فصل الخطاب - الحلقة 10

تحرير المحاضرات

بِسمِ اللهِ الرحمنِ الرحِيْمِ

وَالصلاة وَالسلام على أشرف الأنبياء والمُرسلِين مُحَمّدٍ وَآلِه الطيبين الطَاهِرين..

من جملة البيانات الحسينية التِي صدرت من فم الحسين عند لقائهُ بالحر الرياحِي قوله خطيبًا بعد صلاة العصر.

«أما بعد أيًّها الناس فأنكُم أن تتقوا الله تعرفوا الحق ل أهله يكن أرضى لله عنكُم وَ نحنُ أهله بيت مُحمدٍ وأولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المُدعين ما ليس لهم والسَائِرين فيكم بالجور والعدوان»

الحُسين يؤكد في هذه الفقرة على أن ولاية الأمر حقهٌم، حق ألهِي جعله الله لهُم، ولذلك قال في الفقرة الأولى «فأنكُم أن تتقوا الله تعرفوا الحق ل أهله» بمعنى أن ولاية الأمر حق جعل لهم من قبل الله عز وجل، وليست المسألة أنهم أولى لكفاءتهم وجدارتهم، بل لان المنصب حقهم

وَ قال في الفقرة الثانية «وأن أبيتم إِلّا كراهتنا لنا والجهل بحقنا» هُنا قد يتساءل الإنسان، إذا كانت ثورة الحسين تضحية، أذا كانت حركة الحسين أصلاحية من أجل الأمر بالمعروف والنهِي عن المُنكر، فلماذا يركز الإمام الحين على مسألة السلطة السياسية، ولماذا يطلب من هؤلاء أن يكونوا أنصار له في الوصول إلى السلطة السياسية.؟!، أليس هذا يكون تغيرًا للأهداف التِي أعلنها الحُسين في مكة المكرمة.؟!، وأن حركته ليست لسلطان وَ لا لِ طلب ملك، ولا طلب لمقام سياسي، وأنما حركة حركةٌ أصلاحية من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا كانت حركة أصلاحية تغيرية للواقع البغيض وهو واقع المُنكر، فلماذا الإمام الحسين هُنّا يكشف عن هدف أخر؟!، وهو يريد الوصول إلى السلطة السياسية ويريد من هؤلاء القوم نصرته في قوله «نحنُ أهله بيت مُحمدٍ وأولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المُدعين ما ليس لهم» بمعنى أنه ارتكبوا ظلمًا للمنصب، حيث تقمصوا ما ليس لهم، وظلمًا للأمة بسلوكهم الجائر حيثُ قال: «و السَائِرين فيكم بالجور والعدوان» والجواب عن هذا التساؤل

أولًا: أن حركة الإمام الحٌسين كما ذكرنّا حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، وَ من أشد المُنكرات تحول الخلافة لملك عضود وراثيًا، ومن أشد المُنكرات أن يكون رمز المسلمين وخليفة المسلمين والقائم مقام رسول الله صلى الله عليه وآله رجلًا فاسق شارب للخمر، قاتل لنفس المحترمة، أذن الحُسين ليس الغرض الوصول السلطة والوصول إلى المقام السياسي، مع أن ولاية الأمر هي حق ألهي له، ولكن الغرض هو تغير هذا الواقع، وهو أن يدعوهم لتغير هذا المنكر، إلّا وهو تحول الخلافة إلى ملك عضود واستلام الخلافة ممن ليس أهلًا أن يكون عاملًا في بيت مال المسلمين فضلًا أن يكون رمزًا للمسلمين وخليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله، فلا تنافي بين دعوة لتغير هذه القيادة الفاسدة وبين دعوة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر فأن من أشد المُنكرات وقوع يزيد وجلوسه على كرسي الخلافة.

ثانيًا: الحُسين عندما يطالب الناس بنصرته في تحقيق ولاية الأمر، وعندما يرشد الناس أنه هو الولي صاحب الحق في الولاية فإن هذا ليس طلب لِ هدف نفسي وطلب ل مطلب شخصي أنما هو دفاع عن الأمة الإسلامية، الزهراء عندما دافعة عن أمير المؤمنين لم تكن تدافع عن مطلب شخصي وهو استلام زوجها للخلافة، وأنما كانت تطالب بحق الأمة، فإن من حق الأمة الإسلامية أن يكون على رأس القيادة الإسلامية من كان وريث لرسول الله صلى الله عليه وآله في علمه وأدارته، وخلقه ورحمته، أذن من حق الأمة الإسلامية القيادة الرشيدة، فالحسين من خلال هذه الكلمات يطالبهم بالدفاع عن حق الأمة ولا أنهُ يطالبهم بالدفاع عن حق شخصي كما يتوهم ذلك.

ثم قال «وان أبيتم إلاّ كراهيتنا لنّا والجهل بحقنّا» أي الكراهية لحكمنّا، وإِلّا لم يكن النّاس يكرهون أهل البيت صلى الله عليهم أجمعين، وأنما كانوا كارهين لحكمهم، لأنهم جربوا حُكم أمير المؤمنين فراءو منه العدالة الصارمة، وأنهٌ لا يعبأ حتى ينتصر للمظلوم من الظالم، لا ييأس الضعيف من عدله ولا يطمع القوي في ظلمة، أذن بما أنهم جربوا العدالة الصارمة على يد أمير المؤمنين حتى أذا أنه جاءهُ أخوة عقيل بن أبي طالب حتى قال لناس قد جاءني أخي عقيل يستمحني صاعًا من بركُم فأحميتٌ له حديده فأدنيتها منه ففزعه منها، فقلت ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من حديده أشعلها إنسان للعبه وتجرني إلى نّار سجرها جبارا لغضبه الإمام علي كان صارم في تطبيق العدالة حتى مع أخيه عقيل وأقرب الناس له، وقد كان عقيل فقيرًا، فكيف بالآخرين.؟!، فالنّاس من طبيعتها تأبى أن تعيش في عدالة صارمة ليس فيها مجال للرشوات والتفافات والأنحرفات يمينًا وشمالًا، لذلك قال الحسين «كراهيتنا لنّا والجهل بحقنّا» كراهتنّا لحكمنا والجهل بمعنى الجهل العملي، وهو عدم تسليم الأمر ألينّا، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت به عليَّ رسلكُم أنصرفت عنكُم،

ثم الحسين قال ل أصحابه أركبوا فركبوا حتى ركبت نسائهم، وقال انصرفوا، وحال القوم بينهم وبين الانصراف، بمعنى أن جماعة الحر بن يزيد الرياحي وقفوا حاجز بين الحسين وبين انصرافه، وهذا ما يذكرنا في الحديث السابق أن الحسين «فإن أبيتم مقدمي انصرفت» أي أنا أسير بين أيديكم فأن كنتُم كارهين لمقدمي فأخلوا سبيلي وأطلقوا أسري، فهُنّا أيضًا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسين للحر ثكلتك أمك ما تريد.؟! فقال الحر أما لو أن غيرك من العرب يقولها لي ويكون على هذه الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائن من كان، ولكن والله مالي إلى ذكر أمك من سبيل إِلّا ب أحسن ما يقدر عليه، وهذه حسنةٌ أخر من حسنات الحر،

الحسنة الأولى أنه صلى خلف الحسين في ذلك اليوم، وقال نصلي بصلاتك يا بن رسول الله،

والحسنة الآخرة أنه لم يبادل الحسين كلامًا لا يليق بمقام الحين وقال مالي بذكر أمك من سبيل إلّا بأحسن ما يقدر عليه،

وهذا يكشف عن جذور وأصول طيبة تتمتع بها شخصية الحر بن يزيد الرياحي، هُنا قد يتسأل الإنسان لماذا الحسين قال له ثكلت أمك.؟!، أليس أهل البيت أرفع وأعلى من الدخول في التنابز بالألقاب.؟!، فهل يصدر من أهل البيت تنابز بالألقاب والقرآن الكريم يقول ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ، أفهل هذا ينسجم مع مقام أهل البيت وهو مقام الرحمة والعطف والشفقة على الآخرين.؟!، أن يدعوا الآخرين بألقاب مسيئة بحسب كلام العرف أننا ذاك فما هو وجه قول الحسين «ثكلتك أمك يا حر».!، الجواب عن هذا

أولًا: ذكر الألقاب السيئة قد صدر حتى من القرآن الكريم نفسه في قول القر آن الكريم ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ فقد أستخدم القرآن وهو كتاب الرحمة وكتاب الهدايا ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ مع أنه كتاب الهدايا والرحمة، أستخدم بعض الألقاب السيئة في الموضوع المُناسب له، يمكن أن يصر من الإمام لقب سيئ بحسب الموازين العرفية آنذاك، ولكن الإمام يضعه في الموضع المُناسب أذا كان الموضع مستحق لذلك ألقاب السيئ، وذلك قال الحسين لمروان لأبن الزرقاء أ بالموت تخوفني.!

أذن فالأئمة الطاهرون يجرون على ما جرى عليه القرآن من ذكر الألقاب السيئة في الموضع المُناسب لها، لا من باب التنابز بالألقاب ولا من باب تشويه شخصيات الآخرين، بل من باب الكشف عن الواقع فإن وظيفتهم تحديد الواقع وكشف الواقع وأبانته لناس فإذا كان اللقب السيئ في موضعه المُناسب كشف للواقع وأبانه للحقيقة يستخدمه أهل البيت .

ثانيًا: لم يكن هذا لقب سيئًا، أن قول الحسين ثكلتك أمك يا حر، لم يكن لقب سيئ، كان دعاءًا ولم يكن تلقيب ب لقلب سيئ، فكأنما العن يصدر من أهل البيت يقال لعن الله بني أمية قاطبه، فأن لعن دعاء لطرد من رحمة الله فكذلك كثلتك أمك يا حر، دعاءٌ خسرتك أمك، بمعنى دعاء عليه بالموت، والدعاء بالموت من باب العقوبة، فإنه يستحب في تشيع الجنازة أن يقول الإنسان أثناء التشيع» اللُّهُمَّ لا تجعلنّا من السواد المخترم» بمعنى لا تقصم عمرًا قبل التوبة، فالإنسان الذي يقسم الله عمره قبل أن يتوب فهذا يعد عقوبة شديدة أن يفاجئه الموت قبل التوبه،» لا تجعلنّا من السواد المخترم» بمعنى لا تقصم عمرًا قبل توبتنًا، فالحسين يدعوا على الحر ب أن يعاقبه الله قبل أن يتوب ما دام مصرًا على مواجهته للحسين، فهي دعوة عليه مشروطة بعدم توبته، فهذا ليس تنابز بالألقاب

وثالثًا: أن هذه الجملة هي التي حركة الحر، الحسين كان يعلم لو لم يقل هذه الجملة لما تحرك الحر من عدو إلى ناصر، ومن مواجه إلى مقاتل بين يدي الحسين ، فهذه الكلمة البسيطة غيرة شخصية الحر وقتلعة منه جذور المواجه إلى جذور النصرة وإلى جذور المؤازرة مع الحسين

اللهُم أجعلنّا من أنصار الحسين وأجعلنّا من أنصاره