نص الشريط
الامام المهدي وظاهرة العدل الاجتماعي
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 13/1/1427 هـ
مرات العرض: 3195
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1418)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ

صدق الله العلي العظيم

حديثنا عن الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف في عدة محاور:

1 - ما هو تعريف العدالة؟

2 - وما هو الوعد الإلهي بتحقيق العدالة على الأرض؟

3 - وما هي الإرهاصات التي أعدت لظهور الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه؟

4 - وما هي الحجج التي قرنها الله به كي تكون دليلاً على إمامته؟

المحور الأول:

نحن نعلم أن الهدف من وجود المجتمع الإنساني على الأرض هو إقامة العدالة، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، ولكن ما هو تعريف العدالة؟

من أجل أن نوضح تعريف العدالة نتعرض إلى مقدمتين:

المقدمة الأولى: أن الناس لم يخلقوا بشكل متساوٍ، وإنما خلقوا متفاوتين في الطاقات وفي القدرات، لم يخلقهم الله بطاقة متساوية أو بقدرة متساوية، بل خلقهم متفاضلين ومتفاوتين، فهناك من يمتلك القدرة الفنية، وهناك من يمتلك القوة الجسدية، وهناك من يمتلك الطاقة العقلية التحليلية، وهناك من يمتلك القدرة الإدارية والقيادية، فالبشر خلقوا متفاوتين في طاقاتهم وقدراتهم ولم يخلقوا بشكل متساوٍ.

القرآن الكريم يقول: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ليس المقصود باختلاف الألسن والألوان هو اختلاف الألوان من أبيض وأسود وأسمر وحنطي وغير ذلك، أو اختلاف الألسن من عربي أو عجمي أو فرنسي أو غير ذلك، اختلاف الألوان والألسن كناية عن اختلاف الطاقات، عن اختلاف القدرات، لأن الألوان والألسن مظهرٌ للطاقة التي يحملها الإنسان.

كما يقول الفلاسفة: الحركة العرضية مظهرٌ للحركة الجوهرية، يعني مثلاً: نحن نجد أن الأرض تتحرك، المجموعات الشمسية تتحرك، ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، هذه الحركة الظاهرية - حركة الأرض، حركة المجموعات الشمسية - هي مظهرٌ لحركة أعمق، أن الوجود بأسره من أصغر ذرة إلى أعظم مجرة بما فيه من إنسان وحيوان وجماد يعيش حركة ذاتية مستمرة، كل الوجود يتحرك، الحركة الظاهرية دليلٌ على الحركة الذاتية.

أيضًا اختلاف الألوان، اختلاف الألسن، يكشف عن اختلاف الطاقات التي وراء هذه الألوان ووراء هذه الألسن، ”المرء مخبوء تحت طي لسانه لا تحت طيلسانه“، المرء مخبوءٌ في طاقته التي أودعها الله إياه، ولسانه مجرد مظهر إلى طاقته، ”المرء مخبوء تحت طي لسانه لا تحت طيلسانه“.

فالبشر خلقوا متفاوتين في الطاقات والقدرات، ولأجل ذلك اختلفت إنجازاتهم وإبداعاتهم، لماذا الله ما خلق البشر بشكل متساوٍ «أعطاهم عقولاً متساوية، أعطاهم قدراتٍ متساوية»؟ لماذا؟ لأنه لو خلقهم متساوين لاستغنى بعضهم عن البعض الآخر وتعطلت حركة الوجود وتعطلت حركة المجتمع، فمن أجل استمرار الحركة وتكامل الحركة خلقهم بقدرات متفاوتة ليكمل بعضهم بعضًا، نظير الرجل والمرأة، الله خلق المرأة وأعطاها طاقة من العاطفة أقوى من طاقة الرجل، وخلق الرجل وأعطاه طاقة من الحزم أقوى من طاقة المرأة، فضّل المرأة على الرجل في المجال العاطفي، وفضّل الرجل على المرأة في المجال النفسي؛ ليكمل كلٌ منهما الآخر.

بعد أن عرفنا أن البشر خلقوا متفاوتين في الطاقات والقدرات إذن ما هي العدالة؟

العدالة إعطاء كل بشر بما يستحقه، يعني: بما عنده من طاقة وقدرة، هناك بشرٌ يصنع لنا عشرة مشروعات اقتصادية أو ثقافية في سنة واحدة، وهناك بشرٌ يصنع لنا مشروعًا واحدًا، وهناك بشرٌ لا يصنع لنا شيئًا، أفهل يُعْطون نصيبًا واحدًا؟! لو أعطوا نصيبًا واحدًا من الثروة لكان ذلك ظلمًا، إذن المساواة بين البشر في العطاء ظلمٌ، المساواة بين البشر في الأجر ظلمٌ، لابد أن توزع الثروة على البشر بقدر طاقتهم وبقدر إنتاجهم، وإلا لكانت المساواة بينهم ظلمًا، نظير أن عندك تلميذين في الفصل، تمليذ ممتاز يحصل على درجات عالية، وتلميذ حيا الله «يمشّي روحه»! إذا تعطيهم درجة واحدة يعد هذا ظلمًا، العدالة أن تعطي كلاً بحسب طاقته وبحسب إنتاجه، هذه المقدمة الأولى: أن العدالة إعطاء كل ذي حق بقدر ما يستحقه.

المقدمة الثانية: هناك بحث فلسفيٌ ذكره أيضًا علماءُ الاجتماع، هل الأصالة للفرد أو الأصالة للمجتمع؟

هناك نظرية تقول: الأصالة للفرد، يعني: الوجود الأصيل هو للفرد، الوجود المادي للفرد، المجتمع أين هو المجتمع؟! لا يوجد مجتمعٌ، ليس المجتمع إلا الأفراد، يجتمع أفرادٌ - زوج وزوجة وأولاد - نسمّيهم أسرة، هذه الأسرة مجرد عنوان اعتباري ليس إلا، وإلا فالموجود هم الأفراد، الأصالة للأفراد، عندما نقول: «أسرة» أو «مؤسسة مدنية» أو «مؤسسة اجتماعية» هذه كلها عناوين، عناوين اعتبارية، وإلا الموجود هم الأفراد، فالأصالة للفرد، هذه نظرية.

نحن نعتقد أن النطرية الصحيحة هي أن الأصالة لكليهما، الفرد أصيل، والمجتمع أصيل، لماذا؟

هناك مصطلحٌ عند الفلاسفة، يقولون: هناك تركيبٌ اتحاديٌ وهناك تركيبٌ انضماميٌ، ما هو الفرق بينهما؟

هناك مركبٌ لا تتفاعل أجزاؤه، وهناك مركبٌ تتفاعل أجزاؤه وتنتج وجودًا ثالثًا، مثلاً: لو بنينا غرفة، بنينا غرفة من أجزاء، جدار من الإسمنت، باب من الخشب، نوافذ من الألمنيوم، عندما بنينا الغرفة هل هذه الأجزاء تتغير؟ لا، يبقى جدار الإسمنت هو جدار إسمنت، لا يتغير، يبقى باب الخشب هو باب خشب، تبقى نافذة الألمنيوم هي نافذة ألمنيوم، هذا المركب لا يتغير، هذه الغرفة لا تتغير، لا تتفاعل أجزاؤه، هذا يسمى تركيبًا انضماميًا، يعني: ضممنا شيئًا إلى شيء آخر.

وهناك تركيبٌ اتحاديٌ، مثل ماذا؟ مثل الماء، الماء مركبٌ من ماذا؟ من أكسجين وهيدروجين، الأكسجين يبقى أكسجينًا؟! لا، الأكسجين والهيدروجين يتفاعلان فينتج عنهما وجودٌ ثالث نسمّيه الماء، فالماء مركبٌ تركيبًا اتحاديًا لأن أجزاءه تتفاعل وتنتج لنا وجودًا ثالثًا.

فعندنا تركيبٌ اتحاديٌ، عندنا تركيبٌ انضماميٌ، المجتمع شبيهٌ بالتركيب الاتحادي، لماذا؟

المجتمع هو نتيجة تفاعل بين الأفراد، إذا وُجِدَ زوجٌ والزوجة وأولاد طبعًا لا يوجدون وهم جامدون مثل الحجارة، كل واحد حجر وقاعد في مكان! طبعًا يتفاعلون، نتيجة هذا التفاعل يحصل وجودٌ، هذا الوجود نسمّيه بالمجتمع، وجود المجتمع هو وجودٌ حادث نتيجة تفاعل الأفراد، إذا تفاعلت الأفراد حدث وجودٌ ثقافيٌ، حدثت عادات، حدثت تقاليد، حدثت قيم، حدثت مبادئ، هذا المجموع من الثقافات والقيم والمبادئ والعادات والتقاليد يسمّى مجتمعًا، فالمجتمع له وجودٌ انتزاعيٌ منتزعٌ من تفاعل الأفراد، هذا نسمّيه مجتمعًا.

كما أنّ الفرد له حقوقٌ المجتمع أيضًا له حقوقٌ، كما أن الفرد له حق الكرامة، حق الحرية، حق الحياة، المجتمع أيضًا له حق الكرامة، حق الحياة، فهناك حقوقٌ للفرد وهناك حقوقٌ للمجتمع، لو أراد إنسانٌ أن ينشئ مصنعًا وكان هذا المصنع سببًا لتلويث الجو، لتلويث البيئة، المصنع سببٌ لتلويث البيئة، هنا يتعارض حقان: حق الفرد وحق المجتمع، حق الفرد في أن يمتلك ثروة من خلال هذا المصنع، حق المجتمع في أن يعيش بيئة صحية نظيفة، هنا يتعارض حق الفرد مع حق المجتمع، فالعدالة ما هي؟ العدالة إعطاء كل ذي حق بقدر ما يستحقه مع مراعاة الموازنة بين حق الفرد وحق المجتمع، الموازنة بين حق الفرد وحق المجتمع جزءٌ من تعريف العدالة، جزءٌ من حد العدالة، هذا هو تعريف العدالة.

المحور الثاني:

كلّ إنسانٍ يعشق العدالة، هل هناك إنسان يقول: والله أنا أحب الظلم؟! كل إنسان يعشق العدالة، لماذا؟ لأن العدالة من الجمال والإنسان يعشق الجمال، الإنسان بفطرته وبطبعه يحب الجمال، والجمال قد يكون جمالاً شخصيًا، قد يكون جمالاً فكريًا، قد يكون جمالاً روحيًا، قد يكون جمالاً فرديًا، قد يكون جمالاً اجتماعيًا، العدالة مظهرٌ للجمال الاجتماعي، الإنسان يحب الجمال إذن هو يحب العدالة، وكل إنسان لو فتشت في فطرته وجدت أنه يحب أن تنتشر العدالة على الأرض كلها ولا يخلو بشر من عدالة، كل إنسان يعشق ذلك، يتمنى ذلك، والله سبحانه وتعالى في كتابه وعد الإنسان بأن يحقق له أمنيته وهي انتشار العدالة على الأرض كلها، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ما معنى ﴿يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ؟ يعني الأرض أموالٌ تنتقل من الميّت إلى ولده؟! من الموروث إلى وارثه؟! ما معنى ﴿يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ؟

التفت إلى هذا المعنى: ﴿يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ يعني: الآن أنت عندما تتأمل العدالة على الأرض من أين تأتي؟ من الناس، يعني: العدالة نتاج الإنسان، الإنسان هو الذي ينتج العدالة، ولا يمكن أن ينتج الإنسان العدالة إلا إذا كان عادلاً، ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فاقد الشيء لا يعطيه، العدالة إنتاج البشر، والبشر لا يمكن أن ينتجوا عدالة إلا إذا كانوا عادلين، إذن نحن إذا نريد أن ننشر العدالة في الأرض ماذا نفعل؟ لابد أن نوجد بشرًا عادلاً حتى ننتج عدالة، إنتاج العدالة في الأرض يتوقف على إنتاج الفرد العادل، لذلك زمان الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف لا يأتي ويفرض العدالة بالقوة، بالإكراه والغلبة، لا، الإمام المنتظر ينشئ أمة عادلة، والأمة العادلة تنتج العدالة.

الآن أنت عندما تلاحظ أبناءنا وإخواننا لماذا يصدر منهم ظلمٌ؟ الظلم نتيجة التربية، التربية هي التي تربيه على الظلم، هي التي تجعله إنسانًا ظالمًا، الأساليب التربوية في زمان الإمام القائم - الأساليب التربوية في الأسرة، الأساليب التربوية في المدرسة، الأساليب التربوية في وسائل الإعلام، الأساليب التربوية في المجتمع... - جميع الأساليب التربوية في زمان الإمام المنتظر تربّي الناس على أن يكونوا عادلين، من الأسرة وهو عادل، في المدرسة وهو عادل، في المجتمع وهو عادل، في الشركة وهو عادل، جميع الأساليب التربوية في زمانه تنتج أناسًا عادلين، فإذا أنتج أناسًا عدولاً أنتجت عدالة على الأرض، هذا معنى ﴿الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ، العباد العدول ينتجون عدالة.

وهذا ما أكّده الرّسولُ محمّدٌ عندما قال: ”يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت ظلمًا وجورًا“، وهناك آياتٌ تؤكد على هذا الوعد الإلهي، مثلاً قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا هناك وعدٌ، قال تبارك وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، وقال تبارك وتعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ إذن هناك وعدٌ، وخلف الوعد من الحكيم قبيحٌ، فالله لا يخلف وعده، فلا محالة يأتي يوم تطبق العدالة فيه على جميع الأرض، وذلك ببركة ظهور منبع العدالة الإمام القائم عجل الله فرجه الشريف.

المحور الثالث:

الإمام القائم وُلِدَ وغاب، ويخرج بإذن الله، ولكنّ الله تبارك وتعالى وضع إرهاصاتٍ ووضع إعدادتٍ تمهّد لولادته ولغيبته، ما ترك الأمة الإسلامية بدون إرهاصاتٍ وإعدادتٍ تمهّد لولادته ولغيبته، الإرهاصات على قسمين:

1. إرهاصات عامة.

2. إرهاصات خاصة.

1 - الإرهاصات العامة:

الإرهاصات العامة على نوعين:

النوع الأول: الأحاديث النبوية.

النوع الثاني: وجود الإمام الحسن العسكري سلام الله عليه.

1. أما الأحاديث النبوية: فما ورد عن النبي محمّدٍ ، موجود في صحيح البخاري هذا أيضًا: ”لا يزال الدين قائمًا حتى تقوم الساعة، ويكون فيكم اثنا عشر خليفة أو أميرًا كلهم من قريش“ وقال ابن حجر: كلهم من بني هاشم، هذا الحديث يؤكّد أن الدين يستمر إلى يوم القيامة، وأن هناك اثني عشر يبقون إلى يوم القيامة، يعني: لا يمر زمانٌ إلا وفيه واحدٌ منهم، يعني: هناك مواكبة بين الدين وبين هؤلاء الاثني عشر، لا يوجد زمنٌ فيه دينٌ إلا وهناك واحدٌ منهم، وهذا ما يؤكده حديث الثقلين: ”إنّي مخلفٌ فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ولقد أنبأني اللطيفُ الخبيرُ بأنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوضَ“ يعني: لا يوجد زمانٌ فيه قرآنٌ إلا وفيه واحدٌ من عترتي أهل بيتي.

إذن هذه الأحاديث إرهاصٌ، هي بنفسها إرهاصٌ، هي تؤكد - هذه الأحاديث - أنّ هناك إمامًا وُلِدَ وهو غائبٌ لأنّه مادام الدين موجودًا ومادام القرآن موجودًا والنبي لا يكذب في كلامه فلا محالة هناك إمامٌ وُلِدَ وهو غائبٌ وظيفته حفظ الدين والقرآن عن التحريف والتزوير، هذه الأحاديث بنفسها إرهاصٌ لوجود الإمام المنتظر عجّل الله فرجه الشريف.

الإرهاص الآخر: نفس الإمام العسكري.

تصوّر أنت: الإمام العسكري خُلِقَ لكي يكون ممهّدًا لولده الإمام المنتظر عجّل الله فرجه الشريف، يعني: الإمام العسكري هو بنفسه إرهاصٌ من إرهاصات ابنه، هو بنفسه إعدادٌ من الإعدادات التي خلقها الله لوجود ابنه الإمام المنتظر، كيف؟ كيف يصير شخص إرهاصًا لشخصٍ آخر؟ كيف يصير شخصٌ ممهدًا لشخصٍ آخر؟

الآن أشرح لك: عندما تقرأ شخصية الإمام العسكري تجدها شخصية غريبة، الإمام العسكري كان يمتلك تأثيرًا سحريًا عجيبًا، شكله يؤثر في القلوب، نظراته تؤثر في القلوب، كلماته تؤثر في القلوب، كان شخصًا مؤثرًا تأثيرًا سحريًا عجيبًا، وطبعًا هذا ليس غريبًا، هذا يتبع درجات الإيمان، النبي عيسى عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام أبلغه إيمانه أن صار يؤثر في الأشياء الخارجية، يخلق من الطين كهيأة طير فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، النبي المصطفى محمّدٌ أبلغه إيمانه وعلمه إلى أن أصبحت الحصاة تسبّح في كفه.

فما الكليمُ ما العصا وما الحجرْ

في     كفّه     تسبّح    iiالحصاةُ

 
فهو    بسبابته    شقّ    iiالقمرْ

فهي      لكلّ     ممكنٍ     iiحياةُ

فكما أنّ إيمان عيسى جعله يؤثر في الأشياء وإيمان النبي جعله يؤثر في الأشياء فإيمان الحسن العسكري جعل شكله وصوته ونظراته وسلوكه يؤثر في الآخرين تأثيرًا سحريًا عجيبًا، ”إذا أردتَ عزًا بلا عشيرة - كما ورد عن الإمام الحسن الزكي - وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته“، أنا أقرأ لك قصتين توحيان بشخصية الإمام العسكري:

1/ يقول الحسين بن محمد الأشعري: كنّا مع أحمد بن خاقان «أحمد بن خاقان كان ناصبيًا يبغض أهل البيت»، فذكرنا عنده العلويّين - يعني: بني هاشم - فقال: ما رأيتُ - يعني: من العلويين والهاشميين - ما رأيتُ أنقع ظرفًا «أنقع ظرفًا يعني: أغزر علمًا»، ما رأيتُ أنقع ظرفًا ولا أغض طرفًا ولا أعفّ لسانًا وكفًا من الحسن العسكري، كيف؟ قال: كنتُ عند أبي يحيى «يحيى بن عبيد الله بن خاقان كان وزيرًا للمعتز العباسي»، كنتُ عند أبي يحيى فدخل عليه حاجبُه فقال: أبو محمد بالباب «يعني: الإمام العسكري»، يقول: تعجّبتُ كيف يكنّون شخصًا أمام أبي «تعرف الوزير الله الله الله! الناس يجب أن يصيروا صغارًا أمام الوزير! لا يكنون أحدًا أمام الوزير! يذكرون أسماء الناس، يخاطبون الناس بماذا؟ بأسمائهم»، يقول: عجبتُ كيف يكنّون شخصًا أمام أبي، ثم دخل شخصٌ حسن القامة جميل المنظر جيّد البدن فقام إليه أبي واعتنقه وأجلسه على مصلاه وجلس بين يديه يحادثه ويفديه بنفسه «يعني: يقول له: فداك أبي، فداك أمي، فداك نفسي»، تعجّبتُ، أبي لا يصنع هذا حتى مع الخليفة، يصنعه مع هذا الإنسان؟! فلما خرج قلتُ: أبه من هذا؟ قال: هذا إمام الرافضة، هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا، لو زالت الخلافة عن بني العباس لم يستحقها غيره لورعه وعفافه وعبادته وصلاحه وجميل أخلاقه... إذن الإمام يؤثر حتى في نفوس أعدائه.

2/ صالح بن وصيف كان سجّانًا «مسؤول عن السّجن» في عهد المعتز العباسي، والإمام أدْخِلَ السّجنَ، فأقبل بنو العباس - يعني: بعض بني العباس - إلى صالح، قالوا: يا ابن وصيف ضيّق على الحسن بن علي في مأكله ومطعمه ومشربه، ضيّق عليه، قال لهم: ماذا أفعل به أنا؟! لقد أتيتُ له برجلين من شر من قدرت عليه «أشرّ الناس من الجنود أحضرتهم إليه»، وماذا حصل؟ قال: فصارا من الصلاة والصيام إلى أمر عظيم «يعني: تحوّلوا من بطالية إلى ماذا؟ مصلين صائمين»، قالوا: ائتي بهما، جيء بالرجلين، قال: ما الذي غيّركما؟ قالوا: غيّرنا الحسنُ بن علي، ما نقول في رجلٍ يصوم نهارَه، يقوم ليلَه، لا يتكلم إلا بالذكر، لا يتشاغل بغير العبادة، وإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصُنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا؟!

إذن الإمام الحسن العسكري كان يؤثر حتى في السجّان، حتى في الجنود، حتى في أعدائه، حتى في مبغضيه، هذا التأثير السّحري لماذا أعطاه اللهُ إياه؟ صحيح هو إمامٌ، وهذا من ملكات الإمامة ومن لوازم الإمامة، لكنّ أعطاه الله إياه أيضًا ليكون تمهيدًا لولده الإمام المنتظر عجّل الله فرجه الشريف، لأنّ الناس إذا رأوا شخصًا مهابًا مسموع الكلمة مؤثرًا في النفوس يصدّقون بكلامه أكثر من غيره، الله أعطى الإمام العسكري هذه الشمائل حتى إذا أخبر بولادة ولده الإمام المنتظر وأخبر بغيبة ولده كان مُصَدّقًا في كلامه وكان موثوقًا به، الله أعطاه هذه الصفات حتى يكون مُصَدّقًا في إخباره بغيبة ولده الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

النبي محمّدٌ كان الصّادق الأمين، لما بُعِثَ بالنبوة قال للناس: لو أخبرتكم بأن خيلاً أقبلت إليكم من قِبَلِ الجبل أنتم مصدّقيَّ؟ قالوا: بلى، ما عهدنا عليك كذبًا، أنت الصّادق الأمين، قال: إذن أنا رسول الله إليكم، الله جعله صادقًا أمينًا كي إذا أخبر بالنبوة كان مُصَدّقًا وموثوقًا، الله جعل الإمام الحسن العسكري بهذا التأثير السّحري العجيب كي يكون مفتاحًا وتمهيدًا لدور ولده الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

2 - الإرهاصات الخاصة:

يعني الإمام الحسن العسكري قام بدور مهم في التمهيد لغيبة ولده، قام بدورين:

الدّور الأوّل: تربية الشّيعة على الرجوع إلى العلماء.

كان الإمام يحتجب عن الشّيعة بالشّهور حتى يتعوّد الشّيعة على الرّجوع إلى العلماء والفقهاء، ولا ينحصر رجوعهم بالإمام صلوات الله وسلامه عليه، عوّدهم على الرّجوع إلى الفقهاء.

والدّور الآخر: الإعلان.

كان يعلن عن ولده الإمام المنتظر بشكلٍ تدريجي، إعلانًا عامًا، إعلانًا خاصًا، إعلانًا أخصَّ، حتى يؤكّد مسألة الولادة ومسألة الغيبة.

1/ الإعلان العام: قال للناس: ”إذا قام قائمكم قضى بعلمه كقضاء داوود ولا يُسْأل عن البيّنة، وإذا قام صاحبكم هدم هذه المنائر والمقاصير في المساجد“ هذا إعلانٌ عامٌ.

2/ وهناك إعلانٌ خاصٌ لوجهاء الشّيعة: كتب لابن باوويه: ”يا شيخنا يا أبا الحسن - يخاطب ابن باوويه - اصبر وانتظر فإنّ رسول الله قال: أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج، فاصبر واءمر شيعتنا بالصّبر حتى يظهر مهديُنا فيملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما مُلِئَت ظلمًا وجورًا، وإنّ الأرض لله يورثها مَنْ يشاء من عباده والعاقبة للمتقين“، هذا إعلانٌ خاصٌ.

3/ وهناك إعلانٌ أخص: جمع أربعين من أصحابه وخيرته، محمد بن عثمان، محمد بن أيوب، معاوية بن حكيم... جلسوا عنده ثم أمر ولده المهدي أن يخرج، فخرج غلامٌ قطط الشعر بهي المنظر، قال لهم: ”هذا صاحبكم بعدي، وهذا خليفتي فيكم، وهذا القائم المنتظر، تُمَدّ إليه الأعناقُ والأنظارُ، فإذا امتلئت الأرضُ ظلمًا وجورًا قام وملأها قسطًا وعدلاً“، إذن الإمام العسكري مهّد للإمام المهدي.

المحور الأخير:

ما هي الحجج التي أعطاها اللهُ للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه؟

أنت تعرف أن الإمام المهدي أنيط به دورٌ ما أنيط بأحد من البشر، لا بنبي ولا برسول ولا بأي إمام، أنيط بالإمام دورٌ ما أنيط بأحدٍ من البشر، إقامة الدولة العادلة على الأرض كلها، طيب هذا الإنسان الذي يريد أن يقيم دولة عادلة على الأرض كلها كيف يُقْنِع الناس - بوذيين ومسيحيين ويهود وأصناف وأشكال وتيارات مختلفة - كيف يقنعهم؟ كيف يقيم عليهم الحجة؟ كيف يقنع مليارات من البشر بإمامته؟ كيف يقنع مليارات من البشر بدوره الذي أناطه اللهُ به وهو إقامة الدولة العادلة على الأرض كلها؟ كيف يقنعهم؟ هذا يحتاج إلى حجج قوية وبراهين قاطعة حتى يحكم الناس بالدليل والبرهان وبالإقناع ويخلق منهم أمة عادلة، كيف يقنع البشر كلهم؟

الله أعطى الإمام حجتين تدعمان دوره وتدعمان إمامته:

الحجة الأولى: طول عمره.

والحجة الثانية: عيسى بن مريم .

الحجة الأولى: طول عمره.

كثير من الناس يقول: طيب لماذا الإمام يعيش هذه الفترة الطويلة؟! دعه يولد آخر الزمان، بعد الله يولده الآن ويجعله يعيش أكثر من ألف سنة ثم يظهر؟! خلاص يخلقه آخر الزمان ويقيم دولته العادلة! لماذا يولد ويعيش هذه الفترة الطويلة؟!

انتبه لي جيدًا، الإنسان مخلوقٌ إحساسيٌ، يعني: الإنسان بطبعه لأنه محاط بالحواس الخمس يسترفد المعلومات من خلال الحواس الخمس، بما أنه محاط بالحواس فهو مخلوقٌ إحساسيٌ، والمخلوق الإحساسي يقتنع بالأدلة الحسيّة أكثر ممّا يقتنع بالأدلة العقليّة، الإنسان هذا تخاطبه بدليل حسي يقتنع أكثر مما إذا خاطبته بالدليل العقلي لأنه مخلوقٌ إحساسيٌ، ولذلك تجد أن الله عندما بعث الأنبياء أعطاهم معاجز حسية حتى تدعم دعواهم، أعطى موسى العصا، أعطى عيسى خلق الموتى، أعطى النبي محمّدًا الإسراء والمعراج وشق القمر، أعطى الأنبياء معاجز حسية لأن الأدلة العقلية لا تكفي في إقناع البشر، لا تكفي في إفحام البشر، أعطاهم الله معاجز حسية تدعم أقوالهم وتدعم نبوتهم.

حتى الأنبياء هم أنبياء ومع ذلك يطلبوا أدلة حسية، أتدري؟! الآن أقرأ لك: قال تعالى عن النبي إبراهيم: ﴿رَبِّ أَرِنِي - ماذا؟ - كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى يعني: أريد دليلاً حسيًا، صحيح أني نبيٌ ومقتنعٌ وعندي أدلة عقلية لكن الدليل الحسي أكثر إفحامًا، الدليل الحسي أكثر يقينًا، ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي اطمئنان القلب يحتاج إلى دليل حسي، نبي آخر: موسى بن عمران ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ - بعد هذا أعظم! - قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ - أنا الآن أقيم لك دليلاً حسيًا يدلل على أن رؤتي غير ممكنة - وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي، إذن حتى الأنبياء طلبوا أدلة حسية لأن الدليل الحسي أقوى إقناعًا.

لاحظ الإنسان حتى يوم القيامة لجوجٌ ومجادلٌ، يأتي الإنسان يوم القيامة، يقول له: بابا هذا دفترك فيه سيئات! فيه معاصٍ! يقول: لا، لعل الملائكة مشتبهين! يعني ألا يشتبهون؟! لعلهم غلطانون - الملائكة - وإلا أنا خوش إنسان وخوش آدمي! كل شيء ما صار مني! يجادل، القرآن يقول: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا ما يصدّق أبدًا، طيب هذا ما الذي يقنعه؟!

هذا اللجوج لا يقنعه إلا الأدلة الحسية، الله يقيم له أدلة حسية حتى يسكت، ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ إذا شهدت الجوارح شهادة حسية سكت الكلام، سكت الجدال، ومع ذلك يظل يعاتب: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ، إذن الإنسان إفحامه يحتاج إلى أدلة حسية، الإنسان بطبعه إحساسيٌ، لا يُفْحَمُ إلا بالدليل الحسي.

من هذا المنطلق إذا قام الإمامُ المهدي عجل الله فرجه الشريف فسوف يقيم أدلة عقلية وبراهين عقلية على إمامته وعلى دينه وعلى دوره في الأرض، وسيقيم أدلة حسية، ومن الأدلة الحسية طول عمره، نفس طول عمره هو دليلٌ على إمامته، طول عمره دليلٌ حسيٌ على إمامته، يقول للناس: من الأدلة على إمامتي أني أشهد بجميع المظالم التي وقعت على الأمة منذ يوم غيبتي إلى الآن، أشهد بجميع المظالم شهادة حسية، أين وقع الظلم، في أي بقعة، في أي زمن، من قِبَلِ مَنْ، بأي شكل، بأي نوع، كيف تطور، أين وصل، ماذا أنتج، ماذا أثمر، أنا أشهد بهذه المظالم كلها لأنني عاشرتها سمعًا وبصرًا ومعاصرة، فيشهد بجميع المظالم شهادة حسية، والشهادة الحسية تكون أقوى إفحامًا وأقوى يقينًا بالنسبة للناس من الشهادة العقلية.

إذن نفس طول عمر الإمام هو دليلٌ على إمامته، أطال الله عمرَه ليكون دليلاً على إمامته، ليكون شهادة حسية من قِبَلِ الإمام بجميع المظالم التي وقعت على الأمة المحمّديّة، ولعلّ هذا معنى الذي قال: ”إذا قام قائمُنا قضى بعلمه كقضاء داوود“ لأنه ما يحتاج بينة، الشهادة الحسية موجودة عنده، هو الشاهد، ”قضى بعلمه - لأنه هو الشاهد الحسي - ولا يسأل عن البينة“.

الحجّة الأخرى: عيسى بن مريم.

ربّما يطرح الإنسانُ سؤالاً: طيب لماذا عيسى بن مريم؟! طبعًا هذا موجودٌ في الروايات عند إخواننا أهل السنة في صحيح البخاري: ”كيف بكم إذا نزل عليكم عيسى بن مريم وإمامكم منكم“ يعني أنتم ما تحتاجوا لعيسى، إمام عندكم موجود، عيسى بن مريم ينزل وقت ظهور الإمام القائم عجل الله فرجه الشريف، لماذا قرن الله الإمامَ بعيسى؟ لماذا لم يقرنه بغيره من الأنبياء؟ لماذا لم يقرنه بغيره من البشر؟ ما هي الخصوصية الموجودة في عيسى بن مريم؟

الآن أبيّن لك: الرّوايات تذكر أنّ الدّين المسيطر إلى وقت خروج الإمام هو الدّين المسيحي، يبقى الدين المسيطر هو الدين المسيحي، ليس الانتشار، الانتشار غير السيطرة، يعني: الدين الإسلامي دين شعوب، الدين البوذي دين شعوب، ربما يكون البوذيون أكثر من المسلمين أو المسيحيين، لكن الدين المسيطر على مقاليد السياسة العالمية الدين المسيحي، يبقى الدين المسيحي هو المسيطر إلى يوم خروج الإمام، إذا نزل عيسى بن مريم وأقام للمسيحيين الدّلائلَ على أنّه هو نبيهم وهو الذي ينتظرونه - لأن المسيحيين ينتظرون عيسى - أقام لهم الدلائل على أنه هو نبيهم وأنه هو المنتظر عندهم، سيلتف العالمُ كله حول عيسى بن مريم، لأنه ظهر وأثبت للمسيحيين أنه نبيهم المنتظر عندهم، فإذا انقاد العالمُ لعيسى بن مريم أقبل وصلى خلف الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف وشهد بإمامته وشهد بدينه وشهد بأنه على رسالته، فيحصل الانقياد للإمام المنتظر ببركة شهادة عيسى بن مريم.

إذن الإمام لأنه أعْطِيَ دورًا لم يُعْط لأحدٍ أعْطِيَ حججًا أيضًا عظيمة لم تُعْط لأحدٍ، طول عمره دليلٌ على إمامته، وعيسى بن مريم دليلٌ آخر على إمامته، ويخرج في البيت الحرام، يجتمع له ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً من خُلّص البشر، ثم يراقبه الظالمون فيختفي ويخرج مرة أخرى في الكوفة ومعه رجالٌ - كما في الروايات - كزبر الحديد لا يخافون في الله لومة لائم، ويخرج من الكوفة أول ما يبدأ بكربلاء، ينطلق من قبر الحسين ليعلم البشرية أن الثورة الحسينيّة مفتاحٌ للثورة المهدويّة، ينطلق من قبر الحسين، من صوت الحسين، ويرفع الرّاية البيضاء مكتوبًا عليها: يا لثارات الحسين.

والحمد لله رب العالمين

الإمام الهادي وحركة الأمر بالمعروف