الخلل الواقع في الصلاة

الدرس 14

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

تقدم في البحث حول مرسلة داوود بن فرقد ان الكلام فيها تارة من جهة السند واخرى من جهة الدلالة، اما من جهة السند فقد ادعي ان ارسالها منجبر بعمل المشهور وذكرنا ان ظاهر كلام السيد المرتضى وكلام المحقق الحلي عدم عمل المشهور بها وزاد على ذلك السيد الامام حيث قال ان الظاهر ان المشهور رفض العمل بالرواية، فان مقتضى روايته اي رواية داود بن فرقد ان اول الزوال بمقدار أربع ركعات مختص بالظهر ولازم ذلك ان المسافر اذا صلى ركعتين في اول الزوال وجب عليه الصبر الى مضي هذا الوقت وهو مقدار أربع ركعات او لو فرضنا ان المكلف صلى أربع ركعات صلاة سريعة ففرغ قبل المقدار المتعارف لأربع ركعات فيجب عليه الانتظار الى ان يمضي مقدار أربع ركعات وهذا مخالف لجميع الروايات المستدل بها للاشتراك والاختصاص ولفتوى المشهور من الفقهاء فان عباراتهم مشهورة ان الظهر تختص من اول الزوال بقدر ادائها وكذا بالنسبة الى العصر.

اذن فما هو ظاهر مرسلة داود بن فرقد مما لم يعمل به احد فالظاهر عدم علم الاصحاب برواية داوود فضلا عن استنادهم عليها بل من المحتمل ان القائلين بالاختصاص انما ذهبوا إليه لشبهة عقلية وهي امتناع كون أول الوقت مشتركا لأدائه إلى الأمر بالضدين وكذا أخر الوقت أو فهموا من الروايات المشتملة على ان هذه قبل هذه الاختصاص كما تقدم الكلام فيه".

”فتحصل مما ذكر ان رواية داود مرسلة غير مجبورة بعمل الأصحاب بل معرض عنها بحسب المشهور قديما وحديثا ولو فرض ان في ما رواه بنو فضال لا ينظر الى ما بعدهم من الإرسال أو ضعف السند وكانت بمنزلة رواية صحيحة لما أفاد أيضا بعد فرض اعراضهم عنها ولو قيل بمعارضة الطائفتين وقلنا بأن الشهرة من المرجحات فالترجيح لروايات الاشتراك“.

و?لامه تام لو ?ان المستفاد من مرسلة داوود ان وقت الظهر بمقدار أربع ركعات في تمام الاحوال وبلحاظ ما هو المتعارف في اداء الصلاة، فلو صلى المسافر ركعتين او صلى الحاضر صلاة سريعة فعليه الانتظار، ولكنها منصرفة عن ذلك فان ظاهرها ان مقدار أربع ركعات وقت للظهر بالعنوان الاولي واما لو كان مسافرا فوقته بحسب تكليفه، وبعبارة اخرى ان ظاهرها ان اول الزوال وقت للظهر بمقدار ما كلف به المكلف، فان كان مكلفا بأربع فوقت الظهر بمقدار أربع وان كان مكلفا باثنين فهو مكلف بمقدار اثنين.

كما ان ظاهرها ان الحد هو اداء كل مكلف على بحسبه فعندما يقول بمقدار أربع ركعات اي بالمقدار المحقق للأداء وهذا يختلف باختلاف المكلفين، فربما يكون مضطرا وربما يكون مختارا. ولأجل ذلك فلم يحرز اعراض المشهور عن العمل برواية داوود بن فرقد.

اما من جهة الدلالة فقد ناقش السيد الخوئي والإمام دلالتها على الوقت المختص اما كلام السيد الخوئي فقد افاد ص 107 ج 11 " ولو أغمضنا عن السند وفرضنا صحة هذه الرواية أعني رواية داود بن فرقد المتقدمة لم تكن معارضة بينها وبين غيرها من الروايات، بل يكون جميعها في مقام بيان اعتبار الترتيب بينهما، وذلك لأن الظاهر من مضي أربع ركعات «فان المقصود ليس هو المضي التقديري بل المضي الفعلي فكانه قال حتّى يصلي أربع ركعات» ليدخل وقت العصر ولو بضميمة تلك الروايات الدالة على أنه إذا زالت الشمس دخل الوقتان إلا أنّ هذه قبل هذه، هو مضي أربع ركعات بالفعل بأن‌ صلاها المكلف فعلًا، ليدخل وقت العصر على نحو الإطلاق ومن دون مزاحم «فكان هذه العبارة في مقام بيان الترتيب اي الوقت دخل للظهر والعصر جميعاً ولكن لابد لك من الظهر اولا» واشتراط وفرض وتقدير في قبال ما قبل مضي أربع ركعات بالفعل، فانّ دخول الوقت بالنسبة إلى العصر حينئذ إنما هو على تقدير وفرض مضي زمان يسع لأربع ركعات.

ومما يدل على ما ذكرناه: أنه لو كان المراد هو الزمان التقديري «يعني مضي مقدار أربع ركعات» فهذا الزمان غير منضبط في نفسه، فلا بد وأن يكون المراد منه أحد أمرين: إما الزمان المتعارف بالنسبة إلى الناس فإنهم مختلفون بين مقلّ ومكثر ومتوسط والأخير هو المتعارف أو يكون كل شخص بالنسبة إلى حاله، أما الأوّل: فمقتضاه عدم جواز الشروع في العصر لو فرغ عن الظهر قبل الوقت المتعارف، فلو فرضنا أنّ المتعارف لصلاة الظهر يستوعب ثمان دقائق من الوقت وقد صلى في أربع دقائق لم يجز له الدخول في العصر قبل مضي الثمان، بل لا بدّ له من الانتظار والصبر إلى أن يمضي أربع دقائق أُخر، وهذا كما ترى مخالف لصريح النصوص والفتاوى القاضية بجواز الشروع في العصر بمجرد الفراغ من الظهر حيثما اتفق.

وأما الثاني: فمع كونه خلاف الظاهر كما لا يخفى، بل بعيد في نفسه، إذ لازمه اختلاف وقت العصر باختلاف المصلين فيكون داخلًا بالنسبة إلى مكلف غير داخل بالنسبة إلى الآخر وهو كما ترى، بل ومنافٍ لقاعدة الاشتراك في الأحكام، أنه لا يخلو الحال إما أن يكون المراد هو المتعارف بالنسبة إلى حاله، فيرد عليه ما أوردناه على الأول آنفاً، وإما أن يكون المقصود هو الاقتصار على أقلّ الواجبات فهذا خلاف الظاهر جدّاً، فلا جرم يكون المراد هو الزمان الفعلي كما استظهرناه لا التقديري".

ويلاحظ على ما افيد:

اولا مخالفته لظاهر الرواية فان قوله اذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر فكيف نحمل فقد دخل وقت الظهر على وقت الاشتراك، ثم يقول فاذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فلو حملت هذه الفقرة على انه حتّى يصلي أربع ركعات في اخر الوقت فان هذا خلاف الظاهر جدا.

ثانيا: يمكن ان نلتزم بالفرض الاخير الذي افاده وهو ان المقصود من الوقت التقديري مقدار أربع ركعات من كل مصل بحسب حاله وظرفه فان قلت لازم ذلك اختلاف الوقت باختلاف المصلين نقول لا مانع من ذلك فقد التزم هو بذلك في وقت الفضيلة فقد ذكر ص 156 من ج 11 قال ”بل يمكن أن يقال: إن وقت الفضيلة ليس له مبدأ معيّن، بل العبرة بالفراغ عن النافلة كي يرتفع المانع المزاحم عن التعجيل، فان التحديد بالقدم والقدمين ونحوهما إنما هو لمكان السبحة ومراعاة للنافلة، ولذا يكون الأفضل في السفر ويوم الجمعة المبادرة أول الزوال حيث لا نافلة فيهما يزاحم الوقت. ويشهد له صريحاً: موثقة محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري: «لا القدم ولا القدمين، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة، وهي ثمان ركعات، فإن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت..» إلخ. وعليه فالأحسن أن يقال: إن مبدأ وقت الفضيلة هو الزوال، وبعد الفراغ عن النافلة فقد يكون بمقدار القدم، وقد يكون أقل، وقد يكون أكثر حسب اختلاف أمد النافلة قصراً وطولًا“.

فما قيل في وقت فضيلة الظهر فليقل به في وقت دخول العصر، وثالثا قد افاد ان هذا مناف لقاعدة الاشتراك في الاحكام، فان المقصود منها ان اختلاف الاصناف من كون هذا ذكرا وتلك انثى وكون هذا عالما وذلك جاهلا فاختلاف الاصناف ليس مانعا من فعلية التكليف لا ان يكون من قاعدة الاشتراك ان يكون وقت فعلية الحكم واحدا بالنسبة للجميع. فمثلا وجوب الحج على متى حصلت الاستطاعة وجب الحج، فلا يستفاد من الاطلاق اكثر من ان اختلاف الاصناف غير مانع لا الاتحاد في وقت فعلية الحكم.

المناقشة الثانية: ما ذكره السيد الإمام في كتاب الخلل قال " فيصح بحسب الذهن العرفي ان يقال إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر أي الوقت الذي يصح فيه الظهر بحسب الحالات العادية وحيث لا يصح العصر يصح ان يقال ان هذه القطعة وقت الظهر لا العصر، ومع لحاظ القطعة الأخيرة بحسب اختيار المكلف يصح ان يقال هذه القطعة وقت العصر أي الوقت الذي لا يصح فيه الا العصر واما القطعات المتوسطة فيصح الظهر فيها وكذا العصر لان تحصيل شرطه تحت قدرة المكلف.

فالمراد بحسب الواقع بيان الأوقات بحسب وقوع الصلاة فيها صحيحة فهل ترى انه لو سئل سائل عن الفقيه الذي يرى اشتراك الوقت من أوله الى آخره عن أنه هل يجوز صلاة العصر في أول الزوال فأجاب بأنه وقت الظهر لا العصر وكذا الحال في آخره لقال شيئا مناقضا لمبناه الذي هو الاشتراك أم يكون المراد ان أول الوقت وقت يصح الظهر فقط ولا يقع العصر فيه فالتعبير بأنه وقت الظهر أي الوقت الذي صح فيه الظهر فقط صحيح موافق لنظر العرف العام ولا يناقض مع القول بالاشتراك.

ويمكن الاستيناس بل الاستشهاد لذلك بان المراد لو كان تعيين الوقت مع قطع النظر عن الشرط الأخر أي الترتيب لعينه بأمر مضبوط لا بأمر موكول الى المكلف مع الاختلاف الكثير وعدم الانضباط بوجه ضرورة أن المكلفين مختلفون في الإتيان بالصلاة فمقدار ما يصلى فيه المصلى مختلف غاية الاختلاف حتى في الطبقة المتوسطة من المكلفين، ومع الحمل على ظاهر قوله مقدار ما يصلى المصلى لزم اختلاف أوقات الصلاة بحسب اختلاف المكلفين ويكون الوقت لكل مكلف غيره للآخر أو لكل صنف منهم وقت غير وقت صنف آخر وهو كما ترى ".

وقال ”وان شئت قلت ان أول الوقت لمكان عدم قدرة المكلف على الإتيان بالظهرين فيه وكذا على الإتيان بالعصر فيه لاشتراطه بالظهر يختص بالظهر لا بمعنى عدم اشتراك العصر معه في الوقت بل بمعنى عدم قدرته لإتيانه لا جمعا ولا منفردا“ وقال " وليس مرادنا ان الظاهر من رواية داود ارادة وقت الصحة أو وقت قدرة المكلف بل المراد ان الجمع بين الروايات يقتضي ذلك بحمل الظاهر على الأظهر هذا مضافا الى ان رواية داود غير صالحة لمعارضة الروايات المتقدمة التي فيها الصحيحة والمعتبرة.

ويلاحظ على ما افيد ان حمل الظاهر على الاظهر انما يتم في اطار الجمع العرفي والمقصود بذلك انه لو جمع الظاهر والاظهر في لسان واحد لرؤيا متلائمين واما اذا رؤيا متنافرين فليس مجرد كون احدهما اظهر مبررا لحمل الظاهر عليه، مثلاً لو ورد عندنا امر وترخيص كما لو قال في رواية صل الجمعة وقال في اخرى لا باس بالترك فان حمل الظاهر على الاظهر عرفي لأنّه لو جمعا في لسان واحد لرؤيا متناسبين وان الامر بالجمعة ندبي اما لو ورد امر ونهي كما لو قال في رواية صل الجمعة وقال في اخرى اياك ان تصلي الجمعة فهل يصح ان نقول بما ان النهي اظهر في عدم اللزوم على الامر فمقتضى ذلك حمل الامر عن الندب، فانه غير عرفي، وهنا في مرسلة ابن فرقد اذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضي مقدار ما يصلي أربع ركعات ثم قال حتّى يبقى من الشمس مقدار أربع ركعات. والرواية الاخرى اذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميع، لا يكون الجمع بينهما بما افاد من ان المراد من دخول وقت الظهر دخول وقت تصح فيه الظهر بحسب الحالات المعتادة جمع عرفيا.

والحمد لله رب العالمين