نص الشريط
قراءة نقدية من خارج التشيع
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 3/1/1426 هـ
مرات العرض: 2819
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1283)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ

صدق الله العلي العظيم

انطلاقاً من الآية المباركة نطرح فكرة ذكرتها مجموعة من الأقلام الإسلامية كقراءة نقدية للفكر الإمامي. وملخصها أن هناك تناقضاً وتهافتاً في الفكر الإمامي، فالإمامية يعتبرون العقل محوراً يتمركزون حوله، ومن جهة أخرى يتبنون مرتكزات غير عقلانية، ولا تمت للعقل بصلة.

فعندما تقرأ الفكر الإمامي ترى تناقضاً في المنظومة الفكرية لهذا المذهب، فهو من جهة يقدس العقل ومن جهة أخرى يصطدم معه. وهناك عدة مظاهر.

1» أن الفكر الإمامي يرى المرجعية الأولى للعقل.

فهو صاحب السلطة الأولى، حتى أفعال الله عز وجل يخضَعها الإمامية للعقل، فالحسن ما يحسنه العقل، والقبيح ما يقبحه العقل، حتى مع أفعال الله سبحانه وتعالى. فيقولون لو أن الله سبحانه أدخل محمداً إلى النار وأدخل إبليس إلى الجنة، فإن هذا فعل قبيح فلا يمكن أن يصدر منه سبحانه.

2» أن الفكر الإمامي يرى العقل مصدراً من مصادر التشريع.

فالمصادر أربعة: القرآن والسنة والإجماع والعقل. سواء أكان ذلك من أحكام العقل العملي أو من مدركات العقل النظري. فالعقل العملي يرى أن التجري على المولى عز وجل قبيح فلابد أن يحكم الشرع بأنه حرام. فيرون حرمة التجري على الله سبحانه. فهم يقولون ”ما حكم به العقل حكم به الشرع“.. أو كان من مدركات العقل النظري فمثلاً: إذا وجب شئ وجبت مقدمته فإذا وجب الحج وجب السفر إليه، فالعقل عند الإمامية مصدر من مصادر التشريع.

3» أن علماء الإمامية من أيام السيد المرتضى إلى يومنا هذا مزجوا الفكر بالفلسفة.

لذلك برع علماء الإمامية في مجالات الفلسفة. وأصبحوا من الرواد الأوائل في علم الفلسفة. فنصير الدين الطوسي صاحب ”تجريد الاعتقاد“ وابن سينا وملا صدرا الشيرازي وغيرهم، أبطال ورواد في علم الفلسفة. قد أبدعوا نظريات لم يسبقوا بمثلها. فنظرية ملا صدرا الشيرازي ”الحركة الجوهرية“ ما زالت محور البحوث في علم الفلسفة. حتى في الفلسفات الغربية. وغيرهم من العلماء المتأخرين فقد أبدعوا في هذا العلم أيضاً. كالسيد الطباطبائي صاحب تفسير الميزان، والشهيد المطهري، والسيد الصدر. هؤلاء أعلام قد أبدعوا في علم الفلسفة وأبدعوا نظريات مازالت بكراً.

فعلى سبيل المثال كتاب ”الأسس المنطقية للاستقراء“ للسيد الشهيد السيد الصدر تعرض مدى العمق الفلسفي لعلماء الإمامة ففي نظرية ”دليل حساب الاحتمالات“ الموضوعة في على الرياضيات نقحه السيد الصدر وأضاف إليه مقدمات ومواد تنتج أنه يوصل إلى اليقين القطعي بالنتيجة. فهو قدم دليلاً في علم الرياضيات وفي علم الفلسفة لم يسبق بمثله. فالسيد الصدر قدم علماً في الفلسفة والرياضيات لم يسبق بمثله.

فبالنتيجة الإنسان عندما يقرأ هذا العالم ماذا يستوحي؟. يستوحي أن الفكر الامامي فكر يعتمد على الفلسفة والدقة العقلية في تمام مراحله.

من جهة أخرى نجد أن الفكر الإمامي يرتكز على مرتكزات ليست عقلية، ولا تلتقي مع المنطق البرهاني، ولا القوة الفلسفية التي يقرها العقل. فهو يناقض نفسه فهو يتبنى مرتكزات لا تلتقي مع العقل ولا المنطق البرهاني ولا القوة الفلسفية التي يعرفها هذا الفكر. ونذكر هنا ركيزتين:

1 - الركيزة الأولى العقيدة:

فالفكر الإمامي يتبنى العصمة المطلقة. أي انه يتبنى أن النبي أو الإمام معصوم عصمة مطلقة. ويقرون أن الإمام لا يعصي ولا يسهو ولا ينسى ولا يخطأ. فهذه الركيزة غير عقلائية بل تصطدم مع العقل.

لأنهم يقولون أن النبي والإمام بشر والبشر محدود. فهو محدود في استقباله للمعلومات، ومحدود لتحليله للمعلومات، ومحدود في تطبيقه للمعلومات. فعنده قصور في الاستقبال والتحليل والتطبيق. فإذا كان عنده قصور. فهو من الطبيعي أن يكون في معرض السهو والنسيان والخطأ. فما دام محدودا فهو في معرض النقص، فكيف يقرر الفكر الإمامي أن النبي والمعصوم بشر ثم لا يسهو ولا ينسى ولا يخطئ. فهذه الفكرة هي مصادمة للعقل ولا تلتقي مع الفكر الإمامي.

2 - الركيزة الثانية مسألة الانتماء:

فكل المذاهب الإسلامية عندها ركيزة الانتماء ويقرون بالانتماء. فالحنابلة ينتمون إلى الأمام أحمد، والشافعية ينتمون إلى الإمام الشافعي، والجعفرية ينتمون إلى الإمام جعفر. وهي مسألة مشتركة بين الفكر الإمامي والمذاهب الأخرى. ولكن هناك فرق بين الانتماءين. فانتماء الحنابلة انتماءً معقولاً، فهو انتماء المتعلم إلى معلم.

أما انتماء الإمامية لأئمتهم انتماء غير معقول فهم يعتقدون أن الأئمة واسطة بين البشر وبين الله. فهذه النظرية - نظرية التوسيط - تصطدم مع العقل. ولا تبتني على أساس عقلي. فإذا كان الله أقرب إليّ من حبل الوريد فما معنى التوسيط؟. وإذا هو أقرب إلي من الأئمة فما معنى توسيط الأئمة؟. فالعقل يعترف أن الله أقرب إليّ من أي واسطة فكيف تكون هناك واسطة؟ إذاً بالنتيجة الفكر الإمامي يعيش في داخله وفي منظومته الفكرية تناقضاً واضحا بين محورية العقل وبين قوله بمرتكزات لا عقلانية لها.

نحن الآن نريد أن نناقش هذه الفكرة:

فنقول: أن الفكر الإمامي فكر عقلائي وفلسفي في تمام مرتكزاته، وفي تمام مختاراته. فهو لم يبتعد عن المنطق العقلي، ولم يبعد المنطق البرهاني في جميع مرتكزاته وفي جميع معتقداته. فهو لا يوجد به مرتكزاً لا يرتكز على الأصول العقلية. فمن قرأ الفكر الامامي قراءة مستوعبة وقراءة شمولية، لا يجد مرتكزا ولا يجد معتقدا لا يرتكز على أساس عقلي. ونحن هنا نقيم البرهان:

فالركيزة الأولى: وهي ركيزة العقيدة

نقول أن النبي أو المعصوم لا يخطئ بل عنده العصمة المطلقة. وهي تماما تنسجم مع العقل. بل أنها تتطابق مع المنطق العقلي فكيف؟

أولاً أن جميع المذاهب الإسلامية تؤمن بالعصمة المطلقة - وليس فقط الشيعة -. فالمذاهب الإسلامية الأخرى تقول أن الأمة الإسلامية معصومة جميعها. استنادا إلى الرواية الواردة ن النبي ”لا تجتمع أمتي على خطأ“. فما معنى هذا الكلام؟. تعني إذا اجتمعت الصحابة على أمر فهو مطابق للواقع، فلو اتفقت الصحابة على أن الخليفة الأول هو أبو بكر والثاني عمر والثالث عثمان والرابع علي. فهذا الاتفاق موافق للواقع. فنحن نقول بما أن الصحابة بشر لعل إجماعهم كان على غفلة أو سهو فهم في معرض السهو والنسيان، فكيف ترى أن الأمة معصومة ولا تجتمع على خطأ؟. مع أن العصمة تصطدم مع العنصر البشري. والأمة عنصر بشري. فهذا هو النقض.

أما الحل: نحن نطرح سؤال: هل يمكن للبشر أوهو: طر على نفسه سيطرة تامة، بحيث يمنعها عن السهو أو النسيان أو الخطأ؟ وللإجابة على هذا السؤال نسأل سؤالاً آخر وهو: هل يمكن للبشر أن يسيطر على الماديات التي حوله؟

وهل يمكن لبشر مثلا أن سيطر على حركة الرياح؟

وهل يمكن للبشر أن يحول المادة الترابية إلى كائن حي؟ أو هل يمكن للبشر أن يسيطر على المسافات الزمانية والمكانية؟ بحيث يكون الآن في هذه الأرض وبعد ثانية يكون في ارض تبعد ألفين كيلو عن هذه الأرض؟.

فهل يمكن أو لا يمكن ذلك؟

فالقرآن يقول عن النبي سليمان ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ «36» وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ «37» وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ «38» هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ «39». والقرآن يتحدث عن عيسى بن مريم ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى. فهو الذي يخلق وينفخ في الطير ولكن بأذن الله.

وهل يمكن لبشر أن يسيطر على المسافات؟. القرآن يقول ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ثانية واحدة وإذا هو في المسجد الأقصى. فهو يسيطر على المسافات.

فهل يمكن لبشر أن يسيطر على المادة، وعلى المسافات، وعلى الريح؟. فإذا قلت لا يمكن. فأنت عارضت القرآن. فالقرآن يقر بذلك. وإذا قلت نعم يمكن للبشر أن سيطر على ذلك صار الجواب واضح.

والنفس أهون من الكون. فمن استطاع أن يسيطر على الكون؟ ألا يمكن له أن يسيطر على نفسه؟

فإذا كان البشر يمكن أن يسيطر على الخارج. ألا يمكن أن يسيطر على الداخل وعلى نفسه. فقد سيطر على الرياح والمسافات والزمن فهو قادر على أن يسيطر على داخل نفسه من باب أولى.

فالمسألة مسألة عقلية وليست غير عقلية. وربما يقول: أن النبي سليمان على الريح وعيسى سيطر على الطين بإذن الله. فنقول من استطاع أن يسيطر على الكون بإذن الله فيستطيع أن يسيطر على نفسه بإذن الله. فإذا كانت السيطرة على الكون ممكن أن تحصل بإذن الله. فممكن أن تحصل هذه السيطرة على النفس بإذن الله، فيمنعها من الخطأ والغفلة بإذن الله.

الوجه الثاني:

أن الله سبحانه وتعالى حكيم، والحكيم هل يفعل القبيح؟ فهو عندما بعث النبي أونصب الإمام بعثه ونصبه لهدف، فما هو الهدف من بعثة النبي وتنصيب الإمام؟

الهدف من ذلك أن يكون النبي أو الإمام حجة مطلقة على الخلق في فعله، وفي قوله، وفي سكوته، وفي كلامه، وفي تمام شؤونه. هذا هو الهدف من البعثة والتنصيب. بأن يكون حجة. القرآن يقول ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. والرسول يقول ”إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي“.

فهل يمكن لنبيٍ أو إمام أن يكون حجة مطلقة وهو في معرض السهو والنسيان والخطأ؟. فما دام في معرض السهو وكيف يكون حجة؟ لأن كل فعل فيه يحتمل السهو.

فعلى سبيل المثال، الرسول عندما حج حجة الوداع لم يقف لشرح الحج بتفاصيله. لم يكن هناك وقت لشرح أحكام الحج بتفاصيلها. بل قال أيها المسلمون ”خذوا عني مناسككم“. فطاف وسعى ووقف بعرفة ووقف في مزدلفة، ثم وصل منى ورمى الجمرات وذبح، ثم قصر إلى آخره. والمسلمون يتبعونه في مناسكه.

فكيف يكون حجه - وهو في معرض السهو والخطأ - ولعله قد سها في أداء المناسك أو أخطأ فيها؟ فلا يمكن أن يكون حجة في تمام أفعاله إلا إذا كان معصوماً عصمة مطلقة. فلا يسهو ولا يخطئ ولا ينسى. ولا فرق في ذلك بين ماهو في مجال التشريع أغيره.

وربما يقال أن الرسول لا يسهو في التشريع ولكن يسهو في حركته الشخصية؟ نقول وكيف لنا أن نعرف أنه في تشريع أو في غيره.

فمثلاً عندما كان للنبي جار يهودي وزاره النبي . فكيف لنا أن نعرف أن هذه الزيارة تشريع أم حركة شخصية أو ممارسة شخصية؟ فمن الذي يفصل لنا أن النبي الآن مشرع أم أن النبي الآن غير مشرع؟.

وإذا قال لنا النبي امني أنا الآن لا أشرع وإنما أزور جاري اليهودي، لعله أخطأ في كلامه هذا. أو بالعكس قال أنا الآن في مجال التشريع. لعله أخطأ فيكون ألان في ممارسة دوره الشخصي. فمن الذي يفصل لنا ويقول أن النبي ألان مشرع والنبي ألان غير مشرع؟. فالذي يفصل بين المقامين هو النبي فإذا كان النبي في معرض السهو وفي معرض الخطأ لعله إذا فصل بين المقامين يكون فصله عن سهو أو عن نسيان. فما لم يكن للنبي عصمة مطلقة في تمام أفعاله وشؤونه يبقى احتمال السهو والنسيان في أقواله وأفعاله لم يصبح حجةً مطلقاً في أقواله وأفعاله. وإذا لم يكن حجة مطلقة ضاع الهدف من بعثته ومن رسالته. وحين إذ يكون بعث الله له بعثاً لغوا واللغو قبيح، والقبيح لا يكون منه سبحانه وتعالى.

فمقتضى أن الله حكيم أن يضمن هدفه ولا ضمان لهذا الهدف إلا أن يكون النبي له عصمة مطلقة، فهذه العصمة أصلها عقلي وليس نقلي. وهي من مرتكزات الفكر الإمامي.

الركيزة الثانية:

تقرر أن الفكر الإمامي يرى أن أهل البيت وسائط بين الخالق والمخلوق. وهذا التفكير مصادم للعقل من ناحيتين:

1/ أن الله أقرب للإنسان من حبل الوريد فكيف يكون هناك واسطة؟ فالتوسيط مخالف للعقل.

2/ أن الفكر الإمامي يرى أن أهل البيت وسائط. لم؟ لأن هذا المنطق، منطق الجاهلية، ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، فأصبح المنطق الإمامي هو منطق جاهلي. فالجاهلية يقولون إنما نعبد الأصنام ليقربونا إلى الله زلفى. والامامية يقولون نحن نوسط أهل البيت ليقربونا إلى الله زلفى. فلا فرق بين المنطقين. فأصبح المنطق الامامي نفس المنطق الجاهلي.

فكيف تعتمدون على هذه الركيزة مع مصادمتها للعقل؟

الجواب: توسيط أهل البيت بين الخالق والمخلوق يقرره العقل تماماً. وسنثبت لك ذلك من خلال البحث

• الفلاسفة يقولون أجزاء العلة ثلاثة:

مقتضي، شرط، عدم مانع

فمثلاً النار عندما تحرق الخشب..

فالنار تعتبر العامل الأول وتسمى مقتضي.

العامل الثاني الاقتراب فلو لم يقترب الخشب من النار فهي لا تحرقه. فالاقتراب شرط في تحقق الاحتراق. العامل الثالث رفع المانع فلو أن الخشب الصق به مانع، وكان المانع يمنع من وصول الحرارة إلى الخشب، فإن الخشب لن يحترق. فعندنا عوامل ثلاثة نفس الشئ في الله سبحانه وتعالى: فالله عندما يريد أن يخلق الجنين في بطن أمه. هناك عوامل ثلاث:

فالله هو مصدر لإفاضة الوجود، الشرط الثاني لقاء الذكر والأنثى، الشرط الثالث عدم المانع فلو استخدمت المرأة مانع من موانع الحمل. فلو استخدمت مانعا من موانع الحمل لن يحدث حمل. فلابد من الأمور الثلاثة.

الله سبحانه وتعالى يقول ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا فعرفنا أن المتوفي هو الله. وفي آية أخرى يقول ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ ليس فيها أي تناقض. فالله هو المقتضي والواسطة هو ملك الموت وعدم المانع.

قلنا هناك مقتضي وهناك شرط، هناك فاعل وهناك واسطة، وهذه الواسطة قد تكون مادية وقد تكون غير مادية.

نورد هنا مثال، المريض مثلاً يريد الشفاء. فالشفاء كيف يحصل؟

فمن هو المقتضي بالشفاء؟ المقتضي للشفاء هو الله سبحانه وتعالى. ولكن الشفاء يحتاج إلى واسطة فتكون مادية كشرب الدواء وربما غير مادية مثل الدعاء. فالله سبحانه وتعالى يقول ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فالله هو المقتضي والواسطة الدعاء.

فربما يقال لما الواسطة ”الدعاء“ والله أقرب إلينا من حبل الوريد؟ فلا يحتاج لواسطة الدعاء؟ ولكن الله يقول لا.. ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فلن تحصل على الشفاء إلا بواسطة. الله قادر على أن يوجد المسببات مباشرة، ولكن شاءت حكمته أن يكون هناك وسائط إما مادية أو غير مادية. من الوسائط غير المادية: الصدقة بإجماع المسلمين. فالمسلمين يرون عن النبي محمد "الصدقة تدفع البلاء، ود أبرم إبراماً.، صلة الرحم واسطة، الدعاء واسطة.... هناك آية وهي 74 من سورة التوبة ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ الله يغني معقولة ولكن الرسول يغنيهم كيف؟. فكيف الحل؟. الحل عند فلسفة الشيعة. مقتضي وشرط.

فالمقتضي للغناء هو الله. ولكن كيف أن الرسول يغني؟ لأن الرسول واسطة

وهذه عقيدة الإمامية.

فنحن عندما نتخذ أهل البيت واسطة بين الخالق والمخلوق. فهذا ليس تأليف وليس مخالف للعقل. بل هو موافق للعقل وموافق للقرآن الكريم. فالرسول هو واسطة وأهل البيت واسطة بين الله وعباده.

الأمر الثالث: أن صاحب الفكرة يقرر أن توسيط أهل البيت بيننا وبين الله هو تبعيد للمسافة.

نقول أن الله سبحانه وتعالى لاقترابه منا لا يحتاج إلى واسطة. ولكن قربنا نحن منه يحتاج إلى واسطة

فقرب الله منا هو قرب واقعي «هو أقرب إلينا من حبل الوريد». فنحن لا نطلب قرب الله منا وإنما نطلب قربنا من الله. فاقترابه منا لا يحتاج إلى واسطة ولكن اقترابنا منه سبحانه نحتاج إلى واسطة. ففرق بين قربه منا وقربنا منه فهنا وقع الخلط. وقربنا منه قرب روحي. والقرب الروحي يحتاج إلى الواسطة المحبوبة لدى هذا الذي نتقرب إليه.

فالواسطة قد تكون مكانية ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى.

وقد تكون الواسطة زمانية ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «1» وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ «2» لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ «3».

وقد تكون الواسطة واسطة سلوكية عملية ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ فتكون الصبر والصلاة واسطة للاقتراب منه سبحانه وتعالى.

وقد تكون الواسطة شخصية ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا. فاستغفار الرسول واسطة للاقتراب من الله. السمهودي في كتابه ”وفاء الوفاء“ وهو من علماء أهل السنة يقول ”أن هذه الآية عامة حالة حياته وبعد مماته“.

فلسنا نحن نقول بذلك، بل القرآن يقرر، إذا أردتم الاقتراب مني فلابد لكم من واسطة. فهو يقول ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ. إذا فجعل الوسيلة يقربنا إلى الله.

الأمر الرابع: أن منطق الإمامية هو منطق الجاهلية ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى

والامامية يقولون إنما نوسط أهل البيت ليقربونا من الله زلفى. فأي فرق بين منطق الجاهلية وبين منطق الجاهلية؟. الجواب:

إن الفرق واضح في التعبير. الآية المباركة دقيقة في التعبير تقول ”إنما نعبدهم“ ولم تقل ”إنما نتوسل بهم“. فالعبادة معناها التأليه. أي أن الجاهلية كانوا يعتقدون أن الآلهة متعددة. فالله اله وهبل اله. فهم يقولون نحن نعبد هبل ولا نعبد الله. فإذا عبدنا هبل فإن الله يرضى. فعبادة هبل عبادة لله. فهم يقولون بتعدد الآلهة.

ولكن الإمامية يتخذون أهل البيت وسيلة وواسطة. والواسطة لا تعني التأليه. بل هي مجرد خضوع. وإلا هل الخضوع للمخلوق حرام؟. القرآن يقول ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا. فالقرآن يأمر بالخضوع للوالدين. والقرآن يقول عن النبي يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا فهل هم عبدوا يوسف؟ لا بل خضعوا له. والقرآن يقول في حق آدم ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا فالسجود هنا من باب الخضوع وليس العبادة. فالتوسل بأهل البيت خضوعا لهم والخضوع للمخلوق ليس ممنوعا. نفس الفكرة الفلسفية الأولى.

فالفرق بين منطق الامامية ومنطق الجاهلية هو المقتضي والشرط. أهل الجاهلية يعتقدون أن هبل مقتضي. أي أن هبل يفيض الوجود كما أن الله يفيض الوجود. لذلك اعتبرت عبادة وهذا شرك. لكن الإمامية لا يعبدون غير الله ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ أبداً. وإنما أهل البيت مجرد شرط ومجرد واسطة. ففرق بين التوسيط وبين التأليه. فلا وجه للمقارنة بين المنطق الجاهلي وبين المنطق القرآني العقلي، الذي يقول به الفكر الامامي.

فختام كلامنا أنه ليس هناك أي تناقض بين مرتكزات الشيعة الإمامية. وليس هناك تهافت في المنظومة الفكرية للامامية. هم مع العقل والى العقل ومن العقل في تمام مرتكزاتهم وفي تمام قضاياهم العقيدية.

فالطبراني في المعجم الكبير يقول ”أنه لما ماتت فاطمة بنت أسد. أقبل النبي وحفر قبرها بيديه. فلما حفر القبر ثم اضطجع النبي في القبر ورفع يديه ثم قال اللهم إني أسألك بحق نبيك وبحق الأنبياء من قبلي إلا غفرت لأمي فاطمة بنت أسد ووسعت عليها مدخلها، ثم قال: رحمك الله يا أمي بعد أمي.

كيف نكشف الابداع في مجتمعنا
أخلاق الموت أم اخلاق الحياة