نص الشريط
الغيبة وأسرارها
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 5/1/1424 هـ
مرات العرض: 3061
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1852)
تشغيل:

بسم ا الله الرحمن الرحيم

﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ

آمنا بالله، صدق الله العلي العظيم

تعرض بعض الكُتّاب لبعض الشبهات في مسألة الإمام المنتظر - عجل الله فرجه الشريف -، ونحن نتعرض لأهم هذه الشبهات والإجابة عنها.

الشبهة الأولى، وهي تتضمن ثلاث فقرات:

الفقرة الأولى: أن الإمامية ومنهم الشهيد الإمام الصدر - قدس سره -، اعتمدوا في إثبات ولادة الإمام المهدي - عجل الله فرجه الشريف - على رويات النواب الأربعة: العمري وابنه، والحسين بن روح، وعلي بن محمد السمري، وروايات هؤلاء لا يمكن الاعتماد عليها، لأنهم يجرون النار إلى قرصهم، يدّعون ولادة الإمام والنيابة عنه كي يحصلوا على منصب الزعامة عند الشيعة، وكي يأخذوا أموال الشيعة بعنوان أنه حق الإمام ، فدعواهم أن هناك إمامًا وأنهم نواب عنه لايعتمد عليها لأنها دعوا مريبة وموطن للتُهَمَة.

الفقرة الثانية: أن هناك بعض الروايات التي اعتمد عليها الشيخ المجلسي صاحب البحار - أعلى الله مقامه -، اعتمد على بعض الروايات في إثبات ولادة الإمام، ورواة هذه الروايات من المعتقدين بالولادة، هم جماعة اعتقدوا بولادة الإمام وساقوا هذه الروايات إثباتا لمعتقدهم، فإذا كانوا قد ساقوا هذه الروايات إثباتا لمعتقدهم فكيف نعتمد على رواياتهم؟، المفروض أن نأخذ الرويات من طرف من محايد، لا من طرف يدعي هذه العقيدة ثم يسوق الرواية دليلا على صحة معتقده.

الفقرة الثالثة: أننا نعتمد في روايات إثبات ولادة الإمام - - وغيبته على كتاب الكافي، وكتاب الكافي متضمن لروايات موضوعة ومقطوع بعدم صحتها، كروايات تحريف القرآن الكريم، فإذا كانت بعض رواياته موضوعة، فكيف نعتمد على رواياته الأخر؟، وكيف يحصل لنا الوثوق برواياته الأخرى؟، هذا هو تمام الكلام حول هذه الشبهة، نحن نتعرض للإجابة عنها تفصيلا.

الملاحظة الأولى على هذه الشبهة: أن ما يذكره علماء الأصول أن خبر الثقة حجة، متى ما كان المخبر ثقة فخبره حجة. يعني يعتمد عليه ويأخذ به، واحتمال أنه متهم أو احتمال أنه له قصد وراء خبره، أو احتمال أن له دواعي وأهداف وراء خبره، لا يعتمد على هذه الإحتمالات ولا يعتنى بها مادام المخبر ثقة، والدليل على ذلك الآية القرآنية والبناء العقلائي.

الدليل الأول: أما الآية القرآنية فقوله تعالى: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَالحجرات: 6، هذه الآية تتضمن منطوق ومفهوم، منطوقها جملة شرطية ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا يعني خبر الفاسق لا يؤخذ به ولكن يُتَبَيَّنْ صحته وعدم صحته، مفهومها أنه لو جاء بالخبر عادل فلا يُتَبَيّنْ. أي لا حاجة إلى أن تتبينوا أن خبره صحيح أو غير صحيح. مادام عادلا، فلا يؤخذ بالاحتمالات والشكوك، احتمال أنه يقصد شيء، احتمال عنده أهداف أخرى، احتمال عنده دواعي أخرى، مقتضى إطلاق الآية المباركة من حيث مفهومها أن الجائي بالخبر إن كان عادلا فلا يتبين خبره، بل يؤخذ به ويعول عليه، فخبر الثقة يؤخذ به ولا يبالى بالشكوك والأوهام.

الدليل الثاني: هو بناء العقلاء. انظر إلى المرتكز العقلائي وسيرة العقلاء كيف يتعاملون مع الأخبار، لو جاء إنسان مريض مثلا بمرض القلب إلى طبيب متخصص بأمراض القلب، وقال الطبيب للمريض: أنا عندي علاجك، أنا إنسان أعرف مرضك وأنا قادر على علاجك وقادر على تخليصك من هذا المرض، هذا الطبيب ثقة وأخبر أنه قادر على علاج هذه المرض وقادر على تحديد الدواء، فلو توقف المريض وقال: لا، لعل عنده غرض من هذا الكلام، لعله يريد أن يأخذ أموال من عندي، لعله إنما قال لي أنا طبيبك وعندي علاجك وتشخيص دوائك لعل غرضه أن يأخذ أموالي من خلال العلاج، فأنا لا أعمل بخبره ولا أعتمد عليه، ألا يلومه العقلاء؟، يكون موقع الملامة بين الناس. يقولون له: هذا طبيب ماهر صاحب اختصاص، وإنسان ثقة، قال مرضك كذا وعلاجك كذا، فماذا لاتعتمد عليه؟!، تقول لا، هو متهم عندي، لعل عنده قصد، لعله يريد أن يأخذ أموال من عندي!، يقول العقلاء هذا الاحتمال لا يعتنى به، المهم أنه طبيب ثقة.

مادام ثقة، فيعول على خبره ويأخذ بكلامه، المفروض أن النواب الأربعة قبل أن يقولوا بأنهم نواب كانوا معروفين بين الشيعة بجلالتهم، ووثاقتهم، وزهدهم وورعهم، كانوا معروفين بين المسلمين آنذاك بالجلالة والوثاقة. ولذلك لما ادعوا أن هناك إماما وأنهم نواب عنه، ما توقف العلماء، هناك علماء كانوا أعلم منهم. كان في تلك الفترة فقهاء للشيعة أعلم من هؤلاء النواب الأربعة، الأشعريون في قم، والصدوق والد الصدوق في قم وغيرهم من علماء الشيعة في ذلك الوقت، مع ذلك لما أخبر النواب الأربعة أنهم نواب عن الإمام اعتمدوا عليهم وأمروا الشيعة بالرجوع إليهم، ولم يتوقفوا ولم يقولوا: «هؤلاء يجرون النار إلى قرصهم ولعل عندهم دواعي ولعل عندهم أغراض وراء ذلك».

علماء الشيعة آنذاك لم يعترضوا عليهم بأي اعتراض، بل سلموا بكلامهم وأصبحت الشيعة ترجع إلى هؤلاء النواب الأربعة في مسائلها وأحكامها وقضاياها الدنيوية والمادية من دون معارضة، بل بتأييد من علماء الشيعة آنذاك، إذن وثاقة المخبر هي مناط حجية خبره.

الملاحظة الثانية: ما هو الميزان في كون الخبر صحيحا سنداً؟، كيف نستطيع أن نعرف أن هذا الخبر صحيح بحسب السند أو ليس بصحيح؟، كيف نعرف أن سند الخبر صحيح أم ليس بصحيح؟

الميزان أن نرجع إلى أقوال علماء الرجال، هذا الخبر له رواة، مثلا رواه الحميري عن الجعفري، عن زرارة عن فلان عن فلان، هذا سند يشتمل على عدة رجال، هؤلاء الرجال نرجع إلى تراجمهم في كتب علم الرجال، فإذا قرأنا تراجمهم في كتب علم الرجال ووجدنا علماء الرجال ينصّون على وثاقتهم بأن هؤلاء الرجال ثقاة، إذا نص علماء الرجال على وثاقة الرواة ثبت لنا أن هذا الحديث حديثٌ صحيح سنداً، لأن رواته ممن وثقهم علماء الرجال، أما هل الرواي يعتقد بعقيدة معينة أو لا يعتقد؟، هذا لا ربط له بقبول الخبر، لاربط له بكون الخبر صحيح سندا أو ليس بصحيح، إذا اعتقد مثلا بعض الرواة بعقيدة معينة، ثم أخبرنا بخبر يؤيد عقيدته ويدل على صحة عقيدته وراجعنا كتب الرجال ووجدنا أن هذا الراوي ثقة ومعتمد عليه عند علماء الرجال، يؤخذ بخبره.

ولا يشترط أن تكون عقيدته موافقة للخبر أو مخالفة للخبر، هذا شرط لم يشترطه علماء الرجال أصلا، ولذلك سنذكر الآن من بعض الأخبار، أخبار المعروفين بين الطائفة بأنهم علّة الرواة وثقة الرواة كأبي هاشم الجعفري وعلي بن إبراهيم القمي وغيرهم الذين سنذكر روايتهم، لو أن الشخص اعتقد بعقيدة، بعد أن اعتقد جاءنا بخبر يؤيد صحة عقيدته، ربما نتوقف!، أما لو قال لنا شخص أنا إنما اعتقدت بالعقيدة الفلانية لأجل هذه الرواية، يعني هذه الرواية هي دليلي على عقيدتي، هذه الرواية هي مستندي في عقيدتي، هذه الرواية هي البرهان الذي اعتمدت عليه لإثبات معتقدي، مادام المخبر ثقة فيُعَوّل على خبره ويُؤخَذ به ولا يُلتَفَتُ إلى مثل هذه الاحتمالات.

الملاحظة الثالثة: غريب من هذا الكاتب أن يقول: ”كيف نعتمد على روايات الكافي والحال بأن في الكافي روايات غير صحيحة كروايات تحريف القرآن؟!، علينا ألا نعتمد على رواياته لأنها محل شك“.

1 - هذا الكاتب نفسه اعتمد على كتاب «الفرق للنوبختي»، وهو كتاب فرق الشيعة، واعتمد على كتاب الأشعري القمي في كتابه «الفرق والمقالات». اعتمد على هذين الكتابين في إثبات الحيرة بعد وفاة الإمام العسكري ، أثبت أن الشيعة وقعوا في حيرة بعد وفاة الإمام العسكري، اعتمادا على هذين الكتابين، والواقع أن هذين الكتابين كما يشتملان على روايات صحيحة، يشتملان على روايات موضوعة أيضا!، أنت الآن اعتمدت على كتاب الفرق للنوبختي واعتمدت على كتاب الفرق والمقالات للأشعري القمي وهما كالكافي فيهما روايات صحيحة وفيهما روايات غير صحيحة، فيهما روايات مطابقة للواقع وفيهما رويات مخالفة للواقع، ومع ذلك أنت اعتمدت عليهما في اثبات وقوع حيرة عند الشيعة بعد وفاة الإمام العسكري ، كيف صح لك أن تعتمد على كتاب فيه قسمين من الروايات: روايات صحيحة وروايات غير صحيحة؟، كيف صح لك ذلك؟

2 - لا يشترط في الاعتماد أن تكون جميع رواياته صحيحة، لأننا لا نعتمد على الكتاب بل نعتمد على الرواية نفسها، كل روية نأخذها بمفردها ولا يهمنا في هذا الكتاب ما هو، نأخذ الرواية، نقرأ سندها، نتابع سندها في كتب الرجال، إذا كان سندها موثقا في كتب الرجال أخذنا بها وإلا فلا، أما وجود رويات غير صحيحة في هذا الكتاب فليكن، ما دامت هذه الروايات معتبرة وموثقة في كتب علم الرجال، نعتمد عليها. وإلا، فعلى كلام الكاتب لا يبقى كتاب من كتب المسلمين يؤخذ منه حديث واحد، لأن جميع كتب المسلمين كما تشتمل على روايات صحيحة، تشتمل على روايات موضوعة أو مقطوع بعدم صحتها، فمن أين يأخذ الكاتب أحكامه الشرعية؟، أحكام الصلاة، أحكام الصيام، أحكام الحج أحكام الزكاة، من أين يأخذها؟، ألا يأخذها من الكتب؟!، ألا يأخذها من كتب الحديث؟!، كل كتب الحديث تشتمل على روايات موضوعة وغير صحيحة، كيف يعتمد عليها في أخذ الأحكام الشرعية مع اشتمالها على قسم من الروايات الغير صحيحة؟!.

وأنا الآن أذكر لك الكتاب الذي اعتمد عليه، هو اعتمد على كتاب النوبختي نفسه، النوبختي ذكر أنه وقعت حيرة بين الشيعة بعد وفاة الإمام العسكري - ع -، وأخذ منه هذه الكلمة وسجلها نقطة اتهام، أخذ هذه الكلمة من النوبختي وسلجها كدليل على عدم التطبيق بولادة الإمام المهدي - عج - وغيبته.

بينما النوبختي نفسه يقول «صفحة: 111» من نفس الكتاب ”قد رويت أخبار كثيرة أن القائم خفي على الناس - يعني القائم موجود لكنه خفي على الناس - وأنه لا يعرف إلا أنه لايقوم حتى يظهر. ويعرف أنه إمام ابن إمام، وصي ابن وصي، يؤتم بع قبل أن يقوم، ومع ذلك فيعلم أمره وأمر ثقاته وثقاة أبيه، لئلا ينقطع من نسل الحسن بن علي - - ما اتصلت به أمور الله عز وجل ولا ترجع إلى الإخوة بل ترجع إلى عقبه“.

فهذا نفسه النوبختي، نفس الكتاب الذي اعتمد عليه يصرح بأن هناك أخبار كثرة تدل على ولادة الإمام وأنه خفي أمره وأنه لا يظهر إلا إذا عرف أنه إمام ابن إمام، لم يأخذ بهذه بل وضعها على جانب، وأخذ بأن النوبختي يقول وقعت حيرة، النوبختي نفسه ينقل وجود أخبار كثيرة على ولادة الإمام وعلي غيبته وخفاء أمره، لماذا أخذت هذه الكلمة ”أن هناك حيرة وقعت بين الشيعة كدليل على عدم ولادة الإمام “، ولا غرابة في ذلك، لاحظ الكافي يذكر بسند معتبر عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله - يعني الإمام الصادق - يقول ”إن للغلام غيبة قبل أن يقوم“، قلت لم؟ قال ”يخاف على نفسه“، ثم قال ”يازرارة وهو المنتظر الذي يُشَك في ولادته، فمنهم من يقول مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول حَمَل ومات، ومنهم من يقول أنه ولد قبل موت أبيه بسنتين وهو المنتظر، غير أن الله عز وجل يحب أن يمتحن الشيعة - حتى يفرز المؤمن من غير المؤمن -، فعند ذلك يرتاب المبطلون“، الذي عنده ريب يخرج من القائمة ويبقى تحت القائمة الشيعة المؤمنون الثابتون حقاً.

الملاحظة الرابعة: - وهي المهمة - أنا الآن أقيم لك أدلة كافية ووافية على ولادته وعلى وجوده عجل الله فرجه الشريف، العقلاء إذا بحثوا عن وجود شخص، كيف يثبتون وجوده؟، مثلا نحن لا ندري هل ولد للنبي ولد اسمه ابراهيم أو لا؟، لا ندري أنه هناك ولداً للنبي اسمه إبراهيم أو ليس له، كيف نثبت ذلك؟ ماهي الطرق لإثبات أن هناك ولد اسمه إبراهيم؟

الطريق الأول: أن يخبرنا من رآه، الذي رآه يقول نعم رأيت ولدا للنبي إسمه إبراهيم، ويكون إخبار من رآه إذا كان المخبر ثقة دليلاً على وجوده.

الطريق الثاني: علماء الأنساب، علماء الأنساب إذا ترجموا للنبي وذكروا أن من أولاده إبراهيم، عرفنا أن هناك ولدا له يقال له إبراهيم لأن علماء التراجم والأنساب ينصوا على ذلك.

الطريق الثالث: اعتراف من يخاصمنا بالموضوع. مثلا، إنسان ينكر، يقول لا ليس للنبي ولد، النبي لم ينجب إلا بنتا أو النبي لم ينجب إلا بنات، نحن نقول لا كان له ولد اسمه ابراهيم مات في زمان أبيه، إذا رأينا في ثنايا كلام هذا الشخص المُنكِر اعتراف بوجود ابراهيم من حيث لا يشعر أخذنا به كإقرار عليه، إذا رأينا في كلامه تعريفا أو اعترافا وإقراراً بوجود إبراهيم ساقه من حيث لايشعر أخذنا به كإقرار عليه، أخذنا به كحجة ضده. هذه الطرق كلها مشتملة ومجتمعة تثبت وجود ولادة الإمام والآن أقرأ لك.

الكاتب - وغريب أمره - جداً قال: ليس هناك رواية صحيحة على أسماء الأئمة الإثني عشر" بمعنى أنه لا توجد رواية على أن الرسول نص عليهم أو الإمام علي نص عليهم بأسمائهم لا توجد رواية صحيحة. وخصوصا زين العابدين يقول انه لم تنص عليه أي رواية صحيحة، بل توجد روايات كثيرة يمكنكم أن ترجعوا إليها في كتاب الكافي وكتاب إكمال الدين للصدوق.

نذكر هذه الرواية، الصدوق روى بإسناد صحيح عن عبد الله بن جندب عن موسى بن جعفر، لاحظ هذه الرواية فيها تعليم من قبل الإمام موسى بن جعفر للشيعة الإمامية، عن الإمام موسى أنه قال قبل أن يولد الإمام المنتظر وأبوه وجده ”تقول في سجدة الشكر: اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك، أنك أنت الله ربي والإسلام ديني ومحمداً نبي وعليا والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة بن الحسن أئمتي، بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرأ“، ذكره صاحب الوسائل في الجزء السابع الصفحة الخامسة عشر.

طرق إثبات ولادة الإمام ووجوده:

الطريق الأول: كما قلنا إخبار من رآه، من رآه إذا كان مخبر ثقة يؤخذ به،

المعتبر عن أبي هاشم الجعفري في «أصول الكافي - الجزء الأول - الصفحة 328»، قلت لأبي محمد - الإمام العسكري - ”جلالتك تمنعني من مسألتك فأذن لي أن أسألك فقال“ سل ”، قلت: ياسيدي هل لك ولد؟ قال“ نعم ”، قلت: فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه، قال“ سل عنه بالمدينة فإنك تراه".

الخبر الآخر المعتبر عن محمد بن علي بن بلال أيضا في «أصول الكافي - الجزء الأول - صفحة 328 - باب 76» قال: خرج إليّ من أبي محمد قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده ثم خرج إليّ قبل مضيه بثلاث أيام يخبرني بالخلف من بعده.

إذن هذه روايات تؤكد على ولادة الإمام وأن له ولد وأن له خلف، السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد عمة الإمام العسكري، هذه هي القابلة التي تولت أمر نرجس أم الإمام - عج - وقت ولادتها، أخبرتنا برؤية الإمام وأنها هي التي وليت أمر ولادته وأنها رأته بعد ولادته مراراً. راجع «إكمال الدين - للشيخ الصدوق - الجزء الثاني - صفحة 424» و«أصول الكافي - الجزء الأول - صفحة 330 - باب 77 - حديث 3» ترى هذا الأمر.

من الرويات أيضا، عبد الله بن جعفر الحميري قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو - يعني محمد بن عثمان رحمه الله -، عند أحمد بن إسحاق فغمزني أحمد قال لي إسأل الشيخ أبو عمرو: اسأله عن الخلف، فقلت له: يا أبا عمرو أريد أن أسألك عن شيء وما أنا بشاك فيه، وإنما أريد أن أسألك عنه، إلى أن قال: سل، فقلت له: أنت رأيت الخلف؟ رأيت الإمام بنفسك من بعد أبي محمد ؟، فقال: إي والله ورقبته مثل ذا وأشار إلى عنقه، يعني رأيت رقبته كهذا العنق هذه الرواية يرويها «أصول الكافي - الجزء الأول - صفحة 329».

أيضا الشيخ الصدوق بسند صحيح يروي عن الحميري قلت لمحمد ين عثمان العمري: أسألك سؤال إبراهيم لربه جل جلاله حين قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِيالبقرة: 260، أسألك عن صاحب هذا الأمر هل رأيته؟، قال نعم وله رقبة مثل ذي وأشار بيده إلى عنقه، إذن هذا هو الدليل الأول والطريق الأول وهو إخبار من رآه، إخبار من رآه دليل على ولادته ووجوده.

الطريق الثاني: علماء النسب، علماء النسب هم أهل الخبرة في مجالهم، أضرب لك مثالاً، نحن الآن إذا اختلفنا هل يوجد كهف لأصحاب الكهف في دمشق أو لا؟، وقع الخلاف أنه في دمشق هل يوجد كهف لأصحاب الكهف أم لا، كيف نثبت ذلك؟ بالرجوع إلى علماء الآثار، علماء الآثار أهل اختصاص فإذا شهد علماء الآثار وقالوا: نعم ما يوجد في دمشق من الكهف، هو الكهف المنتسب لأصحاب الكهف، ألا يعتمد على كلامهم؟!، طبعا يعتمد على كلامهم لأنهم أهل اختصاص في هذا الأمر، كما نرجع للأطباء في مجال اختصاصهم، نرجع للمهندسين في مجال اختصاصهم، نرجع لعماء الآثار في مجال اختصاصهم، نرجع لعلماء الأنساب في مجال اختصاصهم.

علماء الأنساب ماذا يقولون - هذا مجال اختصاصهم -؟

1 - النسابة أبو نصر سهل بن عبد الله البخاري من أعلام القرن الرابع الهجري وهو من أشهر من أعلام النسب المعاصرين للغيبة الصغرى، غيبة الإمام - عج -، قال في كتابه «سر السلسلة العلوية - ص39» قال بأن الإمام العسكري ولد ولداً وهو محمد وهو الحجة، هذا ليس من علماء الشيعة وهو من علماء الأنساب المعروفين ذكر هذا في كتابه، راجعها سر السلسلة العلوية ص39 كما قلنا.

2 - السيد العمري من علماء الأنساب ومن أعلام القرن الخامس الهجري، في كتابه «المجدي في أنساب الطالبيين - ص130» قال: مات أبو محمد، يعني الإمام العسكري - ع -، وولده محمد من نرجس معلوم عند أصحابه وثقاة أهله، وسنذكر حال ولادته والأخبار التي سمعناها بذلك، هذا ينص على وجوده.

3 - الفخر الرازي الشافعي المتوفى سنة 606 هـ ، قال في كتابه «الشجرة المباركة في أنساب الطالبية - ص 78» تحت عنوان أولاد العسكري - ع -، قال: أما الحسن العسكري فله ابنان وبنتان. الابنان أحدهما صاحب الزمان محمد عجل الله فرجه، والثاني موسى درج في حياة أبيه - يعني مات في حياة أبيه ولم يبقى -، وذكر البنتين بعد ذلك.

4 - النسابة الزيدي، هذا زيدي ليس كغيره من الشيعة، السيد أبو الحسن اليماني الصنعاني من أعيان القرن الحادي عشر ذكر في كتابه «روضة الألباب في معرفة الأنساب - ص105»: وخلف العسكري محمدا وهو المنتظر عند الإمامية - يعني هو يعترف بوجوده إنما يقول هذا هو المنتظر عند الإمامية.

الطريق الثالث: من الطرق المثبتة لولادته اعتراف إخواننا من أهل السنة، لو تتبعت الكتب لا يوجد عالم من علماء إخواننا أهل السنة، راجع علماء أخواننا أهل السنة الذين عاصروا فترة الغيبة الصغرى للإمام المهدي، لم يذكر واحد منهم عدم وجوده، لا يوجد نفي أبدا، جميع المؤرخين من إخواننا أهل السنة لم نجد عالما أو مؤرخا منهم نفى وجود الإمام ، وقال أن ماتدعيه الرافضة كذب وأنه ليس بموجود، وإلا لو كانوا لا يرون وجوده لنفوا ذلك، لو لم يكن موجودا وكان ما يدعيه الشيعة مجرد كذب واختلاق لكانت حجة جيدة لضرب الشيعة والطعن فيهم، ما وجدنا أحدا من علماء أو مؤرخي إخواننا أهل السنة من القديم وفي تلك الفترة ينفي وجود الإمام، بل بالعكس، رأينا المؤرخين والمحدثين منهم يثبتون وجوده.

الآن أقرأ لك. ابن الأثير الجُزْرِي المتوفى سنة 630 هـ  يقول في كتابه «الكامل في التاريخ - الجزء السابع - صفحة 274 - في حوادث سنة 270 هـ » يقول: ”وفيها توفي أبو محمد العلوي العسكري وهو والد محمد“، فهذا يذكر وجوده وينص عليه.

هناك كتاب جيد اسمه «الدفاع عن الكافي - للسيد سامر العميدي من أهل اليمن» هذا ذكر في كتابه «الجزء الأول - صفحة 568،» ذكر في كتابه 128 شخصا من أهل السنة الذين اعترفوا بولادة الإمام وبوجوده، راجع هذا الكتاب، وأولهم ابو بكر محمد بن هارون الروياني المتوفى سنة 307 هـ  الذي كان معاصرا للإمام في غيبته الصغرى في كتابه «المُسْند»، وآخرهم الأستاذ المعاصر يونس أحمد السامِرَّائي في كتابه «سامراء في أدب القرن الثالث الهجري» المطبوع سنة 1968م.

ذكر ذلك أيضا، ابن خلكان المتوفى سنة 681 هـ  قال في وفيات الأعيان: أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري ثاني عشر الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، ولد سنة كذا وكذا، راجع «وفيات الأعيان - الجزء الرابع - صفحة 167».

أيضا، الذهبي المتوفى سنة 748 هـ  اعترف بولادة الإمام ووجوده في ثلاث من كتبه. راجع كتابه «العبر في خبر من غبر - الجزء الثالث - صفحة 31» يذكر فيها يقول: وفي سنة 256 هـ  ولد محمد بن الحسن بن علي الهادي، أبو القاسم، الذي تلقبه الرافضة بصاحب الزمان"، لا يهم ما الذي تلقبه الرافضة المهم أنه اعترف بوجوده وبولايته.

ابن الوردي المتوفى سنة 749 هـ  في كتابه «تاريخ ابن الوردي» نقل عنه الشبلنري الشافعي في «نور الأبصار - ص186» أيضا قال: ولد محمد بن الحسن الخالص سنة خمس وخمسين ومئتين، أحمد بن حجر الهيثمي الشافعي المتوفى سنة 974 هـ  في كتابه «الصواعق المحرقة - الطبعة الأولى - ص207 - في آخر الفصل الثالث من الباب الحادي عشر» قال: أبو محمد الحسن الخالص ابن العسكري ولد سنة كذا وذكره.

إذن فبالنتيجة هناك أدلة وافية وكافية على ولادته ووجوده عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولد ويلم تثبت وفاته. ولا كتب، ولا واحد لا من قريب ولا من بعيد أنه توفي أو حضر وفاته أحد أو رأى موته أحد أو شيّعه أحد أو صلًّى عليه أحد.

ثبتت ولادته ولم تثبت وفاته فمقتضى القاعدة ولا مانع من أن الله تعالى يبقيه من أجل يومه الموعود الذي وعده في كتابه ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ القصص: 5، وقد ذكر العلماء منهم ابن الجوزي في «تذكرة الخواص»، وابن حجر في «الصواعق المحرقة» ”أنه لا غرابة في ذلك فإن عيسى بن مريم والخضر مازالا حيين وباقيين وسيخرجهما الله في يوم موعود، فإذا جاز لله أن يبقي عيسى بن مريم وأن يبقي الخضر ليوم موعود، جاز أن يبقي الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف“.

يخرج كما في الرواية يحمل الراية البيضاء التي كتب عليها «يا لثارات الحسين» - يعني أنا على طريق الحسين -، كان طريق الحسين - ع - طريق الجهاد وأنا على الطريق نفسه، كان طريق الحسين - ع - طريق الدفاع والنضال دون المبادئ والعقيدة وأنا على الطريق نفسه وعلى الخط نفسه، الإمام المنتظر الذي يقول يالثارات الحسين، هو بنفسه يواظب على زيارة جده الحسين، وهو الذي يقف على قبره الشريف ويقول ”يا جداه يا أبا عبدالله“.

المنهج الإمامي في الأحاديث النبوية
حول غيبة الإمام والحضارة الكونية