نص الشريط
الولاء المقدس
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 5/1/1430 هـ
مرات العرض: 4093
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (13538)
تشغيل:

﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ

من القيم الجمالية التي تجسدت في مدرسة كربلاء قيمة الولاء للقيادة الرشيدة هذه القيمة التي تحث عنها أسلم ابن الحارث أحد أنصار الحسين حينما قال: ”أمير حسين ونعم الأمير سرور فؤاد البشير النذير علي وفاطمة والداه، فهل تعلمون له من نظير له طلعه مثل شمس الضحى وله غره مثل بدراً منير“.

حديثنا عن هذه القيمة قيمة الولاء للقيادة الرشيدة المتمثلة في أهل بيت العصمة «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» في عدة محاور:

  • المحور الأول: تحديد مفهوم الولاء وأقسامه.
  • المحور الثاني: حقيقة الولاء لأهل البيت.
  • المحور الثالث: مظاهر الولاء في كربلاء المقدسة.

المحور الأول: ما هو الولاء وما هي أقسام الولاء؟

الولاء يختلف عن الحب، الحب: هو الميل النفسي لشخص أو جعة لجاذبيته إليك، إذا وجدت صفة جذابة في شخص أحببته يعني مال قلبي إليه، إذا وجدت صفة جميلة في جهة معينة وفي خط معين أميل إليه أحببته، الحب هو ميلاً نفسانياً ناشئ عن جاذبية لصفة معينة وشكل معين وسلوك معين لأدب معين هذا يعبر عنه بالحب، أما الولاء فهو أكبر من الحب وأعظم من الحب.

الولاء: هو الارتباط المنهجي بين الموالي والموالاة، أنا عندما أو لا شخصاً لا يعني أني أحبه فقط، أو لا يعني أعتبره مثلاً لي وأعتبره رمزاً لي وأعتبره قدوه لي وأعتبره مرجعاً لي، الولاء هو ارتباط منهجي وليس مجرد ميل قلبي فالولاء يعني اعتبار الموالاة رمزاً ومثلاً وقدوة لذلك الولاء ينقسم إلى:

  1. ولاء مستتر.
  2. ولاء بارز وظاهر تبعاً للظروف، قد تسمح الظروف بإبرازها الولاء وقد تمنع الظروف من إبراز الولاء.
ولاء مستتر.

الفرزدق الشاعر عبر عن الولاء المستتر والولاء البارز، الإمام الحسين حينما خرج من مكة لقي الفرزدق قال: ”كيف خلفت الناس خلفك في الكوفة“، قال: ”خلفتهم قلوبهم معك وسيوفهم عليك“ هم يملكون ولاء ولكن ولائهم مستتر، الظروف تمنع من بروزة هذا المعنى أنشده وعبر عنه أمير الشعراء أحمد شوقي في منظومته قيس وليلى قال:

رضيعُ                iiالحسينِ

أحبُّ     الحسين     iiولكنما

حَبَسْتُ   لساني  عن  مدحه



 
فديتُ الرضيعين والمرضعه

لساني   عليه   وقلبي  معه

حذار    أميةَ    أن   iiتقطعه
ولاء بارز

أما الولاء البارز أيضاً عبر عنه الفرزدق، جاء هشام بن عبد الملك يريد أن يستلم الحجر فلم يتمكن لأجل الزحام وجاء زين العابدين فنفرج الناس من بين يده حتى وصل الحجر واستلمه، لما رأى ذالك جلاوزة هشام قالوا من هذا الذي انفرجت الناس بين يديه، قال هشام أنا لا أعرفه، قال الفرزدق أنا أعرفه وأنا أعرفكم به، هذا ولاء مبرز ومعلن:

هذا الذي تعرفُ البطحاءُ iiوطأته

هذا   ابن  خير  عباد  الله  iiكُلِّهمُ

وليسَ  قولُكَ  مَنْ  هذا؟ iiبضائره

مِنْ  معشرٍ  حبّهمْ دينٌ iiوبغضهمُ





 
والبيتُ   يعرفهُ  والحِلُّ  iiوالحرمُ

هذا  التقيّ  النقيُّ  الطاهرُ iiالعلمُ

العُرْبُ تعرفُ مَنْ أنكرتَ والعجمُ

كفرٌ   وقربهم   منجىً  iiومُعْتَصَمُ

ما هي أقسام الولاء؟ الولاء ينقسم إلى قسمين:

  1. ولاء إيجابي.
  2. ولاء سلبي.

ولاء إيجابي.

الولاء الإيجابي الممدوح، ولاء الإسلام ولاء كيان الإسلام، إ ن الدين عند الله الإسلام، ولاء المجتمع الإسلامي القرآن الكريم يقول: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ أنت تنتمون لأعلى كيان وأعلى مجتمع للمجتمع الإسلامي ولائكم ولاء إيجابي، من ولاء المجتمع الإسلامي قول القرآن الكريم: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ الأمر بالمعروف ولاء للإسلام لأن الأمر بالمعروف فيه حفاظ على قيم الإسلام وفيه ترسيخ لمبادئ الإسلام فهو ولاء رائع للإسلام وللمجتمع الإسلامي، هذا ولاء إيجابي.

ولاء سلبي.

الولاء السلبي المذموم، الولاء لكل جهة تعادي الإسلام أو تعادي أولياء الله فالولاء لها مذموم، ولاء أي جهة تقف موقف العداء للإسلام أو تقف موقف العداء لقادة الإسلام وأولياء الله صلوات الله وعليهم أجمعين ولاء هؤلاء مذموم، القرآن الكريم يقول ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ لا يكن بينكم وبينهم ولاء، لا يكن بينكم وبينهم ارتباط قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هذا يرتبط باتجاه عندنا ويعتبر هذا الاتجاه ركن من أركان الإسلام وهو التولي والتبري، ولاية أولياء الله والبراءة من أعداء الله، التولي والتبري ركن من أركان الدين، ربما يقول قائل هناك بعض البحوث كتبت في هذا المجال، الإسلام عندما يدعوا للتبري فهو يدعو للكراهية والحقد.

مبدأ التبري مبدأ يتنافى مع كرامة الإنسانية، مبدأ التبري مبدأ يتنافى مع المحبة والمودة والترابط والتعاطف بين أبناء المجتمع الإسلامي، لماذا يدعو الإسلام إلى مبدأ التبري؟ مبدأ التبري عبارة عن تأليب القلوب على أشخاص آخرين، مبدأ التبري يعني نشر الكراهية والحقد بين أبناء المجتمع الإسلامي، فهذا مبدأ غير حضاري ألا وهو مبدأ التبري، نحن نجيب عن هذه الشبهة:

أولاً: هناك فرق بين محبة شخص لا يحمل عداءً للإسلام وبين ولاء لجهة تعادي الإسلام، فرق بين الأمرين، لا يوجد مانع أن تقيم صداقة مع إنسان مسيحي أو يهودي إقامة صداقة أو علاقة مع إنسان ليس بمسلم هذا لا مانع منه مادام هذا الإنسان حيادي يعني لا يحمل عداءً ولا كيداً للإسلام والمسلمين لا مانع من إقامة علاقة معه بل العلاقة معه راجحة وعلاقة إنسانية والقرآن يدعو للعلاقة الإنسانية قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا وقال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.

إذن هناك فئتان: فئة محايدة، وفئة معادية ولا مانع من إقامة العلاقات مع الفئة المحايدة، المانع هو الولاء يعني الارتباط المنهجي مع الجهة المعادية وإلا فالإسلام يحترم الديانات ولا يلغي ديانة من الديانات يحترمها قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ حتى وإن كان يهودي أو نصراني إذا عمل باليهودية الواقعية وعمل بالنصرانية الحقيقية قال تعالى: ﴿وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الإسلام يحترم الديانات الأخرى، إذن هناك فرق بين الفئة المعادية والفئة المحايدة.

ثانياً: خط التبري ومبدأ التبري، هو مبدأ يربي المسلم على رفض الظلم من أي جهة كانت، الظلم مرفوض والتبري ليس التبري من أشخاص هو تبري من ظلم وتبري من أفعال وسلوك قبيح ومنفر، الإسلام يدعوا للتبري من المعادين، يعني يدعوا للتبري من الظلم المسيطر والمتمثل في فئة معينة أو في جهة معينة، لذلك لا فرق في هذا المذهب بين المسلمين وغير المسلمين، كل ظالم يتبرى منه مسلماً كان أو غير مسلم قال تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ تبري ممدوح لأنه براءة من الظلم ورفش للظلم قال تعالى: ﴿إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ هذا تربية على رفض الظلم ولذلك إذا كان الظالم ظالماً لأهل البيت وإذا كان الظالم ظلماً لذرية رسول الله يشمله مبدأ التبري، مبدأ التبري من الظالم كافراً أو مسلماً لأن مبدأ التبري يراد به تربية المسلم على رفض الظلم قال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً يعني تبرئوا منهم، وهذا هو المحور الأول تعريف الولاء وأقسام الولاء.

المحور الثاني: حقيقة الولاء لأهل البيت.

الولاء العام وهو ولاء الإسلام، وخاص وهو ولاء للأئمة المعصومين «صلوات الله عليهم أجمعين» ولاء آل بيت رسول الله، نركز على هذا الولاء الخاص، ولاء القيادة الرشيدة المتمثلة في أهل بيت العصمة له مظهران:

  1. مظهر المحبة.
  2. مظهر الإمامة.

مظهر المحبة.

ولاء المحبة ولاء مشترك بين جميع المسلمين القرآن الكريم يقول ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى الإمام الشافعي يقول: ”يا ركب قف بالمحصب من منى واهتف بساكن خيفها والناهض، سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى فيضاً كملتطم الغدير الفائض إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي“، هذا مظهر المحبة.

مظهر الإمامة.

ولاء الإمامة، الاعتقاد بالإمامة ماذا تعني الإمامة؟ الإمامة تعني ثلاثة مناصب نتعرض إليها:

  1. منصب الحجية والمرجعية.
  2. منصب ولاية الأمر.
  3. منصب ولاية التصرف في الوجود.
المنصب الأول: منصب الحجية والمرجعية.

المرجعية والحجية، الإمام معصوم فهو حجة في قولة وفعلة وسكوته وإمضائه حجة، الحجية والمرجعية، الإمام مرجع المرجعية الفكرية في الدين للأئمة الطاهرين، هنا بعض البحثين كتم لما تضيعون أنفسكم؟ كل سنة وتتكلمون في الإمامة؟ الإمامة مسألة سياسية تاريخه انتهى وقتها، الإمامة: عبارة عن خلاف حول السلطة السياسية، الإمام علي أختلف مع الصحابة بعد وفاة رسول الله، لمن السلطة السياسية، خلاف سياسي مثل أي سياسيين يختلفوا، الإمامة خلاف سياسي حول سلطة سياسية بعد وفاة رسول الله وانتهت هذه الحقبة من التاريخ فلماذا نكرر ونعيد خلاف سياسي تاريخياً لا أثر له في وقتنا الحاضر؟

هذه الشبهة جوابها الإمامة مرجعية وليست مسألة سياسية، نحن لا نختلف خلاف سياسي نحن نختلف خلاف فكري، يعني كيف؟، هناك مدرستان مدرسة الصحابة ومدرسة أهل البيت، مدرسة الصحابة لها تراث موجود في صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند أحمد، مدرسة أهل البيت لها تراث موجود في الكافي والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه الاستبصار إذن أمامنا مدرستان وأمامنا تراثان، المرجعية الفكرية لأي منهما، هل المرجعية الفكرية في زماننا لتراث مدرسة الصحابة أما المرجعية الفكرية في زماننا لتراث مدرسة آل البيت، فقه العبادات وفقه المعاملات وفقه الدولة وفقه القضاء وفقه الاقتصاد من أين نأخذه؟ هل من تراث مدرسة الصحابة أو من تراث مدرسة آل البيت؟ هذا هو الاختلاف الأمامي.

المرجعية في تفسير القرآن الكريم لمن؟ هل نأخذ المرجعية في تفسير القرآن من تراث مدرسة الصحابة؟ أم نأخذ تفسير القرآن من تراث مدرسة آل البيت القرآن الكريم كما يقول: ﴿آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ منهم الراسخون في العلم؟ تراث مدرسة الصحابة؟ أو تراث مدرسة آهل البيت؟ هذا هو الخلاف.

القرآن فيه آيات متشابهات مثلاً قوله تعالى ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا قطع اليد هل هي من المرفق أم هي من الزند أو هي من أصول الأصابع؟ من أين اليد تقطع هذه آية متشابهه من أين نأخذ تفسرها؟، القرآن الكريم يقول ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كيف يعني استوى؟ هذه من الآيات المتشابهة من أين نأخذ تفسيرها؟ من مدرسة آهل البيت أو مدرسة الصحابة؟ إذن الخلاف خلاف فكري وليس سياسي، خلاف في الحجية والمرجعية الفكرية في فكر الدين كله وفي تفسير القرآن كله من أين نأخذ هذه المرجعية الفكرية من تراث آهل البيت أو من تراث الصحابة، هذا هو الخلاف ونحن عندما نقف هنا نرجع إلى حديث الثقلين الذي ذكر أبن حجر أنه حديث صحيح لا شبه فيه رواه أكثر من نيفاً وعشرين صحابي: ”إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لم تظلوا بعدي وقد أنبأني الخبير اللطيف أنهما لم يفترقا حتى يردا علي الحوض“ هؤلاء هم المرجعية الفكرية.

المنصب الثاني: منصب ولاية الأمر.

ولاية الأمر، ما معنى ولاية الأمر؟ هناك مسألة فقهيه يجب أن نفهمها حتى نفهم ولاية الأمر، الفقهاء يقولون الخطاب الصادر من الفقيه، الفقيه الجامع للشرائط، الخطاب الصادر منه نوعان:

  1. فتوى.
  2. حكم.

ما هو الفرق بين الفتوى والحكم؟

الفتوى: قانون كلي لا يرتبط بشخص ولا يرتبط بزمن ولا يرتبط بقضية معاصرة قانون كلي، مثلاً: الفقيه يقول من شكل بين الثلاث والأربع في الصلاة الرباعية يبني على الأربع ويأتي بركعة احتياط قائماً، هذه تسمى فتوى لا ترتبط بشخص ولا زمن ولا بقضية، لكن عندما يقول الفقيه يحرم شراء البضائع الدنماركية هذه قضية خاصة بظرف معين وحالة معينة، يعني الفقيه في ظروف معية لأجل علاج قضية معينة أصدر هذا الخطاب، هذا يسمى حكم كما أن الفقيه حجة في الفتواه هو حجة الحكم، الحكم يعني ماذا؟

يعني حكمة نافذ على الآخرين ونافذ على المؤمنين ونفوذ الحكم على المؤمنين يسمى بولاية الأمر، ماذا يعني ولاية الأمر؟ ولي الأمر من ينفذ حكمه على المؤمنين، هذا يمسى بولاية الأمر وهذه الولاية كانت ثابتة للنبي المصطفى محمد النبي كان حجة في التشريع وهو أيضاً حجة في نفوذ حكمة قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ قال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً حتى هذه الآية التي نقرأها: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً سلموه يعني قولوا السلام وسلموا لحكمه وأمره.

إذن ولاية الأمر كانت ثابتة للنبي يعني حكمة نافذ ولذلك القرآن الكريم قال: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ هو أولى بنا من أنفسنا، حكمة نافذ علينا في النفوس وفي الأعراض والأموال حكمة نافذ، هذه الولاية انتقلت لعلي والأئمة من بعده كما روى الحاكم في مستدركة حديثاً صحيحاً على شرط الشيخين قال: ”ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والي من ولاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه أينما دار“ هذه ولاية الأمر.

هنا سؤالان:

السؤال الأول:

الإمامية تقول بأن الإمامة أصل من أصول الدين؟ الأصول خمسة التوحيد والعدل ونبوه وإمامة والميعاد؟ ماذا يعني بأن أصول الدين خمسة؟ يعني الذي لا يعترف بالإمامة ليس له دين؟

أنتم الإمامية تقولون الإمامة أصل من أصول الدين فمن لم يعتقد بالإمامة من الفرق الإسلامية الأخرى ماذا تقولون؟ يملك دين أو لا يملك دين؟ هل الذي لا يقول بالإمامة ليس مسلم؟ أنتم تقولون بأن الإمامة أصل من أصول الدين، معنى كلامكم أن من لم يقل بالإمامة فليس بمسلم وليس له دين؟ ما هو الجواب؟

العلماء أجابوا بأجوبة:

الجواب الأول: بعض العلماء قال الإمامة أصل من أصول المذهب وليست مذهب من أصول الدين.

الجواب الثاني: أن هناك فرقاً بين الإمامة وبين الإمام، الإمامة بمعنى منصب ولاية الأمر، منصب ولاية الأمر لا يختلف فيه المسلمون وجميع المسلمين يقر بمنصب ولاية الأمر، جميع المسلمين يقر بأنه لابد من ولي للأمر بعد وفاة رسول الله إذن لاختلاف بين المسلمين في الإمامة يعني في منصب ولاية الأمر، خلافهم في الطريقة، كيف نعين الإمامة؟!

نعينه بالشورى أو بالنصر؟ من هو الإمام علي أم غيره؟ هذا ليس خلاف في الإمامة، خلاف المسلمين ليس في مبدأ الإمامة وهو مبدأ ولاية الأمر، الدميع يؤمن بضرورته بعد وفاة رسول الله، خلاف المسلمين في طريقة تعين الإمام وفي من هو الإمام، إذن جميع المسلمين مسلمون وعلى الدين لأن جمع المسلمين يقر بمبدأ الإمامة وهو منصب ولاية الأمر.

الجواب الثالث: أن الإمامة أصل من أصول الدين الواقعي وليست أصل من أصول الدين الاعتباري، ما هو الفرق بين الدين الاعتباري والدين الواقعي؟!

الدين الاعتباري: دين منوط بالشهادتين فقط، ورد عن النبي «صلى الله عليه وأله» قال: ”الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله به حقنت الدماء وجرت المناكح والمواريث“ وورد عنه : ”من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله حرم ماله ودمه“ يعني كل من شهد الشهادتين يعتبر مسلم وتجري عليه أحكام الإسلام، له حرمة في دمه وفي ماله وفي عرضة، مسلم تجري علي كل أحكام الإسلام حتى لو نحن نعرف بأنه منافق في داخلة مادام شهد الشهادتين تجري علية أحكام الإسلام، فإذن الإمامة ليست أصل من أصول الدين الاعتباري، من لم يقل بالإمامة فهو مسلم اعتبارا لأنة ينطق الشهادتين.

الدين الواقعي: الدين الذي عليه الثواب والعقاب، الدين الذي عليه الثواب والعقاب يعني الدين الأخروي وليس الدين في الدنيا وليس الدين في المجتمع الإسلامي، الدين الذي عليه الثواب والعقاب نعم منوط بخمسة توحيد وعدل ونبوة وإمامة ومعاد، عندنا رواية يتضح منها الكلام معتبره الفضيل بن يسار عن الإمام أبو جعفر قال: ”أن الله نصب علي علماً بينه وبين خلقه فمن قال به فهو مؤمن ومن أنكره فهو كافر ومن جهله فكان ضالاً“ ما معنى هذه الرواية؟

من قبله فهو مؤمن واضح، الإنسان الذي أقام عنده الدليل والبرهان الواضح على إمامة الإمام علي فقال بالإمامة فهو مؤمن، «ومن أنكره كان كافراً» تكفرون المسلمين؟ تستخدمون لغة التكفير؟ كيف تستخدمون لغة التكفير لمن يتشهد؟!

أولاً: من أنكره يعني قام عنده دليل واضح على الإمامة ومع ذالك عاند وأنكر وليس الكل وكثير من المسلمين لم تكن عندهم الأدلة لجهلهم ولعدم بحثهم لعدم وجود وسائل إعلام توصل لهم الأدلة على الإمامة، هذه الفقرة تتكلم عن من أنكر، من قام عنده الدليل القاطع الواضح على الإمامة ومع ذالك لم يستجب لها نظير إنكار الكفار للإسلام قال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ نتكلم عن المنكر المعاند.

ثانياً: أنت عندما تسمع كلمة الكفر ستهيج وتخرج من الباب؟ لا، الكفر أطلق في القرآن على معاني ثلاثة:

المعنى الأول:

الكفر مقابل الإسلام مثلاً قوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً هنا الكفر بمعنى غير مسلم.

المعنى الثاني:

الكفر مقابل الإيمان، كافر يعني ليس بمؤمن لي بمعنى غير مسلم، لا مسلم لكن ليس بمؤمن قال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً هؤلاء ليس مؤمنين ولكنهم مسلمين، الكفر أحياناً يراد به من ليس بمؤمن لا من ليس بمسلم قال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ تصور قاضي جالس في مجلس القضاء، مجلس القضاء مجلس خطير، الإمام علي يخاطب شريح: ”يا شريح جلست مجلساً لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي“ منصب القضاء منصب خطير بل بعض فقهائنا يقول منصب القضاء خاص بالفقيه والمجتهد ولا يجوز لغيره، لو فرضنا أن شخص جلس بمجلس القضاء وقضى بغير ما أنزل الله يعني يصبح كافر؟ لا ليس مؤمن، إذن ما معنى ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ؟ الكفر بمعنى عدم الإيمان لا بمعنى عدم الإسلام.

المعنى الثالث:

الكفر مقابل الشكر، كما في قوله تعالي ﴿وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِوقال تعالى: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ الكفر هنا يقابل الشكر نقول فلان كافر يعني لم يشكر النعمة لا لأنه ليس بمسلم، إذن عندما نقول من لم يقل بالإمامة فهو كافر لا نقصد بأنه ليس بمسلم، يعني من لم يقل بالإمامة فقد فكر بنعمة الولاية، الولاية نعمة كبير وهذا كفر بها، كافر بنعمة الولاية لا لأنه ليس بسلم حتى يقال بأن الإمامية يستخدمون لغة التكفير وينشرونها لا، ومن جهلها كان ضالاً وإنسان مستضعف ولم تصل إليه الأدلة فهو ضال تائه ولم يصل إلى الطريق الصحيح وإلا فهو مسلم.

السؤال الثاني:

ما هو الداعي لطرح بحث الإمامة؟ وما هو الموجب لطرح هذا البحث، أليس طرح مسألة الإمامة شرخاً في جسم المجتمع الإسلامي؟ أليس طرح مسألة الإمامة يحدث فتنه بين أبناء المجتمع الإسلامي؟ أليس طرح مسألة الإمامة يثير الحقد والبغضاء بين أبناء المجتمع الإسلامي؟

المجتمع الإسلامي يمر اليوم بظروف عصيبة وخطيرة يحتاج إلى التعاطف والتمسك والتوحد وطرح مسألة الإمامة عائق أمام تعاطف المسلمين وتوحدهم وأمام تماسكهم واستظلالهم بظل الإسلام، فما هو الداعي لطرح مسألة الإمامة؟ نحن في الوقت الذي نطرح فيه مسألة الإمامة بغرض وهدف تنوير أبنائنا وتثقيفهم ثقافة عقائدية متينة في نفس الوقت نحن أول من يبادر إلى الاشتراك في الهموم الإسلامية العامة، نحن الذين نطرح مسألة الإمامة ونحن في نفس الوقت ندعو إلى النصرة الشعوب الإسلامية المضطهدة شرقاً وغرباً ونحن الذين نطرح مسألة الإمامة ونحن ندعو المسلمين بالاهتمام بالهموم الإسلامية العامة ولذوبان في قضايا المسلمين، نحن الذين نطرح مسألة الإمامة ونحن الذين نسير على منهج رسول الله من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، نحن نطرح مسألة الإمامة لأنها مسألة عقائدية.

أتعلم المذهب الإمامي قائم على أي مسألة؟ مسألة الإمامة وإلا غير هذه القضايا هي قضايا فرعية، السجود على التربة والجمع بين الصلاتين، حليه المتعة هذه كلها مسائل فرعية، المسألة الأساسية والركن الأساس للركن الإمامي هو مسألة الإمامة.

إذن في الوقت الذي نحن نطرح مسألة الإمامة لأنها أساس المذهب الإمامي من أجل تنوير أبنائنا نحو هذه المسألة في نفس الوقت نحن ندعو المسلمين إلى الاهتمام بالقضايا الإسلامية العامية والذوبان في هموم المجتمع الإسلامي والتمسك بالوحدة السياسية الإسلامية قال تعالى: ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ الإمام أمير المؤمنين جمع بين الأمرين طرح مسألة الإمامة وطرح المشاركة في الهموم الإسلامية العامة، الإمام أمير المؤمنين نفسه جمع الناس يوم الرحبة وقال: ”أنشدكم الله أيكم سمع رسول الله يوم غديرهم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه فليقم وليشهد، فقام ثلاثون بدرياً صحابياً شهدوا بذالك“، طرح مسألة الإمامة وفي نفس الوقت كان يذوب في القضايا الإسلامية العامة، وكان يذوب في بناء كيان الدولة الإسلامية، والفتوحات التي تمت في عصر الخليفة الثاني، كان علي صاحب المشورة وصاحب الرأي فيها، علي من جهة يطرح الإمامة ومن جهة يشارك في بناء كيان الدولة الإسلامية لذلك قال الخليفة الثاني: ”لولا علي لهلك عمر ولا أبقاني الله لمعضلة لم يكن فيها أبو الحسن“.

إذن لا يوجد تنافي بين الأمرين أصلاً، لا تنافي بين طرح مسألة الإمامة والمشاركة في الهموم الإسلامية العامة كانت سيرة علي بن أبي طالب «صلوات الله وسلامه عليه» الذي قال: ”لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن جوراً إلا عليا خاصة“ ونحن على سيرة علي .

المنصب الثالث: منصب ولاية التصرف في الوجود.

منصب ولاية التصرف في الوجود، هذا المعبر عنه بالولاية التكوينية، طبعاً الولاية التشريعية: ثابتة للنبي محمد كما ورد في الرواية المعتبرة: ”إن الله فوض إلى نبيه أمر دينه وخلقة“، فرض الله الصلاة ركعتين وأضاف إليها رسول الله ركعتين عنده ولاية، فما أضافه رسول الله يسقط في السفر وما فرضه الله لا يسقط في سفر أو حضر وفرض الله الزكاة وسنها رسول الله في تسعة أشياء، وحرم الله الخمر وحرم رسول الله كل مسكر فأجاز الله له ذلك كله، يعني كل التشريعات التي صدرت من النبي أمضاها الله تبارك وتعالى وقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا هذه ولاية تشريعية ثبتت للرسول.

الولاية التكوينية: ثابتة للأئمة ما معناها؟ يعني القدرة على التصرف في الكون بأقدار من الله وبإذن من الله تبارك وتعالى، القرب من الله تبارك وتعالى له درجات:

الدرجة الأولى:

الحكومة على النفس قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىهذه أول درجة من درجات القرب.

الدرجة الثانية:

الحكمة، كل ما عبد الله أفتحت له أبواب الحكمة قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَاقال تعالى: ﴿إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ”من أخلص لله أربعين يوماً جرت ينابيع الحكمة على لسانه“.

الدرجة الثالثة:

التجرد، ما معنى التجرد؟ يعني السيطرة على الخيال، هل تستطيع السيطرة على خيالك؟ الإنسان إذا استطاع أن يسيطر على خيالة وصل إلى درجة راقية من درجات القرب إلى الله، السيطرة على الخيال، كيف؟ الرسول يقول: ”قلب المؤمن كريشة في الفلاة تعلقت بشجرة تقلبها الريح ظهراً لبطن“ القلب مثل الريشة، الريشة المعلقة في الشجرة والريح تقلبها والريش لا تستطيع في أن تسيطر على نفسها القلب هكذا، القلب لا يقدر على السيطرة والأفكار والخيالات التي تمر به، متى تأتي الخيالات أكثر؟ الصلاة لماذا الخيالات تأتي في الصلاة؟ لماذا هذه الخيالات لا تأتي إلا في الصلاة؟

هذه مسألة لها علاقة بعلم النفس، علماء النفس التحليلين يقولون: إذا مرت سكينة وطمأنينة على الإنسان يحلق فكره، متى ما كان الإنسان مشغول في العمل وفي قيادة السيارة عقله لا يتحرك يمشي في خط واحد، متى ما حصل على هدوء بمجرد أن يمر بجو هادئ ويحصل على سكينة واطمئنان يبدأ عقلة يتحرك ويتخيل أشياء كثيرة، هذا يعني بأن الصلاة تسبغ علينا الطمأنينة والسكون قال تعالى: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ، إذا استطعت أن تسيطر على خيالك وتحصر خيالك في الآخرة وبمجرد أن تقبل على الصلاة تجعل فكرك وخيالك في الآخرة وفي عذاب القبر والبرزخ وفي عذابه والآخرة والوقوف بين يدي الله تحصر فكرك وخيالك في هذا الخط، خط الآخرة فأنت من أهل القرب من الله، وهذا ما يمسى بمرتبه التجرد، يعني يتجرد الإنسان من المادة ويحصر فكرة وقلبه وخيالة في هذا الخط، خط الأخر.

هناك ناس تعجب مثلاً: إذا استخار بالقرآن يعرف بعض الأمور الخفية الغيبية، وبعض العلماء يخبر ببعض المغيبات ابتدأنا من السيطرة على الفكر والخيال، إذا عنده قدرة على أن يسيطر على خيالة وأن يسيطر على خواطره يستطيع أن يشف بعض الأمور وأن يستلهم بعض الأمور ”اتقوا فراسة المؤمن فأنه ينظر بعين الله“ كما ورد عن النبي محمد ”صل الله عليه وآله“ إذن هذه المرتبة الثالثة من مراتب القرب إلى الله.

الدرجة الرابعة:

التأثير في الموجودات الأخرى إذا وصلت به القرب من الله إلى هذه الدرجة أصبح يؤثر في الموجودات الأخرى سواء أكانت الموجودات مادية أو موجودات روحية، الموجودات المادية فضل القرآن يتكلم يقول عن عيسى بن مريم ورسول إلى بني إسرائيل أني جئتكم بأيه من ربكم قال تعالى: ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ هذه ولاية تكوينيه تأثير في الموجودات المادية، هذا التأثير هو المرتبة الرابعة من مراتب القرب من الله، «عبدي أطعني تكن مثلي» أنا أقول للشيء كن فيكون وأنت تقول للشيء كن فيكون قدرة بإقدار من الله، وقال عن سليمان ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ.

ربما يأتي شخص ويقول هؤلاء الأنبياء، وأنتم تقولون الأئمة أيضاً، هذه الولاية ثبتت للأنبياء في القرآن فكيف تثبتونها للأئمة، لا حتى لغير الأنبياء القرآن ذكرها، سليمان خاطب أهل مجلسة قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ عرش من؟ بلقيس، من الذي يستطيع أن يأتي بعرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس هذه ولاية تكوينيه وتأثير في الموجودات المادية،: ﴿يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ «39» قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ الجن ليس بنبي ولا هو بوصي وليس بإمام عنده ولاية تكوينيه، ويستطيع أن يؤثر بالموجودات، قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ «40» قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ.

لحظة واحده فقط من اليمن إلى بيت المقدس، أحضر عرش كله ذهب وفضة وجواهر، وهو ليس بنبي ولا رسول انه وصي وعنده ولاية تكوينية وعنده تأثير على الموجودات المادية، من أين جاءت له الولاية؟ من العلم، علم من الكتاب، الكتاب يعني كتاب الكون، من علم ببعض المفاتيح مفاتيح التصرف في الكون ومفاتيح التصرف في الوجود، من علم بعض المفاتيح استطاع أن يتصرف في هذا الكون.

الآن العلماء استطاعوا أن يصعدوا إلى الفضاء أم لا عرفوا بعض مفاتيح العلم في الفضاء أليس كذالك؟، استطاعوا أن يبعثوا المركبات الفضائية إلى ملاين الكيلومترات، لماذا؟ لنهم ملكوا بعض مفاتيح الوجود، يعني علموا ببعض المفاتح، هذا أيضاً عنده علم من الكتاب، يعني عرف بعض مفاتيح التصرف في الوجود، قال الذي عنده علم من الكتاب﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ.

الإمام الصادق يعلق على هذه الرواية، إذا كان عاصف ابن برخبا وعنده علم من الكتاب أتى بعرش بلقيس من اليمين إلى بيت المقدس فيكف بمن عنده علم الكتاب كله وهو أمير المؤمنين علي .

لا تعجب حينما تسمع ابن الحديد يقول: «يا من له ردت ذكاء ولم يفز بنظيرها من قبل إلا يوشع، أأقول فيك سميدع كلا ولا حشى لمثلك أن يقال سميدع بل أنت في يوم القيامة حاكم في العالمين وشافع ومشرع».

هذا تأثير في الموجودات المادية، وأحياناً تأثير في الموجودات الروحية، يعني الإمام يستطيع أن يؤثر في قلبك وأنت جالس أمامه، تأثير روحي بدون لفظ وبدون كلمة، يبعث شعاعه إلى قلبك فيؤثر فيك، ربما شخص يقول هذا مستحيل، هذا شغل الله وليس شغل البشر، شغل الله؟

أنا أذكر لك ما رأيك في إبليس؟ يستطيع أن يؤثر في قلبك أم لا؟ القرآن الكريم يقول ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ «1» مَلِكِ النَّاسِ «2» إِلَهِ النَّاسِ «3» مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ «4» الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ «5» مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ يعني إبليس يستطيع أن يؤثر ومحمد لا يستطيع أن يؤثر؟

إبليس يستطيع أن يبث وسوسته في قلوب المؤمنين طبعا ليس على نحو العلة التامة، على نحو الاقتضاء كما يقول العلماء كما أن إبليس قادر على التأثير في القلوب بالوسوسة هناك أثر معاكس للأئمة قادرون على أن يبثوا شعاع الهداية في النفوس مقابل وسوسة إبليس وهذا ما يسمى بالهداية الأمرية قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا، عندما نقول الأئمة، الأئمة ليس فقط الأئمة المعصومين، إبراهيم كان إمام ونوح كان إمام وموسى إمام وعيسى إمام، عندما نقول الإمام ما يشمل بعض الأنبياء كانوا أئمة قال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ.

إذن الإمامة مناصب ثلاثة: 1/منصب المرجعية 2/ومنصب ولاية الأمر3/ ومنصب الولاية التكوينية يعني ولاية التصرف في الوجود، هذا معنى الولاء للإمامة يعني الاعتقاد بالمناصب الثلاثة.

المحور الثالث: مظاهر الولاء في كربلاء المقدسة.

مظاهر الولاء في كربلاء، عندما نرجع إلى كربلاء فنرى المظاهر الرائعة للولاء، نرجع إلى واقعنا الاجتماعي، هل نحن عندنا ولاء؟ الولاء ليس كلمة، الولاء ليس شعار نقوله، الولاء ليس شعاراً نرفعه، الولاء عطاء، الولاء سلوك وفداء وتضحية وليس الولاء مجرد شعارات نرفعها، الولاء له مظاهر، من مظاهر الولاء لأهل البيت تعطيل الأسواق والمحلات في وفياتهم وأيام مناسباتهم، وهذه الظاهر بدأت تتقلص عندنا.

إذن الولاء الحقيقي ونحن نصر على فتح الأسواق أيام الوافيات والمناسبات، والقرآن يقول ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ، «من جلس مجلس يحي فيه أمرنا»، كما قال الباقر : ”لم يموت قلبه كيوم تموت القلوب“ ومن مظاهر الولاء أسماء أهل البيت، بدأنا الآن نفتقد أسماء أهل البيت، نحن نحتاج إلى أن نروج أسماء أهل البيت أولادنا ذكوراً وإناثاً، أسواقنا وشركاتنا ومحلاتنا كلها نعنونها بأسماء أهل البيت، لأن أسمائهم تجذب المسلمين إلى مبادئهم «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» ومن مظاهر الولاء ظاهر الوقف، انظر إلى أبائنا قبل خمسين سنة، أكثر ولاء منا مع أنهم أقل ثروة منا، أبائنا قبل خمسين سنة عنده أرض يوقفها على الحسين، عنده محل ينفقه على الحسين، عنده دار يوقفه على أهل البيت، عنده نخل يوقفه على مناسبات أهل البيت، ظاهر الوقف على أهل البيت ظاهرة من أروع مظاهر الولاء وهذه الظاهرة تقلصت الآن عندنا، ورد عن الإمام الباقر : ”من بدل فينا درهماً أظله الله بظلنا يوم القيامة وجاء آمن من الفزع الأكبر“

وحن نبخل بعشرة ريالات نبذلها في مأتم أو وقف، من مظاهر الولاء لأهل البيت إعانة شيعة أهل البيت ومحبي آل البيت، هناك فئات فقيرة تعيش فقراً مدقعاً من محبي آل البيت يحتاجون إلى المساعدة واللقمة فهل نحن نبادر إلى ذالك؟ إذن الولاء له مظاهر رائعة.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

الطموح وعلو الهمة
البطولة الصادقة في عاشوراء