نص الشريط
المنهج الإمامي في الأحاديث النبوية
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 6/1/1424 هـ
مرات العرض: 3636
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1684)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى

صدق الله العلي العظيم

التشريع الإسلامي له مصدران أساسيان: المصدر الأول: الكتاب الكريم، والمصدر الثاني: السنة، وهي الأحاديث الصادرة عن النبي محمد سواء كان الراوي عنه أهل البيت، أو كان الراوي عنه غيرهم، وحديثنا هذه الليلة عن السنة، وذلك في ضمن نقاط:

النقطة الأولى: ما هو منهج الطرفين الشيعة والسنة في التعامل مع الحديث؟

كلا الطرفين من الإمامية وغيرهم يرون أن حديث النبي مصدرٌ من مصادر التشريع، وأنه حجة يعتمد عليه، ولكن هناك فرقًا في منهج التعامل مع الحديث المروي عن النبي، وهناك نوعان من الفرق بين الإمامية وغيرهم في التعامل مع حديث النبي:

الفرق الأول: الإمامية يعتقدون بأن للنبي عصمة مطلقة، فكل ما يصدر منه فهو حق، وكل ما يتلوه فيجب الأخذ به؛ اتباعًا لإطلاق الآيات القرآنية، كقوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا، وقوله: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، ولذلك فإن الإمامية يحتجون بجميع أحاديث رسول الله ويهتمون بها جميعًا حفظًا وتدوينًا واحتجاجًا واستدلالاً.

أما الطرف الآخر - المتمثل في إخواننا من المذاهب الإسلامية الأخرى - فهناك دلائل تدل على أن غير الإمامية لم يعط حديث النبي حجم الاهتمام والاعتبار والاستناد الذي أعطته الإمامية لحديث النبي .

أولاً: ما رواه الذهبي في [تذكرة الحفاظ، ج1، ص5] عن عبد الله بن عمرو بن العاص: كنتُ أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله ، فنهتني قريش، وقالوا: تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله، ورسول الله بشر يتكلم في الرضا والغضب؟! فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله، فقال: ”اكتب، فو الذي نفسي بيده ما خرج منه - وهو يشير إلى فمه - إلا حق“، أي أن قريش كانوا لا يؤمنون بالعصمة المطلقة، بل يقولون بأن ما يصدر منه قد يكون إلهيًا وقد يكون بشريًا، فلا يحتج بجميع ما يصدر عنه، بل يحتج ببعض أحاديثه دون بعض.

وهذه العقيدة التي كانت تعتقد بها قريش لم تقتصر عليهم، بل امتدت لما بعد وفاة النبي ، وأصبحت خطًا فكريًا عند بعض المسلمين، فكانوا يقولون بأن الرسول ليس معصومًا عصمة مطلقة، وبالتالي لا تدوّن جميع أحاديثه، ولا يحتج بجميع أحاديث.

ثانيًا: ما رواه الذهبي في [تذكرة الحفاظ، ج1، ص2 - 3]، حيث قال بأن أحد الصحابة جمع الناس بعد وفاة النبي، وقال: إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافًا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئًا، فمن سألكم فقولوا: بيننا كتاب الله.

وفي [طبقات ابن سعد، ج5، ص140]: إن الأحاديث كثرت على عهد بعض الصحابة، فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها أمر بتحريقها.

وفي [تذكرة الحفاظ للذهبي، ج1، ص4] يقول قربة بن كعب: لما سرنا إلى العراق مشى معنا بعض الصحابة فقال: أتدرون لم شيعتكم؟ قال: أردت أن تكرمنا، قال: إن مع ذلك حاجة، إنكم تأتون أهل قرية - يقصد العراق - لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله، وأنا شريككم! يقول قربة بن كعب: فما حدثتُ بعده شيئًا عن رسول الله.

وبقي هذا المنع من كتابة الحديث ومن روايته وتدوينه زمنًا، وإن كنا لا ننكر أن بعض الصحائف قد كُتِبَت، كالصحيفة التي كتبها عبد الله بن عمرو بن العاص، والصحيفة التي كتبها سعد بن عبادة، والصحيفة التي كتبها سعد بن عبادة، والصحيفة التي كتبها سمرة بن جندب، والصحيفة التي كتبها جابر بن عبد الله، لكنها كانت صحائف معدودة، وكانت معدودة الصفحات ووريقاتها، فلم تكن بمستوى هذه الآلاف من الأحاديث المروية عن النبي الموجودة فعلاً في ما يسمّى بكتب السنن أو بكتب الصحاح الستة.

لما جاء عهد عمر بن عبد العزيز كتب - كما في [فتح الباري، ج1، ص218] - إلى أهل المدينة: أن انظروا حديث الرسول فاكتبوه، فإني خفت دروس العلم وذهابه أهله، وكان ابن شهاب الزهري أول من دوّن الحديث على رأس المئة، أي أن الحديث لم يدوّن إلا بعد مئة سنة من الهجرة، فأين الأحاديث التي كانت قبل هذه المئة؟!

ولكن القضية لم تنته بذلك، ففي [تهذيب التهذيب، ج12، ص39]: كتب عمر بن عبد العزيز، ولكن قال ابنه بعد وفاته: ضاعت تلك الكتب! وهكذا ضاع الحديث وتلف مرة أخرى، حتى ولي أبو جعفر المنصور، وحرّض العلماء على التدوين، وذلك - كما يقول الذهبي - سنة 143، حيث صنّف ابن جريد التصانيف في مكة، وسعيد ابن أبي عروبة وحماد بن سلمة والأوزاعي بالشام، وصنّف الإمام مالك كتاب الموطأ في المدينة، كما في [تذكرة الحفاظ، ج1، ص160].

إذن نلاحظ أن فئة من المسلمين منعت أو لم تهتم بتدوين الحديث إلى ما بعد مئة سنة أو 143 سنة، ومقتضى العادة والأوضاع الطبيعية أن يتلف كثير الحديث؛ لموت الحفاظ، ولموت المتحملين له، وبالتالي لم يصل من الحديث الصحيح المعتبر عن رسول الله إلى أيدي المسلمين إلا الشيء القليل والنزر النادر.

بينما كان الإمامية يمشون على سيرة أهل البيت، وكان أهل البيت - ابتداء من علي بن أبي طالب وأبنائه الحسن والحسين إلى آخر الأئمة - يدونون حديث رسول الله، ويواظبون على تدوينه وكتابته وإملائه وتناقله، فبقي الحديث النبوي عند أهل البيت محفوظًا، إلى أن وصلنا يدًا بيد، فإن أول من دوّن هو الإمام أمير المؤمنين باعتراف البخاري، حيث يقول بأن الإمام عليًا صعد المنبر وقال: ”لم يكن عندنا - أي: في زمان النبي - كتاب نقرؤه إلا هذه الصحيفة“، ثم أخرج صحيفة فيها أحكام الجراحات والديات وأسنان الإبل المشروطة في باب الزكاة، وأن المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، ويذكر البخاري عدة روايات [صحيح البخاري، ج1، ص38، كتاب العلم، باب كتابة العلم].

هذه الصحيفة التي ينقل عنها البخاري ذكرها النجاشي أيضًا في [رجال النجاشي، ج2، ص260]، حيث ذكر أن الحكم ابن عتيبة أو عينية جعل يسأل الإمام الباقر ، وأبو جعفر يجيبه، فاختلفا في شيء، فقال أبو جعفر: قم يا بني، أخرج كتاب علي، فأخرج كتابًا، وفتحه، وجعل ينظر، حتى أخرج المسألة، ثم قال أبو جعفر: هذا خط علي وإملاء رسول الله ، ثم قال: يا أبا محمد، اذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يمينًا شمالاً، فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل.

إذن أهل البيت كانوا يواظبون على كتابة الحديث، وينقل أيضًا رجال النجاشي في ترجمة الحسن بن علي الوشى: يقول أحمد بن محمد بن عيسى: خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث، فلقيت الحسن بن علي الوشى، فسألته أن يخرج لي كتاب العلاء بن علي، وأبان بن عثمان الأحمر، فأخرجهما إلي، فقلت: أحب أن تجيزهما، قال: رحمك الله! وما عجلتك؟ اذهب فاكتبها، لو عملت أن هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه، فإني أدركت في هذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - تسع مئة شيخ، كل يقول: حدثني جعفر بن محمد الصادق.

وينقل النجاشي عن الإمام الصادق: ”لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين، إنما هي أصول علم نتوارثها كابرًا عن كابر عن رسول الله ، ونكنزها كما يكنز الناس الذهب والفضة“، أي أن هذه الأحاديث النبوية مدوّنة مكتوبة محفوظة مكنوزة كما يكنز الناس الذهب والفضة.

وبالتالي جُمِعَت هذه الأحاديث في أصول شاعت بين الشيعة آنذاك، وقد سمّيت الأصول الأربعمائة، ومن هذه الأصول كتبت الكتب الأربعة: الكافي للكليني، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق، والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي، فالفرق الأول بين منهج الإمامية وغيرهم في التعامل مع الحديث هو الاهتمام بجميع ما دوّن، وعدم الاهتمام بجميع ما دوّن.

الفرق الثاني: أن الشيعة الإمامية اعتنت بتراث أهل البيت طبقًا لحديث الثقلين.

الترمذي في سننه، ومسلم في صحيحه في فضائل علي بن أبي طالب يذكر حديث الثقلين، وأحمد بن حنبل في مسنده في باب فضائل علي بن أبي طالب يذكر حديث الثقلين: ”إني تارك - أو مخلف - فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي“، فاتبعت الشيعة الإمامية حديث الثقلين، واهتمت بتراث أهل البيت، ولم تضيّع رواية وردت عن أهل البيت ، بينما المنهج الآخر لم يهتم بتراث أهل البيت.

ربما يقول أصحاب المذاهب الإسلامية الأخرى: نحن لا علاقة لنا بأحاديث الكافي؛ لأنها أحاديث فيها نفس خاص وعقيدة خاصة.. ولكنهم لم يهتموا حتى بالتراث الآخر! فمثلاً: الصحيفة السجادية ليست مروية عنا، بل مروية بسند متصل إلى زيد بن علي بن الحسين، والصحيفة السجادية كتاب موجود في اليمن وفي العراق وفي مصر وفي إيران وفي كل مكان، ومع ذلك لا تجد أحدًا يهتم بالصحيفة السجادية كتراث لأهل البيت إلا الإمامية، مع أنها ليست من كتاب الكافي ليحق لهم فرضها! بل هي رواية متصلة إلى زيد بن علي بن الحسين، وهو ثقة عندكم، ومع ذلك لا تبالون بالصحيفة السجادية، مع أنها مجرد أدعية لا تحمل عقيدة ولا خطًا فكريًا مناوئًا ولا معارضًا!

السيد المرعشي «قدس سره» - وهو أحد المراجع - يقول في مقدمة الصحيفة السجادية المطبوعة سنة 1361: في سنة 1353 بعثت نسخة من الصحيفة الشريفة إلى العلامة المصري المعاصر الجوهري الطنطاوي - المفسر المعروف - مفتي الإسكندرية ليطالعها، فكتب إلي من القاهرة: أشكرك.. ثم قال: ومن الشقاء أنّا إلى الآن لم نقف على هذا الأثر القيّم الخالد من مواريث النبوة وأهل البيت، وإني كلما تأملتها وجدتها فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق.

ومن دلائل عدم اهتمامهم بتراث أهل البيت أيضًا: ما ذكره الذهبي في [سير أعلام النبلاء، ج4، ص402] حيث قال: وقد كان أبو جعفر إمامًا مجتهدًا تاليًا لكتاب الله كبير الشأن، لكنه لا يبلغ في القرآن درجة ابن كثير، ولا في الفقه درجة أبي الزناد، ولا في الحفظ ومعرفة السنن درجة قتادة!

ولذلك نفس السيرة مشى عليها الخلف تبعًا للسلف، وهذا الإمام البخاري المحدّث في صحيحه ما روى عن الإمام الصادق حديثًا واحدًا، وهو معروف بين المسلمين بأنه من علماء آل محمد، وفي المقابل روى عن مروان بن الحكم في [صحيح البخاري، ج1، ص265، كتاب صفة الصلاة]، وروى عن عمران بن حطان الخارجي الحروري، الذي كان يفتخر بقتل علي ، وذلك في [صحيح البخاري، ج5، كتاب اللباس، ص2194].

وأعظم من كل ذلك أن ابن خلدون - الذي يقدّسه كثير من الباحثين والمؤرخين ويعتبرونه أول مدوّن لعلم الاجتماع في العرب - قال في [مقدمة ابن خلدون، ج1، ص446]: وشذ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وفقه انفردوا به، وبنوا على مذهبهم قولهم بعصمة الأئمة ورفع الخلاف عن أقوالهم، وهي كلها أصول واهية.

ومن مظاهر الاهتمام بتراث أهل البيت أيضًا: أن البخاري ومسلم أخرجا في صحيحيهما عن إسحاق بن سويد بن هبيرة العدوي التميمي البصري، وهو الذي يقول عنه الذهبي في [تهذيب التهذيب، ج1، ص252]: كان إسحاق يحمل على علي تحاملاً شديدًا. وقد أخرج البخاري أيضًا في صحيحه عن حريز بن عثمان الرحدي الحمصي، وهو الذي قيل عنه في [ميزان الاعتدال، ج1، ص475]: كان حريز ينال من علي، وقيل أيضًا في [تهذيب الكمال، ج2، ص91]: سمعتُ إسماعيل بن عيّاش يقول: عادلت حريز بن عثمان من مصر إلى مكة، وكان يسب عليًا ويلعنه.

إذن بالنتيجة: عرفنا بالمقارنة الفرق بين منهج التعامل مع الحديث عند الإمامية، ومنهج التعامل مع الحديث عند غيرهم من المذاهب الإسلامية الأخرى، ولسنا نتهجم على أحد، وإنما نبيّن الفوارق بالأدلة والأرقام، فلهم رأيهم، ونحن لنا رأينا، وقد أوضحنا الفرق بين الرأين.

النقطة الثانية: لماذا لا يوجد كتاب صحيح عند الشيعة؟

طرح الكثير من الباحثين هذه المسألة، فقالوا بأن المذاهب الأخرى خطت خطوات جليلة ومهمة، حيث كتبت صحيحًا أو صحيحين، كصحيح البخاري ومسلم، فلماذا لا نجد هذه الخطوة عند الشيعة الإمامية، بحيث يكون لهم كتاب صحيح يجمع الأحاديث الصحيحة المتفق على صحتها عندهم؟

نقول: هناك فرق بين صحيح السند وصحيح المضمون، وهناك فرق بين ما هو الصحيح وبين ما هو الحجة، فليس كل حديث صحيح حجة يعتمد عليها، وقد قام الشيعة الإمامية ببعض المحاولات، حيث كتب الفقيه الشيخ محمد تقي التستري كتاب «الأحاديث الدخيلة»، وكتب الشهيد الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني «منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان»، وكتب البهبودي كتاب «صحيح الكافي»، فهذه كتب موجودة ومطبوعة، ولذلك نحن لا ننكر وجود محاولات تصحيح عند الشيعة الإمامية.

لكننا مع ذلك نقول: لا فائدة في جمع الأحاديث الصحيحة سندًا؛ لأنها وإن كانت صحيحة سندًا لكن لا ملازمة بين كون الحديث صحيح سندًا وبين كونه حجة، فقد يكون الحديث صحيح سندًا ولكننا لا نعمل به، فليس كل حديث صحيح بحسب السند فهو صحيح بحسب الواقع وصحيح بحسب المضمون، بحيث يحتج به ويُعْمَل به، بل هناك عدة شروط للعمل بالحديث، فالشيعة الإمامية لا يبحثون عن صحيح السند، بل يبحثون عما هو حجة، أي: بما هو جامع لشروط العمل والاحتجاج، وهذه الشروط هي:

الشرط الأول: ألا يكون الحديث من الأحاديث الإسرائيلية.

إذا كان الحديث من الأحاديث الإسرائيلية فالشيعة لا يعبؤون به وإن كان صحيح السند، فمثلاً: في نسخة التوراة المحرفة [سفر الملوك، الإصحاح 22، رقم 19]: فاسمع إذن كلام الرب، قد رأيت الرب جالسًا على كرسيه، وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره. وفي كتاب [مجموعة الفتاوى، ج5، ص527] نقلاً عن شيخ الإسلام: مما جاءت به الآثار عن النبي أنه إذا جلس - تبارك وتعالى - على الكرسي سُمِعَ له أطيط كأطيط الرحل الجديد!

مثال آخر: في [سفر التكوين، الإصحاح 3، رقم 8]: سمعتُ صوت الإله ماشيًا في الجنة، وهو يقول: سمعتُ صوتك في الجنة. ونلاحظ ما يشبه هذا موجودًا في [شرح حديث النزول، ص220]: إن موسى لما نودي من الشجرة: اخلع نعليك، أسرع الإجابة وتابع التلبية، وكان مستأنسًا للصوت، وهو يقول: أسمع صوتك وأحس حسك!

الشرط الثاني: ألا يكون الحديث موجبًا لوهن مقام النبي المصطفى .

في [صحيح البخاري، كتاب الغسل، باب من إذا جامع ثم عاد] وفي صحيح مسلم عن أنس: كان النبي يدور على نسائه كلهن في ساعة واحدة، وهن إحدى عشرة، قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين رجلاً. هل هذا مناسب للنبي؟! هذا كتاب من كتب المسلمين وهكذا يتكلم عن النبي!!

وفي [صحيح مسلم، كتاب الحيض] وكذلك البخاري في نفس الكتاب: عن عبد الله بن شدّاد: سمعتُ ميمونة: كان رسول الله إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه وهي حائض أمرها فائتزرت. أي أنه كان يباشر نساءه وهن حائض!!

الشرط الثالث: ألا يكون الحديث منافيًا لحكم العقل.

في [صحيح البخاري، ج1، ص449] عن أبي هريرة: عن النبي : لما أرسل ملك الموت إلى موسى «عليهما السلام» فلما جاءه صكه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت!

لم أذكر الرواية لأجل الضحك؛ فإني لا أضحك على أحد ولا أستهزئ بأحد، وإنما أقول: نحن الشيعة لا نعمل بهذه الأحاديث، فإن غيرنا يقبلها عقله بينما نحن لا نقبلها، وغيرنا يرى أن هذه الأحاديث صحيحة ومقبولة عنده، ولذلك يقول: نحن خطونا خطوات وسعينا سعيًا حثيثًا، بينما أنتم الشيعة لم تخطوا هذه الخطوات! نقول: نحن لسنا مستعدين لأن نخطو ولا ذرة خطوة لمثل هذه الأحاديث! نحن نركز على الحديث الحجة لا على الحديث الصحيح السند وإن كان مشتملاً على مضامين لا يُعْمَل بها.

ومما لا يقبله العقل أيضًا: الأحاديث التي ظاهرها تجسيم الله تبارك وتعالى، جل جلاله عن ذلك، ومنها: ما ذكره [صحيح البخاري، ج6، ص2453]: عن أنس بن مالك: قال النبي : ثم لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فتقول: قطٍ قطٍ وعزتك! ويُزْوى بعضها على بعض.

إذن بالنتيجة: نحن يختلف منهجنا في التعامل مع الحديث عن منهج غيرنا، وبالتالي فلنا طرقنا ولنا مصنفاتنا الخاصة، ولنا منهجنا الخاص، تبعًا لأئمتنا أئمة الهدى الذين خلّفهم الرسول على الأمة، فقال: ”مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من تمسك بها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى“.

الدور الأسري للمرأة في الإسلام
الغيبة وأسرارها