نص الشريط
أخلاق الموت أم اخلاق الحياة
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 2/1/1426 هـ
مرات العرض: 2985
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1579)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

صدق الله العلي العظيم

انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث في نقاط ثلاث:

  • في أن الخلق نزعة أصيلة عند الإنسان أم أنه اتجاه فكري؟
  • في أن المطلوب أخلاق الموت أم أخلاق الحياة؟
  • في خلق الإنسان المتدين.

هل الأخلاق هي نزعة متأصلة في الإنسان بمعنى أن الإنسان خلق ومعه الأخلاق أم أن القيم الأخلاقية تختلف باختلاف الحضارات والثقافات فهناك نظريتان:

النظرية الأولى: أن الأخلاق اتجاهات فكرية قال الدكتورمحمد عادل الجابري في كتابه ”العقل: الأخلاق «العربي»“ بنى نظريته الأولى وهي "أن الأخلاق ليست نزعة أصيلة عند الإنسان وإنما الأخلاق تختلف باختلاف الحضارات وقسمها إلى خمسة:

  •  الأخلاق في الحضارة اليونانية.
  •  الأخلاق في الاتجاه الصوفي.
  •  الأخلاق في الحضارة العربية
  •  الأخلاق في الحضارة الفارسية
  •  الأخلاق في الحضارة الإسلامية
القسم الاول: الحضارة اليوناني

يرى أن ركيزة الخلق واساسه هو السعادة الروحية وهو أن يسيطر العقل على قوة النفس. والقوة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القوة الشهوانية والقوة السبعية والقوة العاقلة.

القوة الشهوانية: هي قوة ضرورية فكيف يأكل الإنسان وكيف ينجب وكيف يلد. ولكن هناك من يشبع الشهوة بإفراط فتسمى ”رذيلة الشراهة“، والذي لا يشبع الشهوة إلا نادراً فهذا يسمى ”رذيلة الخمول“. فالفضيلة هي وسط بين الرذيلتين بين الشره وبين الخمول وتسمى العفة.

القوة السبعية: «أو الإنفعالية» وهي ضرورية للإنسان. ولكن هناك من يستخدم هذه القوة بإفراط بحيث يكون سريع الغضب فتسمى ”رذيلة التهور“. وهناك رجل لا يغضب إلا نادراً فهي ”رذيلة الجبن“. ولكن الفضيلة هي الوسط بينهما وهي تسمى بالحلم والشجاعة.

قوة العقل: وهي التي تسيطر على القوتين السابقتين فإذا سيطرت على القوة الشهوانية كانت عنده فضيلة وإذا سيطر على القوة السابقة فعنده الحلم والشجاعة.

هذا هو الفكر اليوناني وهو موجود حتى عند الفلاسفة المسلمين.

القسم الثاني: الحضارة الفارسية

ما هي القيم الخلقية عند الحضارة الفارسية؟.

هم يركزون على التقديس للقائد والزعيم. فهم يرون أن من القيم الأخلاقية، هي الطاعة التقديسية للقائد والزعيم. فهي تمتد إلى حقول أخرى فالولد يقدس الأب، والعشيرة تقدس رئيس العشيرة، وهكذا حتى دخلت إلى المجتمع العربي، فالدكتور الجابري يقول ”في أواخر الدولة الأموية من آجل القضاء على الثورة والتمرد والمعارضين استخدمت هذه النظرية الفارسية ألا وهي طاعة الخليفة والسلطان“.

أيضاً الدولة العباسية ركزت على هذا الخلق فأبن المقفع كان مترجم ولم يكن أديباً أو فيلسوفاً، بل كان مترجماً للغة الفارسية. وكان يركز على خلق طاعة الخليفة وأمير المؤمنين، فتحول الإعرابي من رجل خشن لا يسكت إلى بدوي يقدس طاعة أمير المؤمنين.

القسم الثالث: الأخلاق الصوفية

نحن عندما نقرأ التصوف من أيامه الأولى وعلى رواده كالحسن البصري وإبراهيم أبن الادهم وغيرهم، يرون أن القيمة الأساسية هي الزهد وان تبتعد عن الدنيا وتعتزل وتعيش وحدك مع الله سبحانه وتعالى. وقد دخلت هذه العقيدة من أجل هدف سياسي. حيث انتشرت الحروب وسفك الدماء. فعندها اعتزل بعض الناس المجتمع.

القسم الرابع: الأخلاق في الحضارة العربية

كان العربي يحمل قيمة أخلاقية وكانت أخلاقه هي ”المروءة“ وترتكز هذه الصفة على الكرم والنجدة.

فالكرم قمة الخلق عند العرب. فالعرب يرون حاتم الطائي رمزاً. والنجدة أيضا يرونها أحد عناصر الاخلاق فعنترة العبسي مثلا يعتبر رمزا للنجدة والولاء للعشيرة.

القسم الأخير: الأخلاق في الحضارة الإسلامية.

فالإسلام جاء بعقيدة الأخلاق وكانت ترتكز على التقوى ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ. التقوى تعنى عنصرين الإيمان والعمل الصالح ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ

فالخلق ليس نزعة متأصلة عند الإنسان هذه هي خلاصة النظرية الأولى والتى يذكرها الدكتور الجابري.

النظرية الثانية: وهي التي تقول أن الخلق نزعة متأصلة عند الإنسان.

ولتوضيح ذلك نذكر ثلاثة أمور:

1 - أن جميع القيم الأخلاقية في العالم ترجع إلى حسن العدل، وقبح الظلم، فهي متأصلة في الإنسان وفي داخله، بل أنه ولد وهي في داخله والدليل على ذلك لا ترى أي إنسان في العالم لا يؤمن بهذين الاصلين من يوم آدم إلى يومنا هذا.

فالعدل هو أعطاء ذي الحق حقه.

والظلم سلب ذي الحق حقه.

فالحياة مثلاً حق من حقوق الإنسان فإذا أعطينا كل إنسان حقه في الحياة فهو عدل، أما إذا سلبنا حق الإنسان في الحياة أصبحنا إرهابيين.

2 - أن كل الأخلاق ترجع إلى هذين الأمرين فالأمانة مثلاً تعتبر عدلاً والخيانة تعتبر ظلماً والصدق والكذب أيضاً ترجع الى هذين الاصلين، فالصدق جميل إذا كان عدلاً، أما إذا كان ظلماً فهو قبيح، مثال إذا جاءت مجموعة ظالمة تبحث عن رجل تريد قتله فإذا أخبرتهم عن مكان وجوده فهذا قبيح أي أن الصدق في هذه الحالة قبيح والكذب هو الجميل لأنه عدل، والكذب قبيح إذا كان ظلماً أما إذا كان عدل فهو حسن، فالأصل حسن العدل وقبح الظلم.

3 - أن الجابري خلط بين الخلق والأدب. فالخلق أصل قرره الإنسان بما هو إنسان ولكن الأدب ممارسة سلوكية يعتمدها الإنسان كتعبير عن الخلق. مثلاً المجتمع الفارسي يتميز بتقديسه للقائد ويرى أن هذه الطاعة شيء مطلوب. فهم يقولون أن ليست الطاعة تقديسية إلا لأنها عدل. فإطاعته شيء جميل وإذا لم يطاع فقد سلب كل ذي حق حقه فهو ظلماً، فطاعة القائد أدب وليس خلق وإنما تعبير للخلق فهو أدب.

فلا يقع الخلط بين الخلق وبين الأدب.

ونفس الشيء بالنسبة للمجتمع العربيل، فهو يعتبر الكرم خلقاً فهو نوع من الأدب فمن حق الضيف أن يكرَّم فإذا أعطي حقه فهو عدلاً، ومنع إكرام الضيف أدب مذموم لأنه يعبر عن الظلم فهو قبيح.

فالمجتمعات تختلف في الأدب وفي طريقة التعبير أو الممارسة له، وليس الاختلاف في الخلق.

النقطة الثانية: كلنا يطلب الخلق ولكن هل أننا نطلب أخلاق الموت أم أخلاق الحياة؟

فمن أين يكتسب الخلق قيمته؟

هنا اتجاهات: الأول من خلال سحق النفس. فهو يكتسب قيمته من خلال سحق النفس بحيث يكبح شهواتها وجموحها. وهذا الاتجاه موجود عند الكثير من مفكرينا كالنراقي صاحب جامع السعادات وغيره. فأصحاب هذا الاتجاه يقولون بتذليل النفس وتحقيرها وهذا الاتجاه يسمى أخلاق الموت.

فهم يحصرون الخلق في زاوية ضيقة فلا ينحصر الخلق في علاج النفس فقط، ولا يجعلون الخلق في اتجاه الحياة الاجتماعية.

فقيمة الخلق بدوره في الحياة الاجتماعية فإذا كانت أخلاقك تحول المجتمع إلى مجتمع متحاب ومتراص، فأخلاقك عظيمة أما إذا كان العكس، ولم يكن لك دور اجتماعي فأخلاقك غير حسنه

والقرآن يؤيد هذه النقطة حيث يقول ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.

مثال ذلك عند أصحاب الاتجاه الأول أن الزهد هو فضيلة دائما لأنه يسحق النفس، بينما أصحاب الاتجاه الثاني يعتبرون أن الزهد وسيلة وليست غاية.

فالصلاة مثلاً عندما ننظر الى النافلة، هل أن النافلة هي قمة الفضيلة أم لا؟

فأصحاب الاتجاه الأول يعتبرونها فضيلة على الدوام. فكلما أكثرتَ من النافلة كلما زدتَ في الثواب. ولكن أصحاب الاتجاه الثاني يقولون: لو تعارض النافلة مع إنقاذ فقير أو نصح مؤمن، فليست الصلاة في ذلك الوقت هي قمة الفضيلة.

فقد ورد عن النبي محمد «إِنَّ لِلْقُلُوبِ إِقْبَالًا وَ إِدْبَاراً فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَتَنَفَّلُوا وَ إِذَا أَدْبَرَتْ فَعَلَيْكُمْ بِالْفَرِيضَةِ».

فلو كان النبي يحمل أخلاق الموت لقال لك أن الصلاة آتي بها أينما كنت ولكنه قال: إذا كانت الصلاة لها تأثير على سلوكك وحياتك وكانت لك رغبه ونشاط فنقوم بها فافعل.

وهناك حديث آخر أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ الْأَوَّلَ «كَانَ إِذَا اهْتَمَّ تَرَكَ النَّافِلَةَ».

فالإمام قد يترك النافلة إلى عبادة أهم، فالصدقة عبادة وزيارة الرحم عبادة، والتعليم عبادة.

فالنافلة فضيلة إذا كان لها أثر إيجابي على سلوكك وعلى حياتك، ولكن إذا كان هناك أهم من ذلك لحياتك قدمت على النافلة.

يقول الإمام الحسن عن امه فاطمة الزهراء ما رايت أعبد من أمي فاطمة الزهراء وما رأيتها دعت لنفسها قط، وأنما تدعوا للمؤمنين والمؤمنات. فلما سألها الحسن لما لا تدعين لنفسك قالت ”يا بني الجار ثم الدار...“

فقد جعلت للصلاة بعداً اجتماعياً لتكون مصدر لحياة اجتماعية أخوية فكيف تكون معظم تصرفاتك لها بعد اجتماعي وفاعل في الحياة فهذا ما نسميه أخلاق الحياة.

فالذين يمارسون أخلاق الحياة يقومون بالتواضع لخدمة المجتمع، بينما الذين يمارسون أخلاق الموت يتواضعون لأنه قتل للنفس.

النقطة الأخيرة: خلق المتدينين

أصبح النظر إلى خلق المتدين نظرة قبيحة فالمتدين لا يختلط مع الغير، وشكله غير مرتب، فإذا رأى العصاة والفسقه قطب في وجوههم، فهذه هي الصورة المأخوذة عن المتدين قد تمتاز بثلاث صفات: العزلة - عدم الانفتاح - وشكله غير المرتب. مما يجعل الناس يبتعدون عنه.

ولكن ما ينبغي أن يكون عليه المتدين أن تكون له أخلاق الحياة وليس أخلاق الموت. فلا بد أن يتسم بثلاث عناصر:

1 - عنصر الجذب:

فالتجمل للناس أمر مستحب. فإذا كان شكلك شكلاً لطيفاً وعطرك عطراً لطيفاً، احبك الناس. وإذا ذكروك ذكروك بمحبه وإطراء لأنك تمتلك عنصراً جذاباً فالرسول محمد لا يرى إلا متجمل ومتعطراً.

كان الإمام الصادق يطوف بالكعبة فأمسك به أحد المتصوفة وقال له كان جدك أمير المؤمنين يلبس الثوب المرقع بينما أنت تلبس الثوب القهوي المروي فقال له كانت الحياة في زمن جدي فقر فساوى بينه وبين الفقراء أما إذا أقبلت الدنيا فخيارها أولا بها من أشرارها.....»

فالمؤمن المتدين في زماننا ينبغي أن يكون جذاباً للأخرين.

2 - الانفتاح وعدم العزلة:

فلا بد أن يكون منفتحاً على جميع الطبقات فإذا دخل على مجتمع جمع القلوب والمشاعر، فهو المتصل بسيرة المصطفى فالنبي لم يكن له أصحاب معدودين فلا بد أن يكون لك قطاع كبير من الأصحاب ومن جميع الطبقات ”كونوا زيناً لنا بغير ألسنتكم“ وقد ورد عن الرسول محمد «أفضلكم أحسنكم أخلاقاً» وورد عنه أيضاً ”الدين المعاملة“

3 - متى يكون العبوس والتقطيب محموداً:

تقطيب الوجه والعبوس في حالة أن يكون هذا التقطيب يجدب الفاسق والعاصي إلى الدين، عند ذلك لا بأس. أما إذا كان ذلك يبعده عن الدين فليس مرغوباً.

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فهذه أخلاق آهل البيت حتى مع أعدائهم أخلاقهم حسنه ففي وقعه الحرة حيث لما ثاروا على بني أمية في المدينة فقد ائتمن مروان عائلته ووضعها عند الإمام وهو ألد أعداء الإمام زين العابدين حتى قالت عائلته لقينا في بيت زين العابدين من التكريم ما لم نلقاه عند مروان.

قراءة نقدية من خارج التشيع
الثقافة البنكية برؤية اسلامية