ربط واقعنا بأهداف النهضة الحسينية

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ

صدق الله العلي العظيم

انطلاقًا من الآية المباركة نتحدث عن ثلاث نقاط:

  • في تفسير الآية المباركة.
  • في ارتباط الآية بأهداف نهضة الحسين .
  • في ربط واقعنا بأهداف الحسين .
النقطة الأولى: تفسير الآية المباركة.

أي شخص يقرأ الآية ينقدح في ذهنه هذا السؤال: الآية تقول: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ لماذا؟ ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، أي أن خير الأمة في أن تقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهل من المعقول أن يكون النهي عن المنكر سببًا لتفضيل الأمة على سائر الأمم؟ الأمم الأخرى تقدمت في مجال الثروة العلمية، وفي مجال الثروة التكنولوجية، وتعملقت في الفضاء، وسيطرت على طاقات الكون ومعادنه، فالأمم الأخرى تقدمت بالتكنولوجيا وبالعلم وبالصناعة، ونحن مازلنا نقول: إذا أردتم أن تتقدموا فعليكم بالنهي عن المنكر! هل من المعقول أن يكون هذا النهي اللفظي يسبّب تقدّم الأمة؟!

لو قال الأب لولده: بني، لا تسمع الأغنية، وقالت الأم لابنتها: بنية، لا تتركي الحجاب، وقال الصديق لصديقه: لا تنحرف... إلخ، فهل هذا النهي اللفظي سببٌ لخير الأمة، وسببٌ لأن تكون الأمة الإسلامية خير الأمم وأفضلها؟! الأمم الأخرى تتقدم بالعلم وأنتم تقولون: قولوا: لا تشربوا الخمر، قولوا: لا تترك الصلاة، قولوا: لا تسمع الأغنية، وسوف تتقدمون وتكونون خير أمة وأفضل أمة! هل هذا معقول؟! إذن كيف ينيط القرآن الكريم خير الأمة بالنهي عن المنكر؟! كيف يعلّق الخير على النهي عن المنكر؟!

هذا هو السؤال، ولا بد له من جواب، وحتى الجواب عن هذا السؤال لا بد من فهم الفرق بين مصطلحين للنهي عن المنكر: المصطلح الفقهي، والمصطلح اللغوي والعرفي. بيان أن النهي عن المنكر في المصطلح الفقهي هو عبارة عن نهي لفظي ومنكر سلوكي، أي أنك إذا رأيت فتاة تترك حجابها فقل لها: التزمي بالحجاب ولا تتركي الحجاب، وهذا يسمى نهيًا لفظيًا عن المنكر أمام منكر سلوكي، وهذا هو النهي عن المنكر بحسب المصطلح الفقهي.

وإذا راجعت كتب الرسائل العملية تجد الفقهاء يركزون على هذا المعنى، فيقولون بأن النهي عن المنكر له شروط، منها: أن يكون الفاعل للمنكر عارفًا بأن ما يفعله منكر، ومع ذلك يفعله. ومنها: أن يكون نهيك محتمل التأثير في حقه، وإلا فإذا لم يكن نهيك مؤثرًا فالنهي غير واجب. منها: ألا يكون النهي موجبًا للضرر عليك، وإلا فلا يجب عليك النهي إلا إذا كانت مفسدة المنكر أهم من الضرر الذي يقع عليك، فتقدم المفسدة على الضرر الذي يقع عليك، ويجب عليك النهي عن المنكر. فالاصطلاح الفقهي يقول بأن النهي هو النهي اللفظي.

ولكن لا موجب لحمل الآية على المصطلح الفقهي، بل نحن نحمل الآية على المصطلح اللغوي والعرفي للنهي عن المنكر، والنهي لغةً أعم من النهي اللفظي والنهي العملي الفعلي، والمنكر أهم من أن يكون منكرًا سلوكيًا أو منكرًا فكريًا أو منكرًا اقتصاديًا أو منكرًا اجتماعيًا، وبشرح ذلك يتضح الجواب عن السؤال الذي طرحناه.

المستوى الأول: المنكر الفكري.

نحن الآن في عصر العولمة، وهو في الواقع عصر صراع الحضارات: الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، ولكنه ليس عصر الصراع بالسلاح، بل عصر الصراع بالفكر. عصر العولمة الذي نحن فيه هو عصر صراع الحضارة الإسلامية والحضارة العلمانية الغربية. الحضارة الغربية تملك ألفي قمر صناعي، وتملك قنوات صناعية، وتملك وسائل إعلام مختلفة، والحضارة الغربية من خلال وسائل الإعلام تبث السموم الفكرية، وتبث الأفكار المنحرفة. الحضارة الغربية تبث إلينا كل يوم، وأنت تشاهد من خلال شاشة التلفزيون ومن خلال الإعلانات والتسويقات الإعلامَ الغربي كيف يبث لنا أفكار المنحرفة.

الإعلام الغربي يبث إلينا أن الإنسان إنما يكون سعيدًا إذا امتلك سيارة فخمة، ومنزلاً فخمًا، وأثاثًا فخمًا، وإذا نام على الوسادة الناعمة، وارتاح بطنه، وامتلأ جيبه، فيكون بذلك قد حصل على السعادة. هكذا يعلمك الغرب، وهكذا يبث إليك فكره، حتى تمشي على ضوء هذه الأفكار وتجري وراءها. الإعلام الغربي يبث لنا من خلال قنواته ووسائل إعلامه أن المرأة لا تتحرر ولا تصل إلى طموحها حتى تقف جنبًا إلى جنب الرجل، وحتى تدخل في شتى الميادين والحقول، وحتى تكون سلعة في الإعلانات التلفزيونية والصحفية والتجارية. هكذا ترد إلينا المفاهيم.

هذه المفاهيم منكر، ولكنها ليست منكرًا سلوكيًا، وإنما هي منكر فكري. هذه المفاهيم التي يزرعها الغرب من خلال قنواته الفكرية منكرات فكرية، فكيف ننهى عن هذا المنكر الفكري؟ هناك ملايين المسلمين الذين يشاهدون هذه القنوات، ويستقبلون هذه الأفكار والمفاهيم، فكيف ننهى عن هذا المنكر؟ هل ننهى عنه بأن يصعد الخطيب على المنبر، أو في منبر المسجد، ويقول: أيها الناس، ما تبثه القنوات الفضائية أفكار منحرفة مسمومة؟! مجرد هذا النهي اللفظي لا يؤدي دورًا. كلام المساجد والمنابر لا يؤدي دورًا. ملايين المسلمين تشاهد هذه القنوات الفضائية وتستقبلها وتتأثر بها، فيجب أن يكون النهي عن المنكر بحجمه.

كما أن حجم المنكر حجم إعلامي عريض، يجب أن يكون النهي عنه نهيًا عريض الأطراف بحجم المنكر نفسه، فالنهي عن هذا المنكر بأن يفكر المسلمون في قنوات فضائية متعددة إسلامية لا تطرح إلا الإسلام، ولا تبث إلا فكر الإسلام، ولا تعلن ولا تبلغ إلا مبادئ الإسلام. إذا لم يقم المسلمون بإنشاء قنوات فضائية بالمئات تتحدث عن الإسلام وعن فكره وعن حضارته وعن نقائه وعن مبادئه، فإن هذه المنكرات الفكرية التي تبثها القنوات الغربية تبقى مسيطرة ومخيمة على المجتمع الإسلامي، فهذا منكر فكري، والنهي عنه نهي عملي.

المستوى الثاني: المنكر الاقتصادي.

ما هو البنك المتحكم في عجلة الاقتصاد العالمي؟ البنك الربوي الرأسمالي هو البنك المسيطر على اقتصاد العالم الآن، فإذا البنك المسيطر على العالم بنكًا ربويًا، فهل آتي أنا وأقول: سيطرة البنك الربوي على العالم منكر، ويجب النهي عن هذا المنكر، فأنهى عنه بأن أصعد المنبر في المسجد أو المأتم وأقول: أيها الناس، الربا حرام! القرض الربوي حرام! لا تتعاملوا مع البنوك الربوية! هذا النهي لا يجدي أبدًا، ولا يؤثر أبدًا، لأن الواقع يفرض نفسه.

الناس مضطرون للتعامل مع البنوك الربوية، ومضطرون لتسيير مشاريعهم الاقتصادية ومشاريعهم التجارية على الإقراض والاقتراض، والتعامل مع البنك الذي فرض نفسه على الاقتصاد العالمي، فألف موعظة وألف مقالة وألف منبر وألف مسجد لا يجدي شيئًا. هذا المنكر الاقتصادي - وهو سيطرة البنك الربوي على موارد الاقتصاد العالمي - يجب أن يكون النهي عنه بحجمه وبمستواه، وذلك بإنشاء البنوك الإسلامية التي تثبت فعّاليتها، وتدر أرباحًا هائلة على من يتعامل معها، مقابل البنك الربوي، حتى تثبت جدواها وتثبت جدارتها وتثبت واقعها. وأما مجرد النهي اللفظي: لا تتعاملوا مع البنك! الربا حرام! هذا لا يؤثر شيئًا ولا يغير الواقع.

المستوى الثالث: المنكر الاجتماعي.

الأمة متخلفة، والمجتمع مختلف، ومازالت مجتمعاتنا لا تمتلك طاقات علمية تنهض بها. انظر لأي مجتمع: هذا المجتمع الصغير الذي نحن فيه: كم طبيبًا يملك؟ كم كاتبًا يملك؟ كم أديبًا يملك؟ كم مفكرًا يملك؟ كم فيلسوفًا يملك؟ كم رجلاً ماهرًا في مجال الفيزياء أو الذرة أو الفلك يملك؟ أين طاقتنا؟! كيف نريد أن ننهض ونعتبر أنفسنا خير أمة، ونحن نعيش تخلفًا ثقافيًا واضحًا؟! هذا التخلف الثقافي الذي أوجب أن نعتمد على الغرب في كل شيء منكرٌ، وهذا المنكر لا يغطيه كلام المنابر ومواعظها، وإنما يغطيه قيام مؤسسات خيرية ثقافية تعنى بتفعيل الطاقات وبتأهيلها.

المسلمون ليسوا فقراء، بل يملكون ثروات هائلة، والشيعة يملكون ثروات هائلة، ولكن هل صرفت هذه الثروات في تأهيل الطاقات وفي تفعيلها؟! هل قامت عندنا مؤسسات تهتم بجمع الطاقات؟! تقوم بدراسة ميدانية على الثانويات وعلى الجامعات، وهذه الدراسة الميدانية تمسح المرحلة الثانوية والمرحلة الجامعية، وتختار منها الطلاب المتوفقين الأذكياء، فتقوم هذه المؤسسات بدعمهم معنويًا ماديًا، وبترشيدهم وتفعيل طاقاتهم وتأهيلهم للتفوق العلمي، حتى ينهض المجتمع بطاقاته ومهارته، فهل عندنا كذلك؟! إذن ماذا نقول؟!

نحن مع الأسف نعيش في أفق ضيق صغير، فإذا سمعنا القرآن يقول: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ قلنا: النهي عن المنكر هو أن ترى شخصًا منحرفًا فتقول له: «صير خوش آدمي»! القرآن يريد أن يقول: إذا أردتم التقدم والخير الحضاري فعليكم بأن تقولوا لأولادكم: صلوا وصوموا! المراد بالنهي عن المنكر النهي العملي الفعلي، وليس المراد النهي اللفظي، فإن النهي اللفظي لا يقدم ولا يؤخر، ولا يصنع لنا حضارة، ولا يثبتنا في مقام صراع الحضارات، ولا ينهض بالأمة الإسلامية، وإنما المراد النهي العملي، وذلك ببناء القنوات الفضائية، وبناء البنية الاقتصادية، وبناء البنك الإسلامية، وتفعيل طاقات ومواهب مجتمعنا. هذا هو النهي العملي، ولو قامت به الأمة الإسلامية لأصبحت خير أمة أخرجت للناس، ولحازت قبس السبق والتقدم والتفوق، وهذا هو المقصود من قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ إذا نهيتم نهيًا عمليًا.

النقطة الثانية: ارتباط حركة الحسين بالآية المباركة.

الأقلام كتبت الكثير عن حركة الحسين، وقد كتبت بعض الأقلام الإسلامية أن الهدف من حركة الحسين هو رفض بيعة يزيد بن معاوية؛ لأن الحسين قد قال منذ أول يوم: ”يا أمير، إنا أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ويزيد رجل فاسق، شارب للخمر، قاتل للنفس المحترمة، ومثلي لا يبايع مثله“. بينما بعض الأقلام كتبت أن الهدف من حركة الحسين هو تلبية نداء أهل الكوفة، حيث كتب له بعض أهل الكوافة، ولذلك قال يوم عاشوراء: ”ألم تكتبوا لي أن أقبل إلينا، فلقد اخضر الجناب، وأينعت الثمار، وإنما تقبل على جند لك مجندة؟!“، فالهدف من حركة الحسين هو تلبية نداء أهل الكوفة.

نحن نقول: الهدف الصحيح من حركة الحسين ليس هذا ولا ذاك، بل هو تطبيق المبدأ القرآني: مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الحسين حتى ولو لم يكتب له واحد من أهل الكوفة هو سيخرج على كل حال. افترضوا أن الحسين ما كتب له أهل الكوفة، وما وصلته كتب من الكوفة إطلاقًا، فهل كان سيسكت؟! هل كان سينطوي في منزله في المدينة لأن أهل الكوفة لم يكتبوا له؟! لا، حتى ولو لم يكتب له ولا كتاب واحد كان الحسين سيخرج على كل حال.

وليس الهدف هو رفض بيعة يزيد فقط، بل هذا مصداق من المصاديق، ولو قالت الحكومة الأموية للحسين: أنت باختيارك، فإن شئت بايع يزيد، وإن لم تشأ لم تبايع، ولا شيء عليك سواء بايعت أم لم تبايع، فأنت حر مخير.. هل كان الحسين سيسكت؟! أبدًا لن يسكت، سواء عرضت عليه البيعة أم لم تعرض، وسواء كتب له أهل الكوفة أم لم يكتبوا، هدفه هو تطبيق المبدأ القرآني، ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك سيخرج الحسين على كل حال، ”إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر“.

بعد أن شرحنا في النقطة الأولى معنى النهي المنكر نعرف عظمة هدف الحسين، إذ ليس مقصود الحسين بالنهي النهي اللفظي، بل كان مقصود الحسين بنهضته صنع حضارة، وصنع مجد، وصنع كيان جديد للأمة الإسلامية. الحكومة الأموية من زمان معاوية بن أبي سفيان أهدرت ثروات المسلمين، وفرقتها على بناء القصور، وعلى رفاهية العيش وشراء الضمائر والأديان، وأساءت الحكومة الأموية آنذاك للفكر الإسلامي، فاستأجرت الوضّاعين والكذّابين الذين يكذبون ويضعون الحديث على رسول الله . الحكومة الأموية آنذاك خلّفت المجتمع الإسلامي في انحدار وضياع، ولذلك رأى الحسين أن المنكرات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية التي بثتها الحكومة الأموية آنذاك تحتاج إلى يقظة، وتحتاج إلى هزة، وتحتاج إلى صوت يقوم بصنع حضارة، ويقوم بصنع كيان جديد، ويقوم بصنع قانون ونظام جديد. هدف الحسين كان هدفًا حضاريًا للأمة الإسلامية.

النقطة الثالثة: ربط واقعنا بأهداف الحسين.

مازالت بعض الأقلام الإسلامية تتحدث عن يوم الحسين بفكرتين خاطئتين:

الفكرة الأولى: قضية الحسين قضية شيعية.

مازالت بعض الأقلام الإسلامية تكتب أن قضية الحسين قضية شيعية ليست إلا، فإن الشيعة يحتفلون بذكرى الحسين سنويًا، وقضية الحسين متوقعة ومحصورة عند الشيعة، ولا ربط لباقي المسلمين بها، فقضية الحسين قضية شيعية، ومأساة الحسين مأساة شيعية متقوقعة ومنحصرة في الأفق الشيعي وفي الساحة الشيعية.

هذه الفكرة فكرة تحاصر قضية الحسين، وتريد أن تحصر صوت الحسين في نفوس طائفة خاصة ومذهب خاص، وتريد أن تطوّق صوت الحسين وأصداءه لتقيّده وتقوقعه في فئة خاصة وجماعة خاصة. هذه الفكرة فكرة خاطئة جدًا؛ لأمرين:

الأمر الأول: نريد أن نسأل كل مسلم يقول هذا الكلام: ألم يكن هدف الحسين تطبيق الآيات القرآنية؟! ألم يقل تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ؟! من الذي لبى هذا النداء في عصر يزيد بن معاوية غير الحسين ؟! ألم يقل تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ؟! من الذي حمل هذا الشعار في زمن يزيد بن معاوية غير الحسين ؟!

الشخص الذي يحمل شعار القرآن، ويحمل أهداف القرآن، ويلبي دعوة القرآن، يقال بأن قضيته قضية شيعية؟! أفمن يطبق القرآن الكريم، ويلبي نداء القرآن الكريم، ويحقق أهداف القرآن الكريم، يكون شيعيًا، وقضيته قضية شيعية، ومأساته مأساة شيعية؟! أليس النداء القرآني والأهداف القرآنية لجميع المسلمين؟! إذا كانت هذه الآيات القرآنية والأهداف القرآنية لجميع المسلمين فمن يطبق هذه الأهداف تكون قضيته قضية إسلامية لا شيعية، وقضية قرآنية لا شيعية، وقضية عامة لا خاصة. لماذا تحصر الحسين في فئة خاصة؟! لماذا تقوقع الحسين في أفق خاص؟! مع أن صوته ونداءه هو صوت القرآن ونداء القرآن، والقرآن لا يخص فئة ولا يتقوقع في جماعة خاصة.

الأمر الثاني: أسألك سؤالاً أيها المسلم: هل تجد أحدًا من المسلمين لم يفتخر بعمر المختار؟! إنهم يفتخرون بعمر المختار، ولا يقولون بأن قضيته قضية ليبية، أو قضية طائفية، أو قضية خاصة، بل يقولون: ثائر ثار من أجل قيمه ووطنه، فالجميع يحترمه ويكرّمه. ألا يفتخر المسلمون بمحمد الدرة، الطفل الذي بذل دمه في سبيل قيمه ومثله؟! ألا يفتخر المسلمون بالمقاومة الفلسطينية، لأنها في سبيل المبادئ والقيم؟!

إذا كان المسلمون يرون محمد الدرة وعمر المختار والمقاومة الفلسطينية أمرًا يفرض نفسه على جميع فئات المسلمين، وعلى جميع طوائف المسلمين، وعلى جميع أصقاع وبقاع المسلمين، فهل الحسين أقل من محمد الدرة؟! أو أقل من عمر المختار؟! أو أقل من الذين يضحون بدمائهم في سبيل قيمهم ومثلهم؟! سبط رسول الله وسيد شباب أهل الجنة بإجماع المسلمين، الذي قال فيه رسول الله : ”الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة“.

سيد شباب أهل الجنة الذي بذل دمه ودم أهله وأعوانه وأنصاره في سبيل قيمه ومثله ومبادئه وفي سبيل دينه، فهل يقصر عن الثائرين الآخرين؟! لماذا الثائرون الآخرون نعتبر قضيتهم قضية إنسانية وإسلامية، بينما الحسين قضيته قضية شيعية لا ربط للآخرين بها؟! الحسين لا تقصر ثروته ولا يقصر دمه ولا يقصر جهاده ولا تضحيته عن جميع الثائرين في سبيل مبادئهم وقيمهم.

الفكرة الثانية: الشيعة هم الذين قتلوا الحسين.

يقولون: ماذا نصنع؟! الشيعة هم الذين قتلوا الحسين، وهم المسؤولون عن تكفير ذنوبهم! بما أنهم قتلوا الحسين، فهم المسؤولون عن إقامة المآتم، وهم المسؤولون عن البكاء، وهم المسؤولون عن الندبة؛ لتكفير ذنوبهم، وأما بقية المسلمين فلم يقتلوا الحسين حتى يكفروا عن ذنوبهم بالبكاء والمأتم والعويل! بما أن الشيعة قتلوا الحسين، فعليهم أن يفعلوا ما يفعلون، وأما نحن فلم نصنع بالحسين شيئًا، فلا يجب علينا أن نحتفل بذكراه، ولا أن نهتم بموضوعه ومأساته؛ لأننا لم نشارك في قتله!

هذه الفكرة فكرة خاطئة، وذلك:

أولاً: الحسين بنفسه قال للجيش الذي قاتله: ”يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين فراجعوا أحسابكم إن كنتم عربًا“. الحسين يعتبرهم شيعة آل أبي سفيان، وأنت تأتي - مع أنك كاتب إسلامي - وتكتب إلى يومنا هذا وتقول: الحسين غلطان، فقد كانوا شيعته! الحسين يقول: هؤلاء ليسوا شيعتي، بل إن هؤلاء الذين برزوا لقتالي شيعةٌ لآل أبي سفيان، وأنت تكذّب الحسين وتقول: هم شيعته الذين قتلوه فيستحقون ما يستحقون!! هذه الدعوى وهذه الفكرة - أن الذين قتلوا الحسين هم شيعته - تكذيبٌ صريحٌ للحسين ، وردٌ على مقالة الحسين . سيد شباب أهل الجنة الذي عرف بين جميع المسلمين بالصدق يقول: لم يقتلني شيعتي، ولم يقاتلني شيعتي، وإنما الذي برز لقتالي جماعات شجّعها آل أبي سفيان بالأموال والجوائز، فهم شيعة آل أبي سفيان، وليسوا شيعةً لي.. فلماذا نحن نصر على رد مقالة الحسين؟! لنقتل قضية الحسين ونحصرها في بئر شيعية واحدة!

ثانيًا: لو افترضنا أن مجموعة من شيعة أهل الكوفة كتبوا للحسين وغدروا به وقاتلوه، فهل يجوز أن نعمّم هذه الجريمة على جميع شيعة الكوفة بل على جميع شيعة العالم؟! أما كان من الكوفة حبيب بن مظاهر؟! أما كان من الكوفة زهير بن القين؟! أما كان من الكوفة سعيد؟! أما كان من الكوفة مسلم بن عوسجة؟! أما كان من الكوفة برير وخضير؟! أغلب أنصار الحسين من الكوفة، بل أغلب أنصار أهل البيت من الكوفة. منذ زمن الإمام علي وحتى زمن الإمام العسكري، أكبر فقهاء الشيعة وأغلب أنصار أهل البيت هم من الكوفة، وهم من العراق، فهل يجوز لنا لمجرد أن حثالة من أهل الكوفة آنذاك كتبت للحسين أن أقبل إلينا، فأقبل وغدروا به وقتلوه، لأجل هذه الحثالة نعمّم الجريمة ونقول: الشيعة في كل مكان هم الذين قتلوا الحسين، فهم يتحملون المسؤولية؟!

من أهداف إحياء ليلة عاشوراء:

نحن جئنا هذه الليلة - ليلة عاشوراء - لنحتفل بذكرى الحسين بن علي . نحن جئنا هذه الليلة لنؤكّد على أمرين:

الأمر الأول: أننا نرفض ما رفضه الحسين.

جئنا نستلهم روح الحسين، وجئنا نستقي صوت الحسين، وجئنا نسترفد أصداء الحسين. الحسين صرخ وضحى وبذل وجاهد في سبيل رفض المنكر، وفي سبيل رفض الانحراف، وفي سبيل رفض الفساد، فإذا كنا قد جئنا هذه الليلة للاحتفال بذكرى الحسين فهذه الليلة مبايعةٌ للحسين. علينا أن نبايع الحسين هذه الليلة، وعلينا أن نعاهد الحسين هذه الليلة على أن نكون حسينيين، وعلى أن نكون فاطميين، وعلى أن نكون علويين، وعلى أن نكون محمديين. الحسيني المحمدي الفاطمي العلوي هو الذي يرفض الانحراف في أسرته، ويرفض الانحراف في أولاده.

كيف نرى فتياتنا سافرات غير محجبات ونحن نقول: نحن حسينيون؟! الحسيني من أصر على ابنته وعلى زوجته أن تلتزم بالحجاب الشرعي. الحسين من منع أولاده من مشاهدة القنوات الخليعة. الحسيني من منع أولاده من الانزلاق والانحراف. الحسيني من عاهد الحسين هذه الليلة ألا تكون عنده علاقات غير مشروعة، ولا تكون عنده ميول منحرفة، ولا تكون عنده مشاهدة للأفلام الخليعة، ولا تكون ابنته سافرة، ولا تكون زوجته مقصرة في حجابها.

نحن جئنا هذه الليلة لنبايع الحسين ونعاهده على السير على خطاه، فهل كان خط الحسين يشوبه انحراف أو فساد؟! كيف ندّعي بأننا حسينيون ونبكي ونلطم ونعول ونجتمع ليلة عاشوراء وبيوتنا تملؤها الموسيقى ليلاً ونهارًا، والأفلام الخليعة تشاهَد فيها، وبناتنا لا يلتزمن بالحجاب، والعلاقات غير المشروعة موجودة عند بعض أبنائنا. أين الحسينية؟! أين الاحتفال الصحيح بذكرى الحسين؟! إذا أردنا أن نحتفل احتفالاً صحيحًا واقعيًا بذكرى الحسين فعلينا بالنبذ والتخلي عن الفساد والانحراف في أسرنا ومنازلنا وأولادنا وبناتنا ومن يرتبط بنا. هذا هو خط الحسين، وإلا فلا.

الأمر الثاني: إحياء ليلة عاشوراء بالعبادة.

ليلة عاشوراء ليست ليلة بكاء وحزن فقط. هي فاجعة ومأساة مريعة، فالبكاء واللطم والحزن والعويل ألوان ليلة عاشوراء، لكن ليلة عاشوراء ليلة عبادة، وليلة ذكر، وليلة صلاة، وليلة ارتباط بالله «عز وجل». من أراد أن يحيي ليلة عاشوراء كما أحياها أصحاب الحسين فليحيها بالعبادة. ليلة عاشوراء ليلة عبادة، فإذا أراد الإنسان هذه الليلة أن تظلله رحمة الحسين، وإذا أراد أن تشمله عناية الحسين، وإذا أراد أن يعطف عليه أهل بيت النبوة، فليصل هذه الليلة صلاة الليل.

صلاة الليل من أعظم الأعمال لإحياء ليلة عاشوراء. من أراد أن يكون حسينيًا هذه الليلة فليقرأ دعاء، وليصل صلاة الصلاة، وليخشع لربه، وليبتهل بربه، وليتب إلى ربه توبة نصوحة. أفضل الأعمال هذه الليلة وأهمها أن تصلي ركعتين بخشوع وابتهال، وتتوب فيهما إلى الله توبة نصوحة، وتعاهد ربك على عدم العود إلى الذنوب والمعاصي والرذائل. هذه ليلة دعاء، وليلة عبادة، وليلة رياضة روحية. أما سمعت الخطباء يقولون: بات أصحاب الحسين ليلة عاشوراء ولهم دوي كدوي النحل؟! لا يبكون على الدنيا، ولا يتأسفون على فراقها، ولا يتظلمون لأن أعمارهم قطعت، بل يتزودون من العبادة والصلاة.

إذن أحيوا هذه الليلة بالبكاء واللطم، ولكن أحيوها أيضًا بالعبادة. ليكن عندكم وقت لصلاة الليل، وليكن عندكم وقت للدعاء، وليكن عندكم وقت للتوبة والإنابة. ولأجل عظمة هذه الليلة نقرأ الدعاء سويًا للمؤمنين وللمؤمنات، وللمرضى والمحتاجين، وللمهمومين والمغمومين...