أصالة التخيير

الدرس 36

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام بناء على القول بالبراءة العقلية، وذكرنا بانه لا يمكن الجمع بين البراءتين في اطراف العلم الاجمالي، ويبقى الكلام بناءً على القول بالمنجزية، أي منجزية الاحتمال، فبناءا على منجزية الاحتمال هنا مطلبان، المطلب الأول ان كل حكم سواء كان شرعيا او عقليا وسواء كان الشرعي تكليفيا او وضعيا لا يمكن ان يشمل النقيضين، وبيان ذلك: بذكر مقدمتين.

المقدمة الاولى ان اول القضايا البديهية كما ذكر في علم المنطلق استحالة اجتماع النقيضين ببمعنى ان جميع القضايا العقلية ترجع الى قضية اولى وهي استحالة اجتماع النقيضين، ويتفرع على ذلك استحالة الدور والخلف.. الخ، واستحالة اجتماع النقيضين تعني على مستوى العلم التصديقي، انه متى ادرك الذهن اتصاف احد النقيضين بصفة فقد ادرك عدم اتصاف نقيضه بتلك الصفة،

نعم على مستوى العلم التصوري يمكن ان يتصور الذهن التفكيك بين النقيضين، ولذلك قيل فرض المحال ليس محالا، بمعنى على مستوى العلم التصوري يمكن ان يفترض الذهن التفكيك بين النقيضين، ولكن على مستوى العلم التصديقي لا يعقل ذلك

فالذهن متى ما ادرك ان نقيضا بصفة معينة كان من اللوازم البينة بالمعنى الاخص ان يدرك ان نقيضه ليس بتلك الصفة، وهذا يعني ان الصفة ومنها الحكم لا ينبسط على النقيضين معا، فمتى ما ادرك الذهن ان الصلاة واجبة او وجوب الصلاة ادرك ان عدم الصلاة ليس بواجب، ومتى ما ادرك ان الصلاة مورد حق الطاعة ادرك ان عدمها ليس موردا، ومتى ما ادرك ان احتمال وجوب الصلاة مورد لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ادرك ان عدم الصلاة ليس موردا للقاعدة.

فعلى مستوى العلم التصديقي يكون الحكم نفسه أي حكم كان عقليا او شرعيا تكليفيا او وضعيا يكون الحكم نفسه قاصرا عن الانبساط على النقيضين، فلا يعقل ان يتصف النقيضان بحكم 1، لا لعدم امكان الجمع بينهما خارجا، بل حتّى لو فرض محالا امكان الجمع الا ان تكاذب النقيضين بحيث يكون هذا التكاذب ابده القضايا منع من اجتماعهما في صفة 1.

وبناءا على ذلك فلا يعقل ان يكون كلا النقيضين موردا لحق الطاعة او قبح العقاب بلا بيان، ويتفرع على هذه النقطة في الاصول عدة موارد،

المورد الاول مبحث هل ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام، فهل ان وجوب الصلاة يقتضي النهي عن تركها، ام لا، فهناك وان اختلف الاصوليون في ان الوجوب الشرعي للصلاة هل يقتضي الحرمة الشرعية لتركها، ولكنهم اتفقوا على انه على مستوى المبادي الملازمة قائمة بل هي من الملازمات البينة بالمعنى الاخص، ومعنى ذلك ان المولى متى احب شيء بغض تركه، ومتى بغض شيئا احب تركه لا محالة، فالملازمة بين اتصاف احد النقيضين بمبدأ نفساني وعدم اتصاف نقيضه بذلك المبدأ من الامور الواضحة البينة، ولذلك من ذهب الى ان حقيقة الحكم ليست من الامور الاعتبارية والجعلية بل حقيقة الحكم نفس الارادة والكراهة، النفسانيتين مع شرط ابرازهما كما هو مسلك المحقق العراقي، فعلى هذا المبنى يرى الملازمة بين الحكم بلزوم شيء والحكم بحرمة ضده العام.

ومن الموارد التي تتفرع على ذلك ما ذكر في بحث تعارض الادلة على مبنى جمع وهو المختار، ان شمول دليل الحجية للمتعارضين في انفسهما فرع ان لا يكون التعارض على نحو التناقض، اذ تارة يكون تعارض الدليلين لعلم اجمالي بكذب احدهما كما لو قامت امارة على وجوب الجمعة تعيينا وقامت اخرى على وجوب لظهر تعيينا، ولأننا نعلم بكذب احدى الامارتين اذ لا تجب فريضتان في يوم 1 او وقت 1 حصل التعارض بين الامارتين، ففي هذا الفرض دليل الحجية أي حجية خبر الثقة يشمل كلا منهما في حد نفسه، ولكن لتعارضهما فليست لاي منهما حجية بالفعل في موطن التعارض، والا ففيما هو خارج عن مورد التعارض قال جمع بالحجية، مثلاً، قيام امارة على وجوب الجمعة وامارة على وجوب الظهر يعني ان كليهما متفقان على نفس ال 3، أي متفقان على نفي التخيير، وحيث ان ما اتفقا عليه لا تعارض فيه فيكون مدلولهما فيه حجة، واما اذا كان تعارض الدليلين على نحو التناقض كما اذا ورد اقم الجمعة ولا تقم الجمعة في عصر الغيبة، فهنا من الاساس دليل الحجية لا يشملهما لا انه يشملهما ويقع التعارض بينهما ويكونان حجة في نفي ال 3 بل من الاساس دليل الحجية لا يشملهما،

والسر في ذلك ان التناقض يمنع اجتماعهما في صفة معينة كصفة الحجية مثلا، والمورد ال 3 ما ذكر في بحث التزاحم، من ان التضاد تارة يكون اتفاقيا كالمضادة بين ازالة النجاسة عن المسجد والصلاة في ضيق الوقت، فان هذه المضادة حصلت اتفاقا لقصور قدرة المكلف عن الجمع بينهما ولذلك لا تعارض بين دليليهما وهما قوله اقم الصلاة وازل النجاسة وانما قصور القدرة اوجب عدم الفعلية لكليهما بل لاحدهما، بينما اذا كان التضاد دائميا كالقيام والقعود، فلو قال في دليل قم في صلاة الوتيرة وفي اخر اجلس، فانه لا تصل النوبة للتزاحم بان يقال الدليلان كل منهما تام في نفسه غاية ما في الباب لقصور القدرة عن الجمع بينهما يقع تزاحم، فنجري قواعد التزاحم، بل يقال حيث ان اللسانين متكاذبان من الاصل فتكاذبهما ادرجهما في التعارض فالدليلان متعارضان من اول الامر لا انهما من باب التزاحم، والنكتة في هذه الموارد كلها ما ذكرناه ان النقيضين لا يجتمعان في صفة 1 بأبده المدركات، ولاجل ذلك يتقرر انه لا يمكن ان يقال بان حق الطاعة يشمل دوران الامر بين المحذورين، فما ذكره السيد الشهيد من ان المقتضي للمنجزية موجود الا ان المانع ايضا موجود فالمقتضي لمنجزية الاحتمال في كل منهما موجود حيث ان احتمال وجوب السفر قائم واحتمال وجوب تركه او حرمة السفر قائم فلأجل فعلية كلا الاحتمالين فالمقتضي للمنجزية موجود غاية ما في الباب انه لا يعقل منجزيتهما معا، للتمانع بين المنجزيتين، حيث لا يمكن للمكلف الجمع بين الفعل والترك، فهذا محل منع والسر في ذلك ان مدرك المنجزية هو حق الطاعة، وحق الطاعة قاصر في نفسه عن ان يشمل النقيضين فلا يتعقل الذهن على مستوى العلم التصديقي ان يتصف احتمال وجوب السفر بحق الطاعة في عين اتصاف احتمال حرمة السفر بحق الطاعة، فحق الطاعة لا ينبسط على الاحتمالين مع تلازمهما في الذهن، فلو قال احد انني اتصور احتمال الوجوب ولا اتصور احتمال الحرمة مثلاً بان اتصور السفر ولا اتصور عدمه، فاقول احتمال السفر مورد لحق الطاعة ثم اتصور العدم واقول انه مورد لحق الطاعة.

فيقال هذا على مستوى العلم التصوري واما على مستوى العلم التصديقي فمجرد ان تدرك اتصاف احد الاحتمالين بحق الطاعة فقد ادركت عدم اتصاف نقيضه بالحق نفسه

هذه هي المقدمة الاولى

المقدمة الثانية، ان ما ذكرناه ينبسط على جميع الاحكام شرعية او عقلية وسواء كان هذا الحكم هو حق الطاعة او قبح العقاب بلا بيان، فان قبح العقاب بلا بيان ايضا لا ينبسط على النقيضين بان يقال العقاب على ترك السفر ظلم في عين الوقت العقاب على فعل السفر ظلم،.

واما اذا كان مدرك منجزية الاحتمال ما سلكناه وهو ان احتمال التكليف مساوق لاحتمال الضرر، اما لما ذكره سيد المنتقى من ان الحكم بقبح العقاب فرع ادراك العقل ملاك العقاب الاخروي وحيث ان العقل يجهل ما هو ملاك العقاب الاخروي فلا محالة يجهل ان العقاب مع عدم البيان قبيح او لا، او بالتقرير الذي ذكرناه في محله ان العقل يشكك في الصغرى حيث ان قبح العقاب بلا بيان من صغريات قبح الظلم فالعقل يقول اذا احتمال المكلف الحكم الالزامي احتمالا عرفيا فمن أي نجزم ان الاحتمال ليس ببيان كي يكون العقاب لا مخالفته ظلما فيشك في صدق عنوان الظلم على العقاب على مخالفة احتمال التكليف ومع الشك في الصغرى اذا فالعقل يقول ليس عندي الا احتمال التكليف المساوق لاحتمال العقوبة، وذلك مورد لقضاء الفطرة لدفع هذا الاحتمال.

فعلى هذا المسلك من منع البراءة العقلية أيضا نقول لا يعقل قضاء الفطر بدفع الضرر المحتمل في النقيضين ايضا، لان الذهن اذا التفت انه اما فاعل او تارك فلا قضاء في الفطرة الى تجنب فعل السفر وتجنب تركه، والسر في ذلك ان قضاء الفطرة بالتحرك فرع احتمال الضرر واحتمال الضرر في النقيضين غير متصور بان يحتمل المكلف الضرر في السفر والضرر في عدمه فحيث قضاء الفطرة بالمحركية فرع احتمال الضرر ولا يحتمل الذهن العقوبة في كلا النقيضين اذا لا محالة من الاول قضاء الفطرة بدفع الضرر المحتمل قاصر عن المحركية في فرض احتمال النقيضين فلا فرق في هذه الجهة بين ان يكون مدرك المنجزية أي منجزية الاحتمال حق الطاعة او قضاء الفطرة.

نعم بينهما فرق في النكتة المتقدمة وهي ان الاحكام العقلية لا تكون فعلية الا بفعلية موضوعها المؤلف من المقتضي وعدم المانع فهنا يقال حيث ان قضاء الفطرة ليس من الاحكام العقلية فيتصور له فعلية من حيث دون حيث او بلحاظ المقتضي لا بلحاظ المانع.