القاعدة الشرعية: لا ضرر ولا ضرار

تحرير المحاضرات

بسم الله الرّحمن الرّحيم

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [1] 

صدق الله العليّ العظيم

حديثنا هذا اليوم عن قاعدةٍ فقهيّةٍ تسمّى عند الفقهاء بقاعدة لا ضرر ولا ضرار، ما أصل هذه القاعدة؟

المؤرّخون من الفريقين من الشّيعة ومن السّنة رووا هذه القصّة «قصّة قاعدة لا ضرر»، كتب الشّيعة: كتاب «الكافي» للشّيخ الكليني رحمه الله، وكتاب «من لا يحضره الفقيه» للشّيخ الصّدوق رحمه الله، وكذلك من كتب أهل السّنة رووا هذه الرّواية، «سنن أبي داوود» في الجزء الثالث، وكتاب «الفائق في غريب الحديث» للزمخشري في الجزء الثاني، وكتاب شرح «نهج البلاغة» لابن أبي الحديد في الجزء الرّابع، كلهم رووا هذه الرّواية: كان لسمرة بن جندب «سمرة بن جندب أحد الصّحابة» كان له عذقٌ في حائط نخل لرجلٍ من الأنصار، بستان تابع لأحد أهل المدينة، رجل من الأنصار، سمرة بن جندب له نخلة في هذا البستان، يعني: زرعها بنفسه فصارت له هذه النخلة، هذا الرّجل الأنصاري صاحب البستان بيته على باب البستان بحيث إذا أراد سمرة بن جندب أنْ يعبر إلى نخلته يمرّ ببيت الرّجل الأنصاري، يدخل البيت ومن البيت يعبر إلى نخلته الموجودة في البستان، طبعًا نحن عندنا حكمٌ فقهيٌ: «مَنْ ملك شيئًا ملك حقّ الاستطراق إليه»، إذا أنت تملك بيتًا في مكان تملك حقّ الطريق إلى البيت، إذا أنت تملك حاجة في مكان تملك حقّ الطريق إليها، من ملك شيئًا ملك حقّ الاستطراق إليه، سمرة بن جندب يملك نخلة في هذا البستان، زرعها بنفسه قبل أنْ تكون بستانًا لهذا الأنصاري، فهو يملك هذه النخلة، بما أنّه يملك النخلة يملك حقّ الاستطراق والعبور إليها، هو يملك حقّ العبور إلى نخلته، سمرة بن جندب تمسّك بحقّه، قال: بما أنّ لي حقّ الاستطراق فمن حقي أنْ أعبر، فدائمًا يأتي ويعبر على بيت الأنصاري ويدخل إلى نخلته وعذقه.

الأنصاري شكاه إلى النبي ، قال: يا رسول الله، إنّ سمرة يدخل علينا بلا إذن، إنّه يفجؤنا في حال لا نحبّ أنْ يفجأنا عليها «يعني: يدخل علينا مفاجأة وفي البيت أهلٌ يحتاجون إلى صيانة عرضهم، صيانة حجابهم» يدخل علينا بلا إذن فمره يا رسول الله أنْ يستأذن إذا أراد الدّخول، الرّسول استدعى سمرة بن جندب: ”يا سمرة، إنّ في البيت أهلاً، فإذا أردت أنْ تدخل إلى عذقك فاستأذن“، قال: كيف أستأذن في الدّخول على عذقي؟! «هو ملكي فكيف أنا أستأذن؟! يعني: يريد أنْ يتمسّك بالحكم الفقهي: من ملك شيئًا ملك حقّ الاستطراق إليه، أليس من حقي الطريق إلى ملكي؟! نعم من حقك، إذن لماذا أستأذن؟!» كيف أستأذن في الدّخول على عذقي؟! قال: ”يا سمرة، استأذن إذا أردت الدّخول“، قال: لا، لا أستأذن في الدّخول على عذقي، قال: ”يا سمرة أعطه هذا العذق - هذه النخلة أعطها الأنصاري - وأنا أشتري لك عذقًا مكانها في المدينة“، قال: لا أريد ذلك «هذا رطبه زين، ما يتحصّل مثل هذا»، قال: ”أعطها الأنصاري وأشتري لك بدلها عذقين“، قال: لا، قال: ”أشتري لك بدلها ثلاثة“، قال: لا «أنا لا أريد إلا هذا العذق»، قال: ”يا سمرة أعطه العذق وأنا أشتري لك عذقًا في الجنّة“ «ماذا تريد أعظم من هذا؟! إذا أنت تملك نخلة في الجنّة تملك حقّ الطريق إلى الجنّة على الأقل، على الأقل تملك حقّ العبور»، ”وأنا أشتري لك عذقًا في الجنّة“، قال: لا أريد «أنا أريد هذا العذق، لا أريد غيره»، قال: ”يا سمرة إنّك رجلٌ مضارٌ“ «يعني: معاند، مكابر، مصرٌ على إضرار الآخرين» ”إنّك رجلٌ مضارٌ“، ثم التفت للأنصاري صاحب البستان، قال: ”اذهب فاقلعها «اقلع هذه النخلة» وارمي بها في وجهه فإنّه لا ضرر ولا ضرار“.

هنا هذه القصّة وقعت مثارًا للبحث الطويل بين الفقهاء، كيف؟

هناك نقطتان حول البحث عن هذه الرّواية:

النقطة الأولى: نقطة عقائديّة.

يعني: هل كان فعل الرّسول صحيحًا؟ هل أنّ ما صنعه النبيُ كان صحيحًا؟ ألم يكن بإمكان النبي أنْ يسجنه مثلاً؟ ألم يكن بإمكان النبي مثلاً أنْ يجبره على قبول نخلةٍ أخرى مكان هذه النخلة؟ ألم يكن بإمكان النبي مثلاً أنْ يقسّم الوقت: وقتًا لدخول سمرة إلى عذقه ووقتًا لاستفادة الأنصاري من بستانه؟! لماذا النبي ارتكب هذا الحلّ «قال: ”اذهب واقلها وارمي بها في وجهه فإنّه لا ضرر ولا ضرار“»؟! لماذا؟! إذا كانت هناك إمكانيّة حلول أخرى، بإمكان النبي مثلاً أنْ يقسّم الوقت، يقول مثلاً: من العصر إلى المغرب هذا الوقت خاصٌ لمن؟ خاصٌ لسمرة يدخل إلى عذقه فلا تمانعوه، وباقي الوقت لك أيّها الأنصاري، أو بإمكان النبي أنْ يسجنه، يقول له: أنت لا تتأدّب فأنا أسجنك تأديبًا وعقوبة حتى تتأدب وتدّخل بإذن، أو بإمكان النبي مثلاً بما أنّه حاكمٌ ووليّ الأمر أنْ يجبر سمرة على قبول عذق آخر مكان هذا العذق، وقبول نخلةٍ أخرى مكان هذه النخلة، لماذا النبي ارتكب هذا الحل - وهو قطع النخلة من أساسها والرّمي بها في وجه سمرة بن جندب وتعليل هذا الأمر بأنّه لا ضرر ولا ضرار - لماذا؟! هذه نقطة عقائديّة.

النقطة الأخرى: ما معنى كلمة ”لا ضرر ولا ضرار“؟ هل مفاد هذه الكلمة النهي أو مفاد هذه الكلمة النفي؟ هذا بحثٌ فقهيٌ تترتّب عليه آثارٌ عمليّة بين الفقهاء.

نأتي الآن إلى النقطة الأولى:

من ناحية النقطة الأولى لابدّ أنْ نتكلم حول أمرين:

الأمر الأوّل: عصمة النبي في الموضوعات كعصمته في مقام التبليغ.

نحن نعتقد - أبناء الشّيعة الإماميّة - أنّ الرّسول معصومٌ في مقام التبليغ ومعصومٌ في الموضوعات الخارجيّة، كما أنّ النبي إذا بلغ حكمًا لا يخطئ ولا ينسى ولا يتردّد ولا يزيد ولا ينقص، يُبَلِغ الحكمَ كما بُلِغَ، ليس عنده أيّ خطأ في مقام التبليغ، ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [2] ، الرّسول يبلغ الأمرَ كما أنزل، لا يخطئ ولا يضلّ ولا ينسى في مقام التبليغ، هذا نحن نعتقد به، أيضًا نحن نعتقد أنّ الرّسول في الموضوعات الخارجيّة أيضًا معصومٌ، يعني: في علاقته مع زوجته معصومٌ، في علاقته مع جيرانه معصومٌ، في علاقته مع المجتمع معصومٌ، في تصرّفاته الخارجيّة التي لا ربط لها بالأحكام الشّرعيّة معصومٌ، معصومٌ في مقام التبليغ ومعصومٌ في تصرّفاته في الموضوعات الخارجيّة، لا يقع منه الخطأ، لماذا؟ بينما بعضُ المذاهب الإسلاميّة الأخرى تعتقد لا، أنّ النبي معصومٌ في التبليغ، إذا بلغ حكمًا لا يخطئ، أمّا لو تصرّف يمكن أنْ يخطئ على زوجته، يمكن أنْ يخطئ على ابنته، يمكن أنْ يخطئ على جاره، هو معصومٌ في مقام التبليغ أمّا أنّه ليس معصومًا في قضاياه الأخرى، نحن لا نفكّك بين الأمرين، نقول: معصومٌ مطلقًا، ما هو دليلنا على ذلك؟

أوّلاً: إطلاق الآيات القرآنيّة.

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [3]  الآية لم تفصّل بين الموضوعات وبين الأحكام، ما قالت الآية: «وما ينطق عن الهوى في التبليغ، أمّا في الموضوعات الخارجيّة فيمكن أنْ ينطق عن الهوى»! الآية لم تفصّل، ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا سواءً كان في مجال الأحكام أو كان في مجال الموضوعات الخارجيّة، الآية لم تفكّك بين الأمرين، الآية مطلقة.

ثانيًا: الدّليل الثاني - كما يذكر علماء الكلام - عدم عصمة النبي في الموضوعات الخارجيّة تستلزم نقضَ الغرض ونقض الغرض قبيحٌ لا يصدر من الحكيم تبارك وتعالى، ما معنى هذا الكلام؟

دعني أشرح لك هذا الكلام: الله حكيمٌ، هذا لاشكّ فيه بين المسلمين، الحكيم لابدّ أنْ يكون له هدفٌ من أفعاله، فعندما يبعث النبيَ رسولاً ونبيًا ما هو الهدف من بعثة النبي؟ الهدف من بعثة النبي وثوق الناس به والتفافهم حوله وانقيادهم لأوامره ولنواهيه، هذا هو الهدف، الهدف من بعثة النبي ارتباط الناس ووثوق الناس به، هذا هو الهدف، هذا الهدف لا يمكن أنْ يتحقّق إلا إذا كان الرّسول معصومًا في كلا الجهتين: معصومٌ في مقام التبليغ، أيضًا معصومٌ في مقام الموضوعات الخارجيّة، لماذا؟

لأنّه لو كان يخطئ في الموضوعات الخارجيّة لتطرّق الشكّ إليه حتى في تبليغ الأحكام، يعني: الرّجل الذي نراه يخطئ على زوجته، يخطئ على جيرانه، يخطئ على أصدقائه، يخطئ على من يتعلق به، ألا نشكّ حتى في تبليغه؟! لعلّه أخطأ، أليس كذلك؟! مادام يخطئ في تلك الجهة فمن الذي يضمن لنا أنّه لا يخطئ في مقام التبليغ؟! الشّكّ يتطرق إليه، لو قال الرّسول : أيّها الناسُ إذا بلغتكم حكمًا فأنا لا أخطئ أمّا إذا لم أبلغكم حكمًا - أشياء أخرى - يمكن أنْ أخطئ! هل يحصل للناس وثوقٌ؟! لا، يقول الناسُ: إذا رأيناه قد أخطأ على زوجته وأخطأ على جيرانه فنحن نحتمل أنّه قد أخطأ حتى في تبليغه للأحكام، من الذي يضمن لنا أنّه غير مخطئ في الجهة الثانية؟! مادام يتطرق الخطأ إليه في الجهة الأولى - وهو تصرّفه في الموضوعات الخارجيّة - فالشّكّ واحتمال الخطأ سيتطرق إليه في تبليغه للأحكام أيضًا، إذن لا يمكن للأمّة أنْ يحصل لها الوثوق التامّ بالنبي والانصياع الكامل لشخصيّة النبي إلا إذا علمت الناس بأنّ النبي معصومٌ من تمام الجهات، لا يخطئ في حكم ولا يخطئ في عمل ولا يخطئ في موضوع خارجي.

إذن الغرض من بعثة النبي والهدف من بعثة النبي يتوقّف على عصمته من تمام الجهات، فلو كان معصومًا في جهةٍ دون جهةٍ لضاع الهدفُ ولضاع الغرضُ من بعثته وتضييع الغرض قبيحٌ على الحكيم تعالى فمقتضى حكمته أنْ يصون غرضه وألا يضيّع غرضه وهدفه، مقتضى حكمته أنْ يعصم النبي عصمة مطلقة حتى يتحقق الهدفُ من بعثته ورسالته، إذن فبالنتيجة: معتقدنا أنّ النبي معصومٌ عصمة مطلقة.

الأمر الثاني:

لأنّه كان معصومًا نحن نحلل فعله، وإلا إذا ليس معصومًا نقول: هو غلطان وانتهت القضيّة! لا نحتاج إلى تحليل هذا الفعل، صح لو لا؟! مثلاً: نحن لماذا نحلل ثورة الحسين لو لم نعتقد بعصمته؟! لو لم نعتقد بأنّ الحسين إنسانٌ معصومٌ في الموضوعات الخارجيّة لماذا نقول: ما هي أهداف الثورة وما هي أسبابها؟! لو لم نعتقد بعصمته لما اضطررنا إلى تحليل ثورته، لو لم نعتقد بعصمة الإمام الحسن لما اضطررنا إلى تحليل صلحه، نقول: غلطان وانتهت القضيّة!

إذن اعتقادنا بعصمة النبي وعلي وحسن وحسين هذا الاعتقاد يبعثنا على فلسفة أفعالهم وتحليل تصرّفاتهم، لذلك نطرح هذا السؤال: ما هي فلسفة هذا التصرّف من النبي : اذهب أيها الأنصاري ”اذهب واقلعها وارمي بها في وجهه فإنّه لا ضرر ولا ضرار“ ما هي الفلسفة في هذا؟

التفتوا يا إخوان إلى أمرين:

الأمر الأوّل:

ما كان عصر النبي عصر دولةٍ وإنّما كان عصر دعوةٍ، النبي ما تهيّأت له الظروف لإقامة الدّولة التّامّة، ما كانت الظروف مهيّأة للنبي ، عصر النبي كان عصر ثورةٍ، ثورةٍ تغييريّةٍ، النبي ثار على الأوضاع الجاهليّة ثورة تغييريّة جذرّيّة، فكان عصره مليئًا بملامح الثورة وفصول الثورة، ولم يكن النبي متفرّغًا لتأسيس دولةٍ وإرساء دعائمها، وإنّما كان فراغه ونشاطه وجهده في الثورة التغييريّة الجذريّة التي بدأها النبيُ .

لذلك إذا تراجِع تاريخ النبي:

1/ النبي ما أعدّ سجونًا لعقاب مثلاً العصاة والمخطئين.

2/ النبي ما أعدّ نظام شرطةٍ، ما كان هناك نظام شرطةٍ في زمن النبي ، هذا النظام كان في زمن الإمام علي، في زمان الخليفة الثاني، ما كان في زمن النبي نظام شرطة أصلاً.

3/ النبي ما كان هناك بيت المال، كان الخراج والزكوات يجيء إليه فيفرّقه في الحال، ما كانت هناك خزانة اسمها بيت المال كما كان في زمن الإمام علي عليه السّلام.

4/ حتى الجّيش بالمعنى العسكري ما كان موجودًا في زمن النبي، النبي إذا صارت معركة يأمر بالنفر فقط، بمجرّد أنْ تصير المعركة أمر المنادي في المسجد أنْ ينادي: هبّوا للقتال، فيخرج المسلمون أفواجًا أفواجًا للجهاد وللقتال ليس إلا، ما كان هناك جيشٌ بالمعنى العسكري للدّولة.

إذن هذه الملامح: لا نظام شرطة، لا جيش، لا مثلاً سجون للعقوبة، لا بيت المال.. هذه الملامح كلّها تدلّ على أنّ النبي ما كان جهده منصبًا على إقامة الدّولة، بل كانت جهوده منصبة على حركته التغييريّة الجذريّة في المجتمع العربي وفي المجتمع الجاهلي آنذاك.

الأمر الثاني:

أيّ وسيلةٍ مع سمرة بن جندب ما كانت مجدية ونافعة، أيّة وسيلةٍ، يعني: أنت عندما تتأمّل في القصّة تجد أنّ الرّجل يملك نفسيّة مكابرة ومعاندة إلى آخر درجةٍ، وصلت للجنّة فلم يرضَ، وصل به للجنة فلم يُرِد الجنة! يعني: الرّجل كان يحمل نفسيّة معاندة للأمر المطروح عليه إلى حد أنّه لا تنفع معه أيّة وسيلةٍ أخرى.

1/ افترض أنّ النبي سجنه، لنفترض، هل كان السّجن منسجمًا مع ظروف النبي ؟! كانت ظروفه ظروف قتال، ظروف حروب، ظروف غزوات، كان يحتاج إلى عناصر الجهاد دائمًا، كان يحتاج إلى عناصر القتال دائمًا، ما كانت ظروفه منسجمة مع سجن أحدٍ من أجل التأديب ومن الرّدع أبدًا.

2/ لو كان النبيُ قد اختار إجباره، قال له: والله أنا أجبرك على اختيارك عذق آخر مكان هذا العذق، هذا الإجبار لن يؤدّي أيّ حل، لأنّه متى ما غاب النبيُ عن المدينة سيرجع سمرة إلى عمله مرّة أخرى، مادام مكابرًا ومعاندًا متى ما غاب النبيُ عن المدينة لأجل مثلاً سفر أو لأجل غزوةٍ رجع سمرة إلى عمله كما كان، إذن إجبار سمرة ما كان مجديًا في حلّ المشكلة إطلاقًا.

3/ تقسيم الوقت أيضًا ما رَضِيَ به، هو ما رَضِيَ أصلاً بأنْ يستأذن، لا مرّة ولا مرتين، هو ما رَضِيَ بأصل الاستئذان، هو يريد حقّه في الاستطراق مطلقًا.

إذن أدرك النبيُ أنّ وجود النخلة - نخلة سمرة بن جندب - وجود هذه النخلة أدرك النبي أنّه منشأ للإضرار بالمسلمين، ومنهم هذا الرّجل الأنصاري وأهله، ووليّ الأمر من وظيفته قطع مادّة الفساد ومادّة الإضرار بالمسلمين، وظيفة وليّ الأمر، وظيفة وليّ الأمر إذا رأى بابًا ينفتح منه الضّرر على المجتمع الإسلامي والفساد على المجتمع الإسلامي وظيفة وليّ الأمر أنْ يقطع هذه المادّة «مادّة الفساد» وأنْ يسدّ باب الإضرار بالوسائل الإجرائيّة الولايتيّة.

لذلك مثلاً تجد كثيرًا من الدّول تمنع مثلاً تهريب المخدّرات، بل أنّها تضع العقوبة عقوبة الإعدام على مهرّب المخدّرات ومن يقوم بتداول المخدّرات، لماذا؟ قطعًا لمادّة الفساد، قطعًا لمادّة الإضرار، تهريب المخدّرات وتناول المخدّرات بابٌ للإضرار والفتك بالمجتمع الإسلامي، لذلك وليّ الأمر من أجل قطع مادّة الفساد وسدّ باب الإضرار يضع العقوبة الشّاقة على ذلك لأجل قطع هذه المادّة، وظيفة وليّ الأمر قطع مادّة الفساد، النبي كان وليّ الأمر ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [4] ، كان وليّ الأمر هو النبي ، النبي رأى من وظيفته ألا حل ولا علاج ولا جدوى إلا في قطع هذه النخلة، ”اذهب واقلعها وارمي بها في وجهه فإنّه لا ضرر ولا ضرار“.

إذن فبالنتيجة: العمل الذي صنعه النبيُ كان هو الحلّ الأخير لقطع مادّة الفساد، قول النبي: ”اذهب واقلعها وارمي بها“ يقول الفقهاءُ: أمرٌ ولايتيٌ، ليس حكمًا شرعيًا، هذا أمرٌ ولايتيٌ صدر عنه بما هو وليّ الأمر، وصدر عنه من أجل قطع مادّة الفساد وسدّ باب الإضرار بالمسلمين، هذه هي النقطة الأولى.

النقطة الثانية:

الفقهاء يبحثون هنا كلمة «لا»، ”لا ضرر“ هذه «لا» ناهية أو «لا» نافية، ما معنى «لا» ناهية أو «لا» نافية؟

يعني: هل الرّسول في مقام تحريم الضّرر والإضرار أو أنّ الرّسول في مقام الإخبار عن التشريع الإسلامي وأنّ التشريع الإسلامي لا يوجد فيه حكمٌ ضرريٌ؟

عندنا مسلكان عند الفقهاء:

المسلك الأوّل: مسلك شيخ الشّريعة الأصفهاني.

هذا كان أحد أعلام الطائفة قبل سبعين سنة، ثمانين سنة، شيخ الشّريعة الأصفهاني وتبعه كثيرٌ من الفقهاء، شيخ الشّريعة الأصفهاني يقول: لا، هذه الرّواية تعني تشريعَ حكم، وهو حرمة الضّرر والإضرار، كأنّ الرّسول في قوله: ”لا ضرر ولا ضرار“ كأنّه يقول: أيّها الناس يحرم عليكم أنْ تضرّوا أنفسكم «هذا معنى ”لا ضرر“» ويحرم عليكم الإضرار بالآخرين «هذا معنى ”ولا ضرار“»، ”لا ضرر“ يعني: لا تضرّوا أنفسكم، ”لا ضرار“ يعني: لا تضرّوا الآخرين، هذا حكمٌ بحرمة الضّرر بالنفس وحرمة الإضرار بالغير، هذا معنى ”لا ضرر ولا ضرار“، «لا» ناهية مثل قوله تعالى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [5]  يعني: يحرم الفسوق ويحرم الجدال ويحرم الرفث بعد الإحرام، ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ، هذا مسلكٌ.

المسلك الثاني الذي ذهب إليه سيّدنا الخوئي قدّس سرّه وتبعه تلامذته، منهم: السّيّد السّيستاني، والشّيخ التبريزي، وغيرهم من تلامذته الذين تبعوه في هذا الرّأي: ”لا ضرر ولا ضرار“ ليس المراد بها تحريم الضّرر، لا، النبي قاعد يتحدّث عن طبيعة التشريع الإسلامي، النبي يقول للناس: إنّ الإسلام ليس فيه حكمٌ ضرريٌ، لم يشرّع الإسلامُ حكمًا ضرريًا، النبي ليس في مقام تحريم الضّرر والضّرار، لا، قاعد يقول: الإسلام لم يؤسّس ولم يشرّع حكمًا ضرريًا، ”لا ضرر ولا ضرار“ لم يشرّع الإسلامُ حكمًا يضرّ بالنفس، ولم يشرّع الإسلامُ حكمًا يضرّ بالغير، ”فإنّه لا ضرر ولا ضرار“ «لا» نافية وليست «لا» ناهية.

ما هو الفرق بين المسلكين في الآثار «في الفتاوى»؟

دعني أوضّح لك، مثلاً نأتي إلى الضّرر: أنا الآن مثلاً أدري أنّي إذا أسبح وأطلع أمام المكيّف أصاب بحمّى، أدري بهذا، أدري أنّني إذا سبحت وطلعت أمامَ المكيّف أصاب بحمّى، وهذه الحمّى قد تأخذ يومين، ثلاثة، أسبوع، ثم أنا أصير زينًا، بالمضاد وبالعلاج وبفلان أصير زينًا، إنّما أمرض لمدّة أسبوع مثلاً، هل يجوز لي ذلك شرعًا أو لا يجوز؟

على المسلك الأوّل: لا يجوز.

على المسلك الثاني: يجوز.

الذي يقول: كلمة ”لا ضرر“ تعني تحريم الضّرر، يعني: الحديث يقول: لا يجوز للإنسان أنْ يضرّ بنفسه سواءً كان ضررًا وقتيًا أو ضررًا دائمًا، مادام هو ضررٌ يحرم عليه أنْ يضرّ بنفسه، إذن يحرم عليك أنْ تستحمّ وتخرج إلى التبريد وأنت تعلم بأنّ ذلك يوجب ضررًا عليك، حرام، أنا الآن مثلاً أريد أنّه ألعب كرة مثلاً، وأدري اليوم إذا لعبت كرة أصاب بإجهادٍ يخلف لي مرضًا لمدّة أسبوع أو أسبوعين، لا يجوز لي ذلك.

كلّ عمل أعلم بأنّه يوجب لي ضررًا بدنيًا حرامٌ بناءً على المسلك الأوّل في تفسير هذه الرّواية، ومنه التدخين مثلاً، افترض الآن أنا أدري أنّ التدخين لا يقتلني، لا، لا يسبّب لي موتًا، لكنّ التدخين يوجب لي ضيقًا في التنفس، التدخين يوجب لي مثلاً سعالاً مثلاً مزمنًا، وهكذا، لا يوجب لي الموت، يوجب لي ضررًا من الأضرار، على المسلك الأوّل: حرامٌ شرب التدخين، لأنّه يوجب لك ضررًا، على المسلك الثاني: الرّواية لا تحرّم الضّرر حتى أنّه تقولون بحرمة التدخين لأنّه مضرٌ، ولا تحرّم الضّرر حتى تقولون بحرمة كلّ عمل يوجب ضررًا.

لذلك نرى أنّ السّيّد الخوئي يقول: لا يحرم أيّ ضرر، فقط يحرم إلقاء النفس إلى التهلكة، فقط، الضّرر ليس حرامًا، السّيّد الخوئي يقول: لا يحرم على الإنسان أنْ يضرّ نفسه، من قال لك؟! هو حرٌ إذا أراد أنْ يضرّ نفسه فليضرّ نفسه! ماذا نفعل له؟! يحرم عليه إلقاء النفس إلى التهلكة تبعًا للآية المباركة: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [6] ، يعني: لا يجوز للإنسان أنْ يعمل عملاً يوجب تلف النفس أو تلف العضو، إذا إنسان يعمل عملاً يسبّب له تلف البدن أو تلف عضو من أعضاء البدن أو يقضي على حياته لا يجوز، لأنّ هذا تهلكة، أمّا لو افترض أنّ الإنسان يدري، يقول لك: التدخين لن يقتلني أبدًا، لن يؤدّي بي التدخين إلى التهلكة، لكن سيضرّني فقط، لا يصل الضّرر إلى حدّ التهلكة، فقط ضررٌ، على رأي السّيّد الخوئي: ليس حرامًا، إذا كان التدخين فقط مضرًا ولا يؤدّي إلى التهلكة لا يكون شربه حرامًا، المحرّم إلقاء النفس إلى التهلكة، وليس المحرّم ارتباك الضّرر، ارتباك الضّرر ليس حرامًا.

لو إنسانٌ يريد مثلاً اليوم يدخل في لعبة ملاكمةٍ أو لعبة مصارعةٍ وهو يدري أنّه سيصاب مثلاً بلكمةٍ أو سيصاب مثلاً بركلةٍ توجب له كسرًا أو توجب له مثلاً رضًا، وهكذا.. إذا كان لا يعدّ تهلكة، لا يعدّ جناية على النفس ولا جناية على البدن ليس حرامًا، الحرام شيءٌ واحدٌ: أنْ تعمل عملاً يؤدّي إلى إهلاك النفس، إتلاف البدن، إتلاف عضو من أعضاء البدن بحيث يكون ظلمًا للنفس وجناية على النفس وتهلكة، فيدخل تحت قوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، أمّا الضّرر لا، أيّ ضرر لا يكون هذا أمرًا محرّمًا.

إذن الفرق بين المسلك الأوّل والمسلك الثاني في حرمة الضّرر وعدم حرمته، على المسلك الثاني - وهو مسلك السّيّد الخوئي - الذي يقول بأنّه معنى ”لا ضرر ولا ضرار“ يعني: الإسلام لم يشرّع حكمًا ضرريًا، أيّ حكم ضرري في الإسلام يرتفع، ليس عندنا حكمٌ ضرريٌ في الإسلام، مثلاً: لو كان الوضوء ضرريًا، أنت الآن تدري، جلست في الصّباح، أوّل الصّباح في أيام الشّتاء البارد، وأنت تدري إذا تتوضّأ الآن بالماء البارد سوف يسبّب لك الوضوءُ ضررًا، إذا إنسانٌ مثلاً أيام الشّتاء أو حتى أيام الصّيف توضّأ بالماء السّاخن جدًا، إذا شخّص الإنسانُ أنّ الوضوء يضرّه لبرودة الماء، لحرارة الماء، أو لأنّ عنده جروحًا، أو لأنّ عنده جبيرة، شخّص الإنسانُ أنّ الوضوء يضرّه، السّيّد الخوئي يقول: وظيفتك هنا الانتقال إلى التيمّم، فإنّ الإسلام لم يشرّع حكمًا ضرريًا، الوضوء هنا ضرريٌ، إذن وظيفتك الانتقال إلى بدله، تنتقل إلى التيمّم، ولو أنّك قلت: لا، أنا أتحمّل الضّرر! ماءٌ باردٌ، ماءٌ حارٌ، أنا أتحمّل الضّرر، كلها دقيقتين! لو توضّأتَ الوضوءَ الضّرري فوضوؤك فاسدٌ، لا يفيدك، حتى لو تحمّلت الضّررَ وتوضّأت، وظيفتك الانتقال إلى التيمّم، ففي حال كون الوضوء وضوءًا ضرريًا تنتقل وظيفة الإنسان إلى التيمّم لأنّ الإسلام لم يشرّع حكمًا ضرريًا ”لا ضرر ولا ضرار“، ولو كابر الإنسانُ وعمل الوظيفة الضّرريّة كانت وظيفة غير صحيحةٍ، بل يجب عليه الانتقال إلى الوظيفة الأخرى، لو توضّأت وضوءًا ضرريًا وصليت تُعِيدُ من جديد الصّلاة مع التيمّم، ووضوؤك الضّرري لا يجزي شيئًا.

إذن فبالنتيجة: هناك خلافٌ بين الفقهاء في مفاد هذه الرّواية، ”لا ضرر ولا ضرار“ هل مفادها النهي أو مفادها النفي، وتبعًا للاختلاف في التفسير تختلف الفتاوى وتختلف الآثار العمليّة.

بقيت نقطة في هذا الحديث - حديث ”لا ضرر ولا ضرار“ - أو قاعدة «لا ضرر ولا ضرار»:

اختلف الفقهاء في تفسير الضّرر: هل الضّرر بمعنى سوء الحال أو الضّرر بمعنى النقص؟

هذا له أثرٌ عمليٌ، أين الأثر العملي؟

يعني الآن مثلاً: حقوق الطبع، واحدٌ يطبع كتابًا ويقول: حقوق الطبع محفوظة للمؤلف، أو واحدٌ يؤسّس برنامجًا كمبيوتريًا ويقول: حقوق الطبع محفوظة لمن أنشأ البرنامج، أو واحدٌ مثلاً عنده مثلاً صفحة الإنترنت جاعل حقوق التصرّف فيها له دون غيره، هل هذه الحقوق حقوقٌ شرعيّة «حقوق الطبع، حقوق النشر، حقوق نسخ البرنامج الكمبيوتري..»؟ هل هذه الحقوق حقوقٌ شرعيّة أو ليست بحقوق شرعيّةٍ؟

تبعًا للاختلاف في تفسير الضّرر تختلف الفتاوى، الفقيه الذي يقول: الضّرر يعني سوء الحال، متى ما عملت عملاً يوجب سوءَ الحال بالنسبة إلى الطرف الآخر فعملك غير شرعي، ومنهم السّيّد الصّدر قدّس الله نفسه، السّيّد الصّدر كان يفسّر الضّرر في هذه الرّواية بسوء الحال، لذلك السّيّد الصّدر يقول: حقوق الطبع شرعيّة، حقوق التأليف شرعيّة، حقوق النسخ شرعيّة، جميع الحقوق العقلائيّة حقوقٌ شرعيّة، لِمَ؟

لأنّني مثلاً أنا المؤلف إذا قلتُ: حقوق الطبع محفوظة للمؤلف، وجئتَ أنت وضربتَ بكلامي عرض الحائط وطبعتَ كتابي، أنت صحيح ما أنقصتَ أموالي ولكنك أوجبتَ لي سوءَ الحال، الضّرر بمعنى سوء الحال، وأنت بمخالفتك لكلامي أسأتَ بحالي، فيكون عملك عملاً غير شرعي، مَنْ ينسخ البرنامج الكمبيوتري، مَنْ يتصرّف في صفحة الإنترنت، مَنْ يطبع الكتاب، كلّ مَنْ يخالف حقًا للتأليف أو الطبع أو النشر أو النسخ فقد عَمِلَ عملاً غير شرعي لأنّ المخالفة موجبة لسوء الحال للطرف الآخر، هذا رأيٌ.

الرّأي الثاني: رأي السّيّد الخوئي وبعض تلامذته ومنهم الشّيخ التبريزي حفظه الله.

يقول لك: لا، هذه الحقوق ليست شرعيّة أصلاً، لو إنْ شاء الله يكتب خمسين مرّة على كتابه: حقوق الطبع محفوظة للمؤلف، لا تعتد بكلامه، يحقّ لك أنْ تنشره وتطبعه كما تشاء، تنسخ الكمبيوتر أيضًا إذا أردت، تنسخ البرنامج الكمبيوتري أيضًا إذا شئت، هذا راجعٌ لك، تتصرّف في هذه الصّفحة أيضًا راجعٌ لك، ليست حقوقًا شرعيّة هذه، هذه ليست حقوقًا شرعيّة، لماذا؟

لأنّ الضّرر بمعنى النقص لا بمعنى سوء الحال، وأنت لم تُحْدِث نقصًا فلم تُحْدِث ضررًا.

دعني أبيّن لك بمثال أوضح: يعني الآن لو أنّ شخصًا فتح له دكانًا على باب الله، فاتح له دكان يبيع ملابس مثلاً، يبيع بضاعة، سلع معينة، فجأة قام تاجرٌ كبيرٌ فتح أمامه مؤسّسة، أمام دكانه فتح مؤسّسة تبيع نفس السّلع، تبيع نفس الملابس، تبيع نفس الأجهزة، فتح أمامه مؤسّسة عامرة كبيرة مليئة بالبضائع المتنوّعة، ماذا فعل هذا التاجر؟! كسر الأوّل، لو لا؟! خسّره، قطع عليه بضاعته، خلاص ما أحد يشتري من عنده، الناس تفضّل المؤسّسات المليئة بالبضائع المتنوّعة، لا تدخل إلى دكان صغير فيه بعض الأجهزة وبعض السّلع، طيّب هذا عمل الثاني حرامٌ أو حلالٌ؟! السّيّد الخوئي يقول: حلالٌ، هذا رزقه، رجلٌ فتح له مؤسّسة، ما المانع؟! لكنه كسر تجارة الأوّل، يقول لك: لكنّه ما أضرّه، الحرام هو الضّرر، هو ما أضرّه، لأنّ الضّرر بمعنى النقص، ما نقص شيءٌ من أمواله، هذا التاجر الأوّل صاحب الدّكان الأوّل لمّا فُتِحَتْ أمامه المؤسّسة ما نقص شيءٌ من سلعه، ولا نقص شيءٌ من أمواله، ولا نقص شيءٌ من أملاكه، فلم يحدث في حقّه ضررٌ، الضّرر بمعنى النقص، هو لم يحدث في أمواله أيّ نقص، إذن الثاني ما أضرّ به، لأنّه لم يُحْدِثْ نقصًا، والمحرّم هو الإضرار والضّرر لا كلّ شيءٍ، إذن فعمل الثاني عملٌ شرعيٌ وليس عملاً غير شرعي، أيضًا أنت إذا خالفت حقّ الطبع أو حقّ النشر أو حقّ التأليف أنت ما أنقصت من أموال المؤلف، ولا أنقصت من أموال صاحب البرنامج الكمبيوتري، فإذا أنت لم تُنْقِص من أمواله شيئًا إذن أنت لم تضر به، بما أنّك لم تضر به عملك شرعيٌ.

إذن فبالنتيجة: اختلاف الفقهاء في معنى الضّرر أوجب اختلافهم في بعض الأحكام، لذلك بعضهم يرى حقوق الطبع حقوقًا شرعية، بعضهم لا يرى حقوق الطبع حقوقَا شرعيّة، نسأل الله تعالى لنا ولكم أنْ يوفقنا لنفع الآخرين لا للإضرار بالآخرين، نسأل الله أنْ يجعلنا ممّن ينفعون الناسَ لوجه الله خالصًا لوجه الله تبارك وتعالى.

والحمدلله رب العالمين

 

[1]  الحشر: 7.
[2]  الحاقة: 44 - 46.
[3]  النجم: 4.
[4]  النساء: 59.
[5]  البقرة: 197.
[6]  البقرة: 195.