المرأة في التشريع الاسلامي

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ

انطلاقا من الآية المباركة نتطرق لعدة نقاط:

النقطة الأولى: بيان الدافع نحو التعارف مع الغير

الآية المباركة جعلت الهدف من الكيان الاجتماعي هو التعارف ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ما الذي يدفعني إلى التعارف، ما الذي يدفع الفرد إلى التعارف مع الآخرين، ما الذي يدفع الفرد إلى التعامل مع أبناء المجتمع بأي نوع من أنواع التعامل؟ هنا نظريتان:

النظرية الأولى: نظرية الفلاسفة

ويختار هذه النظرية السيد الصدر قدس سره أن المحرك الأساس لجميع منطلقات الإنسان ولجميع أفعال الإنسان ومنها تعارفه مع الآخرين هو غريزة حب الذات، السيد يقول أقوى غريزة تهيمن على الإنسان هي غريزة حب الذات، حب الذات هو الذي يدفع الإنسان للغذاء، لأن الغذاء يبقي ذاته فيندفع نحو الغذاء، وهو الذي يدفع الإنسان للزواج، الزواج يشبع ذاته من الناحية الجنسية، فهو يندفع نحو الزواج، الذي يدفع الإنسان للإنجاب هو غريزة حب الذات أيضا، لأن النسل امتداد لوجوده، وهو يحب وجوده فيندفع نحو الإنجاب والنسل، أيضا لماذا يتعرف على الآخرين، انطلاقا من غريزة حب الذات؟ لأنني أندفع نحو الآخرين، أتعرف على الآخرين، وأتعامل معهم كي يخدموني يوما من الأيام، التعرف على الآخرين طريق لخدمتهم لي يوما من الأيام، فأنا انطلاقا من غريزة حب الذات أتعرف على الآخرين، المنطلق هو غريزة حب الذات.

بل قال الفلاسفة إلى أن هذا هو المنطلق حتى في العبادة، وحتى في الشهادة، الإنسان الذي يتهجد ويتعبد إلى الله تبارك وتعالى، ما الذي يدفعه إلى العبادة؟ يقولون غريزة حب الذات، لولا أن هذا الإنسان يدرك أن العبادة لذة لما عبد الله ولولا أن هذا المتعبد يدرك أن العبادة طريق إلى اللذة - اللذة الأخروية - لما عبد الله، حتى العبادة يمارسها الإنسان انطلاقا من غريزة حب الذات، لأنها طريق إلى لذته، بل حتى الشهادة، تصوروا هذا الشهيد الذي يقدم نفسه قربانا لمبدأ أو لهدف معين، يقولون هذا الشهيد ما دفعه للشهادة إلا غريزة حب الذات، لأن الشهادة لذة له، لأن الشهادة إما أن توجب له سمعة حسنة، أو لأن الشهادة طريق إلى الجنة، بالنتيجة اندفع للشهادة من أجل ذاته، فغريزة حب الذات هي المحرك لسائر منطلقات الإنسان، ولسائر تصرفاته، علاقته مع ربه عن حب الذات، علاقته مع المجتمع عن حب الذات، علاقته مع الأشياء الأخرى من حب الذات، منطلقه هو حب الذات دائما، هذه نظرية الفلاسفة وذكرها السيد الصدر في بعض كتبه.

النظرية الثانية: نظرية علماء العرفان:

علماء العرفان يقولون: نحن لا نحصر الدافع في الدافعية الذاتية، والدافعية الأنانية، وإنما هناك دوافع غيرية تتحكم في مسيرة الإنسان، مثلا أنت تمدح إنسان معين لأنه خدمك أو لأن مدحك له سيكون سببا في خدمته لك، فيكون المدح منطلقا من حب الذات، ولكن تارة أنت تسمع عن إنسان عظيم، رجل يحدثك عن اينشتاين صاحب النظرية النسبية، أو رجل يحدثك عن صدر المتألهين الشيرازي صاحب النظرية الجوهرية، فأنت تثني عليه تقول هذا إنسان عظيم يستحق الشكر، يستحق أن تعظمه الإنسانية وتجلله، مدحك هنا لأي دافع؟ أنت عندما تمدح اينشتاين أو تعظم صدر المتألهين، أو أي من هؤلاء العظماء، إلى من هو أعظم الإمام علي

أنت عندما تمدح هذا العظيم وتثني عليه لأي دافع؟ لا يوجد هنا دافع ذاتي، لا أنت ترجو من مدح اينشتاين شهرة ولا أجرا ولا مكافأة ولا سمعة، ولا أنك إذا تركت مدحه ستصاب بألم فيضطرك هذا الألم لمدحه، لا يفرض عليك أحد مدحه، ولا يلومك أحد على عدم مدحه، ولا يطالبك أحد بمدحه، مدحته أم لم تمدحه، أنت لا تكتسب بالمدح أي منفعة لذاتك، إذا لماذا تمدحه؟ هنا يقول العلماء للدافع الانبهاري، مدحته لأن عظمته بهرتك، الذي دفعك للمدح انبهارك بعظمة هذا العظيم، عظمة العظيم سيطرت على مشاعرك، فمدحته اندفاعا من باب الانبهار ومن باب التعظيم لا من باب حب الذات، تعظيم العظيم انبهارا به، إعظاما لمقامه، لا لأن هذا المدح يعود عليك بالمنفعة الذاتية أبدا، أنت الآن مثلا عندما يدخل أحد وجهاء المجتمع إلى بلدك، إلى مجلسك، إلى المكان الذي أنت فيه، أنت تقوم، لأي دافع؟ بدافع أن يكافئك أو يمدحك أو يقوم لك كما قمت له، قد تكون هذه الدوافع لكن أحيانا بهرتك عظمته وبهرتك وجاهته فقمت له تعظيما بدافع انبهاري، بدافع تعظيمي، لا بدافع ذاتي إطلاقا.

إذا التعامل مع الآخرين لا ينطلق من غريزة حب الذات وحدها، بل قد ينطلق أحيانا من خلال الانبهار والتعظيم، لذلك علي عندما يقف عابدا لربه تبارك وتعالى، هذا المتعبد المتهجد لربه، أحيانا يعبد ربه خوفا من عقابه، هذه غريزة حب الذات، أحيانا يعبد ربه طلبا في ثوابه، هذه غريزة حب الذات، أحيانا يعبد ربه لأنه يلتذ بالعبادة كجو روحي يلتذ به، هذه غريزة حب الذات، أحيانا يعبد ربه لأن عدم العبادة يسبب له ألم، فيتخلص من الألم بالعبادة، هذا أيضا غريزة حب الذات، أحيانا يعبد ربه لأنه أدرك عظمة العظيم تعالى، رأى بأن عظمة العظيم تعالى تسيطر على جميع أجزاءه، وتسيطر على جميع جوانحه، وتسيطر على جميع ذراته، يقول هنا علماء العرفان: أدرك أن ذاته عين التعلق بالعظيم تبارك وتعالى، أدرك أن لا إنية له، ولا هوية له، أن لا نفسية له، بهرته عظمة العظيم، واستولت على جوارحه وجوانحه، فقام متعبدا بدافع الانبهار والتعظيم لا بدافع الذات وحب الذات.

العبادة لا تنحصر في دافع الغريزة، غريزة حب الذات، بل قد تكون بدافع التعظيم والانبهار، علي يقول: «ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك» علي عندما يتقدم إلى الشهادة، والحسين عندما يتقدم للشهادة، لأجل ماذا؟ لأجل حب الذات؟ لأجل أن الشهادة لذة؟ أم لأجل أن يحرز اللذة الأخروية؟ أبدا، الحسين بهرته عظمة العظيم تعالى فرأى نفسه قربانا للعظيم، رأى نفسه اللاإنية لها ولا نفسية لها أمام العظيم تعالى فقدمها قربانا، كما قالت أخته زينب عندما رفعت جسمه من على الأرض «اللهم تقبل منا هذا القربان».

إذا تصور أن جميع الأعمال، وجميع الحركات تنطلق عن غريزة حب الذات، هذا التصور قاصر، هناك دوافع انبهارية وتعظيمية أخرى غير غريزة حب الذات.

النقطة الثانية: بذرة نشأة المجتمع البشري

علماء الاجتماع يقولون: بذرة نشئ المجتمع روح الاستخدام، روح الاستخدام هي المنطلق في نشأة المجتمع، ماهي روح الاستخدام؟ أنا مثلا لأجل أن أعيش، أنا أحتاج لمأكل، لملبس، لمسكن، كيف أوفر المأكل والملبس والمسكن؟ أضطر لأن أستخدم، أولا أستخدم جوارحي، أستخدم أذني، عيني، رجلي، إلى أن أهيء لي المطعم والمشرب والمسكن والملبس، إذا قصرت جوارحي، يدي وعيني، جوارحي لا تكفي لتحقيق وسائل الحياة ووسائل العيش، فماذا أصنع؟ أضطر لاستخدام الآخرين، أستخدم الحداد، النجار، البناء، الخياط وهكذا، أستخدم الآخرين حتى أوفر لنفسي وسائل العيش، روح الاستخدام دفعتني لأن أرتبط بالآخرين حتى يوفروا لي وسائل العيش، الآخرون أيضا كذلك استخدموني لمآربهم حتى يوفروا لأنفسهم وسائل العيش، فروح الاستخدام خلقت مجتمع يتبادل الخدمات، صار كيان اجتماعيا، صارت بذرة المجتمع.

شاءت الحكمة الإلهية أن توزع القدرات بما ينسجم مع روح الاستخدام، مثلا فلان أعطي قدرة جسدية، لأنه أعطي قدرة جسدية، صار المجتمع يستخدمه في بناء الجسور، العمارات، حمل السلاح، الدفاع عن الوطن، في المرابطة وهكذا، لأنه يحمل قوة جسدية لا يحملها غيره، استخدم لقوته الجسدية، فلان آخر ليس لديه قوة جسدية إلا أنه يملك عقلا، ذهنية متألقة، لأنه يملك ذهنية متألقة استخدمه المجتمع في عقله، استخدمه طبيب، مؤلف، معلم، أو لأي شيء آخر، المهم أن المجتمع استخدم عقله، الثالث لا يملك عقل ولا قوة جسدية، لكن لديه قوة مادية، مالية، هذا أيضا يستخدمه المجتمع في المشاريع الاستثمارية، يأخذ المجتمع أمواله يحركها ويعمل فيها، يوفر له الربح ويوفر لهم الأجر، فاستخدمه المجتمع لقوته المادية.

إذا وزعت القدرات بما ينسجم مع روح الاستخدام، من أعطي القوة المادية هو مستخدم للعمال وهو مستخدم للأرباح، من أعطي القوة العقلية، هو مستخدم لمن عنده قوة جسدية وهو مستخدم، كل مستخدم ومستخدم، لذلك قام كيان المجتمع على روح الاستخدام، توزيع القدرات بما ينسجم مع روح الاستخدام، ليس تفضيلا لأحد على أحد أبدا، هذا الذي أعطي عقل ليس بأفضل من الذي أعطي جسد، لأنه هو أيضا مستخدم، الذي أعطي قوة جسدية ليس بأفضل من الذي أعطي قوة مالية، لأنه أيضا مستخدم، ليس توزيع القدرات تفضيلا لأحد على أحد، وإنما لأن النظام في المجتمع اقتضى هذا التوزيع، لولا توزيع القدرات لما سارت حركة المجتمع، لما اضطررت أن لاستخدامك واضطررت أنت لاستخدامي، فما كانت ستسير عجلة المجتمع.

إذا توزيع القدرات ليس تفضيلا، وإنما هو ضروري لتسيير حركة المجتمع، ولتمشية عجلة المجتمع والحضارة.

النقطة الثالثة: بيان حقوق المرأة في نظر القرآن الكريم

مازال إلى الآن الصوت العلماني في القنوات الفضائية وفي الكتب، عندما تقرأ كتب محمد أركون، كتب محمد نصر أبو زيد، كتب العلمانيين منتشرة في مكاتبنا، مازال الصوت العلماني يكرر أن الإسلام ظلم المرأة، لأنه لم يساويها مع الرجل، الإسلام قال حق القوامة للرجل ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مازال القرآن الكريم يقول ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى يعني شهادتان من امرأتين مقابل شهادة رجل واحد، كيف هذا؟

مثلما ذكرنا في النقطة الثانية، توزيع القدرات اقتضاه نظام المجتمع، لكي تسير حركة المجتمع، اقتضت الحكمة الإلهية توزيع القدرات والطاقات بما يتناسب مع مسيرة حركة المجتمع، والحضارة، اختلاف حقوق المرأة وحقوق الرجل، اختلاف ناشئ عن اختلاف الطبيعة بين النوعين، فرض اختلاف الحقوق بينهما.

عندما تقرأ تقارير علماء النفس والاجتماع، ول ديورانت في كتابه قصة الحضارة ينقل عن البروفيسور الأمريكي ريك عالم من علماء النفس وينقل عن علماء آخرين في هذا المجال، أن اختلاف طبيعة المرأة وطبيعة الرجل على المستوى الجسمي والنفسي كما يقولون على المستوى الفيسيولوجي وعلى المستوى السيكولوجي، الخلاف موجود، هذا الخلاف اقتضى الاختلاف في الحقوق، هذه الهرمونات التي تفرزها طبيعة المرأة وتمتد في دمائها وتجعلها أنعم من الرجل، وأقل صلابة من جسم الرجل، هذه الهرمونات ليست مجرد اختلاف جسدي وإنما هذه الهرمونات ترتبط بأنثويتها وطبيعتها الأنثوية، المرأة تكون أكثر انفعال مع أحاسيسها وعواطفها من الرجل، الرجل من هذه الجهة أقل انفعالا، المرأة تميل إلى رجل يسمعها كلمات المحبة والمودة، وتشعر أنها امتلكت قلبه، وتشعر أنه يظلها ويحميها، والرجل يميل أن يحصل على امرأة تخدم ذاته وتخدم غريزته، كما يعبرون المرأة أسيرة المحبة، والرجل أسير الشهوة، الرجل يسعى لأن يحصل على امرأة تخدم ذاته وتكون تحت سيطرته وإرادته، الميول النفسية تختلف من الرجل إلى المرأة.

عندما ننظر إلى المستوى الذهني، متوسط دماغ الرجل أكبر من متوسط دماغ المرأة، وهذا لا يعني أن الرجل أذكى من المرأة، بل يعني أن القدرات الذهنية تختلف بحسب المجال بين المرأة وبين الرجل، إلى الآن إحصاءات اليونسكو تقول بأن الرجل مازال متفوق على المرأة في علم الرياضيات والفلك والفلسفة، والمرأة لا تقل عن الرجل بل من الممكن أنها تتفوق عليه في مجال الأدب، الفن، الجماليات، إذا القدرة الذهنية للرجل تبدع في مجال العلوم الجافة، كالرياضيات والفلك والفلسفة، أكثر من المرأة، والمرأة تبدع في العلوم الذوقية التي تحتاج إلى شفافية، وتحتاج إلى طاقة عاطفية، الاختلاف في المجالات التي يبدع فيها عقل الرجل مع المجالات التي يبدع فيها عقل المرأة.

وإلا فهم يذكرون، المرأة أقوى على القدرة الكلامية من الرجل، المرأة تمتلك القدرة على أن تتحدث في اليوم سبعة ملايين كلمة، والرجل يمتلك القدرة على أن يتحدث في اليوم أربعة ملايين كلمة، المرأة عندها القدرة على الكلام أكثر من الرجل، ولذلك الرجل عندما يتحدث ساعة يتعب، بينما المرأة تظل عندها القدرة على الكلام، اختلاف القدرات واختلاف الطبيعة بين الرجل والمرأة فرض اختلاف الحقوق، اختلاف الحقوق لم ينشأ عن فراغ بل نشأ عن اختلاف في الطبيعة، مثلا لماذا أعطي الرجل حق القوامة والمرأة أعطيت حق الأمومة، لا الرجل تناسبه الأمومة ولا المرأة تناسبها القوامة، القوامة على الأسرة، يعني المسئول عن شئون الأسرة، الذي يتحمل أعباء الأسرة هو الرجل، لأن الرجل أكثر حزما مع عواطفه ومشاعره، وأقوى إرادة من المرأة، والقوامة تحتاج إلى طاقة من الحزم والإرادة، ولذلك أعطيت القوامة للرجل ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ

المرأة نهر فياض من العواطف والمشاعر والأحاسيس، أعطيت منصب الأمومة، منصب الأمومة يحتاج إلى الدفء والحنان العاطفي، يحتاج إلى مصدر يغمر الأسرة بحنانه وعطفه، فأعطيت الأمومة للمرأة، لأن الأمومة تنسجم مع طبيعتها المشاعرية والعاطفية.

إذا بالنتيجة اختلاف المنصبين لاختلاف الطبيعتين، وهذا ليس ظلما ولا تفضيلا، أما أنه ليس ظلما، كثير من الناس يعتقد بأن العدالة تعني المساواة، إذا كنت تريد أن تعدل بين الناس ساوي ما بينهم، اجعلهم على خط واحد، العدالة ليست مثل المساواة، العدالة توزيع المكافأة بقدر الكفاءة، مثلا عندما تكون أنت مدير شركة ولديك اثنان من العمال، واحد أكثر مهارة في العمل والثاني أقل مهارة، الأكثر مهارة تعطيه جائزة ولا تعطي الآخر، هل هذا ظلم؟ بالعكس فلو ساويت بينهما لكانت المساواة ظلم، العدالة توزيع المكافأة بقدر الكفاءة وليست العدالة المساواة أبدا.

إذا بالنتيجة توزيع المناصب لاختلاف القدرات ليس ظلما، الزوجة لو أعطيت منصب القوامة وهذا مخالف لطبيعتها، لكان هذا ظلما لها، ولو أعطي الرجل منصب الأمومة وهذا مخالف لطبيعته، لكان ظلما له، المسألة أن القدرات وزعت لاختلاف الطبائع، ولاختلاف المستوى النفسي والمستوى الجسمي بين الرجل وبين المرأة، وليس هذا تفضيل، أن الرجل أفضل من المرأة وصارت القوامة له، أو المرأة أفضل من الرجل لأنها هي الأم، لا بل هو توزيع للمناصب لاختلاف الشروط والطبائع، ليس ظلما ولا تفضيلا.

إذا لماذا قال تعالى ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ صاحب الميزان العالم الطباطائي يقول: لو كان المقصود التفضيل المطلق للرجل لقال القرآن بصراحة الرجال قوامون على النساء بما فضلهم الله عليهن، لو كان مقصوده تفضيل الرجل على المرأة مطلقا لعبر بتعبير واضح بما فضل الله الرجال على النساء أو بما فضلهم عليهن، لماذا عبر ببعض وبعض، هذا التعبير ببعض وبعض ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ إشارة إلى ثنائية التفضيل لا أحادية التفضيل، يعني أن الرجل أفضل من المرأة في بعض الجهات، والمرأة أفضل من الرجل في بعض الجهات، أخذ الرجل منصب القوامة لأنه أكثر حزما وأقوى إرادة، وأخذت الأم منصب الأمومة، لأنها أثرى وأغنى عاطفة وشعورا.

﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى الشهادة تحتاج إلى قوة في الإرادة، بما أن المرأة وليست كل امرأة ليس لديها إرادة، القرآن يتحدث عن العظيمات ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ انظر إلى الإرادة الحديدية، امرأة فرعون عذبت بالنار، عذبت بالسياط، ما تنازلت عن إيمانها، إرادة حديدية إلى أن استشهدت ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا مريم التي صمدت وتحملت أمام حديث الناس وأمام إشاعاتهم بكل قدرة وبكل إيمان، إذا هناك نساء هن أفضل من كل الرجال، بما ملكوا من قوة الصمود والإرادة، لذلك القرآن اعتبرهن مثلا ليس فقط للنساء بل للذين آمنوا رجالا ونساء، نحن لا نقول كل النساء ضعيفات في الإرادة، بل نقول نوع النساء، الأحكام في الإسلام تمشي حسب النوع، لا حسب كل فرد، نوع النساء أضعف إرادة أمام العواطف من الرجل، لذلك اشترطت شهادتان مقابل شهادة واحدة، نوع الرجال أقوى إرادة فأعطي منصب القوامة، لوحظ في الأحكام النوع لا كل فرد، وإلا بعض الرجال لا إرادة له، ولا حزم له، يدبره غيره كما يريد وكما يشاء.

كثير من فقهائنا يقول المرأة لا تتولى القضاء، لا ولاية لها، لأن القضاء والحكم يحتاج إلى إرادة صارمة وصامدة، ونوع المرأة، مشاعرها وعواطفها قد تغلب قوة إرادتها في بعض الموارد، لذلك الإسلام حفاظا على منصب القضاء لأنه منصب حساس، وحفاظا على منصب الولاية لأنه منصب خطير، قال المرأة تبعد عن هاذين المنصبين، لا ظلما لها ولا بخسا لحقها ولا تنقيصا من شأنها، وإنما احتياطا لهذه المناصب الخطيرة، إذا المسألة توزيع حقوق المرأة وحقوق الرجل، نتيجة لاختلاف طبيعة المرأة عن طبيعة الرجل.

المرأة في مجتمعنا مازالت متخلفة عن المجال الاجتماعي المفتوح للرجل، لماذا؟ نضرب مثالين:

المثال الأول: المأتم النسائي والمأتم الرجالي

المأتم الرجالي مأتم مفيد ومثمر بالنسبة إلى الرجال، لأن المآتم الرجالية، والمحافل الرجالية تمتلك خطباء ناضجين قادرين على إيصال العقائد الحقة، وعلى إيصال التاريخ والأخلاق والقيم والمفاهيم الإسلامية، وتغذية الجمهور الرجالي في هذه المفاهيم، بينما المآتم النسائية، مازالت أغلب المآتم متقوقعة في العزاء، ليس العزاء على شخص عادي، العزاء على الحسين وإظهار مأساته أمر مهم، ولكن هناك أيضا أمرا أهم، تعلم العقائد الحقة وتعلم الأخلاق والقيم والمسائل الشرعية الابتلائية أهم، لذلك ينبغي الجمع بين الأمرين.

إذا بالنتيجة المآتم النسائية مازالت متخلفة، لا توجد خطيبات قادرات على بيان الحقائق العقائدية، وبيان المفاهيم الإسلامية، والقيم والأخلاق، يحتاج المجتمع النسائي إلى إعادة النظر في تفعيل طاقاته، وتحريك مواهبه، وإخراج الخطيبات العالمات القادرات على العطاء وعلى البذل، نحن نحتاج إلى دروس دينية من قبل أهل العلم للنساء بشكل مكثف، أكثر مساحة، تعليم المرأة على أن تكون مؤلفة، أن تكون ذات قلم، يعني تحريك الطاقات الأدبية والفكرية عند المرأة من أجل تربية العالمات والمؤلفات والخطيبات، ألا نريد الأم الصالحة؟ كيف تكون الأم صالحة وهي جاهلة، من المسئول عن تربية الأطفال في هذا الزمان؟ هي الأم، الأب يخرج للعمل ويرجع متعبا، من الذي يجلس مع الأطفال، من الذي يلقنهم المعلومات؟ هي الأم، إذا أردت أطفالك وأجيالك متعلمين متنورين، فلتتنور الأم كي تنور الأجيال والأطفال، فلتكن الأم متعلمة كي تعلم أطفالها العقيدة والفقه والأخلاق والتاريخ، وأما إذا كانت الأم جاهلة، وأنت تعاملها كما تعامل الجهاز المنزلي، المرأة في بيتك ليست إلا غسالة أو ثلاجة أو فرنا يطهو، لا تعاملها على أنها إنسان يستحق أن يتعلم وأن يتنور كي يكون معلما للأجيال الصالحة، فإذا أنت بالنتيجة كيف تريد أجيالا وأولادا صالحين متعلمين.

فلنأتي إلى مستوى الجمعيات الخيرية، الآن في مجتمعاتنا جمعيات خيرية رجالية، ولماذا لا تكون هناك جمعيات خيرية نسائية، المجتمع يحتاج إلى هذا حاجة ماسة لاستثمار فراغ المرأة، ففراغ المرأة أكثر من فراغ الرجل، الفراغ الذي تتعرض له المرأة الآن في مجتمعاتنا أكثر بكثير من فراغ الرجل، إذا انتهت من أعمال البيت، أو كانت موظفة وانتهت من الوظيفة، أو جاءت أيام العطلة، هذه المرأة كيف تقضي فراغها؟ ترفع سماعة الهاتف، أو تقف أمام القنوات الفضائية، أو تقضي فراغها في أن تخرج للسوق، كل هذه السبل قد تجرها إلى العلاقة الغير مشروعة، الرجل إذا وجد امرأة فارغة، فهو قادر على أن يستولي على المرأة فيلعب بعواطفها ومشاعرها، الرجل إذا استخدم الهاتف واستهوى المرأة، أو بالنظرة أو بالكلمة المحببة وانسابت المرأة مع الكلمات المحببة نتيجة الفراغ القاتل، المرأة تعيش فراغا هائلا، لا ينفع الكلام والنصح على المنابر، بل يجب إشغال وقت الفراغ، لأنه إذا قضى عليها الفراغ وألحت عليها الشهوة واستهواها كلام الرجل زلت.

لا أقول أن الرجال أحسن حالا، حتى شبابنا قد يجرهم الفراغ إلى الرذيلة، ولكن فراغ المرأة أكثر، فهي أكثر تعرضا لهذه المفاسد، إذا لابد من حل عملي لاستثمار فراغ المرأة، وجود الجمعية الخيرية النسائية تشغل فراغ قطاع كبير من النساء، فتشغل وقتها في اليوم ساعتين في الأعمال الخيرية، الفنية، النسوية، خصوصا إذا كانت الجمعية النسائية فعالة، تهتم بالنشاطات النسوية، بالنشاطات الأدبية، بالنشاطات القلمية، المرأة تقضي فراغها وتستثمره، وبالتالي يكون إنشاء الجمعية الخيرية النسائية سببا في استثمار وقت الفراغ وسدا لباب الفتن وارتقاء بالمستوى النسائي إلى مستوى تحرك الطاقات والمواهب وتفعيلها في سبيل النهوض بالمجتمع.

اللاتي خلدهن التاريخ، خلدهن بالعلم، بالفكر، بقوة الإرادة والصمود، التاريخ يثني على مريم ابنة عمران، على فاطمة الزهراء ”خير نساء العالمين أربع: آسية ابنة مزاحم ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد“ فاطمة خلدها العلم والفكر وقوة الإرادة والصمود زينب العقيلة التي يقول فيها زين العابدين أنت يا عمة بإذن الله عالمة غير معلمة، هذه المرأة تنسى المصائب والشجون، وتنسى كل ألوان العذاب، وتقف أمام جبروت يزيد وأمام عرشه متحدية له، ناطقة بكل جرأة وبكل بطولة أمام يزيد ابن معاوية «أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسراء ان بنا هوانا على الله وبك عليه كرامة وإن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسرورا حيث رأيت الدنيا لك مستوثقة والأمور متسقة وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلا مهلا، أنسيت قول الله عز وجل ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ..........»

أي امرأة هذه، لا يقوم مقامها الرجال الأشداء، ولا تقوم مقامها الجبال الراسية، امرأة تمتلك إرادة حديدية، وتمتلك فكر وعلم.