر من صنف وسنخ فان مفادها سنخ واحد وهو الحكم الطريقي المثبت للحكم المتحفظ عليه.

فالنتيجة لو حملناها على الحكم الطريقي لدل الخبر الدال على الكراهة على ثبوت الكراهة ولكن هذا لا قرينة عليه.

المقام الثالث في هذا التنبيه ذكر السيد الخوئي في مصباحه انه لو ورد خبران الاول يدل على استحباب الفعل والثاني على كراهة الفعل الدال بالالتزام على استحباب او رجحان الترك فهل تشمل اخبار من بلغ هذا الخبر الدال على استحباب الفعل ام لا.

فلو فرضنا انه ورد علينا خبر يدل على رجحان صوم يوم عاشوراء، وورد علينا خبر ينهى عن صوم عاشوراء، فهل تشمل اخبار من بلغ الخبر الدال على رجحان صومه ام لا.

فقد افاد السيد الخوئي ان قلنا ان اخبار من بلغ لا تشمل الا الاخبار الدالة على المستحبات اذا بالنتيجة ما دل على رجحان صوم عاشوراء بلا معارض لان الثاني لا حجية له،.

وان قلنا ان اخبار من بلغ عامة تشمل ما دل على المستحب وما دل على الكراهة لأنّه يدل على رجحان الترك بالنتيجة فقد يقال: لا مانع من الجمع بينهما لان مفاد اخبار من بلغ استحباب ما بلغ بعنوان انه ما بلغ وهو يشمل الفعل والترك فنقول الفعل راجح في حد ذاته بل من باب انه مما بلغ عليه الثواب، وكذلك الترك، وحينئذٍ لا مانع من ان يقال الفعل والترك مستحب.

فان قلت لازم ذلك التزاحم، قلت، حسب مبناه في المستحبات، انه لا تزاحم في المستحبات وانما يتصور في الاحكام الإلزامية، فالمكلف في كل ان ان مخاطب بالألاف المستحبات، صلة الرحم والنافلة.

والسر في ذلك ان النكتة في التزاحم هي ان يكون فعلية الخطابية مؤدية لايقاع المكلف في معصية احدهما فلذا يقع بينها التزاحم فيقال لا يمكن ان تكون الخطابات فعلية لان لازم فعليتها ايقاع المكلف في معصية واحد منها، وهذا انما يتصور في الخطاب الذي يكون بمثابة العلة التامة في ايقاع المكلف في الفعل، وما يكون كذلك هو الخطاب الالزامي اما اذا كان نفس الخطاب يرخص في الترك اذا ليس بمثابة العلة التامة لايقاعك في الفعل، واذا لم يكن بمثابة العلة التامة لايقاعك بالفعل فلا تكون فعلية الخطابات في ايقاعك في الحرك فاذا نكتة التزاحم لا تجري في المستحبات.