نص الشريط
في رحاب مناجاة التائبين جـ2
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 2/9/1429 هـ
مرات العرض: 3013
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1731)
تشغيل:

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين...

ورد عن الإمام زين العابدين في مناجاة التائبين أنه قال: «إلهي ألبستي الخطايا ثوي مذلتي، وجللني التباعد منك لباس مسكنتي، وأمات قلبي عظيم جنايتي، فأحيه بتوبة منك يا أملي وبغيتي، ويا سؤلي ومنيتي»

العلاقة مع الذنب والعلاقة مع المعصية تمر بمراحل ثلاث:

1 - مرحلة الذلة

2 - مرحلة المسكنة

3 - مرحلة الموت

لكل مرحلة دوافع ونتيجة

المرحلة الأولى:

هي مرحلة حاكميه الشهوة، حينما يبدأ الإنسان طريق المعصية، وحينما يبذأ الإنسان طريق الذنب المرحلة الأولى أنه يمر بحاكميه الشهوة وهي التي عبر عها بالخطيئة «ألبستي الخطايا» بأن هذه المرحلة مرحلة إصرار ولا عناد،، مرحلة خطأ أي أن النفس بشهوتها وغريزتها تلح على الإنسان حتى يخطأ وحتى يزل وحتى ينحرف عن الصراط السوي، محلة حاكميه الشهوة هي مرحلة الأولى من مراحل الذنب وهي مرحلة تفرض النفس شهوتها ونزواتها على الإنسان حتى ينقاد لها وحتى يسترسل معها مع أنه مؤمن مع انه متدين ولكن الشهوة تطغى عليه.

هذه المرحلة يعبر عنها الإمام زين العابدين عدما يقول: «إلهي ما عصيتك إذ عصيتك، وأنا بك شاك ولا بنكالك جاهل ولا لعقوبتك متعرض، ولا بأمرك مستخف»، ولكن أنا أمر بمرحلة عصيبة وهي مرحلة حكومة الشهوة وحكومة الغريزة على عقلي وعلى أرادتي ولكن سولت لي نفسي وأعانني عليها شقوتي وغرني بذلك سترك المرخى عليه،، أنا نادم ومتأسف ولكن الشهوة تطغى عليا أحيانا والشهوة تفرض نفسها أحيانا فتزلني عن طريق هذه المرحلة، مرحلة فيها أحساس بالذنب، فيها أحساس بوخزه المعصية ولذعة الذنوب ولذلك الإنسان في هذه المرحلة يندم، يتحسر على ما يصنع من الذنوب والأخطاء

مرحلة فيها خطأ ولكن فيها أحساس بالذنب، أحساس بالمعصية ونتيجة هده المرحلة الذلة «ألبستني الخطايا ثوب مذلتي»،، نتيجة حاكميه الشهوة هي الذلة، هناك ونوعان من الذلة:

1 - ذلة ظاهرية

2 - ذلة حقيقة

الذلة الظاهرية: أن يكون الإنسان ذليل بين الناس غير محترم بين الناس هذه ذلة ظاهرية قد يكون هذا الذليل بين الناس أعظم شخص عند الله تبارك وتعالى، الإمام زين العابدين ذلة،، ذلة ظاهرية بعض الأئمة أذل، ذلة ظاهرية لكنها هذه الذلة الظاهرية لا قيمة لها،، الخطر في الذلة الحقيقية عندما يكون الإنسان ذليل ذلة حقيقية.

الذلة الحقيقية: ذلة الإنسان أمام شهوته، ذليل أمام الشهوة هذه هي الذلة الحقيقة، الإنسان الذي تسقط رجولته أمام شهوته تسقط إنسانيته أمام شهوته،، ذلك الإنسان الذي يمتلك عقلاً ويمتلك إرادةً ويمتلك قوة وإذا بهي ينهار أمام الشهوة، ينهار أمام الغريزة بمجرد أن تغلي شهوته أو غريزته ينهار ويستسلم لها ويسترسل معها هذه الذلة الحقيقية «ألبستني الخطايا ثوب مذلتي» أصبحتُ ذليل، هذه الذلة قد تنعكس على سلوك الإنسان.

ترى هذه الإنسان الذي يبحث عن حشيشه أو مخدرة كيف يذل نفسه إلى أن يحصل عليها، هذه إنسان الذي يجري... يجري... وراء شهوته كيف يذل نفسه إلى أن يحصل على إشباع ليّ غريزته وشهوته،، هذه الذلة انعكاس ليّ تلك الذلة الحقيقية الكاملة في النفس،، الذلة أمام الشهوات الآن الإنسان الحقيقي الرجل الحقيقي هو الذي يستطيع أن يقول كلمة أمام الشهوة، هو الذي يستطيع أن يقول ليّ شهوته لا، هو الذي يستطيع أن يقول ليّ غريزته لا، هو الذي يستطيع أن يقف أمام شهوته ونزعاته ونزواته،، هذا الرجل الحقيقي.

أما الذي يسترسل وراء شهوته وغريزته وينساب معها فهو ذليل، ذله حقيقة ولذلك قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ المؤمن عزيز، ليس عزيز بين الناس قد يكون محتقراً بين الناس ولكنه عزيز عزةً حقيقية، عزيز أمام نفسه، عزيز أمام شهواته، عزيز أمام ميوله، يشعر بأن له رجولة وكرامة وإنسانية ولا ينساب ولا يسترسل أمام شهواته ونزعاته،، عزيز إذاً المرحلة الأولى من مراحل الذنب: مرحلة الذلة وهي مرحلة الناشئة عن حاكميه الشهوة وسيطرة الغريزة على نفس الإنسان.

المرحلة الثانية:

مرحلة المسكنة «وجللني التباعد منك لباس مسكنتي» أنا طورت إلى مرحلة أشنع إلى مرحلة أسوء إلى مرحلة أشد،، أشد من مرحلة حاكميه الشهوة وحاكميه الغريزة،، أنا دخلت في مرحلة الأعراض عن الله سبحان الله تطورت من أسر الشهوة إلى الإعراض عن الله كنتُ سابقاً أخطأ ثم أندم، كنتُ سابقاً أزل ليّ أنني لا أملك أرادة أمام نفسي

أما الآن فقد أفرطتُ في الذنوب وأفرطتُ في المعاصي وأفرطتُ في الرذائل إلى أن وصلتُ إلى حد التفتُ ‘إلى خطر الرذيلة وأصر عليها،، التفتُ إلى خطر المعصية وأصر عليها، وأنا أدري أنها معصية، أنا أدري أن النظرة الشهوية معصية، أنا أدري أن الكلمة الشهوية معصية، أنا أدري الكذب معصية، أذري أن عقوق الوالدين معصية التفتُ إلى ذلك وأصر علية فأنا الآن وصلت إلى مرحلة الإعراض عن الله، معرض،، لا أبالي بالله، لا أبالي بأوامره، لا أبالي بنواهيه، وصلتُ إلى مرحلة الإعراض عن الله.

وإذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة،، مرحلة الأعراض تجاسره على الله عز وجل، وأصبحت الجرأة منه على المعاصي والرذائل بدون حدود، بدون قيود لأنه بلغ مرحلة الإعراض وعدم المبالاة بالله، وهده المرحلة هي التي يعبر عنها قول الإمام الصادق : «خفي الله كأنك تراه..»... لا تصل إلى مرحلة الإعراض «خفي الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

أحذر!! أن تصل إلى مرحلة الإعراض عن الله ليكن فيك نبض الخوف، ليكن فيك حس من الخوف قال تعالى: ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، ليكن فيك مقدار من الخوف والرهبة قال تعالى:َيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا

ليكن عند هذا المقدار حتى لا تصل على مرحلة الإعراض،،، وإذا وصل الإنسان إلى مرحلة الإعراض فالنتيجة هي المسكنة.. ما معنى المسكنة؟!

نحن نعرف أن هناك فقير وهناك مسكين، كما يقولون «إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا».. إذا أجتمع الفقير والمسكين فهما معنيان متغايران:

الفقير: من لا يملك قوت سنته.. ما عنده قوت سنته...،

لكن

المسكين... مسكين أعظم من ذلك وأشد من ذلك،،،؟؟! المسكين: لا يملك قوت يومه،، فضلاً عن قوة سنته،،

المسكين: معدوم ليس عنده شيء! المسكين: لا يجد شيء! لا يلقى شيء! إنسان معدم، أشد من الفقير....

هذه المرحلة توصلنا إلى نتيجة المسكنة...

المسكنة قد تكون مسكنة مادية مثل هذا الذي لا يجد شيئاً،، وقد تكون مسكنته روحية

المسكنة الروحية: هي الخطرة! هي الشنيعة! أن أصبح مسكين،، مسكين روحياً، ما معنى مسكين روحياً؟؟

يعني ليس عندي صحائف أعمال... بعداً.. ما عندي شي، أعراضي عن الله جعلني مسكيناً لا أملك شيئا ليس عندي عمل صالح، ليس عندي طاعة، ليس عندي قربات، ليس عندي شيء وسيأتي ذلك اليوم الرهيب يوم انتقالي إلى الله.. يوم خروجي من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة... أقبل على الله ويدي صفر!! ليس فيها شيء... دفتري ليس فيها شيءمن طاعات والقربات قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا... ما عندي أعمال؟!..

خربتها! ضيعتها! حطمتها! بأعراضي عن الله..

نعم كنتُ أصلي، كنتُ أصوم، كنتُ أتهجد، كنتُ أدعوا، كنتُ وكنتُ...... ولكن كل قرباتي وطاعاتي شوهتها! حولتها إلى حطام! بإصراري على معصية وأعراضي عن الله، تبارك وتعالى: ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ وأنا أبطلتُ أعمالي كلها.

إذاً مرحلة الإعراض تنتج المسكنة،،، أن أصبح مسكين معدم لا أملك شيء،، أتي يوم القيامة وأرى أخي وأرى أبي وأرى صديقي وأرى ذلك الشخص الذي كنتُ أغتابه وأحتقره، أراهم عندهم أعمال، عندهم خيرات وأنا صفر اليدين، ليس عندي شيء، «وجللني التباعد منك لباس مسكنتي»...

المرحلة الثالثة:

هي مرحلة السوداء المظلمة، «و أمات قلبي عظيم جنايتي».. وصلنا إلى المرحلة التي ما بعدها سوء.. مرحلة الموت، مرحلة موت القلب، «و أمات قلبي عظيم جنايتي» هذه المرحلة لها دوافع ولها نتيجة:

دافعها التحدي: كنتُ تغلبني الشهوة ثم تطورت فصرتُ أعرض عن الله ثم تطورت فصرتُ أتحدى الله بأعمالي وبمعاصيه «و أن كنت ترى أنه يراك، ثم برزت له بالمعصية، فقد جعلته من أهون الناظرين إليك» صرتُ أتعامل مع الله كناضر غير محترم، أدري أنه يراقبني لكنني لا أبالي أبداً برقابته، صرتُ أتحداه بالمعاصي أبارزة بالرذائل، أبارزة بالقبائح ولا أبالي ولذلك المعصية بدافع التحدي.. عبر عنها الإمام «عظيم جنايتي»...

*المرحلة الأولى: خطأ عبر عنها الإمام

*المرحلة الثانية: عبر عنها تباعد

لكن المرحلة الثالثة: «عظيم جنايتي».. لأنها بدافع التحدي، بدافع أشتهامه بنظره، برقابته تبارك وتعالى

فبلغت مرحلة التحدي،، «وأمات قلبي عظيم جنايتي» ونتيجة: هذا التحدي أنه أمات القلب.. خلاص لا نبض فيه، لا حركة فيه، لا إحساس فيه.... موت القلب... موت القلب له علامات ثلاث:

العلامة الأولى:

عدم المبالاة بالذنب... خير يا طير وأذنب يعني؟؟؟! شكوا بيها!!!

مثلي مثل غيري يذنب ويعصي لا يبالي بالذنب، لا يحس بخطورة الذنب،، ورد في الحديث.. «أن المؤمن إذا أذنب كان ذنبه كصخرة ثقيلة على صدره وأن المنافق إذا أذنب كان ذنبه كذبابة مرت على أنفة فأطاعه،، إذا مات القلب جاء النفاق وأصبحتُ لا أبالي بالمعاصي ولا أبالي بهذه الأثقال التي أحملها على ظهري كل يوم أحمل صخرة جديدة وثقلاً جديد، لا أبالي بهذه الأثقال الباهِظة التي أحملها على ظهري أبداً عدم المبالاة بالذنب

والعلامة الثانية: عدم الرغبة في الطاعة.. ما عندي رغبة.. الصلاة.. لا أحب الصلاة.. دعاء.. لا أحب الدعاء..

أصلي.. لأن الصلاة واجبة ولا أنا ما أحب الصلاة، أدعوا مع الناس، ولا أنا ما أحب الدعاء... لا أجد في نفسي حباً لا.. ليّ قراءة قرآن ولا ليّ صلاة ولا ليّ دعاء،، لا أجد في نفسي رغبة وعشقاً ليّ أتذوق لقاء ربي، لا أتذوق مناجاة ربي، ولا أتذوق طعم الدعاء ولا طعم القرآن ولا طعم الصلاة.. عدم التذوق ليّ لقاء الله.. علامة واضحة لموت القلب.. القلب مات..

العلامة الثالثة: قسوة القلب.. قلبي لا يرق.. أسمع عن مآسي، أسمع عن أوضاع خطيرة، أسمع عن قضايا تمر بالمسلمين.. لا أبالي بها.. أسمع عن فقراء محرومين متهظين،، لا أتأذى، ولا ترقى لذي دمعه ولا يغلي قلبي لما أسمع، مات قلبي فما به عاطفة وما به ندم كما وردة عن الإمام الصادق : «إذا أذنب العبد خرج في قلبه نكتة سوداء».. مرحلة أولى فأن تاب انمحت وأن أنعاد عادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبدا أصبح قلبه قطعة سوداء مظلمة لا تبالي ولا تتأثر.. موت القلب.. أجارنا الله وإياكم.. أن يصل الإنسان إلى هذه المرحلة الخطيرة.. مرحلة موت القلب.. «وأمات قلبي عظيم جنايتي».. ذلك القلب الرقيق الحنون الذي كان يندم على المعاصي يتحسر على الأخطاء أصبح لا يتأثر، أصبح لا يبالي، أصبح لا يهتم ولا يعنى بشيء،، «وأمات قلبي عظيم جنايتي فأحيه» أنت مصدر الحياة،، مصدرة الحياة المادية تحي الصحراء القاحلة وتحولها إلى حديقة ناظره تحي الجنين في بطنه أمه،، أحي ذلك القلب الميت الذي أصبح صخرة الذي أصبح فحمت سوداء فأحيه منك بتوبة يا أملي وكهولتي.. التوبة حياة القلب قال تعالى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا أحيي قلبي أرزقني الحياة كما تمطر على الصحراء القاحلة مطره فتحييها أمطر على قلبي مطره الرحمة، مطر الإنابة، مطره التوبة.. إذا القلب بذا يندم وبذا يتحسر وبدأ يتأسف بدأ مطر الرحمة يطغى ويعمر القلب حتى يحيى حتى ينبت وحتى يعشب فأحييه منك بتوبة منك يا أملي وبغيتي..

في رحاب مناجاة التائبين جـ3
الإمامة أصل الدين