نص الشريط
بحث في مسائل القدر جـ1
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 2/9/1429 هـ
مرات العرض: 3191
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1520)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «1» وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ «2» لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ «3» تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِرَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ «4» سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ

نتحدث في أيام هذا الشهر رمضان المبارك حول هذه السورة العظيمة إلا وهي «سورة ليلة القدر» ونبدأ الحديث بأول آية من آياتها وهو قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ هذه الفقرة الشريفة تتضمن عدّة مطالب وعدّة أباحث:

البحث الأول:

الآية المباركة عبرة بالإنزال: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ وهناك آيات أخرى عبرت بالتنزيل مثلاً: قوله تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً فما هو الفرق بين الإنزال والتنزيل؟! القرآن الكريم مر بمراحل ثلاث:

المرحلة الأولى: وجودهِ الإجمالي في الكتاب المكنون.

المرحلة الثانية: مرحلة أنزاله على قلب النبي محمد دفعة واحدة

المرحلة الثالثة: مرحلة تنزيله نجوماً لمدة 23 سنه وهي عمر الدعوة المحمدية.

المرحلة الأولى:

القرآن الكريم يعبر عنها بقوله: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ «77» فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ «78» لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، كان هذا القرآن مودعاً في كتاباً، وكان هذا القرآن وكان هذا النظام مودعاً في كتاباً أخر قبل خلق الوجود كله وجميع الكتب السماوية من التوراة، والإنجيل، والزبور وصحف إبراهيم وغيرها من الكتب السماوية كلها كانت ضمن ذلك الكتاب المكنون قبل أن يخلق هذا الكون، وقبل أن يخلق هذا الوجود وهذا ما يستفاد من قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ «1» عَلَّمَ الْقُرْآنَ «2» خَلَقَ الْإِنسَانَ بدا أولاً بوضع النظام، بوضع التشريع في الكتاب المكنون ثم خلق الإنسان وخلق هذا الوجود قال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ «1» عَلَّمَ الْقُرْآنَ «2» خَلَقَ الْإِنسَانَ «3» عَلَّمَهُ الْبَيَانَ هذا هو مقتضى الحكمة أيجاد النظام قبل إيجاد من يطبق هذا النظام.

مثلاً: الإنسان عندما يريد أن ينشىء مؤسسه قبل أن يصنع المؤسسة عليه أن يصنع نظام المؤسسة قبل أن يوجد المؤسسة مقتضى الحكمة أن تصنع النظام أولاً ثم تصنع المؤسسة ثانياً لأنه الهدف من صنع المؤسسة تطبيق النظام وبما أن الهدف من صنع هذه المؤسسة تطبيق ذلك النظام، إذاً تشرع النظام أولاً تذكر فيه الأهداف، تذكر فيه مراحل العمل، تذكر فيه آليات العمل، تذكر فيه سائر التفاصيل المتعلقة بنظام المؤسسة ثم توجد المؤسسة بكفاءات ومؤهلات تتناسب مع ذلك النظام التي شرعة أولاً لكي يكون النظام فاعلاً ونافداً ومحققاً لأهدافه عليك بأن تصنع النظام أولاً ثم تصنع المؤسسة بما ينسجم مع ذلك النظام «هذا هو مقتضى الحكمة في الوصول إلى الأهداف».

وهذا ما صنعه الباري عز وجل أولاً وضع النظام شرع النظام أي أودع النظام تشريعي في الكتاب المكنون ثم خلق الإنسان وخلق هذا الوجود المادي مجهزاً بكفاءات، ومؤهلات، ومواهب وملكات تتناسب مع ذلك النظام الذي شرعه أولا كي يكون هذا الكائن البشري في هذا الوجود المادي أداة لتطبيق ذلك النظام ولإيصال ذلك النظام إلى أهدافه وثمراته: ﴿الرَّحْمَنُ يعني مقتضى رحمته تبارك وتعالى أم فعله هكذا ﴿الرَّحْمَنُ ماذا صنع الرحمن؟ مقتضى رحمته أنه ﴿عَلَّمَ الْقُرْآنَ وضع النظام ثم خلق الإنسان مجهزاً بملكات ومواهب تمكنه من تطبيق ذلك النظام ﴿خَلَقَ الْإِنسَانَ «3» عَلَّمَهُ الْبَيَانَ علمه الأدوات والآليات التي تمكنه من تطبيق ذلك النظام الذي شرعه له تبارك وتعالى، إذا القرآن كان مودعاً في كتاب مكنون قبل هذا الوجود كله.

إذا تساءل إنسان كيفية وجود القرآن في ذلك الكتاب المكنون؟!!

كان القرآن في ذلك الكتاب المكنون وجوداً أجمالياً ثم تحول إلى وجود تفصيلي، ما هو الفرق بين الوجود الإجمالي والوجود التفصيلي؟ لاحظ مثلاً: البذرة والثمرة، والإنسان والنطفة، هذه الشجرة عندنا شجرة تفاح شجرة مثمرة نامية معطاة هذه الشجرة كلها كانت موجودة في بدرة واحدة أي أن هذه الشجرة لها وجودان، كان لها وجود أجمالي في بدرة صغيرة ثم تحول هذا الوجود الإجمالي إلى وجود تفصيلي قال تعالى: ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا.

مثلا: ً الإنسان أيضاً، هذا الإنسان العملاق الذي غز الفضاء سيطرة على الوجود، هذه الإنسان العملاق بنظرياته وانجازاته وإبداعاته هذا الإنسان كله كان مختصراً في نظفه، كان موجود في تلك النطفة الصغيرة هذا الإنسان له وجودان كان له وجود أجمالي في نظفه صغيرة ثم تحول إلى وجود تفصيلي وأصبح إنساناً عظيماً عملاقاًً يعطي، ويهب، ينجز، ويبدع.

إذاً كما أن الموجودات الأخرى مرت بوجوديين: وجود أجمالي ووجود تفصيلي نفس الشيء، القرآن مر بوجوديين: وجود أجمالي مجرد قواعد عامة ومبادئ عامة ضمن ذلك الكتاب المكنون ثم تحول إلى وجود تفصيلي على شكل آيات، على شكل سور، على شكل جمل، على شكل تشريعات برز من الوجود الإجمالي إلى الجود التفصيلي: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ «77» فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ يعني على نحو الوجود الإجمالي، إذا هذه المرحلة الأولى التي مر بها القرآن.

المرحلة الثانية:

إلا هي مرحلة الإنزال: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُأنزل القرآن دفعة واحده بتمام آياته، بتمام علومه، أنزل دفعة واحده على قلب النبي محمد في ليلة القدر هذه الليلة المباركة الشريفة قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ، وقال في آية أخرى قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «193» عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ، إذاً القرآن نزله دفعة واحده على قلب النبي في ليلة القدر فخرج من الوجود الإجمالي إلى الوجود التفصيلي ونزل على قلب النبي «صلى اله عليه وآله» وهذا ما تعبر عنه الآية المباركة: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ.

المرحلة الثالثة:

مرحلة التفصيل يعني كما أنه أنزل دفعة واحده رجع ينزل مرة ثانية بشكل تدريجي لمدة 23 سنه حسب المناسبات، وحسب الأحداث، وحسب المستجدات ينزل القرآن تعليق على كل حدث، على كل واقعة، على كل مناسبة تزل آيات من القرآن تعلق على الحدث تعلق على المناسبة هذا النزول التدريجي التفصيلي لمدة 23 سنة بدأ من ليلة المبعث، ليلة القدر غير عن ليلة المبعث، ليلة القدر في شهر رمضان في السنة التي أتت بعدها في ليلة المبعث بدأ النزول الأخر وهو النزول التفصيلي لمدة 23 سنة حسب المناسبات، وحسب المستجدات وهذا ما عبرت عنه الآية القرآنية: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً، إذا القرآن مر بمراحل ثلاث كما ذكرنا وهذه ما أشارت إليه الآية القرآنية بقوله: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، يعني هو مر بمرحلتين، مرحلة أحكام مبادئ وقواعد عامة وبعدين مرحلة تفصيل قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، هذا هو البحث الأول هو مراحل نزول القرآن الكريم.

البحث الثاني:

مرور القرآن بهاتين المرحلتين اللي عبرنا عنهم بالأجمال ومرحلة التفصيل وهو الذي جعل القرآن ينقسم إلى محكمات ومتشابهات القرآن الكريم يقول: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَايَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.

أولاً: ما معنى المتشابه؟ وثانياً: ما هو رابط هذه الآية بكيفية نزول القرآن؟

المتشابه مقابل المحكم، التشابه كما يقول علمائنا قد يكون تشابهً مفهومياً وقد يكون تشابه مصادقياً، ما هو الفرق بينهما؟ أحيانا المفهوم مو واضح هذا تشابه مفهومي، أحيانا المفهوم واضح لكن مثاله ومصداقه غير واضح هذا تشابه مصداقي، مثلاً: عندما يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَا قْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا، اليد مفهومها غير واضح هذا يسمى تشابه مفهومي ما هو معنى اليد هل اليد من الكتف؟ هل اليد من المرفق؟ هل اليد من الزند؟ هل اليد من أطراف الأصابع ما هو نوع اليد؟ مفهوم اليد مجمل مفهوم اليد غير واضح هذا يسمى تشابه مفهومي لذلك يرجع في هذا التشابه إلى أهل القرآن قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، يرجعوا إلى أهل الذكر.

وهناك تشابه مصداقي المفهوم واضح مثلاً: قوله تبارك وتعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى نحن نعرف مفهوم العرش، نعرفه: مركز السلطنة يسمى عرش، السلطان له عرش، المملكة لها عرش المؤسسة لها عرش، كل مكان فيه مركز لسلطنه، مركز السلطنة يسمى عرش، العرش مفهومه واضح وهو مركز السلطنة هذا نحن لا شبهته لنا فيه لكن المثال المصداق مو واضح هذا مركز السلطنة مادي؟ معنوي؟ في الأرض في السماء؟ مصداقه غير واضح وأن كان مفهومه واضح نحن نعرف مفهوم العرش مركز السلطنة لكن لا ندري عن مصداقه لا ندري عن واقعه الخارجي ما هو أمراً مادياً، أمراً تجريدياً، أمراً يسع السموات والأرض، أمراً ضمن السموات والأرض، المصداق مجمل هذا يسمى تشابه مصداقياً، ففي القرآن تشابهات تشابه مفهومي، وفي القرآن مشابهات تشابه مصداقي، وفي كله الطرفين المتشابهات تشابه مفهومياً أو تشابه مصداقياً المرجع لأهل القرآن، المرجع لأهل الذكر، المرجع لأهل بيت محمد .

*دخله قتادة على الإمام الباقر ، قتادة أحد المتصديين لتفسير القرآن فلتفته إليه الإمام الباقر قال: يا قتادة بلغني أنك تفسر كتاب الله قال: نعم قال: أن كنت تفسره من عندك فقد هلكت وأهلكت، النبي يقول: «من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار»، ان كنت تفسره من الرجال فقد هلكت وأهلكت، لأنك لا تعرف أخذوا هذه المعلومات من مصدرها ومنبعها الصحيح؟ يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به وما هو إلا عند الخاصة من ذرية نبينا محمد هذا معنى التشابه.

*ما هو الربط بين كيفية الإنزال؟

ذكرنا أن القرآن ينقسم إلى مرحلتين: مرحلة إحكام يعني قواعد عامه ومبادئ عامه ما فيها تفاصيل قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء، ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا هذه تفاصيل مو مذكروه في كان القرآن قواعد عامه ومبادئ عامة، القواعد العامة والمبادئ العامة تشكل المحكمات، المحكمات من الكتاب هي عبارة عن القواعد والمبادئ عامه في الكتاب الكريم ومرحله التفصيل عندما خرج القرآن من مرحلة الأجمال إلى مرحلة التفصيل، من مرحلة الإحكام إلى مرحلة استعراض التفاصيل هنا حصل التشابه أصبحت بعض الآيات متشابه تشابهاً مفهومياً.

*بعض الآيات متشابه تشابهاً مصداقياً وهذا التشابه طرأ على القرآن ولم يكن في القرآن نتيجة خروج هذا القرآن من مرحله إلى مرحله من مرحلة الأجمال إلى مرحلة التفصيل ولذلك الآيات المتشابه في القرآن هي الآيات المتعرضة للتفاصيل، وهذه الآيات المتشابه لا يمكن معرفة واقعها ولا يمكن معرفة حقيقتها، إلا بإرجاعها إلى الآيات المحكمة يعني بإرجاعها إلى المبادئ العامة والقواعد العامة من القرآن والقادر على الإرجاع هم أهل التأويل هم أهل النبوة .

البحث الثالث:

السؤال الذي يطرح عندما نزل القرآن على النبي نزل بواسطة جبرائيل قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «193» عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ، هل كان النبي عالماً بالقرآن قبل أن ينزل عليه جبرائيل؟ إما لم يكن عالماً به؟ أن قلنا بأن النبي لم يكن عالما بالقرآن قبل نزوله أصبح جبريل أفضل من النبي لأنه علم بالقرآن قبل النبي، إذا قلنا أن النبي كان جاهلاً بالقرآن غير مطلع عليه جبرائيل هو الذي علم جبرائيل هو الذي أفاض عليه علم القرآن معنى ذلك جبرائيل أفضل من النبي لأنه أطلع على ما لم يطلع عليه النبي واكتشف ما لم يكتشفه النبي وصل إلى القرآن قبل أن يصل إليه النبي مع أن النبي أفضل المخلوقات

قلّب  الخافقين ظهراً iiلبطنً

لم   يكن   أشرف   النبيين

 
فرأى ذات أحمداً فصطفاها

حتى   علم  الله  أنه  أزكاه

قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ العالمون كلهم من فيء رحمته العالمون كلهم من تبعات رحمته بما فيهم جبرائيل وميكائيل والملائكة ويغرهم من العوالم.

وأن قلتم لا النبي كان يعلم بالقرآن ليش ينزل جبرائيل؟ إذا نزول جبرائيل عليه بالقرآن لغواً لا داعي له فإما أن النبي كان عالماً بالقرآن قبل نزوله فنزول جبرائيل عليه بالقرآن لغواً لا فائدة فيه، وإما أن النبي جاهلاً بالقرآن قبل نزوله فمعناها أن جبرائيل أفضل منه، انه أطلع على ما لم يطلع عليه فما هو الجواب عن هذا السؤال؟

الجواب:

أولاً: نحن نختار الشق الثاني أن النبي كان عالماً بالقرآن قبل نزوله والقرآن الكريم يشير إلى ذلك كما في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ يعني أن القرآن عندك لا تستعجل لا تتكلم أنتظر حتى ينزل الوحي، ﴿وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ، وقال تبارك وتعالى في آية أخرى تشير إلى هذه الحقيقة﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ «16» إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ «17» فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ.

طبعاً في تفاسير بعض أخوانناً المسلمين يقولون أن النبي كان عجول في القراءة يعني من ينزل جبرائيل عليه بالقراءة يقوم النبي بسرعة فيقول له جبرائيل قف هذا معني﴿وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ هذا ليس له معنى، النبي أجل أن يقال في حقه هكذا قال تعالى: ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ يعني أن القرآن عندك ولا تبلغه لأحد ولا تتحدث عنه لأحد حتى ينزل به جبرائيل ضمن النظام السماوي ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ «16» إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ «17» فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ «18» ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ. القرآن كان عند النبي وكان في صدر النبي وهو القائل : «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين» النبوة تلازم العلم بالتشريع من قبل أن ينزل هذا التشريع عليه من السماء.

إذاً ما هي الحاجة لنزول جبرائيل؟

لكل موجود من موجودات الكون حداً ملكي وحداً ملكوتي، حداً مادي وحداً غيبي لكل موجود من الموجودات له حداً مادياً وحداً غيبياً كيف؟

مثلاً: هذا الحجر الصلب، هذا الحجر الأخرس هذا الحجر له حداً مادياً أنه حجر طول وعرض وعمق وله حداً غيبياً وهو قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ هذه الأحجار هذه الموجودات التي بين أيدينا من شجراً وحجراً وحيوان ونبات لها علاقة مع الله ملكوتيه نحن لا ندركها ولا نعرف واقعها وكنهه نحن ندرك الحدود المادية أما الحدود الغيبية الملكوتيه وهي علاقة هذه الموجودات مع الله نحن لا ندركها قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ كل شي في هذا الكون هكذا.

القرآن الكريم أيضاً له حد مادي وحد غيبي الحد المادي هو الذي نراه كتاب بين جلدتين وحروف وآيات وألفاظ هذا الحد المادي للقرآن، ولكن وراء هذا الحد المادي وراء هذا الحد الملكي حداً ملكوتياً غيبياً نحن لا ندركه ما هو الحد الغيبي؟ أقر قوله تعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْءانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهنحن نستطيع أن ندرك هذه الحقيقة؟ لا نستطيع أن ندركها يعني لو ينزل يتصدع الجبل هذا حد ملكوتي يعني القرآن بلحاظ حده الملكوتي الغيبي يؤثر حتى في الصخرة الصماء ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْءانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ الله إذاً حتى القرآن له حدان حدي ملكي مادي وحدً ملكوتي.

القرآن بحده المادي بحروفه وآياته بألفاظه بسائر ما يتعلق به كان عند النبي المصطفى ، لكن لهذا القرآن حد ملكوتي له تأثير في عالم الملائكة، له تأثير في عالم الجن، له تأثير في عالم الجمادات هذا القرآن له تأثيرً على العوالم كلها، هذا القرآن له أشعاع مبثوث في العوالم كلها إلى حد ملكوتي وراء حده المادي، أرد الله أن يطلع نبيه محمد على تأثير القرآن على شعاع القرآن وتأثير حد القرآن في عالم الملائكة فأنزله عبر جبرائيل لا لأنه النبي يجهله بل لأجل أن يرى النبي بأم عينيه علاقة هذا القرآن مع عالم الملائكة لأجل أن يرى النبي بان عينيه تأثير هذا القرآن على عالم الملائكة، هذا القرآن عندما ينزل مو بس جبرائيل الملائكة كلها تتشرف بتناول القرآن الكريم جبرائيل تلقاه عن العرش والملائكة أعوانه وأعضاضه في تناول القرآن الكريم حتى يصل إلى النبي مصطفى محمد .

المسألة ليست مسألة ألفاظ القرآن الكريم يقول: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً أذا بس ألفاظ سوف يكون خفيف وليس ثقيل المسألة ليست مسألة ألفاظ، القرآن شعاع مؤثر في عالم الجن في عالم الملائكة، في عالم الجماد، في عالم الإنسان ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً هذا الشعاع المبثوث في العوالم كلها أرد الله تبارك وتعالى للنبيه أن يراه بأم عينيه فأنزله على جبرائيل والملائكة الروحانيين حتى يصل إلى النبي لا لأجل لأنه النبي جاهلاً به أبداً بل لأجل أن يراه بعينيه «صلوات الله عليه وسلامه عليه» هذا تشريفاً للملائكة بالقرآن وليس تشريفاً للنبي هذا الشق الأول.

الشق الثاني: أفترض وهذا الفرض غير صحيح ولكن أفترضه، لنفترض أن النبي لم يكن مطلعاً على القرآن وأنم جبرائيل أطلع عليه حين أنزله على قلب النبي لنفترض ذلك هذا لا يعني أن جبرائيل أفضل من النبي لماذا؟! قد يحتاج أفضل الناس إلى غيره في معرفة بعض المعلومات المعينة هذا لا يعني أنه أفضل منه لا ملازمه.

نشرح ذلك بالمثال: الخضر وموسى ابن عمران، موسى أبن عمران هو إمام زمانه، موسى أبن عمران «عليه وعلى نبياً وآله أفضل الصلاة السلام» من أولي العزم وإمام زمانه يعني أفضل أهل زمانه، والخضر كان مأموماً بالإمام موسى، الإمام موسى الخضر مأموماً له لكن الله تبارك وتعالى شاءت حكمته أن يعجل الخضر مصدراً لبعض المعلومات بالنسبة لموسى ابن عمران، امتحان لموسى ابن عمران الله تبارك وتعالى جعل الخضر مصدراً لبعض معلوماته، صار الخضر باباً من أبواب العلم التي استفاد منا موسى ابن عمران مع أن موسى أفضل من الخضر، الفضل بالمقام الروحي من الله تبارك وتعالى هذا أفضل من هذا بلحاظ ماذا المقام الروحي، مثال: والله أن أعلم من فلان أنا في الفيزياء يعني أنا أفضل منه؟ أو فلان أعلم مني بالفقه يعني أفضل مني؟ لا قياس الفضل بالمقام الروحي القريب من الله تبارك وتعالى من هو أسمى في المقامات الروحية فهو أفضل عند الله تبارك وتعالى فكون جبرائيل أطلع على بعض المعلومات لو فرضاً ذلك قبل يطلع عليه النبي هذا لا يستلزم أنه أفضل من النبي بلحاظ أن مقياس الفضل بالقرب الروحي بالقرب والمقام الروحي قال تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى وقال تبارك وتعالى: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ما مضمون الآية المباركة.

إذاً بالنتيجة المدار في الفضل على المقام الروحي لا على بعض المعلومات قد يحتاجها من هو الأفضل من مصدراً معيناً من منبعاً معين وهذا لا يستلزم فضله عليه هذا ما أردنا أن نتعرض له في هذه الفقرة ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ نتعرض أن شاء الله في اليوم القادم للفقرة الأخرى وهو قوله تعالى: ﴿فِي لَيْلَةِ الْقَدْر.

زيارة علي بن الحسين والشهداء والعباس (ع)
مفهوم الإمامة