تفسير معنى النور في آية النور

تحرير المحاضرات

بسم الله الرّحمن الرّحيم

﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ

صدق الله العليّ العظيم

في حديثنا انطلاقًا من الآية المباركة نتحدّث عن أهمّيّة النور الإلهي، وذلك في ثلاثة محاور:

المحور الأوّل: ما هو المقصود بقوله عزّ وجلّ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؟

هناك معانٍ ثلاثة لهذه الفقرة المباركة:

المعنى الأوّل: أنّها إشارة إلى «مرتبة الإفاضة»، والمقصود بذلك أنّ النور في الآية المباركة كناية عن الوجود، فالله عزّ وجلّ عندما يقول: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فالمقصود به أنّ وجود السّماوات والأرض بجميع أجزائها وتفاصيلها وشؤونها إنّما هو منه تبارك وتعالى، فمن وجوده وجود السّماوات والأرض، هو نور السّماوات والأرض بمعنى استناد وجود السّماوات والأرض بجميع تفاصيلها إلى وجوده جلّ وعلا، ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ولذلك يقول الفلاسفة هنا: إنّ علاقة المخلوق بالخالق ليست على نحو الجزئيّة ولا على نحو التّرشّح وإنّما هو على نحو الفيض، ففرقٌ بين الجزئيّة وبين التّرشّح وبين الفيض:

1/ الجزئيّة: هذا مسجدٌ، كلّ حجرٍ من جدار المسجد فهو جزءٌ من المسجد، إذا أخرجته منه نقص منه جزءٌ، حتى لو كان جزءًا صغيرًا لا يُرْى إلا بالمجهر، إذا أخرجته نقص جزءٌ من المسجد، فعلاقة هذه الذرّة الترابيّة أو الصخريّة بالمسجد علاقة الجزء من الكلّ.

2/ علاقة التّرشّح: مثل ماذا؟ مثل علاقة قطرة من البحر، البحر يفيض الماءَ، كلّ قطرةٍ من قطرات مياه البحر علاقتها بالبحر علاقة التّرشّح لأنّها رشحة من هذا الفيض الكبير، أيضًا هذه القطرة إذا تؤخذ ينقص ماءُ البحر، وإنْ كنا لا نشعر بذلك هو ينقص، نقص منه هذا الجزء في هذا الآن.

3/ أمّا علاقة الفيض: التي هي ليست علاقة الجزئيّة ولا علاقة التّرشّح، علاقة الفيض، الفيض لا يمكن حيازته ولا انفصاله عن المفيض كي يوجب ذلك نقصًا في المفيض، أضرب لك مثالاً: علاقة نور الشّمس بالشّمس، الشّمس إذا أشرقت دخل ضوؤها في داخل الغرفة، إذا دخل النّورُ داخلَ الغرفة هذا النور علاقته بالشّمس ليست علاقة الجزئيّة وليست علاقة التّرشّح، لماذا؟

لأنّ هذا النّور الذي بالغرفة وإن أدركته بإحساسك وبصرك وإنْ أدركته بجميع حواسّك لكنّ هذا النّور لا يمكنك فصله عن مصدره، علاقة الجزء تستطيع أنْ تفصله عن الكلّ، تُخْرِج ذرّة ترابيّة من المسجد، علاقة التّرشّح تستطيع أنْ تفصله عن مصدره، تستطيع أنْ تفصلَ قطرة من مياه البحر عن البحر، تستقل، تصبح هذه القطرة غير البحر، أمّا علاقة الفيض فلا يمكن فصله عن مصدره أبدًا، هذا النّور الذي يدخل غرفتك كيف تستطيع أنْ تفصله عن الشّمس؟! لا يمكن، مهما حاولت أنْ تفصل هذا النّور الذي في غرفتك عن الشّمس فإنّه لا يمكن انفصاله ولو سددتَ جميع منافذ الغرفة ما انتهى النّور، لا تستطيع أنت أنْ تفصله عن مصدره، علاقة الضّوء بالشّمس علاقة الفيض لأنّه عين التعلق، عين الارتباط، عين الاستمداد بالمفيض ألا وهو الشّمس، هذا الضّوء هو مددٌ محضٌ، ربط محضٌ بالشّمس، لذلك لا يمكن فصله عنها أبدًا.

إذن الكلام الكلام، علاقة المخلوق بالله، أنا خلقني اللهُ، ما معنى خلقني؟ يعني أنا جزء منه؟! لو كنتُ جزءًا منه للزم من انفصالي نقصه، أنا رشحة منه؟! لا، لو كنتُ رشحة للزم من انفصالي عنه نقصه، إذن أنا ما هي علاقتي به؟ أنا علاقة الفيض بالمفيض، علاقتي بربّي علاقة الفيض بالمفيض، علاقة المدد بمصدر النبع، ولو انفصلتُ لحظة لانتهيتُ، لا يمكن أصلاً انفصالي، أنا عين المدد، أنا عين الرّبط، فلا يمكن انفصالي وانفكاكي عنه لحظة، أصلاً لا يمكن، هذا يسمّى بعلاقة الفيض، لذلك لأنّ الوجود بأسره لا يمكن انفصاله عنه آنًا ما لذلك قال تبارك وتعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فهي مدده وفيضه لا ينفصل عنه أبدًا.

المعنى الثاني: أنّ الفقرة الشّريفة إشارة إلى «مرتبة الظهور»، ما معنى مرتبة الظهور؟

الله تبارك وتعالى لماذا شبّه نفسَه بالنور؟ لأنّ الفلاسفة يقولون: النور هو الظاهر بذاته المظهِر لغيره، ظهور شيء بشيءٍ فرع ظهور المظهِر لأنّ فاقد الشّيء لا يعطيه، هذا المسجد مثلاً مظلمٌ في الليل، لا يمكن أنْ يظهر هذا المسجد إلا بالنور، فالنور مظهِرٌ للمسجد، فلابدّ أنْ يكون النورُ أيضًا ظاهرًا، إذ لو لم يكن النورُ ظاهرًا في حدّ ذاته لما كان مظهِرًا لغيره؛ لأنّ فاقد الشّيء لا يعطيه، لذلك قالوا: النور ظاهرٌ بذاته مظهِرٌ لغيره.

هنا الله تبارك وتعالى شبّه نفسَه بالنور، قال: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يشير إلى ماذا؟ يشير إلى مرتبة الظهور، ما هو معنى مرتبة الظهور؟

مرتبة الظهور بعد مرتبة الإفاضة، بعد أنْ أفاض الوجودَ كله وخلق الوجودَ كله فإنّه جلّ وعلا ظهر لكلّ شيءٍ في الوجود وتجلى لكلّ شيءٍ في الوجود فلا يوجد شيءٌ في الوجود لا يعرفه ولا يوجد شيءٌ في الوجود لم يصل إليه، خلق الوجودَ وعرّف نفسَه للوجود، خلق الوجودَ وتجلى بنفسه للوجود، فهو ظاهرٌ بنفسه ومظهِرٌ لغيره، هو ظاهرٌ وأظهر هذا الوجودَ، فهو ظاهرٌ لكلّ ذرّةٍ في الوجود، وأنت تقرأ الآيات القرآنيّة: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ لو كان لا يعرفه كيف يسبّح بحمده؟! ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، كلّ شيءٍ يعرفه ولو لم يعرفه لم يسبّح بحمده، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ كلّ شيءٍ يسبّح له، كلّ شيءٍ يعرفه، تعرّف لكلّ شيءٍ فما خفي على شيءٍ، وما خفي عليه شيءٌ، فهو ظاهرٌ ومتجلٍ في كلّ شيءٍ جلّ وعلا.

ولذلك يقول الحسينُ عليه السّلام في دعائه: ”متى غبت؟!“ أنت ظاهرٌ في كلّ شيءٍ، أنت واضحٌ لكلّ شيءٍ، ”متى غبتَ حتى تحتاج إلى دليلٍ يدلّ عليك؟! ومتى كانت الآثارُ هي التي توصل إليك؟!“ أنت تجليتَ بنفسك لكلّ شيءٍ وظهرتَ بنفسك لكلّ شيءٍ فما خفيتَ على شيءٍ، ”متى غبتَ حتى تحتاج إلى دليلٍ يدلّ عليك؟!“، وهنا كلمة عن الإمام علي عليه السّلام دققوا في معناها: ”يا باطنًا في ظهوره، يا ظاهرًا في بطونه“ كيف يعني «ظاهر في بطونه باطن في ظهوره»؟

إشارة إلى هذه المرتبة: مرتبة التجلي والظهور، ”يا باطنًا في ظهوره، يا ظاهرًا في بطونه“، عندنا محدودٌ ولامحدود، المحدوديّة منشأ للإحاطة وعدم الإحاطة، كيف؟ واللامحدوديّة بخلاف ذلك، يعني: كلٌ منهما جامعٌ بين الضّدين، أضرب لك مثالاً: أنا محدودٌ، لي طولٌ وعرضٌ وعمقٌ، كتلة تشغل حيزًا من الفراغ، فأنا محدودٌ، لأنّي محدودٌ تستطيع أنت أنْ تحيط بي، بصرك يحيط بي، إحساسك يحيط بي، إذا اجتمعتَ معي في مكانٍ أحطتَ بي إحاطة تامّة، لأنّي محدودٌ فأنا محاط، ولأنّي محدودٌ مَنْ هو خارج هذا المكان لا يستطيع أنْ يحيط بي، لأنّي محدودٌ بالمكان، لأنّي محدودٌ بهذا المكان إذا كان هناك شخصٌ خارج هذا المكان لا يمكنه أنْ يحيط بي، ما كان محدودًا بالمكان لا يمكن أنْ يحيط به من كان في غير ذلك المكان، فأنا المحدود محاط وغير محاطٍ، محاط بمن كان معي في مكانٍ واحدٍ، غير محاط بمن لم يكن معي، إذن المحدوديّة جامعة للضدّين، هو محاط وهو غير محاط.

نأتي إلى اللامحدود: الله جلّ وعلا لامحدود، لا حدّ لأوّله، لا حدّ لآخره، لا حدّ لوجوده، لا حدّ لحياته، لا حدّ لعلمه، لا حدّ لقدرته، لا حدّ لقيوميّته... اللامحدوديّة في كلّ شيءٍ، بما أنّه لامحدود فهل يمكن أنْ يحيط به المحدودُ؟! أنا محدودٌ فكيف أحيط باللامحدود؟! لا يمكن لبشرٍ أصلاً لا نبي ولا رسول ولا ملك ولا مخلوق، كل مخلوق فهو محدودٌ، والمحدود لا يحيط باللامحدود، غير معقول أصلاً، إذن بما أنّه لامحدود فلا يمكن الإحاطة به، وبما أنّه لامحدود فلا يخفى على محدودٍ، لأنّه لامحدود، أيّ واحدٍ تفترضه محدودًا فهو يشاهد اللامحدود، إذ لو لم يشاهد اللامحدود لكان اللامحدود محدودًا، وهذا خلف كونه لامحدود، أنت الآن مثلاً تقول: الله تجلى للبشر ولم يتجلَ للجنّ، إذن صار محدودًا، حدّدناه بحدٍ وهو ألا يتجلى للجنّ، تقول: الله تجلى للوجود المادّي ولم يتجلَ للوجود غير مادّي، إذن حدّدناه، وهذا خلف كونه لامحدودًا، فإذا قلنا بأنّه لامحدود فمقتضى كونه لامحدود أنّه تجلى لكلّ محدودٍ، وإلا لصار محدودًا، فهو محيط بالمحدود، والمحدود غير محيطٍ به.

إذن ”يا باطنًا في ظهوره“ في الوقت الذي هو ظاهرٌ لكلّ شيءٍ في نفس الوقت هو باطنٌ؛ لأنّ المحدود لا يحيط باللامحدود، ”يا باطنًا في ظهوره، يا ظاهرًا في بطونه“.

المعنى الثالث للآية المباركة: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ هذا التّعبير إشارة إلى «مرتبة التّوحيد».

مرتبة الإفاضة، مرتبة الظهور، مرتبة التّوحيد، نأتي إلى مرتبة التّوحيد، التفت لي جيّدًا، أنت الحمد لله الآن جوعان، والجائع يركّز على المعلومات أكثر من الشّبعان! مرتبة التّوحيد ماذا تعني؟ لاحظ الآن: نحن عندما نلقي نظرة على الكون كله نرى الكونَ كثراتٍ، ما معنى كثرات؟

يعني: أشياء كثيرة، شمس وقمر ونجوم وكواكب وإنسان وحيوان ونبات، والإنسان أنواع والنبات أنواع، وهكذا... فعلاً هذه الكثرات فعلاً واقعيّة؟! فعلاً هذه الكثرات واقعيّة؟! فعلاً أم لا؟! نحن نرى كثرات لكن هل هذه الكثرة لها واقع أم لا، مجرّد نحن نتصوّرها، ليس لها واقع؟! القرآن الكريم يقول: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، هذه التي تراها كثرة هي ليست كثرة، أنت تراها كثرة لقصورٍ فيك، وإلا هي ليست كثرة، وهذا ما يعبّر عنه الفلاسفة: الكثرة في عين الوحدة والوحدة في عين الكثرة، أنت تراها كثرة لكنّها واحدة، ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ هذا الكون كله واحدٌ، هذا الشتات الذي أنت تراه كله وتظنّه أنّه كثيرٌ، هذا الكثير كله منتظم تحت خيطٍ واحدٍ، تحت مبدأ واحدٍ، وهو مبدأ الوجود، نحن نفترق في أشياء عدميّةٍ لكن في الوجود لا نفترق، الوجود واحدٌ، نفترق في أشياء عدميّة، العدم هو الذي يفرّقنا، النّقص هو الذي يفرّقنا، وإلا إذا جئنا للوجود ومحض الوجود فنحن نورٌ واحدٌ، وجودٌ واحدٌ.

دعني أشرح لك هذا المعنى: يعني الآن مثلاً ما هو الفرق بين نور المصباح ونور القمر ونور الشّمس؟! ثلاثة أنوار، نور المصباح، نور القمر، نور الشّمس، أنت عندما تراها تراها كثيرةً، تقول: هذه أنوار، هذا نور وهذا وهذا نور، هذه أنوار، هي في الواقع شيءٌ واحدٌ، الفرق ما بينها بأشياء عدميّة، نور المصباح يفقد مرتبة موجودة في نور القمر، فلأنه يفقد مرتبة موجودة في نور القمر صار غير نور القمر، نور القمر يفقد مرتبة موجودة في الشّمس لذلك صار غير نور الشّمس، فالذي أوجب المغايرة بين نور المصباح، نور القمر، نور الشّمس، أنّ كلّ واحدٍ يفقد ما في كلّ الثّاني.

فالفرق جاء من الفقدان، جاء من أمر عدمي، هذه الأمور العدميّة هي التي أوجبت الكثرة، الحجر فاقدٌ لما في النبات، ولهذا صار حجرًا، النبات فاقدٌ لما في الحيوان، ولهذا صار نباتًا، الحيوان فاقدٌ لما في الإنسان، ولهذا صار حيوانًا، كلّ مرتبةٍ تفقد ما في المرتبة التي أعلى منها، فالتّمايز بين المراتب إنّما هو بالفقدان، بالحدّ العدمي، وإلا هذه المراتب كلها - نبات وحيوان وإنسان - تشترك في واحدٍ يسمّى الحياة، كلها حياة، هذا الكون كله الذي تراه مشتتًا وكثيرًا هو كلّه يشترك في مبدأ واحدٍ اسمه الوجود، كله في خيطٍ واحدٍ، أنت تراه كثرة لكنّ الله يراه واحدًا، كله وجودٌ واحدٌ هذا، وهذا الوجود الواحد مدده تبارك وتعالى، بما أنّ الوجود كله واحدٌ وليس كثيرًا إذن لا محالة مصدر هذا الوجود الواحد واحدٌ، هذا الذي أنت تراه كثيرًا هو واحدٌ، إذن مصدر هذا الوجود الواحد كله واحدٌ.

فواعجبًا كيف يعصى الإلهُ

وفي   كلّ   شيءٍ  له  iiآية

 
أم   كيف   يجحده  iiالجاحدُ

تدلّ     على    أنّه    واحدُ

يعني: جميع الكثرات إذا تتأمّل تراها واحدًا، وهذه الوحدة تدلّ على وحدة المصدر، ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يعني: جمع السّماوات والأرض في مبدأ واحدٍ ووجودٍ واحدٍ يدلّ على وحدانيّته، ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ، هذه المعاني للآية المباركة ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.

المحور الثاني:

لماذا قال: ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ؟ فرقٌ بين النّور العامّ... أولاً قال: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثم خصّص، قال: ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ، أذكر مطلبًا لعلماء العرفان، مطلب لطيف عليك أنْ تفهمه، مرتبط بالقرآن الكريم، علماء العرفان يقولون: تارة القرآن الكريم.. كيف القرآن الكريم يتحدّث عن البشر؟

يتحدّث عنهم بصيغ مختلفة، كلّ صيغةٍ لها معنى، ترمز إلى معنى، القرآن الكريم إذا أراد أنْ يتحدّث عن البشر بصفة عامّةٍ عبّر عنهم بكلمة «الناس»: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، لأنّه يقصد البشر عامّة، وأمّا إذا نظر إلى فئةٍ خاصّةٍ، ما هي هذه الفئة؟ الفئة التي أظهرت العبوديّة لله، هناك فئة أظهرت العبوديّة لله، أظهرت المملوكيّة لله، أظهرت الإنابة إلى الله، إذا تحدّث عن هذه الفئة يعبّر عنها بالعباد، لا يعبّر بالناس، لأنّ هذه فئة تعلقت به، فئة عرفته، فئة أظهرت له العبوديّة، يعبّر عنها بالعباد، هؤلاء العباد كيف يعبّر عنهم؟

لاحظوا هذه النكات العرفانيّة اللطيفة: تارة يضيفهم إلى اسم الجلالة، يقول: عباد الله، ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا، تارةً يضيفها إلى اسم الرّحمة ﴿عباد الرّحمن، تارةً يضيفها إلى الضّمير، والضّمير أيضًا يختلف، تارةً ضمير الجمع ﴿عبادنا، تارةً ضمير المفرد ﴿عبادي، تارةً ضمير الغيبة ﴿عباده ﴿عبده، هذه كلها ما بينها فرق، ليس تفننًا في التّعبير، ليس القرآن يتفنّن، تارةً يفعل هكذا وتارةً يفعل كذا، لكلّ إضافةٍ معنىً، لكلّ إضافةٍ نكت، لكلّ إضافةٍ رمزٌ:

1/ عندما يضيف العباد إلى الله - يقول: ﴿عباد الله - فهو يقصد مرتبة الخلوص، العبد الذي أخلص لله ظاهرًا وباطنًا وجعل أعماله كلها في الله ومن الله وقال: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا العبد المخلِص الخالِص نسمّيه عبدَ الله، ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ هذه إشارة إلى مرتبة الخلوص.

2/ إذا أراد أنْ يعبّر عن العبد الذي هو مظهر الرّحمة، هناك عباد مظهر نقمة وهناك عباد مظهر رحمة، هنالك شخصٌ طاغية ظالمٌ، مثل القذافي، ومثل علي صالح، هناك واحد جبّارٌ ظالمٌ، وهذا ليس فقط في الحكّام، حتى في الناس العاديّين، ترى شخصًا أمام الناس لا يصوي ولكن داخل البيت جبّارٌ على أسرته، على زوجته وعلى أولاده! ليس لديه بسمة، ليس لديه بشاشة، ليس لديه أنسٌ، جبّارٌ، هذا مظهر نقمةٍ، ورد عن النبي محمّدٍ : ”خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله“، فهناك من هو مظهر نقمةٍ وهناك من هو مظهر رحمةٍ، تراه إنسانًا صاحبَ لينٍ، صاحبَ عطفٍ، صاحبَ حنانٍ، صاحبَ رحمةٍ، هؤلاء الذين هم مظهر الرّحمة يعبّر عنهم القرآنُ بأنّهم عباد الرّحمن، ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا لأنّهم مظهر الرّحمة أضافهم لكلمة الرّحمن.

3/ وأحيانًا يضيف كلمة عباد إلى نفسه جلّ وعلا، فإذا أضافها إلى ضميره تارةً يضيفها إلى ضمير المتكلم، يقول: ﴿عبادي هذه الإضافة ما هي؟ هذه تسمّى عند العرفانيّين: إضافة القبول والإنابة، يعني: إذا قبلني الله فأنا من عباده، ﴿عبادي مثلما تقول: أولادي، هذه الإضافة فيها حنانٌ، فيها رأفة منه تبارك وتعالى، الإضافة إلى ضمير المتكلم فيها حنانٌ ورأفة، فهي إفاضة القبول والامتنان، ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ أنتم عبادي، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ إضافة الحنان.

4/ وأمّا إذا أضاف إلى ضمير الغيبة، قال: ﴿عباده ﴿عبده هذه يقولون: إضافة المعرفة، الشّخص الذي يعرف الله حقّ المعرفة يعبّر عنه: عبده، عباده، ولذلك يقول: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ عبده هو من وصل إليه وعرفه حقّ المعرفة يعبّر عنه بعبده، ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ لأنّهم في مقام المعرفة، ﴿كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا وهكذا...

إذن الإضافة إلى ضمير الغيبة هي تدلّ على المعرفة «عبده»، هنا أيضًا يقول: نوره، هذه الإضافة تدلّ على إضافة المعرفة، ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ هذا نورٌ خاصٌ - نور المعرفة - لا يهتدي إليه كلّ أحدٍ، ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ نوره، ما هو معنى نور المعرفة؟

هناك عوالم أربعة: عالم الأفعال، وهو هذا عالم الوجود، هذا الوجود فعل الله، يسمّوه عالم الأفعال، عالم الأسماء والصّفات قبل هذا العالم، عالم أحببتُ أنْ أعرف، عالم المعرفة، في الحديث القدسي: ”كنتُ كنزًا مخفيًا فأحببتُ أنْ أعرف فخلقتُ الخلق لكي أعرف“، «أحببت» هذه أوّل عالم بعده تبارك وتعالى، عالم المعرفة، التّعرّف، العالم الرّابع عالم الكنز الخفي الذي لا يطلع عليه أحدٌ، غيب الغيوب.

نحن البشر العاديّون لا نعرف الله إلا من خلال العالم الرّابع وهو عالم الأفعال، هذا العالم الذي نعيش فيه، نعرف الله من خلال هذا العالم، عالم الأفعال، كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السّلام: ”البعرة تدلّ على البعير، وآثار السّير تدلّ على المسير، أسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدلان على وجود الخالق القدير؟!“ هذه معرفة من خلال عالم الأفعال، هذه درجة من الأفعال، الأولياء اخترقوا، تجاوزا عالم الأفعال، أين وصلوا؟ إلى عالم الأسماء والصّفات، تعرّفوا عليه من خلال أسمائه وصفاته، تجاوزوا مرحلة عالم الأفعال، أمّا محمّد وآل محمّد فقد وصلوا للمرتبة الثالثة، مرتبة أحببتُ أنْ أعرف، ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ ألم نقل الإشارة إلى الضّمير تعني المعرفة؟! ﴿فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ هذا الرّسول يصل إلى غيبه، غيبه مرتبة أحببتُ أنْ أعرف، ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا وأمّا ذاته تبارك وتعالى التي عبّر عنها ”كنتُ كنزًا مخفيًا“ فهذه يعبّر عنها القرآن بمفاتح الغيب، غيب الغيوب، لا يصل إليها أحدٌ، ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ، فإذن المعرفة لها درجات، لذلك إذا قال: ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ إشارة إلى مرتبة من هذه المراتب «مراتب المعرفة».

المحور الثالث:

نوره الذي تعرّف به لأوليائه.. هذا النور له صفات، له سمات، ينبغي علينا أنْ نكتشفها:

السّمة الأولى: الغيريّة.

النّور لا يختصّ بأوليائه بل يضيء لغيرهم، قال تبارك وتعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ، النّور ليس خاصًا به، النور الإلهي لا يمكن أن يتقوقع، النور الإلهي لا يمكن أنْ يُحْصَرَ في منطقةٍ معيّنةٍ، النور الإلهي امتدادٌ، ولذلك الأولياء قدوة للناس أرادوا أو لم يريدوا، الأولياء إذا رأيتهم ذكرتَ الله لأنّهم يعيشون امتدادَ النّور، ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴿يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، إذن النور يسري، نور الأولياء، نور المؤمنين بالله تبارك وتعالى، ولذلك في الحديث الشّريف: ”العالم إذا رأيته ذكّرك اللهَ“، الإنسان عندما يدخل على عالم ربّاني فإنّه يذكر الله برؤية هذا العالم الربّاني؛ لأنّ له نورًا يمتدّ في النّفوس والقلوب شاء أم أبى.

الصّفة الثانية لهذا النور الذي يختصّ به المؤمنين والأولياء: الخلوص.

لذلك قال: ﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا لماذا زيتها يضيء؟ لأنّه زيتٌ خالصٌ، ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ زيتٌ خالصٌ، النّور الإلهي نورٌ خالصٌ لا يشوبه ضعفٌ، لا يشوبه نقصٌ، لا يشوبه عدمٌ، كله إيمانٌ، كله توكّلٌ، كله رحمة، كله قربٌ من الله، ليس مثلنا نحن ﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا لا، خلوصٌ، أعمالهم خالصة نقيّة، ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ الخلوص لله، ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.

السّمة الثالثة: البركة.

قال: ﴿مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ بركة، المؤمن أينما يذهب يطرح البركة، يقولون: له حظ! هي ليست حظًا، هي ليست مسألة حظٍ، بركة، مبارك، ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، يزرع البركة، يزرع الخيرَ، ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، إذن هذه الصّفة الثالثة: البركة.

الصّفة الرّابعة: أنّ النور الإلهي - نور الأولياء - يزداد درجة بعد درجة.

يعني: يعيش إطار التكامل، قال تبارك وتعالى: ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ دائمًا يعيش صراط التّكامل، والآية القرآنيّة تقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا سبيلاً بعد سبيلٍ، ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ فالنور الإلهي نورٌ يعيش التّكامل دئمًا، ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ.

وفي الرّواية الشّريفة... ﴿كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ هذا تمثيلٌ ولكن في بعض الرّوايات إشارة إلى مصاديق هذه المعاني، قال: المشكاة عبد المطلب، في بيته وُلِدَ النّورُ، عبد المطلب هذا الإنسان العظيم في بيته شعّ النّور، منه شعّ النورُ، ليس إنسانًا عاديًا عبد المطلب، في بيته وُلِدَ النّورُ، في بيته شعّ النّورُ، في بيته شعّ نوران: نور النبوّة ونور الإمامة، من ولده عبد الله انطلق نور النبوّة، من ولده أبي طالب انطلق نورُ الإمامة، ليس قليلاً هذا عبد المطلب، لذلك هناك أبيات للخال الحجّة الشّيخ حسين العمران - حفظه الله - يخصّ بها عبد المطلب:

متى نحاك الدّهرُ بالأمر العطب

وصي   عيسى   وأمين   iiسرّه

وكونه    جدًا    لسيّد    الرّسل

فيه  التقى النوران منه iiافترقا

نورٌ   لعبد   الله  نور  iiالمرسَل







 
اقسم  على  الله  بعبد  iiالمطلب

على    عموم    نهيه    وأمره

أعظم  بذا  فخرًا فما شئتَ iiفقل

أعظم   بذاك   الافتراق  واللقا

وفي   أبي   طالب   نورٌ  iiلعلي

﴿كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزجاجة قال: علي بن أبي طالب، ﴿الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ بهذا المصباح الذي فيها، مَنْ هو الزجاجة؟ الزجاجة علي بن أبي طالب، المصباح الذي فيها يضيء: الحسنُ والحسينُ، ﴿الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ قلتُ: وما الشّجرة؟ قال: أمّي فاطمة، ﴿مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ فاطمة أمّ الأئمة الطاهرة، أمّ الطاهرين، القدسيّة أم المقدّسين، ﴿شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يعني: إمامٌ بعد إمام، ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ إمامٌ بعد إمام آخرهم قائمهم عجّل اللهُ فرجَه الشّريفَ، هذا من التفسير المصداقي، يعني: إشارة إلى مصاديق للآية المباركة، يقول المرحوم محمّد سعيد الجشّي رحمه الله:

صلى   الإلهُ  على  البتولِ  iiوآلِها

الطهرُ    فاطمة    سليلة    iiأحمد

نبويّة    الأعراقِ   طيّبة   iiالشّذى

ما قورنت شمسُ الضّحى بسنائِها

ما  كان  يشبهها  بطيب  iiخصالِها

هي  زينبٌ  مَنْ  أشعلتْ  iiبخطابِها









 
مَنْ  تخضعُ  الأملاكُ  عند iiجلالِها

مَنْ  يشرقُ  الإعجازُ  في iiأقوالِها

عطرُ  الجنانِ  يفوح  مِنْ  iiأذيالِها

إلا     تسامتْ     رفعة    iiبكمالِها

إلا    وريثة    فضلِها   iiوخصالِها

قبسًا  يضيء  على  مدى iiأجيالِها

نسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتنا على ولايتهم والبراءة من أعدائهم وأن يجعلنا معهم أحياء وأمواتًا، والحمد لله ربّ العالمين.