في رحاب دعاء أبي حمزة الثمالي ج7

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين

مما ورد عن أبي حمزة الثمالي «رضي الله عنه» عن أمامنا زين العابدين وسيد الساجدين علي أبن الحسين أنه قال في دعائه: ”سَيِّدِي أَخْرِجْ حُبَّ الدُّنْيا مِنْ قَلْبِي وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ المُصْطَفى وَآلِهِ خِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَخاتَمِ النَّبِيِّينَ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَانْقُلْنِي إِلى دَرّجَةِ التَوْبَةِ إِلَيْكَ وَأَعِنِّي بِالبُكاءِ عَلى نَفْسِي فَقَدْ أَفْنَيْتُ بِالتَّسْوِيفِ وَالامالِ عُمْرِي....“.

أن الميزان الذي يستند إليه كل مؤمن هو الإرادة فلا يمكن لأي شخص منا أن يغير وضعه من دون إرادة كما أن التاجر لا يمكن يربح في تجارته من دون إرادة والطالب لا يمكن أن يتفوق في دراسته من دون إرادة كذلك تغير الشخصية من نارية إلى نوريه يحتاج إلى الإرادة، إذا كنت أنا شخصية نارية شخصية شهويه شخصية منساقة إلى غرائزها وشهواتها ولذاتها﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ[1]  فكيف أنتقل إلى أن أكون شخصية نوريه شخصية تنساق إلى عقلها وتفكيرها شخصية يصدق عليها﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ[2] ؟ كلنا يشتكي من هذا المرض، مرض ضعف الإرادة نحن نذنب ونستغفر ثم نعود ونذنب ثم نعود ونستغفر ثم نعود ونذنب وإذا سؤلنا إلى متى أذنب وأعوذ أذنب وأعوذ؟

فالجواب الوحيد أني ضعيف الإرادة لو كنت أمتلك إرادة حازمة صامدة لما عدت إلى الذنب مرات وكرات لو كنت قادر على كبح جماح شهوتي وتضيق الخناق على نزاعاتي ومشتهياتي لما عدت إلى الذنب والرذيلة ولما قمت من حفره ووقعت في حفرة ومن زلل إلى خطل ومن خطل إلى خلل إلى متى؟ إلى متى كثرت الزلل؟ كثرت الخلل؟ كثرت الغفلة؟ كثر السهو؟ كثرت الانسياق وراء وساوس الشيطان وتأمير النفس؟ مادمت ضعيف الإرادة فلن أتغير أمني نفسي بأن أتغير أمني نفسي بأن أحسن أوضاعي أن شاء الله غدا أن شاء الله بعد سنة أن شاء الله بعد شهر أمني نفسي بأن أتغير ولا تغير والسبب ضعف الإرادة﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[3] .

إذن المرض ضعف الإرادة والعلاج تقوية الإرادة، فكيف ليّ وما هو السبيل لتقوية ارادتي؟ وما هو السبيل إلى أن أجد في داخلي إرادة حديدية صامدة أمام الذنوب والرذائل أمام المغريات أمام الإثارات، ما هو السبيل إلى تقوية الإرادة؟

الإمام زين العابدين يشرح لنا السبيل إلى تقوية الرادة هناك خطوات إذا سلكناها وصلنا إلى الإرادة الحازمة:

الخطوة الأولى: إدراك جذور المرض: ما هي جذور المرض؟ ما هي بذرة المرض؟ البذرة التي منها استفحل المرض وانتشر الداء في جميع أرجاء الروح وأصبحت الروح مريضة بالية ممتنة ما هو جذر المرض؟ علينا أن نحدد أولاً جذر المرض.

يحدده : ”سَيِّدِي أَخْرِجْ حُبَّ الدُّنْيا مِنْ قَلْبِي“ هذا هو جذر المرض، جذر المرض الانسياق جذر المرض الانبهار بالدنيا لأن ثقافتي هي ثقافة الانبهار، الأنبهار بالثروة الانبهار بالمنصب الانبهار باللقب الانبهار بالزينة الانبهار بالمظهر لأن ثقافتي ثقافة الانبهار ثقافة الاسترسال وراء هذه المظاهر المادية لأجل ذالك جذر المرض ينشر المرض وهذه البذرة تتحول إلى شجرة نارية شجرة مخيفة إلا وهي شجرة الشهوانية بأن أصبح شخصية شهوانية ”سَيِّدِي أَخْرِجْ حُبَّ الدُّنْيا مِنْ قَلْبِي وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ المُصْطَفى وَآلِهِ مِنْ خَلْقِكَ“ وليس أجمع بينهم في الآخرة «لا» أجمع بيني وبينهم في الدنيا أجمع بيني وبينهم في حبك في القرب منك في طلب الزلفى ليدك أجمع بيني وبين هؤلاء الذين أدركوا بذرة الداء وخطورة المرض وعالجوا أنفسهم أجمع بيني وبينهم على هذه الموائد الروحية موائد الدعاء موائد النافلة موائد القرب من الله.

الخطوة الثانية: أستمطر الدمعة: لا يمكن أن تكون لك إرادة التغير حتى تحدث الغليان في قلبك حتى تحدث الفوران في أنفاسك وفي داخل وجدانك التغيير يحتاج إلى ثورة والثورة داخليه ومن أعماق النفس إذا لم تؤجج هذه الثورة الداخليه من أعماق أعماق النفس لن تتغير ولن تملك إرادة التغيير والعلامة على ثورة الضمير ثورة الإحساس الدمعة هي العلامة إذا بكيت فقد تحرك ضميرك إذا بكيت فقد تأجج داخلك لذالك يصير الإمام هنا على خطوة البكاء ”وَأَعِنِّي بِالبُكاءِ عَلى نَفْسِي“. ثم يقول في عدة فقرات أخرى ”وَمالِي لا أَبْكِي“ البكاء يحركني نحو التغيير البكاء يدفعني نحو الإرادة إرادة تغيير الأوضاع ونقل شخصيتي من شخصية نارية إلى شخصية نوريه.

الخطوة الثالثة: الحسرة على ما مضى: القرآن الكريم يقول: ﴿وَالْعَصْرِ «1» إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ[4] نحن خاسرون لكن هل أركنا الخسارة المهم أدرك أنني خاسر إذا لم أدرك الخسارة لم أطلب الربح إذا لم أدرك الخسارة لن أمتلك إرادة الربح لابد أن أدرك أنني خسرت فعلا ما لم يدرك الطالب أنه هوى في الامتحان وخسر في الامتحان فلن يمتلك إرادة التغيير إلى النجاح، إذن لابد أن أحسس نفسي بالخسارة سنين ذهبت وأنا مع المعصية، كم أيام مضت وأنا مع الرذيلة، ماذا ربحت من هذه الأيام المتمادية الماضية؟

كلها خسارة كلها معاصي كلها ظلام كلها نيران مشتعلة ”فَقَدْ أَفْنَيْتُ بِالتَّسْوِيفِ وَالامالِ عُمْرِي وَقَدْ نَزَلْتُ مَنْزِلَةَ الايِسِينَ“ وصلت إلى حد صفر اليدين هناك من يتأمل فيجد له نافلة هناك من يتأمل فيجد له قرآن هناك من يتأمل في صفحته فيجد عمل صالح أما أنا إذا قرأت صفحتي لم أجد إلا الذنوب إذا قرأت صفحتي لم أجد إلا المعاصي﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا[5]  ماذا أجد في شريط أيامي؟ ”فَقَدْ اَفْنَيْتُ بِالتَّسْويفِ وَالاْمالِ عُمْري، وَقَدْ نَزَلْتُ مَنْزِلَةَ الاْيِسينَ مِنْ خَيْري“

الخطوة الرابعة: ذكر الموت ذكر الآخرة: ذكر الآخرة هو الذي يحركنا هو الذي يوقظنا وينبهنا ذكر الموت لها اجابيات حبذا أن نجلس كل يوم خمس دقائق خصوصا قبل النوم لنستعرض الشريط الآتي وليس الشريط الماضي فقط شريط الآتي هو النزول في الحفرة بثوب أبيض عندما نتذكر الشريط الآتي ونتساءل ما ذا أعددنا لذالك اليوم المهول، القبر ليس حفرة من تراب القبر مركز الأهوال أعلم القبر أعلم الأهوال نحن لأننا تحت الغطاء غطاء الدنيا نرى القبر حفرة من تراب لكن هذا الميت المسكين المستكين ينظر إلى القبر فيرى الآلف المؤلفه من الأرواح من الملائكة من الأهوال التي تستعر في ذالك القبر.

الإمام الحسن الزكي كان يبكي وقت موته وهو سيد شباب أهل الجنة ما يبكيك يا أبا محمد؟ قال: أبكي لخصلتين هول المطلع الانتقال من الحياة إلى الموت مطلع تتطلع فيه على عالم غريب مليارات الأرواح واقفة بعضها سجين بعضها واقف بعضها يمشي بعضها يطير بعضها ينير بعضها مظلم بعضها ناري بعضها نوري ألوان وأطياف ستراها بعينك في أول لحظة تغمضك فيها عينك عن الدنيا وتفتح فيها عينك على الآخرة فترى أهوال غريبة هول المطلع ”أبكي لخصلتين هول المطلع وفراق الأحبة“.

الموت ذكر الموت يشعرنا بالذلة كما في دعاء الصباح ”وَقَهَرَ عِبادَهُ بِالْمَوْتِ وَالْفَناءِ“ الشيء الذي يقهرنا ويحسسنا بالذلة والحقارة الموت، الموت هو الذي يقهر الظالم والمتغطرس والمتكبر الحفرة حفرة التراب ذكر الموت هو الذي يوقظنا إلى أن نتغير ينبه إرادتنا إلى أن تتحرر أغتنم الفرصة قبل موتك أغتنم الفرصة قبل أجلك ذكر الموت هو الذي يعطينا أخلاص في النية ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ[6]  ذكر الدار الآخرة وسيلة الاخلاص، خلاص النية من الشوائب من الوساوس.

إذن فعلينا أن نركز على ذكر الموت ”فَمَنْ يَكُونُ أَسْوَا حالاً مِنِّي“ في تلك اللحظة من يكون أسوا حال مني حتى السجين الذي يعذب في السجن ليس أسوا حال مني أنا اسوا الناس حال لأنني أنقل قهر وقصر عليّ إلى حفرة كلها نيران كلها لهب ”فَمَنْ يَكُونُ أَسْوَا حالاً مِنِّي اِنْ أَنا نُقِلْتُ عَلى مِثْلِ حالِي إِلى قَبْرِي لَمْ اُمَهِّدْهُ لِرَقْدَتِي وَلَمْ أَفْرُشْهُ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ لِضَجْعَتِي“ إذن فراشي ما هو؟ إذا كان الفراش هو العمل الصالح وأنا فقير من العمل الصالح فما هو فراشي؟

فراشي هي الأعمال السوداء والمعاصي التي تتحول إلى تراب وجمر وإلى عفونة ونتن ”وَمالِي لا أَبْكِي وَلا أَدْرِي إِلى مايَكُونُ مَصِيرِي“ لا أدري بذالك اليوم الذي ينتظرني أموت وأنا في معصية؟ أموت وأنا في طاعة؟ أموت انا أمشي إلى عمل صالح؟ أو أموت وأنا أمشي وراء تجارة أو شهوة أو دنيا لا أدري بذالك اليوم لا أدري بتلك الخاتمة ”وَلا أَدْرِي إِلى ما يَكُونُ مَصِيرِي وَأَرى نَفْسِي تُخادِعُنِي وَأَيَّامِي تُخاتِلُنِي“.

ثم يقول : ”إلهي إرْحَمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا غُرْبَتِي وَعِنْدَ المَوْتِ كُرْبَتِي وَفِي القَبْرِ وَحْدَتِي وَفِي اللَّحْدِ وَحْشَتِي وَإِذا نُشِرْتُ لِلْحِسابِ بَيْنَ يَدَيْكَ ذُلَّ مَوْقِفِي، وَاغْفِرْ لِي ماخَفِيَ عَلى الادَمِيِّينَ مِنْ عَمَلِي وَأَدِمْ لِي ما بِهِ سَتَرْتَنِي وَارْحَمْنِي صَرِيعاً عَلى الفِراشِ تُقَلِّبُنِي أَيْدِي أَحِبَّتِي، وَتَفضَّلْ عَلَيَّ مَمْدُوداً عَلى المُغْتَسَلِ يُقَلِّبُنِي صالِحُ جِيرَتِي، وَتَحَنَّنْ عَلَيَّ مَحْمُولاً قَدْ تَناوَلَ الأقْرِباءُ أَطْرافَ جَنازَتِي، وَجُدْ عَلَيَّ مَنْقُولاً قَدْ نَزَلْتُ بِكَ وَحِيداً فِي حُفْرَتِي، وَارْحَمْ فِي ذلِكَ البَيْتِ الجَدِيدِ غُرْبَتِي حَتَّىْ لا أَسْتَأْنِسَ بِغَيْرِكَ. ياسَيِّدِي“.

اللهم أرحمنا برحمتك ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم نبهنا من نومت الغافلين وجعلنا لك من الذاكرين القانتين، اللهم أغفر لنا ذنوبنا وستر عيونا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار اللهم أجعلنا في هذا الشهر الشريف من عتقائك من جهنم وطلاقاك من النار وسعداء خلقك بمغفرتك ورضوانك يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين اللهم أسبغ علينا رحمتك وعفوك يا غفار يا ستار يا أرحم الراحمين بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين.

والحمد الله رب العالمين

[1]  سورة الجاثية، آية 23.
[2]  سورة النور، آية 35.
[3]  سورة الرعد، آية 11.
[4]  سورة العصر، آية1 - 2.
[5]  سورة الإسراء، آية 14.
[6]  سورة ص، آية 46.