نص الشريط
بحث في مسائل القدر جـ5
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 6/9/1429 هـ
مرات العرض: 3012
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1266)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «1» وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ «2» لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ «3» تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِرَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ «4» سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ

ما زال كلامنا حول مسألة القضاء والقدر، وكيفية تقدير حياة الإنسان في ليلة القدر وما دلت عليه النصوص الشريفة من تقسيم القضاء: إلى قضاء حتمي، وقضاء غير حتمي، وأن لله البداء قال تعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ، ومن أجل بيان هذه المسألة نتعرض لعدة أمور:

الأمر الأول:

أن هناك قانون نافد في هذا الوجود كله بلا استثناء إلا وهو قانون «السببية» لكل مسبب سبب فإذا تم السبب وجب وجود المسبب، وجود المسبب ضروري ولازم عند وجود السبب، وهذا ما يعبر عنه الفلاسفة «الشيء ما لم يجد لم يوجد» فإذا تمت علته وجب وجوده وإذا لم تتم علته مستحيل أن يوجد، يستحيل أن يوجد شيئاً ما لم تتم علته، وإذا تمت علته فمستحيل أن يتخلف يجيب أن يوجد هذا معنى قانون السببية، قانون السببية يعني لم يتم السبب فالمسبب يستحيل وجوده، وإذا تم السبب فالمسبب يجب وجوده ولا يمكن أن يتخلف، وهذا لا فرق فيه بين القضايا الطبيعية والقضايا الاختيارية:

القضايا الطبيعية: مثلاً: نحن نقول إذا بلغت درجة حرارة الماء 100فإنه يغلي سبب ومسبب الغليان مسبب، السبب أن تبلغ درجة حرارة الماء 100 هذا مستحيل أن يتخلف لا يمكن أن يغلي الماء قبل أن تصل درجة حرارته 100 مستحيل، وإذا وصلت درجة حرارته 100 فإنه يغلي لا يمكن أن يتخلف عن ذلك سبب ومسبب، إذا تم السبب يعني بلغت درجة حرارة الماء 100وجب وجود المسبب وهو الغليان، وإذا لم يتم السبب لم تنصل درجة حرارة الماء إلى 100 يستحيل أن يغلي الماء هذا معنى قانون السببية في القاضية الطبيعية.

وكذلك في القضايا الاختيارية، حتى القضايا الاختيارية فعلي مثلاً، صلاتي مثلاً، صومي مثلاً هذه قضايه اختياريه يعني ترجع إلى إرادتي، حتى هذه القضايا الاختيارية تخضع لقانون السببية، كيف تخضع لقانون السببية؟! السبب المؤثر في هذه القضايا الاختيارية هو الإرادة، فإذا تمت الإرادة يحب حصول الفعل الاختياري، وإذا ما تمت الإرادة لا يمكن حصول الفعل الاختياري، الفعل الاختياري منوط بتمامية الإرادة، أن تمت الإرادة وجب وجوده، وأن لم تتم الإرادة لا يمكن وجوده كيف؟!!

الإرادة: لها مقدمات تبعاً لتصور الشيء، التصديق بفائدته، دفع العوائق عنه، الشوق المؤكد لوجوده مقدمات للإرادة مثلاً: أن أريد أن أصلي في المسجد جماعة، ما معنى أريد؟! لا بد أن توجد مقدمات أولاً: أتصور الصلاة في المسجد جماعه، ثانياً: الصدق الصلاة في المسجد جماعة تفيدني فيها فائدة ليّ، ثالثاً: أدفع العوائق التي تمنعني من الذهاب للمسجد هل هناك عوائق وموانع أزيل هذه العوائق والموانع، رابعاً: يحصل ليّ الشوق بعد أن تصورت وتصدقت ودفعت العوائق يحصل ليّ الشوق لذهاب للمسجد جماعة.

بعد هذا الشوق تأتي مرحلة الإرادة هذه كلها مقدمات، الآن تأتي مرحلة الإرادة، مرحلة الإرادة إشارة الدماغ للأعصاب بالحركة، الدماغ يعطي، يرسل إشارة للأعصاب أن تحركي أذهب إلى المسجد، هذه الإشارة الدماغية، إشارة الدماغ للأعصاب بالحركة والانطلاق، هذه الإشارة تسمى الإرادة وهذه هي السبب في وقوع الفعل وإذا حصلت هذه الإشارة لا بد أن يقع الفعل، قبل أن تحصل هذه الإشارة يمكن ويمكن أذهب إلى المسجد أصلي جماعه؟! هي فائدة إذا ذهبت أتعب يطول في الصلاة وفي قراءة الأدعية، وهناك صراع بين عاملين: عامل يدفعني للذهاب وهو وجود الفائدة، عامل يثبطني عن الذهاب وهو حصول التعب يحصل الصراع بين العاملين، ما دامت الإرادة لم تتم، ما دام الدماغ لم يرسل إشارته يمكن ويمكن لا، ولكن بمجرد أن تحصل العلة، أن يحصل السبب يرسل الدماغ إشارته للأعصاب بالحركة يجب حين إذاً وجود الفعل.

إذاً عندنا قانون لا يتخلف أسمه قانون «السببية» إذا تم السبب وجد المسبب وأن لم يتم السبب لم يوجد المسبب ولا فرق في هذا القانون بين القضايا الطبيعية والقضايا الاختيارية كما مثلنا هذا الأمر الأول.

الأمر الثاني:

ذكرنا فيما سبق أن هناك فرق بين عالم الأمر وعالم الخلق القرآن الكريم يقول: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُيوجد عاملين: عالم خلق، وعالم أمر.

عالم الأمر: عالم وجود المجردات يعني الأشياء الغير مادية التي ليس لها كتله، لا يوجد لها طول وعرض وعمق، لا تشغل حيز من الفراغ، عالم المجرداتكعالم الملائكة هذا العالم عالم مجرد، أنظر إلى الملك عندما يأتي إلى الإنسان يتمثل فقط وإلا هو ليس له ماده قال تعالى: ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً لما جاء الملك إلى مريم ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً فقط صوره لا يوجد واقع في الخارج لا يوجد شيء، مريم ترى صورة أمامها عندما تضيع يدها في الفضاء لا ترى شيء لا يوجد شيء له كتله، لا يوجد شيء له مادة لا يوجد شيء له طول وعرض وعمق أبداً لا يوجد شيء مجرد صورة ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً صورة فقط وهذه الصور ليس لها أي كتله أي مادة أي شيء لا طول ولا عرض ولا عمق مجرد صوره، صورة بشر يتمثل لها، الملك من المجردات ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً.

عالم المجردات وهو مثلاً: عالم الملائكة، عالم الأرواح، عالم الأشباح، عالم المجردات يخضع أيضاً «لقانون السببية» الروح لا توجد إلا بسبب، الملك لا يوجد إلا بسبب لكن توجد الأسباب متعددة كل عالم المجردات سبب واحد وهو إرادة الله مباشرة، جميع المجردات توجد بإرادة مباشره من الله عز وجل يعني لا توجد واسطة بين الله وبين المسبب ولذلك يعبر الفلاسفة «المجرد يوجد بدون مادة ولا مدة» المجرد يوجد دفعة بأمر الله عز وجل قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

إذا تعلقت إرادة الله بإيجاد روح أو ملك، بمجرد أن تتعلق الإرادة والمشيئة إيجاد الروح أو الملك يوجد بلا حاجة إلى واسطة لا مادة ولا مدة وهذا يسمى بعالم الأمر عالم المجردات هذا العالم لا تغير فيه لا يوجد قضاء حتمي وقضاء غير حتمي كله «قضاء حتمي» هذا العالم لا تغير فيه لماذا؟ لأنه سببه المؤثر إرادة الباري تبارك وتعالى بشكل مباشر بدون واسطة فلا تغير.

ربما يكون في بعض الإرادة مثلاً: الملائكة لا تستطيع أن تقول لا إرادة لهم أصلاً، لهم إرادة يتسابقون بها نحو الخيرات، يمكن ذلك بعض الإرادة كما في قضية فطرس مثلاً، أو ما ذكرناه أمس من أن الأرواح قبل أن تنزل إلى عالم المادة خضعت إلى امتحان وحصل بينها تسابق، هذا المقدار من الإرادة يعني إرادة التسابق نحو الاستجابة لأمر الله تبارك وتعالى، المقدار من الإرادة موجود، وأما الأوضاع، أوضاع هذا العالم، أحوال هذا العالم، عالم المجردات لا تتغير أوضاعها كما هي.

عالم الخلق: عالم الخلق هو عالم المادة، جسمي من عالم الخلق قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ «12» ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ «13» ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ هذا يسمى بعالم الخلق، ما معنى عالم الخلق؟! في مادة وهذه المادة تدرج في الوجود نطفة وعلقة ومضغه وعظام في مدة، هذه المادة خلال ستة أشهر، ثمانية أشهر، تسعة أشهر تصبح إنساناً متكامل، إنساناً سوياً، إذا عالم الخلق سماء والأرض والحيوان والنبات عالم المادة عالماً لا يوجد دفعة واحدة كعالم الأرواح والملائكة، عالماً يوجد بشكل تدريجياً يخضع لعنصرين: عنصر ماده، وعنصر مدة، هذا العالم يوجد بشكل تدريجي.

المسبب في هذا العالم له أسباب متعددة وليس سبب واحد هذا هو الفرق بينه وبين عالم الأمر، عالم الأمر ليس له إلا سبب واحد وهو الإرادة المباشرة لله تبارك وتعالى، إما عالم الخلق فيخضع لأسباب متعددة، أسباب مختلفة نتيجة اختلاف وتعدد الأسباب يحصل التغير، ويحصل الصراع أمثله:

مثلاً: البذرة هذه البذرة بذرة الشجرة تحتاج إلى أسباب حتى تصبح شجرة تحتاج إلى أسباب: تحتاج إلى سماد وتحتاج إلى ماء، وتحتاج إلى تراب مهيأ لذلك، أساب متعددة تحتاجها البذرة حتى تصبح شجرة، وهناك أسباب مضادة: تلوث البيئة يمنع من نمو هذه البذرة، سوء السقي يمنع من نمو هذه البذرة، إذا هناك أسباب للنمو وهناك أسباب مضادة معارضة للنمو يحصل الصراع بين هذه الأسباب فتتغير بعض الأسباب، يغلب سبب على سبب، يطغى سبب على سبب.

مثلاً: الإنسان يتكون من نطفة ليس بمجرد النطفة يصبح إنسان لا، يوجد أسباب: استقرار النطفة في جدار الرحم، عدم وجود مانع أخر يسقط هذه النطفة من موقعها، مجرد وجود النطفة لا تولد إنسان لابد من اجتماع أسباب متعددة وهنا تحصل أسباب تساهم في وجود الإنسان، وأسباب عارضة لوجود الإنسان فيحصل صراع بين الأسباب وقد يطغى بعضاً على بعض، ويغلب بعضاً على بعض حتى الأفعال الاختيارية.

لاحظ الأفعال الاختيارية أفعالنا نحن فيها أسباب متعارضة ليس سبب واحد مثال: أحيانا قد يرغب الإنسان فعلاً ويشتاق إليه شوقاً كبيراً ويصمم على إتيانه ويدفع العوائق عنه ويقدم سائر المقدمات له وفي الأخير ينسى ما فعلنا عرفة الله بمقض العزم وين أنت كنت مشتاق إلى هذا العمل، كنت كذا.

مثال: أفرض هذا إنسان حجز التذاكر السفر وأعد الحقيبة للسفر وذهب إلى المطار وصعد إلى الطائرة عازم مصمم لا يوجد عنده شيء أقل شي أنا لا أريد السفر رجع كيف؟!! يعني يوجد أسباب متغايرة أسباب متصارعة، هناك أسباب تدعوا إلى السفر وهناك أسباب معارضه للسفر ويحصل بين هذه الأسباب صراع في الأخير يطغى واحداً على الأخر، وأحياناً بالعكس إنسان لا يريد كاره الفعل الفلاني يكره، لا يريد أن يصنعه أبداً ولا يقوم بأي مقدمه لإيجاد هذا الفعل، فعلاً مبغوض مكروه فجئه لحظه واحدة أتى بهذا الفعل يعني هناك صراع، عالم المادة عالم الخلق «عالم الصراع» بين الأسباب عالم ازدحام الأسباب واختلافها ولأنه عالم الخلق عالم الصراع لا يجد فيه إرادة مباشرة من الله تبارك وتعالى، يعني لا يوجد عالم الخلق بإرادة مباشرة، الله تبارك وتعالى ربط هذا العالم يعني عالم الخلق ربط المسببات المادية بأسباب مادية هو ربطها بذلك، بعد أن ربط المسببات المادية بالأسباب المادية فما يوجد المخلوق في عالم الخلق بإرادة مباشره من دون واسطة، إذاً حين إذاً تتزاحم الأسباب المادية على هذا المخلوق ونتيجة تزاحم الأسباب المادية يقع التغير، هناك عالم الأمر لا يوجد تغير، وهنا يقع التغير كيف يقع التغير؟؟!

مثل ما ذكرنا أشترى تذاكر السفر وأعد الحقيبة وذهب إلى المطار وصعد إلى الطائرة، ظاهره أنه ماذا؟ يسافر في اللحظة الأخيرة طرا التغير، كان السبب للسفر سبباً كأنه تام في اللحظة الأخيرة غلبه سبب أخر حصل تغير في الأسباب وبالعكس بالعكس.

الآن نمثل بمثال: واضح إنسان يوجد بجسم صلب يخلقه الله منذُ أن يخرج من بطن أمه، تعرف بعض الأطفال يخرج من بطن أمه ووزنه كيلوين ضعيف، نحيل، عليل معرض للأمراض، وهناك طفل يخرج من بطن أمه وزنه أربعه كيلوا متعافي، جسمه قوي، عنده صلابة في أعضائه، هذا الطفل أحياناً يخلقه الله بجسم قوي قابل وقادر على أن يعيش مئة سنه أو خمسين سنه، هذا الجسم جسم عنده قوه، عنده قدرة أجهزته أجهزه جدية يعني قوية هذا الجسم قابل لئن يعيش مئة سنه، مئة وخمسين سنه هذا الجسم هذا سبب للبقاء لكن هذا الجسم أين يعيش؟ إذا يعيش في بيئة ملوثه مثل بيئتنا بيئة الأدخنة، وبيئة الفضلات، تكرير البترول... على البيئة الملوثة هذا الجسم قابل لئن يعيش مئة سنه، مئة وخمسين سنة قوي صلب هذا سبب ولكن وجودة في بيئة ملوثة سبباً لقطع الأمر، سبباً لموت المخترم «اللهم لا تجعلنا من السواد المخترم» إنسان إذا خرج يشيع جنازة يستحب أن يقول «اللهم لا تجعلنا من السواد المخترم».

السواد المخترم: يعني الذي يخترمه الموت قبل وقته يوجد سبب عارض يعني انتهى، خرمه الموت وقطعه قبل وقته قبل انتهاء الأجل الطبيعي، هنا سبب يقتضى البقاء مئة سنه، سبباً يقتضى الموت بعد خمسين سنه هناك صراع بين السببين بحسب الظاهر هذا يعيش مئة سنه اكتشفنا أنه لا لم يعش سوء خمسين سنه يعني السبب الثاني طغى وغلب على السبب الأول هذا معناه تغير، حصل تغيراً.

إذاً الذي نريد أن نقول عالم المادة عالم الصراع بين الأسباب بخلاف عالم الأمر، ولأنه عالم الصراع بين الأسباب فهو عالم التغير سبباً قوي قد ينثلم في أخر لحظه ويغطي عليه سبباً ضعيف هذا العالم عالم التغير بخلاف ذلك العالم الذي هو ليس عالم التغير هذا الأمر الثاني الذي أردنا بيانه.

الأمر الثالث:

تغير: ما معنى التغير؟! هل معنى التغير أن يدخل عامل خلاف ما يريده الله فيغير؟ أو هل معنى التغير أن المسبب تم سببه ولم يوجد ما معنى التغير؟! هنا فرضيات ثلاث:

الفرضية الأولى:

أن المقصود بالتغير أن يطرأ عامل معارض لقضاء الله فيغيره هذه مستحيل أن نقول قضى الله أن يعيش فلان مئة سنه لكن حصل عاملاً معارض لقضاء الله فغير الأمر هذا مستحيل قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ وقال تعالى: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، مقتضى خالقيته لهذا الكون مالكيته لهذا الكون، مقتضى مالكيته لهذا الكون إلا يقع شيئاً بدون قضاء منه وعلم منه مستحيل، هل من خالق غير الله؟! قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا.

إذا هذه الفرضية مستحيلة، أن نقول نعم تم السبب لكن المسبب تخلف بلغت درجة حرارة الماء 100لكن الماء لم يغلي، الإنسان دماغه أشار بالحركة أمره بالحركة، الدماغ أعطى الأعضاء البدنية إشارة إلى الصلاة لكن ما صلى؟! هذا مستحيل تخلف السبب عن المسبب مستحيل ما التغير؟! نفس قضاء الله يتنوع، نفس القضاء يتغير، يتغير قضاء من الله بقضاء من الله الأقضية هي التي تتغير ليس بشيء خارج عن قضاء الله، لا يوجد شيء خارج عن قضاء الله كل ما في الوجود تحت قضائه، يتغير قضاء منه بقضاء منه أخر أقضية تتغير كيف قضاء الله يتغير؟؟! كيف؟! هذا الكلام كفر، كيف قضاء الله يتغير؟! يتغير قضاء الله بقضاء من الله تبارك وتعالى لأنه جميع الأسباب مظهر لإرادة الله وهي مظهر لقضاء الله لجميع الأسباب، صلابة الجسم سبب وصلابة الجسم مظهر لقضاء الله ومظهر لإرادة الله.

بينما شرب الماء الوسخ، أو أكل الطعام المضر أيضاً سبب، وهذا السبب مظهر لقضاء الله مظهر لإرادة الله وأصلاً لا يكون صلابة الجسم سبب إلا من الله عز وجل لولا لم يتدخل الله عز وجل لما كانت صلابة الجسم سبب للبقاء ولو لم تتدخل إرادة الله ما كان شرب الدواء وشرب الماء المضر سبباً للفناء، سببية كل سبب بقضائه تبارك وتعالى، إذا صلابة الجسم قضاء من الله يقتضى البقاء، شرب مثلا الماء المضر سبب من الله يقضى الفناء ويقتضى الموت هذا سبب من الله، وهذا سبب من الله وهذا قضاء من الله وهذا قضاء من الله، فإذا طغى القضاء الثاني تغير قضاء بقضاء من الله تبارك وتعالى لا بأمر خارج عن قضاء الله، ولا بتخلف في قانون «السببية».

كيف حدث التغير؟! هذا التغير تغير ظاهري وليس تغير واقعي يعني بحسب علمه تعالى لا يوجد تغير إنما بحسب علم الملائكة، بحسب علم الإنسان حدث تغير وإلا بحسب علمه تعالى لا يوجد تغير، الله تبارك وتعالى قضى أن فلان يعيش مئة وخمسين سنه، ما معنى قضاء؟ يعني أعطاه جسماً قادراً على أن يعيش مئة وخمسين سنة هذا معنى قضى الله يعني فالملائكة أذا اطلعت على ذلك تقول هذا سوف يعيش مئة وخمسين سنه والإنسان الذي يعيش معاي سوف يعيش مئة وخمسين سنه.

إذا بالنتيجة: هذا الشخص خلق بجسم قوياً يقتضى البقاء مئة سنة يقتضى البقاء مئة وخمسين سنه هذا قضاء من الله، قضى الله أن يبقى فلان مئة وخمسين سنه، ما معنى قضى الله؟ يعني أعطاه جسم يقتضى ذلك، الملائكة إذا طلعت على هذا الجسم البشري والإنسان الذي يعيش معاي هذا يبقى مئة وخمسين سنه.

السبب الأخر: اعتداء من ظالم معين بإبره، برصاصه بأي شي، هذا السبب الثاني قضاء من الله، الثاني قضاء أخر، الرصاصة قضاء يقتضي الموت هذا قضاء من الله، الذي حصل أنه بحسب علم الملائكة تغير القضاء كان القضاء يبقى مئة وخمسين سنه، أصبح قضاء أخر يقتضى أن يموت عمره 95 سنه بحسب علم الملائكة وبحسب علم البشر حصل تغير في القضاء وإلا بحسب علمه تعالى لم يحصل تغير قال تعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ يعني أظهر لنا سبباً وهو صلابة الجسم يقتضي البقاء ثم أظهر لنل سبباً أخر يقتضي الموت هذا معنى﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ العلم الأزلي عنده تبارك وتعالى.

الأمر الرابع:

نحن عندما نقول عالم المادة يتغير لأنه الأسباب متصارعة ليس كل عالم المادة يتغير، عالم المادة مكون من: نظم وظواهر التي تتغير الظواهر إما النظم لا تتغير وإلا يفسد عالم المادة يوجد نظم وظواهر، النظم «ثابتة» لا تتغير لأنه صلاح عالم المادة يقوم على هذه النظم، هذه النظم لا تتغير، الذي يتغير هو الظواهر أمثله:

مثلاً: الآن مثلاً الصلاة قد تتغير صلاة بطيئة، صلاة سريعة من صلاة ذات خشوع إلى صلاة مع تشويه في التفكير الظواهر تتغير، التفاح كما يقولون أرميها إلى الأعلى تصعد هذه ظاهر أتركها تنزل هذه ظاهره أخره، أما القوانين لا تتغير، قانون الجاذبية لا تغير هذا قانون ثابت صلاح نظام الوجود يقوم عليه فإذا بلغت درجة حرارة الماء 100 فإنه يغلي هذا قانون ثابت صلاح نظام الوجود يقوم عليه هذه القوانين والنظم ثابتة لا تتغير، الذي يتغير هو الظواهر، تتغير نتيجة تزاحم الأسباب وصراع الأسباب يحصل تغير بسبب طغين سبباً على أخر.

وصلنا إلى أن القضاء في عالم الأمر «قضاء حتمي» لا يتغير، والقضاء في عالم المادة قد يكون «حتمي وقد يكون غير حتمي»، قضاء في عالم المادة إذا كان متعلق بالنظم والقوانين «فقضاء حتمي» وإذا كان متعلق بالظواهر فهو «قضاء غير حتمي» عندنا قضاء حتمي في عالم المادة، وقضاء غير حتمي، والقضاء الغير حتمي هو ما كان متعلق بالظواهر كما مثلنا، صلابة الجسم بقاء يقتضى البقاء مئة سنه لكنه «قضاء غير حتمي» لأنه احتمال أن يأتي سبب يقوى عليه، بينما التلوث، تلوث البيئة قضاء يقتضى الموت مبكراً «هذا أيضاً قضاء غير حتمي» هذا قضاء غير حتمي، وهذا قضى غير حتمي كلاهما قضاء غير حتمي ولكن لما تم سبباً على سبب قلنا قانون السببية لا يتخلف، إذا تم السبب وجد وجود المسبب.

الأمر الخامس:

من أين نأتي بهذا الكلام؟ من الروايات والآيات، إما من الآيات قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِندَهُ يوجد قضائيين أجل مسمى وأجل قضاء لكنه لم يمسى، مثال: قضى الله أن فلان إذا وصل رحمه يعيش مئة سنه وإذا قطع رحمه يعيش سبعين سنه هذا قضاء أما الأجل المسمى عنده فهو علمه، أن فلان شقي لا يصل رحمه سوف يعيش بعمر أقل أنظر إلى قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا، كل شي لابد أن يحدث هذا القضاء يعني ماذا؟ «قضاء حتمي» أنت أخذت بآية وترك الآية الأخرى، أنظر إلى قوله تعالى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن يتغير القضاء بقضاء منه: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن، قال تعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ، ولذلك أنت تقرأ في أدعية شهر رمضان «اللهم أن قضيت ليّ أن أكون شقياً أو محروماً أو مقترا عليّ رزقي فمحوا من أم الكتاب شقائي وحرماني ومقترة رزقي وكتبني عندك سعيداً مرزوق موفق للخيرات أذاً يتغير القضاء.

نأتي للنصوص الشريفة ورد عن النبي : هل الدواء مما قدر الله، يعني المريض عندما يشرب الدواء مما قدر الله؟! قال: الدواء من قدر الله المرض قدر ولدواء قدر أخر قد يغلب أحد القدرين على الآخر.

الإمام علي : كان وقف تحت حائط يتحدث مع بعض المسلمين الحائط أصبح أإلاً للسقوط لما خرج صوت من الحائط أإلا للسقوط قال له: يا أبا الحسين يا أمير المؤمنين الحائط يسقط قال الإمام علي: بسرعة إلى المكان الأخر قال له: أتفر من قضاء الله؟ قال: أفر من قضاء الله إلى قدرة يعني يوجد قضائان متصارعان واحد يغلب الأخر البقاء تحت هذا الجدار إلى أن يسقط قضاء يقتضى الموت، والفرار من هذا الجدار قضاء يقتضي الحياة هادان القضائان يتصارعان أحدهما غلب على الأخر بإرادتي، أن بإراداتي تركت أحد القضائان يغلب على الأخر كلاهما قضاء «غير حتمي» أن بإرادتي رجحت قضاء على قضاء أفر من قضاء الله إلى قدرة.

سئل النبي محمد : انحنوا في أمر مستأنف أم في أمراً فرغ منه؟ هذا السؤال تم طرحه أمس، نحن نمشي على خارطة جاهزة؟ لو نستطيع أن نغير في الخارطة؟ أتينا إلى هذا الوجود على خارطة لا نستطيع أن نغيرها؟ أو لا؟ الخارطة نستطيع أن نغيرها؟! نستطيع أن نبذلها؟ الأقضيه نستطيع أن نغيرها؟ انحنوا في أمر مستأنف أم في أمراً فرغ منه أجابه : انحنوا في أمر مستأنف وفي أمراً فرغ منه، يعني القضاء قسمين: قضاء حتمي لا نستطيع أن نغيره، قضاء غير حتمي نستطيع أن نغيره بإرادتنا ونغلب قضاء على قضاء كما ذكرنا أمس يولد الجنين مصاب بمرض «السكلسل» ماذا يفعل؟! ليس بيده ذلك؟، ولكن يدخل الطب سنه ويغير اختصاص الطب إلى لهندسة، يدخل في الهندسة افترض سنتين يغير هذا التخصص إلى تخصص أخر، مسيرة حياته ليس خارطة جاهزة، خارطة يمكن له تغيرها فنحن في أمر مستأنف وأمراً فرغ منه قضاء حتمي، وقضاء غير حتمي.

خطبة العيد الثانية
مفهوم الصدقة وتعريف الارادة