نص الشريط
فاطمة ليلة القدر... جـ3
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 4/9/1429 هـ
مرات العرض: 4208
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1442)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «1» وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ «2» لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ «3» تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِرَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ «4» سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ

ما زال كلامنا في الآية الأولى من آيات سورة القدر وهو قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وكلامنا في هذه الآية في محاور ثلاثة:

  • الفرق بين الإنزال والتنزيل بلحاظ القرآن الكريم.
  • بيان ظاهر القرآن وباطنه.
  • بيان المقصود بليلة القدر.

المحور الأول:

ذكرنا فيما سبق أن بعض الآيات القرآنية عبرت بالإنزال: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قال تعالى: ﴿حم «1» وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ «3» إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَوبعض الآيات القرآنية عبرت بالتنزيل قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَقال تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً.

والفرق بين الإنزال والتنزيل: أن الإنزال: عبارة عن نزول القرآن دفعة واحده في ليلة القدر، القرآن نزله بتمام تفاصيله وأجزاءه دفعة واحده في ليلة القدر، فالإنزال عبارة عن النزول الدفعي، نزل القرآن دفعة واحده في ليلة القدر على قلب النبي المصطفى محمد قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «193» عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ.

ما التنزيل: هو عبارة عن تفصيل القرآن وفصل القرآن سورً، آيات ونزل نجوماً متفرقاً بحسب المناسبات، وبحسب الحوادث المستجدة ولذلك قالوا: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ «حادثه بعد حادثه ومناسبة بعد مناسبة» وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً.

السؤال هنا: إذا كان القرآن نزل على قلب النبي المصطفى دفعة واحده في ليلة القدر فما هي الحاجة لإنزاله مرة أخرى متفرقاً بحسب المناسبات، وبحسب الحوادث المستجدة، ما هو الهدف من أنزاله مرة أخرى متفرقاً بعد إنزاله دفعة واحدة، النبي يعلم بالقرآن بتمام تفاصيله فما هي الحاجة لإنزاله مرة أخرى بشكل متفرقاً لمدة 23 سنه هي عمر الدعوة المحمدية، هنا وجوه ثلاثة للجواب عن هذا السؤال:

الوجه الأول:

القرآن الكريم يقول: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً لماذا لا ينزل مرة واحدة؟ ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاهناك هدف عندنا﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا ما معني ثبت به فؤادك؟! هل كان النبي قلق؟! هل كان النبي متحير يحتاج إلى تثبيت وطمئنه؟! ما معنى لنثبت به فؤادك؟ أنتم تعرفون أن اليقين درجات:

هناك درجة علم اليقين، وهناك درجة عين اليقين، وهناك درجة حق اليقين، هناك درجات لليقين، قد يكون الإنسان على يقين ولكن يحتاج إلى درجة أخرى من اليقين ودرجة ثالثة من اليقين، مثال: الإنسان عندما يرى دخان نار يحصل له يقين بوجود نار هذه المرتبة الأولى من اليقين وهي «علم اليقين»، وإذا راء النار بعينية يترقى يقينه يحصل له درجة ثانيه من اليقين وهي «عين اليقين»، وإذا سقط في النار وانصهر بها وأصبح جسمه جسماً نارياً يحصل له أعلى درجة من درجات اليقين إلا وهي درجة «حق اليقين»، قال تعالى: ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ «5» لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ «6» ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ «7» ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ، اليقين له درجات.

الأنبياء في كل آن هم أكمل الناس، في كل لحظه هم أعلى الناس يقيناً، وأعلى الناس معرفة، وأعلى الناس اعتقاد في كل لحظه لكنهم مع ذلك يتكاملون لا يبقون على درجة من اليقين، لا يبقون على مرتبة من اليقين وأن كانوا في كل آن أعلى الناس يقيناً لكنهم في صراط التكامل في أيطار التصاعد قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى «عندي درجة من اليقين ولكن أطلب درجة أكبر» وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَمِنَ الْمُوقِنِينَدرجة أخرى أعطي من اليقين.

النبي المصطفى محمد هو في كل آن ولحظه أعلى الخلق يقيناً لكنه في صراط التكامل،، وفي إطار التكامل من درجة إلى درجة ومن مرتبة إلى مرتبة قال تعالى: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًاويتنقل بين المقامات ويترقى من مقاماً يقينياً إلى مقام يقيني أخر وهذه ما تشير إليه الآيات المباركة مجموعة من الآيات عندما تلاحظها تعطي هذا المعنى مثلاً: قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ يعني النبي كان جاهلاً لا يعلم؟ لا يعلم أن هناك قرآن؟ لا يعلم أن هناك إيمان؟ لا المقصود اختلاف درجة اليقين، ومثلاً قوله تعالى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ يعني ما كان يعلم بهم أصلاً؟ لا معناه اختلاف درجة العلم، هنا أيضاً﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ يعني لأعطاك مقاماً يقينياً بالقرآن أعلى من المقام اليقيني السابق، يقين النبي بالقرآن حينما نزل عليه دفعة واحدة مرتبه، وحينما عاد ونزله عليه تدريجاً لمدة 23 سنه حصل على مقام يقينياً أخر تشريفاً للنبي محمد .

الوجه الثاني:

هناك فرق بين العلوم النظرية والعلوم العملية.

العلوم النظرية: أفرض شخص يريد دراسة الفلسفة، الفلسفه علم نظري ليس له علاقة بالعمل يمكن أن يدرس هذا العلم دفعه واحده ويمكن أن يدرس هذا العلم بشكل تدريجي لمدة سنوات لا يوجد فرق.

أما العلوم العملية: فلا يمكن أن ترسخ إلا إذا اقترنت بالعمل،، أي كان العلم مقارن للعمل هذا العلم علم عملي وليس علماً نظرياً، بما أنه علماً نظرياً فلا يمكن رسوخه ولا فاعليته إلا إذا اقترنت النظرية بالتطبيق، إلا إذا اقترنت المعلومة بالعمل، مثلاً: علم الطب يدرس علم الطب ولكنه يخضع لدوره تطبقيه تدربيه حتى تقترن النظرية بمجال التطبيق، اقتران النظرية بالتطبيق يزيدها رسوخاً، ويزيدها تأثيراً وفاعلية.

القرآن من العلوم العملية وليس من العلوم النظرية، القرآن كتاب هداية قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِالقرآن كتاب هداية، كتاب عمل من أجل أن القرآن كتاب هداية وعمل اقتضت الحكمة أن يقترن القرآن بالعمل به، أن يقترن تعليم القرآن بالعمل به، لأنه ذلك يزيده رسوخاً وتأثيراً فكان مقتضى الحكمة الإلهية أن ينزل القرآن مرة أخرى لمدة 23 سنه لأجل أن تعطى المعلومة لكل مناسبة عملية معلومة تناسبها، لكل مناسبة لكل، لكل عمل قانون يناسبه فيقع الاقتران بين النظرية والتطبيق قال تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً.

الوجه الثالث:

هذه مسألة نفسيه تأثير الحدوث والتجدد، كيف تأثير الحدوث والتجدد مثال: أنت الآن توجد لديك حديقة، بستان، لو أن هذا البستان لا تتغير وروده، وروده منذُ أن اشتريت البستان إلى ما بعد 5 سنوات 6 سنوات وروده وثماره هي هي،، هل تتفاعل مع البستان كما لو كانت الورود تتجدد؟! والزهور تحدث مرة بعد أخرى؟! وفترة بعد أخرى؟! أيهما أكثر تفاعلاً،، طبيعي الحالة الثانية أكثر تفاعلاً، طبيعية النفس تتفاعل مع الجديد، طبيعة النفس تتفاعل مع الأشياء المتجددة مع الحدوث والتجدد هذا عامل نفسي، عامل نفسي جبلت عليه النفس البشرية أنها تتفاعل وتتعاطف وتتناغم مع ما يتجدد لا مع ما هو باقً ومستمر من دون حدوث وتجدد من أجل ذلك.

لو أن القرآن أعطي للمجتمع الإسلامي دفعة واحدة وقيل لهم هذا كتاب قانون وطبقوه بحسب الحوادث والمستجدات، لا يقع التفاعل مع القرآن وتناغم مع آياته وقوانينه كما لو كان ينزل متجدد في كل مناسبة، في كل مناسبة ينزل قانون جديد، في كل حادثه ينزل تكليف جديد، تجدد القانون، تجدد التكليف بحسب المناسبات وبحسب المستجدات يخلق تفاعلاً مع القرآن من قبل المسلمين وتناغم مع القرآن من قبل المسلمين أكثر مما يحصل لو نزل القرآن على المجتمع الإسلامي دفعة واحده.

الوجه الرابع:

القرآن كما هو كتاب تأسيس، يؤسس مبادئ، يؤسس قيم، وكتاب تربية،، أيضاً هو كتاب تهذيب وتعليق، كما يؤسس أيضاً يهذب، هناك قيم يهذبها القرآن، هناك قضايا تحدث يعلق عليها القرآن، القرآن كتاب تأسيس وكتاب تعليق أيضاً كما هو يؤسس مبادئ يعلق على قضايا حاصلة، يعلق عليه بالرفض أو بالقبول أو بتكميل كي يكون القرآن كتاب هداية معاصر لمسيرة الإنسان، ومواكب لطريق الإنسان كان كتاب تأسيس وكتاب تعليق وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم في قوله: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا إذاً كما هو كتاب تربية وتأسيس هو كتاب تهذيب وتعليق وهذا يقتضى أن ينزل القرآن متكرراً بحسب الحوادث وبحسب المستجدات هذا ما أردنا بيانه بالنسبة للمحور الأول.

المحور الثاني:

القرآن الكريم كما ورده في الأحاديث الشريفة خصوصاً في الروية المعتبرة عن الإمام الباقر حيث سأله جابر بن عبد الله الأنصاري «رضي الله تعالى عنه» قال: ما تفسير آية﴿فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، فأجابه : أن للقرآن ظهراً وبطناً وللبطن بطناً وظهراً، ولظهري ظهراً، وأن للقرآن سبعين بطناً، وأن القرآن كلاماً واحداً ينصرف إلى وجه شتى، هذه مسألة بطون القرآن، هذه نظرية بحثها العلماء بشكل تفصيلي، ما معنى أن القرآن له بطناً وظهراً وسبعين بطن ما معني هذا الكلام؟ ما معنى أن للقرآن بطوناً؟

مسألة ظهور وبطون القرآن نحن نذكر مختصراً لها تفسيرين:

التفسير الأول:

أن الآية الواحدة قصده بها معاني متعددة في عرض واحد مثلاً: قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ، أهل الذكر، الذكر هو القرآن، أهل القرآن: العارفون بالقرآن هل بيت النبوة، أهل بيت النبي محمد ولذلك قال الإمام الباقر عندما أستقبل قتادة، قتادة من مفسرين القرآن قال يا قتادة بلغني أنك تفسر كتاب الله قال: نعم قال: أن كنت تفسره من عندك فقد هلكت وأهلكت، وأن كنت تفسره من الرجال فقد هلكت وأهلكت، أنما يعرف من خوطب به، من الذي خوطب به؟! من الذي تلقاه؟! تلقاه النبي، وما تلقاه أودعه عند أهل بيته إنما يعرف القرآن من خوطب به، وما هو إلا عند الخاصه من ذرية نبينا محمد وما ورثك الله من كتابه حرفا.

إذاً أهل الذكر: يعني أهل بيت النبوة وهناك معنى أخر أهل الذكر: هم العلماء الذكر يعني العلم﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ «يعني فسألوا أهل العلم» إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ، معنيان لآية مباركة في عرض واحد هذا يسمى بطون القرآن، يعني له معاني متعددةفي عرض واحد هذا التفسير الأول لبطون القرآن.

التفسير الثاني:

الناس تتفاوت في قربها من الله القرآن الكريم يقول: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ، أنت لك درجه في العمل، أنا لي درجة في العمل، الثالث له درجه في العمل قال تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ، لا يظلم أحد أبداً، بمقدار ما تبدل من عباده لن يفوتك شي من هذه العبادة، بمقدار ما تبدل من عبادة في شهر رمضانوفي غيريه لين يضيع عند الله قال تعالى: ﴿إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً، كل شي محفوظ قال تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ العمل درجات ولذلك قال الله تبارك وتعالى: ﴿اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ يعني التقوى لها مراتب: يوجد تقوى حقيقة، وتقوى حقيقة حقه: ﴿اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ التقوى لها درجات، العمل له درجات ونتيجة اختلاف درجات العمل يختلف درجة العلم، ما نقصد بالعلوم، العلوم المادية والاعتبارية كالهندسة، والفيزياء والكيمياء ليس لها علاقة بالعمل.

هناك علم يختلف باختلاف العمل إلا وهو علم العرفان، عرفان الإنسان بربه، عرفان الإنسان بمقامات ربه، هذا العرفان يحتفل باختلاف درجات العمل، العمل يؤثر على مقدار المعرفة بالله تبارك وتعالى واختلاف درجات العمل يعني اختلاف درجات العرفان بالله تبارك وتعالى وهذا ما أكدت عليه الآيات القرآنية: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ، وقال تبارك وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا.

وقال تبارك وتعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ، ما الذي يصعد الكلم الطيب، ما معنى الكلم الطيب: المعارف الصحيحة ما الذي يصعدها إلى السماء؟ العمل الصالح يرفعه، العمل الصالح له أثر على المعرفة، المعارف ترفعها الإعمال الصالحة قال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ إذاً بالنتيجة العلم بالله يختلف باختلاف درجة العمل، ونتيجة اختلاف الناس تختلف معاني القرآن، كل شخص يفهم من الآية بمقدار علمه وتلقيه، تختلف درجات الفهم للقرآن باختلاف درجات المعرفة باختلاف درجات العمل إذاً المعنى الأول للآية تختلف إفهام الناس فيه، هذا يدرك من الآية1%، هذا يدرك من الآية5%، هذا يدرك من الآية 50%، هذا يدرك من الآية 70%، علياً يدرك من الآية 100%، قال تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍكل ما في هذا القرآن قد أحصاه الله في قلب علي بن أبي طالب قال تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ، «وأن عندي كتاب الله، واني أعرف ناسخه من منسوخة ومحكمه من متشابه وعامه من خاصة... الخ» ما ذكر «صلوات الله وسلامه عليه» إذا المقصود ببطون القرآن ماذا؟ يعني اختلاف تلقي المعنى نتيجة اختلاف درجات العلم لاختلاف درجات العمل ولذلك قال القرآن الكريم: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ وقال تعالى: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ الناس تتفاوت هذا معني بطون القرآن.

المحور الثالث:

قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وقد ورد في الرواية المعتبرة عن الصادق ﴿لَيْلَةِ الْقَدْرِ، أمي فاطمةهنا يقع السؤال ليلة القدر ليلة من ليالي شهر رمضان قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ قال تعالى في آية أخرى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ليلة القدر يعني ليلة من ليالي شهر رمضان قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ما معنى﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يعني ليلة القدر فاطمة الزهراء .

تحدثنا عن ظاهرً وباطن، ظاهر الآية المعنى الأول البارز الواضح من الآية: أن ليلة القدر زمان معين في شهر رمضان المبارك مردد بين تسعة عشر، والواحد والعشرون، أو الثالث والعشرون لذلك يستحل للإنسان أن يحي الليالي الثالث التاسع عشر، والواحد والعشرون، والثالث والعشرون لأنه ليلة القدر مردده بين هذه الليالي الثالث، بعض العلماء يقولون أنها مردده بينها وبين ليلة النصف من شعبان، ليلة النصف يحتمل أنها لليلة من ليالي القدر، على أي حال هذا المعنى الظاهر لليلة القدر.

إما بطن القرآن، المعنى الباطن لهذه الآية أن ليلة القدر فاطمة، وما أدراك ما فاطمة «صلوات الله وسلامه عليها» ماذا يعني ربط لليلة القدر بفاطمة؟ ما هي العلاقة؟

حتى ورد في رواية أخرى: «من عرف ليلة القدر عرف أمي فاطمة» ما هو الربط بين لليلة القدر وفاطمة؟! ما هي العلاقة حتى يقصد بليلة القدر فاطمة الزهراء ؟ اذكر لك معاني ثلاث:

المعنى الأول:

ورد عن النبي : «فاطمة بضعة مني» ما معنى بضعة مني؟ النبي قال: «حسين مني وأنا من حسين» وقال: «علي مني وأنا من علي» ولكن فاطمة عبر عنها بتعبير أخر فاطمة بضعة ما قال مني، مني قاله في الإمام الحسين والإمام علي، الزهراء خصها بتعبير «فاطمة بضعة مني».

البضعة هي: القلب يعني فاطمة قلبي، قلبي يتمثل في فاطمة، بما أن فاطمة قلبه «صلوات الله وسلامه عليه وآله» بما أن فاطمة قلبه يعني ما أودع في قلبه أودع في فاطمة، وقد أودع في قلبه القرآن الكريم قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «193» عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ، كما أن القرآن أودع في قلب النبي أودع في قلب فاطمة بنت محمد.

كيف أودع في القلب؟ ليس ألفاظ والسور والآيات كل شخص يستطيع أن يحفظها فتصبح في قلبه صح أو لا؟ كل شخص يحفظ القرآن أصبح القرآن في قلبه مجموعة ألفاظ وآيات وسور أصبحت في قلبه يشترك فيه المؤمنون والأئمة لا توجد ميزه لزهراء؟! القرآن بوجوده النوري، سبق أن ذكرنا أمس القرآن له وجودان:

وجود ملكي مادي ألفاظ وسور وآيات، ووجود ملكوتي نوري قال عنه تبارك وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا القرآن له وجود نوري غير الفظي، هذا الوجود النوري هو الذي تحدث عنه الله تبارك وتعالى عندما قال: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ.

الوجود النوري، القرآن له وجود نوري غير هذا الوجود الفظي، القرآن بوجوده النوري الملكوتي أختص الله به شخصين «محمد وفاطمة» ففي قوله: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «193» عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَإشارة إلى استيداع قلبه لنور القرآن، وفي قوله: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِإشارة إلى استيداع قلب فاطمة لهذا الوجود النوري للقرآن الكريم.

المعنى الثاني:

أنتم تعرفون ورد عن الإمام العسكري : «نحن حجج الله على الخلق وفاطمة حجة علينا» هم الأئمة وفاطمة حجة عليهم «نحن حجج الله على الخلق وفاطمة حجة علينا» كيف تكون فاطمة حجة عليهم؟

لأنه فاطمة أودع عندها تأويل القرآن، هذا هو مصحف فاطمة، مصحف فاطمة ليس قرآن ولكنه تأويل القرآن كما في بعض الروايات، نزل ملك يحدثها ويسليها بعد وفاة أبيها المصطفى ، كما نزل ملك على مريم قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَكما تحدثت الملائكة مع مريم تحدثت مع سيدة مريم فاطمة الزهراء وما نزل على الزهراء من قبل الملائكة تأويل القرآن، فتأويل القرآن وصل إلى الزهراء ومنها وصل إلى الأئمة حتى الإمام علي تلقاه عن الزهراء.

علم تأويل القرآن نزل عليها تشريفاً لها شاءت حكمته أن يجعل أهل البيت محتاج إلى البعض الأخر، الزهراء تحتاج إلى علي لأنه علي إمامها، إمام زمانها، وحجتها عليها، وعلي يحتاج إلى فاطمة فإن فاطمة معدن لعلم التأويل الذي تلقاه علي وأهل البيت من فم فاطمة.

إذا كان القرآن له تأويل وله تنزيل، تنزيله نزل على نبينا محمد وتأويله نزل على فاطمة الزهراء، لذلك صح أن يقال﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وان ليلة القدر فاطمة.

المعنى الثالث:

لليلة القدر كما سويف يأتي في الأبحاث القادمة في التقدير، والقضاء، والقدر، والفرق بين عالم القضاء، والإمضاء، وعالم القدر هذه كلها تتعلق بليلة القدر، ليلة القدر من جملة معانيها التقدير، يعني ماذا ليلة التقدير؟ هو القرآن الكريم يقول: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ «3» فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ «4» أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ كل أمر حكيم يعني ماذا؟ تقدر.

أنت قانونك يقدر كل ليلة القدر رزقك، سعادتك، شقائك، حياتك موتك، كل ما يقدر عليك فإنه يقدر في ليلة القدر يعني لليلى التقدير تقدير كل شيء بما أن ليلة القدر هي ليلة التقدير فلنرجع إلى مسألة مصحف فاطمة، مصحف فاطمة على بعض الروايات الأخرى مصحف تقدير يعني أن الله تبارك وتعالى أنزل ملك يحدث فاطمة بما يجري على أبنائها من بلايا، ومن منايا ووقائع وحوادث منذُ الإمام علي وحتى المهدي «عجل الله فرجه» جميع ما يصدر لهم يعني تاريخهم، تاريخ أهل البيت بعبارة أخرى أنزل على فاطمة، إذاً التقدير الخاص بأهل البيت أنزل على من؟!

أنزل على فاطمة تقدير أرزاقهم، وحياتهم وموتهم، ومصائبهم، ووقائعهم تقدير أهل البيت نزل على فاطمة بما أن ليلة القدر هي ليلة التقدير وتقدير أهل البيت نزل على فاطمة إذاً ففاطمة ليلة القدر بمعني أنها مستودع التقدير، تقدير على ما يجري على «أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم» منذ الإمام علي إلى الإمام المهدي، لماذا أقول إلى المهدي؟

أحد علمائنا الأبرار توفى «رضوان الله تعالى عليه» كان يتشرف بلقاء المهدي «0عجل الله فرجه الشريف» هو يقول سألته قلت له أنت ترى مصائب مختلفة أعظم مصيبة تؤدي قلب الإمام، مصيبة الانحراف في الدين، عندما يرى من شيعته انحراف في الدين، أو انحراف في العقيدة هذه أعظم مصيبة على قلب الإمام والإمام يتأثر بما حصل إلى أبائه وأجداده وينشجوا نشيجا بما حصل إلى أبائه وأجداده لكنه يجهد ويتعب عندما يصل إليه انحرف في الدين أو في العقيدة من شيعته من مواليه هذا يتعب الإمام جداً ينهك يتعبه، سألته أنت تحصل لك مصائب فلان انحرف، فلان كان متدين انحرف، فلان ثابت العقيدة أصبحت عقيدته مختلة وفلان كذا فلان أنت اتصل إليك هذه المصائب وتتعبك وتنهكك، كيف تستعين وتدرك؟ تدرك النشاط، تدرك الحيوية مرة أخرى كيف تعود إلى نشاطك بعد أن أنهكك المصيبة؟ الإمام «عجل الله فرجه الشريف» يجيب:

أن بعضها يقعدني لا استطيع أن أتحرك فتعينني أمي فاطمة الزهراء الإمام يستعين بأمه وهي روح محلقة في أجواء الخلد، يستعين بأمه الزهراء «سلام الله عليها» لاستعادة نشاطه وحيويته أن بعضها يقعدني فتعينني أمي الزهراء «سلام الله عليها» إذا هذه المصائب، هذه التقديرات التي تجري حتى على الإمام نفسه كانت لذا علم عند الزهراء «سلام الله عليها» فهي بيدها تقدير أهل البيت لذلك هي ليلة القدر بالنسبة إلى أهل البيت «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» ولذلك استحقت هذه الآية المباركة: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، هذا ليس بدعه ولا غرابة بالنسبة إلى فاطمة «صلوات الله وسلامه عليها» وقد بداء حديث الكساء بها.

«ما خلقت سماء مبنية، ولا أرضا مدحية، ولا قمرا منيرا، ولا شمسا مضيئة، ولافلكا يدور، ولا بحرا يجري، ولا فلكا يسري، الا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء. فقال الأمين جبرائيل: يا رب ومن تحت الكساء؟ فقال عزّ وجلّ: هم أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها».

وَالحمدلله رب العالمين

طلب الدعاء لنا من الإمام الحجة
الموازين العلمية والفقه الاسلامي