نص الشريط
كيف نكشف الابداع في مجتمعنا
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 4/1/1426 هـ
مرات العرض: 2956
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1481)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

صدق الله العلي العظيم..

انطلاقا من الآية المباركة، نتحدث في نقطتين:

  • في الحديث عن طرق الوصول إلى الله تبارك وتعالى.
  • في الحديث عن ظاهرة الإبداع.

النقطة الأولى:

الآية المباركة ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ذكرت أن التعرف على الله عز وجل، له طريقان: طريق آفاقي، وطريق نفسي..

الطريق الآفاقي:

قراءة الكون، من قرأ الكون الذي حوله قراءة متأملة وصل إلى الله تبارك وتعالى.

الأعرابي يقول: البعرة تدل على البعير، أسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج لا تدلان على وجود الخالق القدير؟!

والفلكي إذا قرأ الكون بدقة، ورأى المعادلة الكونية بين كواكب الكون ومجموعاته الشمسية ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وصل إلى ربه عز وجل..

الطبيب عندما يقرأ جسم الإنسان ورأى هذه الأجهزة الهائلة التي تعمل في إطار الجسم بتنسيق وتواصل يصل إلى ربه.

إذاً قراءة الكون يسمى «طريقا آفاقيا» يوصل إلى الله تبارك وتعالى..

الطريق الأنفسي:

﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ الطريق النفسي عبر عنه النبي محمد : ”من عرف نفسه فقد عرف ربه“.

وعبر عنه الإمام علي ”معرفة النفس أنفع المعرفتين“، بمعنى أن الطريق الثاني أفضل وأكثر يقينا من الطريق الأول.

لماذا؟

الطريق الآفاقي طريق نظري، تجمع معلومات في ذهنك، ومن خلالها تصل لليقين بالله عز وجل ووحدانيته، أما الطريق النفسي، فهو طريق وجداني، لأن نفسك هي أنت، فإذا قرأت نفسك قراءة وجدانية، شهودية، التمست وجود الله عز وجل بالوجدان لا بالنظر، من وجد نفسه بالشهود والوجدان وجد ربه بالوجدان والشهود.

كيف يعرف الإنسان نفسه؟

سؤال يطرحه كل منا على نفسه! كيف أعبر الطريق الداخلي بدل أن أعبر الطريق الخارجي؟

كثير منا يعرف خارجه أكثر مما يعرف نفسه، يتعلم الهندسة أو الطب أو علم النفس، فيتعرف على خارج ينفسها لكنه لا يعرف نفسه التي بين جنبيه، ولذلك فهو لم يعرف الله معرفة وجدانية لأنه لم يعرف نفسه.

كيف نتعرف على أنفسنا؟

علماء العرفان يقولون: كل نفس أعطاها الله ومضة من نوره، حتى الملحد، لكنه لا يلتفت إليها، غافل عنها، ولو بحث عنها لرآها، المهم أن تعرف هذه الومضة ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ما ترك شيئا إلا ترك فيه رشحة من نوره، السماء، الأرض، الشجر، الإنسان، الحيوان..

﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ ما معنى «نور على نور»؟ الأنوار كثيرة، نور الشمس، نور السماء، نور الأرض، ليس المهم أن تعرف «نور على نور» ولكن المهم ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ! المهم أن يهديني الله إلى نوره الذي يضيء في داخل روحي، أن أصل إلى هذا النور، فأصل إلى وجوده تعالى وصولا شهوديا، لا وصولا معلوماتيا..

كيف أصل إلى النور؟

كل من المخلوقات، يمتلك طاقة لا يمتلكها غيره وتتميز عنه، حتى الأخوان من أب وأم! هناك من يمتلك طافة عقلية، أو طاقة لسانية لغوية، أو طاقة فنية، أو طاقة جسدية، أو طاقة مهنية..

فكل إنسان يمتلك طاقة، حتى الإنسان المتخلف الذي لم يتعلم.. من أين هذا؟

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إذا قرأها الإنسان قراءة ظاهرية، يفهم منها أنه اختلاف اللغات، واختلاف ألوان الجلد فقط، كلا!

الألسن والألوان مجرد مظاهر، والاختلاف أعمق من الظاهر! بل هو أيضا فيما يعبر عنه اللسان واللون، فهما تعبيران عن طاقتك التي تمتلكها. فالمسألة مسألة طاقات وجودية مختزنة يعبر عنها بلسانه أو قسمات وجهه!

كثير منا يغفل عن طاقته، يدرس ويدرس ويتوظف ويتزوج وينجب أطفال و.. ثم بعد هذا كله يكتشف طاقته! ولو اكتشفها منذ البداية لأصبح إنسانا مبدعا مبتكرا! ولقدم خدمات بارعة لمجتمعه!

قد يصبح أديبا لكن طاقته في الفكر، لو التفت إلى طاقته لأبدع وأعطى أكثر مما أعطى، إذا.. إذا وصلت إلى طاقتك، وصلت إلى نفسك، وإذا اكتشفت نفسك اكتشفت ربك.. لأنك تشعر بالمدد اليومي الذي يمد طاقتك بالاستمرار والديمومة..

ورد عن الرسول محمد ”الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق“!

نفسي طريق إلى الله، ونفسك طريق ثان، والطرق إلى الله بعدد الطاقات الإبداعية التي يمتلكها كل فرد..

فوا عجبا كيف يعصى الإله

وفي   كل   شيء   له  iiآية

 
أم   كيف   يجحده   iiالجاحد

تدل     على     أنه    واحد

النقطة الثانية:

كل منا يمتلك طاقة، كل منا يمتلك القدرة على الإبداع والعطاء.. لذا نتحدث في النقطة الثانية عن ملكة الإبداع..

ما هو الإبداع؟ ما هي عناصره؟ كيف نكتشف الطفل المبدع؟ كيف نربي في أنفسنا ملكة الإبداع؟

1»: ما هو الإبداع؟

ربما يظن كثير أن الإبداع هو الذكاء، كلا! علماء الاجتماع يقولون أن الذكاء: موافق ومخالف، كيف؟

أمامي طالبان، أطرح عليهما مسألة واحدة.. ما هو الدليل على إمامة الإمام علي ؟

أحدهما قد يجيبني بدليل معروف، كحديث الغدير ”اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه وأدر الحق معه اينما دار“..

هناك إنسان آخر يعطيني نفس النتيجة لكن بطريق غير معروف! سُئل الحسن البصري عن دليل أفضلية الإمام علي ، قال: حاجة الناس إليه واستغناؤه عنهم!!

سلك طريقا آخر، إذا هذا نسميه ذكاء مخالفا، الذكاء الموافق هو الذي يصل للنتيجة بالطرق والأدوات المعروفة، أما الذكاء المخالف فهو الذي يصل إلى النتيجة عن طريق غير مألوف.

الذكاء المخالف هوالإبداع! الإبداع أن تصل بطرق غير معروفة!

آينشتاين صاحب النظرية النسبية يقول: الإبداع والذكاء المخالف لعبة المزج بين العناصر المتباعدة لإنتاج عناصر جديدة، كيف؟

الآن مثلا عندك طفل في الصف الرابع أو الثالث.. تريد أن تكتشف أنه مبدع أم لا..

تلقي إليه كلمات ليس بينها ربط، الله واحد، الحج واجب، الإمام علي إمام، مسجد الإمام علي يُصلى فيه، ثم تقول له: اربط بين هذه الكلمات، أوجد بينها نقطة مشتركة.. هنا يأتي الإبداع!

لأن ربط المتباعدات طريق غير مألوف.. حينما يربط بينها بطريق غير مألوف فهذا هو الإبداع..

2»: عناصر الإبداع:

كثيرة نذكر منها ستة..

الأول: الذكاء،

بدون الذكاء لا إبداع، لكن لا يجب أن يكون هناك ذكاء حاد! كيف؟

تيرمان باحث بريطاني في العقد 3 من القرن 20 كتب:

الإبداع يحتاج إلى ذكاء بدرجة ذكاء 120 - 130 «درجة الذكاء = عمر التفكير العقلي/عمر التفكير الفعلي × 100»

120 لا أقل: لأنه سيكون عندها غير قادر على التصرف في المعلومات..

لا أكثر: لأنه لو كان حاد الذكاء فإنه يتصلب ويرى أفكاره بديهية لا تقبل الجدل، فهو لا يرجى منه الإبداع..!

الثاني: عنصر المرونة:

الناس قسمان: مرن ونمطي حسب علماء النفس،

الإنسان النمطي: هو الذي لا يحب التغيير، دعني على وضعي! فهو يفكر كما لو كان قبل 30 سنة، طرق التحليل والتعلم معروفة، فبقي علمه دون تطور ولا تكامل.. يكره التجديد والتحديث، لأنه يعني تغير طريقه وأسلوبه، وهو لا يريد أن يتغير، فهو إنسان نمطي لا يرجى منه الإبداع!

الإنسان المرن: هو الذي لديه روح الانفتاح، على الفكر الجديد، الثقافة الجديدة، ينفتح على ما يقرأو يتلقى، ليس عنده حالة توجس من الجديد، قد يقبل أو لا يقبل، لكنه مرن ينفتح على الفكر الجديد! فهو إنسان مرن، يُتصور فيه التجديد!

الثالث: الدافعية:

لا إبداع بلا دافعية، كيف يبدع بلا دافعية عارمة تغلي في داخله تدعوه للتغيير؟ لكن الدافعية كما يقسمها جليفورد - وهو من الباحثين في هذا المجال[1]  -، قد تكون خارجية أو داخلية..

الخارجية: يبدع لأنه يبحث عن شهرة، لقب، منصب، لأنه يريد أن يكون متميزا بين المجتمع فيبدع حتى يصل لموقع اللقب

الدافعية داخلية: يبدع لا لأجل الحصول على لقب، بل لأنه ذو طبيعة فضولية، دائما يريد اكتشاف المجهول، فهذا الذي يناقش ويحلل، كلما وصل لشيء بحث عن الأكثر، لأنه في نظره لم يصل لشيء!

كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين : ”منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب مال“،

طالب الثروة طالما فتح مشروعا تجاريا بحث عن غيره، أيضا طالب العلم الفضولي الذي يريد اكتشاف الحقائق دائما يريد أن يبحث ويكتشف.. طبعا الداخلية أقوى من الخارجية، لأن من يبدع للحصول على شهرة بمجرد الحصول عليها تبرد نفسه، أما الآخر فهو دائما في مسيرة الإبداع..

الرابع: اقتحام المجهول..

كثير منا يخاف من المجهول.. اقرأ الكتاب الفلاني، لا! أخاف أن أقرأ فيه فكرة تؤثر علي، اسمع الخطيب الفلاني، لا! أخاف أن يقول شيئا لا يعجبني، اختلط مع فلان، لا! أخاف أن...

فذا إنسان يخاف من المجهول، يخاف أن يقرأ، أن يستمع، والإنسان الذي يخاف من المجهول قاعد لا يتغير، مستواه، ثقافته، عطاؤه، لم؟ لأنه يخاف الجديد، المجهول..

العنصر الأساس في الإبداع؛ اقتحام المجهول، أن تكون لديك روح المبادرة، أن تثق بنفسك، أن تثق بثقافتك، فتقتحم المجهول لتثبت ذاتك، ورد عن الإمام علي ”إذا خفت من شيء فقع فيه فإن انتظارك له أشد مرارة من الوقوع فيه“..

العنصر الخامس: الأصالة والعمق..

المبدع الذي لا يقلد غيره في أطروحاته، بل يحاول التجديد والتحديث، ليس ظلا للآخرين، مستقل في أطروحاته ولسانه وأدبه، هذا إنسان مبدع يعيش الأصالة والعمق..

العنصر السادس: الإرادة..

إذا كان لديك إرادة تكون مبدعا، أما إذا لم تكن لديك إرادة، كنت كسولا، تبقى على الوضع الذي أنت فيه.. كثير مع الأسف منا لديه موهبة الخطابة، لكن يخشى أن يصعد على الكرسي فيُنتقد.. كثير منا لديه موهبة القلم، لكن يخشى أن يكتب فتتوالى عليه الهجمات.. كثير منا مع الأسف لديه ملكة الفن، ملكة الفن مهملة، لماذا لا يكون منا ممثل؟ ليس بالضرورة الممثل يكون سيئا، قد يمثل في أفلام دينية، تربوية.. كثير منا مع الأسف لديه ملكة الفن لكن يخشى مواجهة الأعراف والمجتمع فلا يظهر فنه.. الإبداع يحتاج إلى إرادة صلبة، إلى تصميم.. صدر المتألهين الشيرازي «ملا صدرا» في زمانه كُفِّر، ولكنه الآن الفيلسوف الأول في عالم الإسلام، في زمانه كُفِّر لأنه قيل أنه يؤمن بوحدة الوجود وما كانوا يفهمون معنى وحدة الوجود، كفّروه وهم لا يفهمون كلامه..

السيد الشهيد السعيد، السيد محمد باقر الصدر «قدس»، في زمانه عورض معارضة شديدة، لم؟ لأن عطاءه غير مألوف، لأن عطاءه ليس تقليديا، وليس نمطيا، ولكنه صمد وبقي على إرادته، وأصبح من الرواد الأوائل في مجال الفكر والإبداع..

الإمام الخميني «قدس» لما أصر على مشروعه، مشروع التغيير، ولم يكن مألوفا، وُوجه مواجهة حادة، ولكنه بإرادته الصلبة فرض مشروعه فحلّق لأنه أبدع في مشروعه، الإمام الخوئي «قدس»، وغيرهم من الأئمة والعلماء، أبدعوا لأنهم قاوموا بإرادة صلبة..

3»: كيف نكتشف الإبداع في أطفالنا؟

ابني يدرس في المدرسة فيصبح عاديا، قد يتفوق في الامتحانات، لكن مواهبه عادية، يحب مشاهدة قناة الأطفال ويأكل المعكرونة، لا غير!

كيف نكتشف مواهب أبنائنا؟

الطفل الموهوب هو زاد الحضارة والمستقبل.. يذكر العلماء عدة خطوات:

الخطوة 1: إذا كان فضوليا فهو موهوب!

الطفل الذي يسأل عن كل شيء، ويتحدث عن كل شيء، ويضع يده..

فضوله يكشف عن موهبته، فليغتنم الأب الحديث معه ويرشده إلى مصادر المعلومات، هذا كتاب تفسير، هذا قرآن، هذا كتاب أخلاق،.. ليعلمه الطريق إلى اكتساب المعلومات.. هناك مثلاً طفل ليس فضوليا، ولكنه سريع الذاكرة..

عمره سنتان أو أقل، كلما سمع شيئا التقطه وأخذ يعبر عنه، يرى أمه تصلي يحاكي صلاتها، يرى أخاه يقرأ الكتاب فيحاكيه، سريع الالتقاط، هذا طفل موهوب..

سمعتم عن الطفل المعجزة سيد محمد حسين الطباطبائي، أبوه رآه سريع الذاكرة، فعلمه القرآن، فحفظ القرآن في السادسة، فصار أنموذجا رائعا، الآن في إيران عشرات ”طفل معجزة“، يحفطون القرآن قبل سن التاسعة، لماذا؟ لأنهم ساروا على نهج والد هذا الطفل، اكتشفوا سرعة ذاكرة أبنائهم فصرفوهم إلى حفظ القرآن..

الخطوة الثانية: أن تدخل طفلك في اختبار.. كيف؟

اختبار ”تفكير افتراقي“، لا اختبار ”تفكير اقترابي“، ما معنى ذلك؟ جلي فورد يقول التفكير نوعان: تفكير افتراقي واقترابي، ما معنى ذلك؟

افترض أمامك 3 أطفال، تسألهم: 4 × 3 + 5 كم يساوي؟

حلها واحد؛ 17، هذا ليس امتحانا!

لا بد أن تطرح عليه مسألة لها عدة حلول، ولها عدة أبواب، حتى يتحرك ذهنه، ويجول بين الحلول حتى يصل للنتيجة، مثلا تقول للطفل: كيف تعبر عن الشيء المنخفض؟ بخمس كلمات مثلا..

يقول مثلا تحت، نازل، هابط، دون، خسيس، وضيع، كلها كلمات تعبر عن معنى واحد، الشيء المنخفض، هذا النوع يسمى ”تفكيرا افتراقيا“، يعني هناك مجال للطفل أن يحرك ذهنه، أن يمعن ذهنه، ليصل لعدة حلول وقنوات، هنا ينبغي أن تمتحن الطفل بتفكير افتراقي.. طبعا هذا الكلام ليس للأبوين فقط، بل هو أيضا للمدرس..

الخطوة الثالثة: إقحام الطفل في عمل جماعي..

لأننا كما نطلب الإبداع الفردي نطلب الإبداع الجماعي، ندخل الطفل في عمل إبداعي جماعي، كرسم لوحة فنية جيّدة يشارك فيها، فيكتسب من زملائه، ويتقوى، أدخله في مسرحية، في مأتم الطفل، ونحن سنويا نحث على إنشاء مأتم الطفل، دع طفلك يبدع في العمل الجماعي.. العمل الجماعي يدعك تكتشف موهبة طفلك وإبداعه..

السؤال الأخير: كيف نربي في أنفسنا ملكة الإبداع؟

ظاهرة الإبداع إنسانية تختلف باختلاف الأزمنة، طبعا مذكور في علم الاجتماع أنه هل أن ظاهرة الإبداع ظاهرة منتظمة «مسيرة إنسانية متكاملة متنامية عبر الأجيال»؟ أم أنها ظاهرة دورية «تمر 50 سنة تولد ثم تخمد، بعد 50 سنة تولد في مجتمع آخر ثم تخمد، وهكذا»

هناك نظرية ثالثة تقول أن ظاهرة الإبداع ظاهرة استثنائية، الإبداع دفقة، يسمونها دفقات، يعني ربما في قرن واحد تتوالى الإبداعات، أو تمر قرون بلا إبداعات، لا نتحدث في هذا لاتقسيم..

الإنسان إذا تأمل مجتمعه العربي، هل هو راض بأوضاعه الاقتصادية، المعرفية، إذا نظرنا إلى المجتمعات المتقدمة تكنولوجيا ومعرفيا، نصاب بخيبة أمل، نتفاجأ بأننا صفر في مجال المعرفة، صفر في مجال التكنولوجيا.. أليس هذا كافيا ليخلق عندنا الشعور بضرورة تنمية ظاهرة الإبداع عندنا؟

إذا لا بد لنا من تنمية ظاهرة الإبداع.. لننظر بصورة أخص، قارن مجتمعنا بالمجتمع العراقي، أو الإيراني، أو اللبناني، هل نمتلك نحن وفرة من الفقهاء كالمجتمع الإيراني؟

هل نمتلك نحن وفرة من المفكرين والأدباء كالمجتمع العراقي؟ هل نمتلك نحن وفرة من الاختصاصات الأخرى كالمجتمعات الأخرى؟

خصوصا على مستوى النساء، فالمرأة في مجتمعنا محطمة، وهناك أناس يحاولون بكل جهودهم أن يخنقوا إبداعها وطاقتها، هل عندنا خطيبات على مستوى الطموح؟ أديبات على مستوى الطموح؟ فقيهات على مستوى الطموح؟

أبدا! فبالنتيجة نحن لا نحتاج فقط إلى طرق اكتشاف الإبداع فقط، يقول أوزوبورن «صاحب نظرية العصف الذهني، التي تستخدم لتنمية الإبداع» يقول: نحن نحتاج لتربية الإبداع كما نحتاج لاكتشافه، كيف يتم ذلك؟

خطوات ثلاث ننتهي بها:

الخطوة الاولى: وجود الأخصائي الاجتماعي النفسي المتخصص في ظاهرة الإبداع في كل مدرسة لا مشرف اجتماعي وظيفته من غاب ومن حضر!

الأخصائي في الإبداع يكتشف الطلبة الموهوبين، فهو لا يجوز أن نقرنه بغيره، بل طريقة تعليمه تختلف عن طريقة غيره، بدل أن يجلس 12 سنة في المدرسة، يمكنه اجتياز 12 سنة في 6 سنوات، لو كان لدينا هؤلاء المتخصصون لسلكنا الخطوة الأولى في مجال تربية الإبداع..

الخطوة الثانية: أين المؤسسات التي ترعى المبدعين؟

الحمد لله مجتمعنا فيه جمعيات خيرية تقوم بواجها خير قيام.. نحتاج لمؤسسات أهلية لتربية الإبداع ورعاية المبدعين، وتربية مواهبهم.. نحن لسنا أقل ذكاء من غيرنا، ولا أقل طاقة وقدرة من غيرنا، لكننا لا نمتلك المؤسسات التي ترعي طاقاتنا، لو كان لدينا ذلك لوصلنا إلى أرقام قياسية في كافة المجالات..

الخطوة الثالثة: كيف تؤسس مؤسسات دون معلم يعرف عمله؟

أنت محتاج من الأساس إلى برامج تعليمية لتعليم كيفية تربية الإبداع واكتشافه، وتنميته.. حتى في مساجدنا وحسينياتنا..

قد يتساءل شخص: ما علاقة موضوعات الإبداع بمحرم الذي هو مختص بالإمام الحسين ؟

الإمام الحسين جاء من أجل ماذا؟

ألم يقم من أجل الإصلاح ”إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي وأبي“ وإذا كان المجتمع فاسدا وإصلاحه يتوقف على إثارته حول الإبداع وتربيته ألا يكون هذا الموضوع منسجما مع أهداف الحسين ونظرة الحسين؟.. أم أن أهداف الحسين لا يفهمها إلا جماعة قليلة لم تصل إلى غيرهم؟

الإمام الحسين قام من أجل الإصلاح.. وكل موضوع يصب فيه فهو من صلب أهدافه وخطه صلوات الله وسلامه عليه.. فنحن نحتاج لبرامج تعليمية لكيفية تربية الإبداع.

يحتاج الشخص لتعلم 3 أمور:

الأمر الأول: أن يتعلم كيف يتعلم - وقد ذُكرت في العام الماضي - المهم كيف يتعلم لا أن يتعلم فقط.. ورد عن أمير المؤمنين : ”العلم علمان علم مسموع وعلم مطبوع، ولا يفيد المسموع بدون المطبوع“. تسمع هذا لا يفيد، بل لا بد أن تكون لديك المبادرة لتحلل وتركب وتجزئ وتصل للمعلومة، هذا هو المطبوع..

الأمر الثاني: أن يتعلم الإنسان الإرادة هذا الخوف الذي يقتلنا، يقتل أبنائنا، لا بد من كسره، لا بد أن نتعود على الإرادة، إرادة التغيير حتى ينخرطوا في مجال الإبداع..

والأمر الثالث هو القدوة،

لكل إنسان يريد الإبداع لا بد أن تكون له قدوة يسير على خطاها وهذا ما تحدث به أئمة الهدى..

الإمام أمير المؤمنين يتحدث عن أخيه رسول الله ، الذي اكتشف فيه ملكة الإبداع، وربى طاقته الإبداعية، ”كان يمضغ لي الطعام ويلقمنيه، وكان يرفع لي كل يوم علما من أخلاقه ويأمرني بالاقتداء به، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل“..

سبقتكم    إلى    الإسلام   طرا

وصليت   الصلاة   وكنت  طفلا

وأوجب    لي    ولايته   عليكم

فويل     ثم     ويل    ثم    iiويل





 
على ما كان من فهمي وعلمي

صغيرا  ما  بلغت  أوان  حلمي

رسول  الله  يوم غدير خمِّ

لمن  يرد  القيامة  وهو  iiخصم

ونفس العلاقة تكررت بين الإمام علي وبين الإمام الحسن ، يقول: ”وجدتك بعضي بل وجدتك كلي“، لأنه رباه فأصبح كله.. الإمام علي كان يختار مجموعة من تلامذته يربي فيهم الإبداع، ”إن ههنا لعلما جمّا، لو أصبت له حَمَلة“..

كميل بن زياد، حجر، رشيد، ميثم، الذين أبدعوا فكرا وصمودا، علي ربى المبدعين الأبطال، والحسين ربى المبدعين الأبطال، العباس «رض»، جعفر «رض»، مسلم بن عقيل «رض» سفير الحسين ..

تربية الحسين .. تغذية الحسين ، ”بعثت إليكم أخي وابن عمي، وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل“، هذا البطل الصامد القسور، دخل الكوفة بايعه 18 ألف، ثم لما سيطر عبيد الله بن زياد على الكوفة بدأوا يتهربون منه يمينا شمالا.

والحمدلله رب العالمين

[1]  إذا أردت الاطلاع على هذه البحوث راجع: «مجلة المعرفة عدد 176 عن العبقرية والإبداع والقيادة» «كتاب الإبداع ل د مالك حسين» «الابتكار في التفكير د حسن هلال»

ظمأ الروح في مناجاة زين العابدين (ع)
قراءة نقدية من خارج التشيع