الأدلة الشرعية على حرمة الغناء

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا، ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [1] 

آمنا بالله صدق الله العليّ العظيم

حديثنا في هذا اليوم في عدّة نقاطٍ:

  • النقطة الأولى: في كيفيّة الوصول إلى الحكم الشّرعي.
  • والنقطة الثانية: في حرمة الغناء بالكتاب الكريم وسنة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم.
  • والنقطة الثالثة: في بيان ما يرتبط بحرمة الغناء.

نأتي إلى النقطة الأولى:

كثيرٌ من الإخوة يقولون: إذا لم يرد دليلٌ في القرآن الكريم على حكم معيّن فهذا الحكم لا يكون واجبَ التعبّد وواجبَ التديّن، مثلاً: لم يرد في القرآن الكريم دليلٌ واضحٌ مثلاً على حرمة شرب البيرة مثلاً، إذن حرمة شرب البيرة ليس حكمًا يجب التعبّد به والتديّن به كما يجب التعبّد مثلاً بوجوب الصّلاة ووجوب الصّيام، هذا ورد في القرآن، هذا لم يرد في القرآن، لم يرد في القرآن مثلاً أنّ القرآن أوجب الخمسَ في أرباح المكاسب، يعني: في أرباح التجارات، إذن وجوب الخمس في أرباح التجارات ليس حكمًا يجب التعبّد به والتديّن به وإلا لورد في القرآن الكريم، إذن معناه أنّ هذا الحكم ليس بالدّرجة الملزمة كوجوب الصّلاة أو وجوب الحجّ أو وجوب الصّيام مثلاً، من أمثلة ذلك: حرمة الغناء، كثيرٌ من الإخوة يقول: القرآن لم يحرّم العناءَ، ولو كانت حرمة الغناء واضحة وثابتة كحرمة شرب الخمر أو كحرمة الغيبة أو كحرمة عقوق الوالدين مثلاً لنصّ عليها القرآنُ الكريمُ، إذن بما أنّها لم تُذكَر في القرآن الكريم هذا دليلٌ على أنّ هذا الحكم ليس حكمًا ملزمًا لدرجةٍ يجب التعبّد به ويجب التديّن به، إذن هذه الشّبهة المطروحة خلاصتها أنّنا مع القرآن، إنْ ورد في القرآن دليلٌ واضحٌ على وجوب شيءٍ أو حرمة شيءٍ لابدّ لنا كمسلمين أن نتديّن ونتعبّد به، وأمّا إذا لم يرد دليلٌ واضحٌ في ذلك فمعنى ذلك أنّه ليس الحكم حكمًا بدرجةٍ ملزمة حتى يجب علينا التعبّد به أو التديّن به.

لابدّ لنا أن نجيب عن هذه الشّبهة التي تتكرّر في بعض الألسنة من قِبَلِ بعض الإخوة، هنا نجيب عن هذه الشّبهة بجوابين:

الجواب الأوّل:

القرآن الكريم كما تعرفون هو قسّم نفسه إلى:

1 - آياتٍ محكماتٍ.

2 - وآياتٍ متشابهاتٍ.

﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [2] .

1 - الآية المحكمة: هي الآية الواضحة، مثلاً: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [3]  هذه آية محكمة واضحة المعنى، مثلاً: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ [4]  آية محكمة، يعني: واضحة المعنى، وأمثال ذلك من الآيات الواضحة، ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [5]  آية محكمة.

2 - هناك قسمٌ من الآيات آيات مجملة غير واضحة المعنى لا يمكن لك أن تصل إليها إلا بالرّجوع إلى الخبير بالقرآن الكريم، مثلاً أضرب لك أمثلة:

1/ الآن مثلاً قوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [6]  ما هي اليد؟ اليد من هنا تقطع؟ أو اليد من هنا تقطع؟ أو اليد من هنا؟ أو اليد من هنا؟ من أين اليد؟! هل تستطيع أن تعيّن؟! تقول: اليد التي تقطع.. من دون الرّجوع إلى الخبراء، من دون الرّجوع إلى من هو خبيرٌ بالقرآن الكريم، هل تستطيع أنت أن تعيّن ما هي اليد التي يجب قطعها في حال الإصرار على السّرقة؟! هذه آية مجملة، آية متشابهة، غير واضحة المعنى.

2/ تأتي مثلاً إلى آيةٍ أخرى، مثلاً قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [7]  ما معنى النجس: النجاسة البدنيّة أو النجاسة الباطنيّة؟ هذا محلّ خلافٍ في فهم الآية، بعض الفقهاء يقول: المراد بالنجس النجاسة البدنيّة، يعني: المشركون بدنهم نجس، لا يدخلوا المجسد، لا يقربوا المسجد الحرام، بعض الفقهاء يقول: لا، ليس المقصود النجاسة البدنيّة، المقصود النجاسة الباطنيّة، يعني أنّ باطنهم يحمل فكرًا خبيثًا، يحمل فكرًا نجسًا، نجاسة للباطن وليس نجاسة للظاهر، هذه الآية تقول: المشركون يحملون أفكارًا خبيثة نجسة لا أنّ بدنهم نجسٌ، إذ ما الفرق بين بدن المشرك وبدن الإنسان المسلم يعني؟! البدن بدنٌ واحدٌ، إذن هل أنت تستطيع من دون الرّجوع إلى الخبير بالقرآن أن تعيّن أنّ النجاسة في الآية هي نجاسة بدنيّة أو نجاسة باطنيّة؟!

3/ مثلاً قوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [8]  ما هو الطعام؟ طعام أهل الكتاب حلٌ لكم، ما هو الطعام؟! هل الطعام هو الحبوب أو الطعام هو الذبيحة؟! يعني الآن مثلاً أنت تقرأ قوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ - عندما مدح القرآنُ أهلَ البيت - ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا - أيّ طعام أطعموه؟! أقراص شعير، شعير سمّاه طعامًا - وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [9]  فهل الطعام يراد به الحبوب «الشعير والقمح والحنطة» أو يراد بالطعام الذبيحة؟ إذا يراد بالطعام الذبيحة يعني إذن يجوز الأكل من اللحم الذي يقدّمه لك المسيحي أو يقدّمه لك اليهودي مثلاً، لا يشترط الإسلامُ فيمن يُسْتَخْدَمُ طعامُه، ما هو المراد من الطعام في الآية؟! أنت لا تستطيع أن تعيّن من دون الرّجوع إلى الخبير بالقرآن الكريم.

إذن بالنتيجة: قسمٌ كبيرٌ من الآيات القرآنيّة يحتاج إلى الرّجوع لمن هو خبيرٌ بالقرآن، ولا يمكن لك أن تقول: أنا مع القرآن فإذا عندي دليلٌ واضحٌ من القرآن كان بها وإنْ لم يكن هناك دليلٌ واضحٌ أنا لا أؤمن بهذا الحكم! هل أنت تفهم القرآن بجميع متشابهاته ومحكماته، بعامّه وخاصّه، بناسخه ومنسوخه، بمجمله ومتشابهه ومبيّنه؟! مجرّد الكلام لا يجدي شيئًا، لابدّ لك في الرّجوع في متشابهات القرآن إلى من هو الخبيرُ بالقرآن.

﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ من هم الرّاسخون في العلم؟

2» القرآن يقول: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [10]  من هم الذين أوتوا العلم «يعني: أوتوا العلم بالقرآن نفسه»؟

3» القرآن الكريم يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [11]  الذكر هو القرآن ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [12]  الذكر هو القرآن، أهل الذكر يعني أهل القرآن، أهل المعرفة بالقرآن، من هم أهل المعرفة بالقرآن؟

4» القرآن نفسه يفسّر بعضه بعضًا، في آية أخرى يبيّن لنا القرآن أنّ أهل القرآن والخبراء بالقرآن هم المطهرون: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [13]  «يمسّه» يعني: يصل إليه، المراد بالمسّ ليس اللمس، واحدٌ يقول: مسست المنبر! لا، المراد بالمسّ الوصول إلى الشيء، مثلاً الآن مثلاً أنا أقول لك: إياك أن تمسّ صديقي بسوءٍ، تمسّه يعني تلمسه؟! المراد بالمسّ هنا الوصول، يعني: إياك أن تُوصِلَ إليه سوءًا سواءً كان سوءًا بدنيًا أو سوءًا معنويًا، المراد بالمسّ هو الوصول وليس المراد بالمسّ هو اللمس، ولذلك تلاحظون الآية المباركة تتحدّث عن الوصول: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ أين هذا القرآن الكريم موجود؟ ﴿فِي كِتَابٍ نفس هذا القرآن موجودٌ في كتابٍ آخر ﴿فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ كتاب وعاء من أوعية العلم الإلهي، القرآن مودعٌ في ذلك الوعاء، ﴿لَا يَمَسُّهُ يعني: لا يصل إليه، لا يصل إلى ذلك الكتاب، كما يقول النحاة: الضّمير يعود إلى أقرب الموارد، ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ - يعني: لا يمسّ ذلك الكتاب، لا يصل إلى ذلك الكتاب - إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ جماعة هم الذين يصلون إلى الكتاب المكنون ويعرفون القرآن الكريم، من هم المطهرون؟ المطهرون هم الواصلون إلى كتاب الله، من هم المطهرون؟

5» آية قرآنيّة أخرى تفسّر لنا من هم المطهرون: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [14]  القرآن يفسّر بعضه بعضًا، إذن المطهرون الواصلون هم أهل البيت، من هم أهل البيت؟

6» نفس القرآن يبيّن لنا من هم أهل البيت في آية المباهلة: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [15]  بإجماع المسلمين، مستحيل واحد مسلم لا يؤمن بهذا المعنى، كلّ المسلمين شيعة وسنة في جميع كتب التفسير والحديث، كلهم أطبقوا على أنّ الآية لمّا نزلت أخرج رسولُ الله عليًا وفاطمة والحسن والحسين وقال: ”إذا دعوتُ فأمّنوا“، إذن أهل البيت هم هذا: ﴿أبناءنا أخرج الحسنَ والحسين، ﴿نساءنا أخرج فاطمة الزهراء، ﴿أنفسنا أخرج الإمام علي، لو كان غيرهم داخلاً لأخرج معهم واحدًا من غيرهم.

إذن فبالنتيجة: القرآن ”إنّما يعرف القرآن - كما ورد عن الإمام الصّادق عليه السّلام - إنّما يعرف القرآن من خوطب به“ لابدّ من الرّجوع في معرفة متشابهات القرآن لمن؟ لأهل البيت عليهم السّلام، هم العارفون بالقرآن الكريم، ولذلك مثلاً ورد في آية الخمس ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى [16]  في صحيحة علي بن مهزيار عن الإمام الجواد عليه السّلام قال: ”فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى فالغنيمة يغنمها المرءُ، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ منه ماله“ وهكذا عدّد الإمامُ مصاديقَ الغنيمة في الآية المباركة، ففسّر الغنيمة في الآية المباركة الإمام عليه السّلام بماذا؟ بالفائدة التي يستفيدها الإنسان لا خصوص غنيمة دار الحرب، هذا هو الجواب الأوّل.

الجواب الثاني:

كما ذكرنا في الأسبوع الماضي: الإسلام لم يُبَلغ كله في زمان النبي ، وهذا شيءٌ يحكم به العقلُ ويحكم به النقلُ، هل تتصوّر.. أنت الآن كمسلم مع قطع النظر عن أيّ دليل، الإسلام هذا الدّين الشّمولي الذي له أحكامٌ تفضيليّة في السّياسة، في الأسرة، في العلاقات الاجتماعيّة، في المعاملات، في العبادات.. في كلّ حقل من حقول الحياة للإسلام أحكامٌ تفصيليّة، هل تتصوّر أنّ هذا الدّين بكلّ أحكامه التفصيليّة 23 سنة كافية قي تبليغه؟! دينٌ بهذه الشّموليّة، دينٌ بهذا السّعة، هل يمكن تبليغه خلال 23 سنة؟! عمر الدّعوة كله 23 سنة، الرّسول بُعِث وعمره أربعون ومات وعمره ثلاثٌ وستون، 23 سنة هي مدّة الدّعوة الإسلاميّة كلها، 13 سنة منها كانت الدّعوة سريّة في مكّة المكرّمة، وكان الرّسول لا يبلغ الدّعوة جهارًا خوفًا، 10 سنوات منها يبلغ الدّعوة سرًا، ثلاث سنوات منها محاصرٌ في شعب أبي طالب، لأنّ الرّسول حُوصِرَ في شعب أبي طالب ثلاث سنوات، ثم خرج إلى المدينة، 10 سنوات في المدينة كلها حروب، كلها فتن، كلها مشاكل، ما هدأ الرّسولُ مدّة 10 سنوات، هل تتصوّر بعقلك أنت مع قطع النظر عن أيّ دليل تتصوّر بعقلك 23 سنة مملوءة بالحروب، مملوءة بالمشاكل، مملوءة بالقضايا والأزمات، كانت كافية لتبليغ الإسلام كله؟! غير معقول، دينٌ بهذه السّعة يُبَلغ خلال 23 سنة مع المشاكل، مع الحروب، مع الفتن، مع الأزمات العامّة، هذا غير كافي، إذن فحتمًا الرّسول أدرك أنّه لن يبلغ الدّينَ كله، إذن فحتمًا هيّأ إنسانًا عنده قدرة على الاستيعاب وعنده قدرة على التلقي وعنده قدرة على المعرفة، هيّأ الرّسولُ إنسانًا أودعه علومَ التشريع، وأودعه جميعَ الأحكام، وأهّله لِأنْ يكون هو المبلغ من بعده، ”أنا مدينة العلم وعليٌ بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها“ و”علمني رسولُ الله.. كان يُنِيمُنِي إلى جنبه، ويضمّني إلى صدره، ويُشِمُّنِي عَرْفه، ويُلقِمُنِي الطعامَ، ويرفع لي كلّ يوم علمًا من أخلاقه ويأمرني بالاقتداء به، وما رأى لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، علمني رسولُ الله ألفَ باب من العلم في كلّ بابٍ يُفْتَحُ لي ألفُ بابٍ“.

إذن مادام الرّسول قد أدرك أنّه لن يبلغ الأحكامَ كلها - العمر لا يستوعب، المدّة غير كافية - إذن النبي حتمًا هيّأ إنسانًا لكي يكون مستودعًا لجميع علوم التّشريع ولجميع علوم القرآن، هيّأه للتبليغ من بعده، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [17] ، ليس معنى ﴿أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يعني: بلغتُ الأحكامَ كلها، ﴿أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ بأنْ هيّأت لكم من يقوم بتبليغ الدّين ومن يقوم بتطبيقه ألا وهو علي بن أبي طالب، لذلك قال الرّسول هذه الآية وقرأ هذه الآية حينما أراد أن ينصّب عليًا للولاية: ”ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟“ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ”فمن كنتُ مولاه فهذا عليٌ مولاه، اللهم والي من والاه، وعادي من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله“ فاقترنت الآية مع تنصيب علي للخلافة ممّا يدلّ على أنّ المراد بإكمال الدّين وإتمام النعمة هو تنصيب المهيّأ والمؤهّل لتبليغ الدّين ولخلافة النبي .

ولذلك تجد في الرّوايات كما ذكرنا في الأسبوع الماضي عن الإمام الصّادق عليه السّلام روايات مستفيضة: ”إنّ عندنا الجامعة، أتدرون ما الجامعة؟“ ليست جامعة البترول! ”أتدرون ما الجامعة؟ كتابٌ بإملاء رسول الله وخط علي بن أبي طالب فيه جميع ما يحتاجه الناسُ من حلال وحرام إلى يوم القيامة حتى أرش الخدش“ كلّ التفاصيل موجودة فيه، وبلغها الأئمة سلام الله عليهم حسبَ الظروف المؤاتية وحسب الظروف المناسِبة.

إذن لا مجال لِأنْ يطرح شخصٌ هذه الفكرة: والله وجوب الخمس في أرباح التجارة لم يرد في القرآن!

طيّب ورد على لسان أهل البيت وأنت مكلفٌ بالرّجوع إلى أهل البيت ”إنّي مخلفٌ فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي“ أو لا، حرمة الغناء ما وردت في القرآن! لم يقل اللهُ: لا تغنوا! طيّب الله لم يقل: لا تغنوا، ولكنّ أهل البيت فسّروا القرآنَ بما يكشف عن حرمة الغناء.

النقطة الثانية: الاستدلال بالكتاب والسّنة على حرمة الغناء.

1/ صحيحة زيد الشحّام «أحد أصحاب الإمام الصّادق عليه السّلام» عن أبي عبد الله عليه السّلام قال في تفسير قوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [18]  قال عليه السّلام: ”قول الزور هو الغناء“ فسّر قولُ الزور على لسان الإمام بالغناء، ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ يعني: لا تتغنوا ولا تستمعوا.

2/ نأتي إلى الآية الثانية: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا... وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا صحيحة أبي الصّباح الكناني عن الإمام الصّادق عليه السّلام قال: ”الذين لا يشهدون الزور لا يحضرون مجالسَ اللهو والغناء“، فسّر الزور بماذا؟ بالغناء، مجالس الرّقص ومجالس الطرب ومجالس الغناء يحرم حضورها، حتى لو أنت لا تغني، يحرم الحضور في هذه المجالس ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ.

3/ الآية الثالثة: قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ [19] ، في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله الصّادق عليه السّلام قال: ”لهو الحديث هو الغناء“، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ يعني: يروّج الغناءَ، ترويج الغناء حرامٌ، الغناء حرامٌ، استماع الغناء حرامٌ، الحضور في مجلس الغناء حرامٌ، ترويج الغناء حرامٌ، بيع كاسيتات الغناء، بيع أسطوانات الغناء ترويجٌ للغناء، تأجير المحلات لمجالس الرّقص والغناء ترويجٌ للغناء، تأجير الصّالات والأماكن لإشاعة الغناء والرّقص ترويجٌ للغناء، كلّ ذلك يدخل تحت قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ.

إذن أهل البيت قالوا بأنّ القرآن حرّم الغناءَ وفسّروا هذه الآيات بحرمة الغناء ووظيفتنا الرّجوع لأهل البيت عليهم السّلام، فأهل البيت أدرى بما فيه، وأعظم من ذلك رواية علي الوشّاء عن الإمام الرّضا عليه السّلام قال: ”قد تكون للرّجل الجارية تلهيه - يعني: تغني له - قد تكون للرّجل الجارية تلهيه وما ثمنها إلا كثمن الكلب وثمن الكلب سحتٌ والسّحت في النار“، يعني: استئجار المغنيّة وإعطاء الأموال لهذه المغنيّة سحتٌ والسّحت في النار، ”وما ثمنها إلا كثمن الكلب وثمن الكلب سحتٌ والسّحت في النار“.

أيضًا رواية أخرى معتبرة عن الإمام الصّادق عليه السّلام: ”بيت الغناء لا تُؤْمَنُ فيه الفجيعة، ولا يدخله الملك، ولا تُسْتَجَابُ فيه الدّعوة“، ما معنى ”لا تُؤْمَن فيه الفجيعة“؟ يعني كارثة تصير؟! لا، المقصود بالفجيعة فجيعة الدّين، أنت تقرأ في الدّعاء: ”اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا“ مصيبة الدّين أشدّ من مصيبة المال أو في النفس أو في شيءٍ آخر، ”بيت الغناء لا تُؤْمَنُ فيه الفجيعة“ يعني: البيت المتعارَف فيه إيقاع الغناء ومجالس الغناء قد يجرّ - والعياذ بالله - إلى الجرائم الخلقيّة، إلى الجرائم الجنسيّة، هذا هو المقصود بالفجيعة.

”لا تُؤْمَنُ فيه الفجيعة، ولا يدخله الملك“، ”البيت الذي يُقْرَأ فيه القرآن تحضره الملائكة، وتهجره الشّياطين، ويضيء لأهل السّماء كما يضيء الكوكبُ الدّرّيّ لأهل الأرض“ وأمّا بيت الغناء فهو بيتٌ مظلمٌ تنفر منه الملائكة.

”ولا تستجاب فيه الدّعوة“ طبعًا إذا شاعت الموسيقى في البيت من الصّبح إلى الليل، وهذا التلفزيون مشغلٌ، والرّاديو مشغلٌ، والموسيقى تُعْزَف، وفلان المغني انتهى، وفلان المغني بدأ، والرّقصة الفلانيّة.. إذا شاعت في البيت ألون الموسيقى، ألوان الغناء، وتربّى الطفلُ على هذا الصّوت منذ صغره، كما رضع ثدي أمّه رضع حبّ الموسيقى ورضع حبّ الألحان الموسيقيّة، إذا اعتاد البيتُ على أجواء الموسيقى، إذا اعتاد البيتُ على أجواء الغناء من الطبيعي لا الأب لا الأم لا الأطفال يتحمّسون للدّعاء أو يتحمّسون لقراءة القرآن أو يتحمّسون للنافلة، من اعتاد على الموسيقى كيف يحصل عنده الإقبال على الدّعاء؟! وكيف يحصل عنده الإقبال على الجّو الرّوحي؟! وكيف يحصل عنده الإقبال على قراءة القرآن؟! أبدًا، ”ولا تستجاب فيه الدّعوة“.

لذلك ورد في معتبرة عنبسة عن الإمام الصّادق عليه السّلام: ”استماع اللهو والغناء يُنْبِتُ في القلب النفاقَ كما يُنْبِتُ الماءُ الزّرعَ“ ما معنى النفاق؟ يعني: الإنسان يصير ذو وجهين في التعامل مع الناس؟! لا، يصير ذو وجهين في التعامل مع الله تبارك وتعالى، يعني: هذا الإنسان المتعوّد على الموسيقى والمتعوّد على الألحان الغنائيّة هذا الإنسان دائمًا ينقاد إلى شهواته، دائمًا ينقاد إلى غرائزه، دائمًا ينقاد إلى نوازعه الشّيطانيّة، يُنْبَتُ فيه هذا الاعتياد أنّه يكون مُقْبِلاً على نفسه أكثر من إقباله على ربّه ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ [20]  ”يُنْبِتُ في القلب النفاقَ كما يُنْبِتُ الماءُ الزّرعَ“.

إذن فبالنتيجة: إذا كنا متعبّدين بأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم فهذه أقوالهم تفسّر لنا القرآن بحرمة الغناء.

نأتي إلى النقطة الثالثة والأخيرة:

هناك أمران يحتاجان إلى التنبيه:

الأمر الأوّل: مسألة القرآن الكريم.

هناك نهيٌ خاصٌ بالقرآن الكريم، في الرّواية المعتبرة عن الصّادق عليه السّلام: ”إياكم أنْ تُرَجِّعُوا القرآنَ ترجيعَ أهل الفسوق وأهل الكبائر، وسيأتي أقوامٌ من أمّتي يُرَجِّعُون القرآنَ ترجيعَ النوح والرّهبانيّة فليس لهم معي نصيبٌ“ روايات تنهى عن التغني بالقرآن، تنهى عن ترجيع القرآن ترجيعَ الغناء، أنا لا أحكم، أنا لا أشخّص، أنا عادة لا أدخل في التّشخيصات «هذا غناء أم ليس بغناء؟ هذا ماذا وذاك ماذا...» لكن أنا شخصيًا أرى قراءة عبد الباسط غناءً، هذا عبد الباسط هذا قراءته غناءٌ، يرجّع القرآنَ ترجيعَ الغناء، أنا كرأي شخصي، كتطبيق شخصي، أنت قد عندك تطبيقٌ آخر، عندك رأيٌ شخصيٌ آخر، ترى قراءة عبد الباسط ممتازة وتمام وكذا، أقصد أنّه ترجيعُ القرآن ترجيعَ الغناء محرّمٌ، ترجيع القرآن بترجيع الغناء محرّمٌ، ولذلك أفتى بعضُ الفقهاءِ بحرمة الغناء في القرآن الكريم بالخصوص، كما عليه فتوى السّيّد السّيستاني دام ظله.

الأمر الثاني الذي يحتاج إلى تنبيهٍ: غناء النساء في الأعراس.

غناء النساء في الأعراس لابدّ أن نلتفت إلى حدوده، كيف أفتى بعضُ الفقهاء.. طبعًا لا كلهم، السّيّد الخوئي قدّس سرّه أفتى أنّ غناء النساء في الأعراس جائزٌ، بينما السّيّد السّيستاني لا، عنده الغناء كله حرامٌ، لا في الأعراس ولا غير أعراس ولا نسوان ولا رجال، عنده الغناء كله حرامٌ بلا استثناءٍ، السّيّد الخوئي يفتي أنّ غناء النّساء في الأعراس جائزٌ، استندوا إلى موثقة أبي بصير عن الإمام الصّادق عليه السّلام سأله عن أجر المغنيّة، قال: ”أجر المغنيّة التي تزفّ العرائس لا بأس به، ليست بالتي يدخل عليها الرّجالُ“ هذه الرّواية ماذا استفاد منها السّيّدُ الخوئي؟ استفاد منها أنّ الغناء في وقت الزفاف فقط، لا أربع ليالي كلّ ليلةٍ «طق! طق!» طيّب ما صار هذا زفافًا، هل الزفاف أربعة ليالٍ؟! ”أجر المغنيّة التي تزفّ العرائس“ يعني: في ليلة الزفاف، في ليلة الزفاف المغنيّة التي تأتي تغني في ليلة الزفاف مقترن بزفاف العروس إلى زوجها هذا الزفاف جائزٌ، ”المغنيّة التي تزفّ العرائس“، هذا أوّلاً، هذا الحدّ الأوّل.

الحدّ الثاني: ”ليست بالتي يدخل عليها الرّجالُ“ يعني بشرط أن يكون غناؤها غير مقترن بمحرّم آخر، أمّا لو كان غناؤها في الميكروفون ويجلب أسماع الرّجال إلى سماع صوتها حرام، إذا كان صوتها بارزًا بحيث يجلب الرّجال إلى استماع صوتها يكون حرامًا، ”ليست بالتي يدخل عليها الرّجالُ“ يعني: حدّ الجواز ألا يكون غناؤها موجبًا لجلب الرّجال إلى استماعها.

عندنا رواية أخرى: موثقة عبد الأعلى مولى آل سام عن الصّادق عليه السّلام قال: إنّهم يقولون.. يقصد الإمام مالك، لأنّ الإمام مالك روى عن النبي هذه الرّواية أنّ النبي جوّز للنساء أن يغنوا، قال: إنّهم - ينقل إلى الإمام الصّادق كلامَ الإمام مالك - إنّهم يقولون إنّ رسول الله رخّص لهم في أن يقولوا: جئناكم جئناكم حيّونا نحيّيكم «غناءٌ كان تقوله النساء في زمان النبي » قال: ”كذبوا، ما رخّص رسولُ الله لهم ذلك ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا [21] “.

إذن فبالنتيجة: يستفيد السّيّد الخوئي أنّ الكلام - كلام الغناء أيضًا - إذا كان كلامًا بالباطل لا يجوز، المغنيّة، المرأة يجوز لها أن تغني ليلة الزفاف بالكلام الذي لا يشتمل على الباطل، أمّا إذا كان كلامًا باطلاً رسولُ الله ما رخّص لهم في قراءة كلام الباطل «كلمات الحبّ وكلمات الغزل والكلمات التي تهيّج الشّهوات وتهيّج الغرائز الشّيطانيّة حرامٌ»، رخّص للمرأة أن تغني بالكلام الحق «تذكر مدائح أهل البيت، تذكر فضائل أهل البيت، تذكر بعض الألفاظ العاميّة العادية مثلاً»، أمّا أنّها في غنائها تضمّ ما يشتمل على تهييج الغرائز وتهييج الشّهوات وتهييج النوازع الشّيطانيّة حرامٌ، لم يرخّص لهم رسولُ الله في ذلك.

الحد الثالث: يعتبر ألا يكون غناء المرأة مع أدوات اللهو، يعني: عندما نقول غناء النساء في ليلة الزفاف جائز فهل يعني أن يدخلوا الطبل ويدخلوا المعازف ويدخلوا بيانو ما أدري سكانو ما أدري ماذا؟! لا، هذا ليس جائزًا، نفس الغناء جائزٌ، أمّا ضمّ أدوات اللهو له فغير جائز.

هذا بالنسبة إلى النساء فقط لا بالنسبة إلى الرّجال، فهذه أمورٌ يجب أن تُعْلم، هذه أمورٌ يجب أن تُعْرَف، إنّما قصدتُ التنبيه عليها باعتبار أنّ هذه الفترة فترة أعراس، أيّ إنسان يرجو أن يكون زواجه مباركًا من قِبَلِ الله تبارك وتعالى، الزّواج الذي يحفّ بمظاهر البركة، بألوان البركة، زاوجٌ يُدْعَى الناسُ فيه إلى حسينيةٍ يُقْرَأ فيها مدائح أهل البيت، يُقْرَأ فيها مناقب أهل البيت، يُتْلَى فيها ذكر أهل البيت، تُتْلَى فيه الصّلوات على النبي وآله، زواجٌ تُدْفَع فيه الصّدقة على الفقراء، يُتَصَدَّقُ فيه على الفقراء، يُصَلى فيه ركعتين، يُقْرَأ فيه دعاء الزفاف، هذا الزواج الذي يكون محفوفًا بمظاهر البركة، هذا الزواج الذي يكون محفوفًا بمظاهر التوفيق الإلهي والمباركة الإلهيّة، أمّا الزواج الذي هو محفوفٌ بالغناء، محفوفٌ بالرّقص، ومحفوفٌ بالمعازف وخصوصًا هذه الألوان الجديدة للزواج أنّ الزواج يقام في الفنادق، أو يقام في الفنادق حتى في البحرين، يعني هذا الزواج بعيدٌ عن مجالات البركة، الزواج المبارك هو الزواج والزفاف في بيوت الله، زواج، حفل زفاف، إذا أردنا أن يكون حفل الزفاف حفلاً مباركًا تحضره الملائكة، تحتفّ به دعوات المؤمنين، يكون هذا الحفل في بيوت الله مقرونًا بذكر أهل البيت، مقرونًا بذكر النبي، مقرونًا بالصّلوات، مقرونًا بالمدائح، وأمّا عقد حفلات الزفاف في غير هذه المواطن محفوفًا بالغناء أو محفوفًا بالرّقص أو محفوفًا بالمعازف فهذا المحفل لا يكون محفلاً مباركًا، ”بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، ولا تحضره الملائكة، ولا تستجاب فيه الدّعوة“ فلابدّ أن نلتفت إلى أنّنا عندما نريد تغيير عاداتنا وتغيير تقاليدنا نغيّرها بالطريقة الأحسن لا بالطريقة الأسوأ، نغيّر عاداتنا وتقاليدنا إلى ما هو أحسن، إلى حفل مبارك، إلى حفل تحفّه الملائكة، إلى حفل تباركه الصّلوات على النبي وآله.

كما أرجو تنبيه أخواتنا، يعني: كلٌ منا ينبّه أخته، ينبّه زوجته، ينبّه أمّه، ينبّه أخواته، إلى أنّ الحفلات النسائيّة التي تُعْقَدُ في الصّالات أو في الحسينيات يجب أن تبتعد عن ألوان الحرام، يجب أن تبتعد عن اصطحاب أدوات العزف، يجب أن تبتعد عن ذكر الكلمات المثيرة للشّهوات والغرائز، يجب أن تبتعد عن ألوان المحرّمات، يجب أن تكون حفلات النساء كحفلات الرّجال، حفلات تحفها البركة لا تحفها الشّياطين، فيجب علينا أن ننبّه أخواتنا وبناتنا وزوجاتنا لذلك، ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [22] .

والحمدلله رب العالمين

[1]  الفرقان: 63 / 72.
[2]  آل عمران: 7.
[3]  الناس: 1 - 4.
[4]  النصر: 1 - 3.
[5]  الكافرون: 1 - 2.
[6]  المائدة: 38.
[7]  التوبة: 28.
[8]  المائدة: 5.
[9]  الإنسان: 7 - 9.
[10]  العنكبوت: 49.
[11]  النحل: 43.
[12]  الحجر: 9.
[13]  الواقعة: 77 - 79.
[14]  الأحزاب: 33.
[15]  آل عمران: 61.
[16]  الأنفال: 41.
[17]  المائدة: 3.
[18]  الحج: 30.
[19]  لقمان: 6.
[20]  الجاثية: 23.
[21]  الأنبياء: 16 - 17.
[22]  التحريم: 6.