نص الشريط
الدمعة الصادقة
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 12/1/1430 هـ
مرات العرض: 3871
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (16668)
تشغيل:

﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ

من القيم الجمالية التي تجلت في مدرسة كربلاء الدمعة الصادقة، حديثنا عن الدمعة الصادقة في محاور:

  • المحور الأول: مفهوم الدمعة الصادقة
  • المحور الثاني: بيان الحاجة الفطرية والإنسانية لدمعة الصادقة
  • المحور الثالث: بيان أهمية الدمعة الصادقة على الحُسين .

المحور الأول: تحديد مفهوم الدمعة الصادقة.

العلماء يقلون كُلّ إنسان تتضمن شخصيته جنبتين وَجهتين: جهة مُدركةـ وجهة مُحركة.

  • الجهة المُدركة: فيها عدة قوى قوة الحس، قوة الخيال، قوة الوهم، قوة العقل.
  • الجهة المُحركة: عدة قوى قوة الشهوة، قوة الغضب، قوة الإرادة، قوة الخضوع.

الجهة المُدركة:

لذلك علينا أن نعرف ذلك بطريقة موجزة، الجهة التي تدرك المعلومات وتستورد المعلومات فيها القوة الحسية وهي التي تجمع المعلومات الحسية أربع قوى:

القوة الأول قوة الحس: وهي التي تستورد المعلومات الحسية عن طريق الحواس الخمس تجمع المعلومات من البصر والسمع والذوق واللمس القوة التي تجمع المعلومات الحسية هي التي تسمى قوى الحس قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.

القوة الثانية قوة المتخيلة: وهي قوى التي تقوم بتأليف الصور وتركيبها، فالإنسان الذي يريد أنّ يبني بيته ومنزله يتصور خارطة بيته وأساسه وغرفة ثم يشرع في بنائه هذه تسمى بِالقوى المتخيلة.

القوة الثالثة القوى الواهمة: هي التي تُدرك معلومات جزئية غير حسية هناك معلومات جزئية لا يمكن أن تأتي عن طريق الحواس، هناك قوة تدركها تسمى بِالقوى الواهمة مثلاً: فلان يحبني فلان يكرهني فلان مثلاُ مُقدم فلان مُتردد هناك معلومات حسية حتى تأتي عن طريق الحس طريق الحس تسمى بِالقوى الواهمة.

القوة الرابعة القوة العاقلة: وهي التي تدرك القضايا الكلية هناك قضايا كلية التي لا ترتبط بالزمن ولا بشخص تدركها القوة العاقلة هذه نسميها الجهة المُدركة وهناك جهة مُحركة أي وضفتها بعث الإنسان نحو العمل والحركة هذه أيضاً مجموعة قوى.

الجهة المُحركة:

وضيفتها بعث الإنسان نحو العمل والحركة هذه أيضاً مجموعة قوى:

القوة الأولى قوة الشهوية: الإنسان أذا أشتهى الطعام بعثته الشهوة إلى أكل الطعام.

القوة الثانية القوة الغضبية: الإنسان أذا تعرض إلى اعتداء وظلم بعثته القوة الغضبية إلى أنّ ينتقم لنفسه ويرد الظلم

القوة الثالثة قوة الإرادة: هو أيضاً من القوى المُحركة.

القوة الرابعة قوة الخضوع: الإنسان لدية قوة وهي قوة الاستجابة والخضوع لما يتلى عليه ولما يقال له ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ، ﴿تَلِينُ أشارة لِقوة الخضوع، هناك قوة في داخل الإنسان نسميها قوة الخضوع الاستجابة تجعل الإنسان يلين أمام ما يسمع ما يلقى إِليه، أحياناً قد يحصل عدم الاستجابة تحصل انفصالية بين القوى المُدركة والقوى المُحركة، فلا يلين الإنسان ولا يستجيب.

ما هي أسباب عدم لين الإنسان وعدم استجابته؟!

علماء العرفان يذكرون ثلاثة في كتب الأخلاق:

السبب الأول الخوف:

أحياناً الإنسان يدرك الحقيقة ولكن لا يستجيب لها بدوافع ومانع الخوف، الخوف يمنع من الاستجابة يحقق الانفصال بين القوى المُدركة والقوى المُحركة، مثلنا في العام الماضي قلنا لو أن الإنسان أُدخل غرفة مُظلمة وجعل أمامه جنازة ”إنسان ميت“ وأُغلق عليه الباب هذا الإنسان لا يمكن أن يستقر في الغرفة وإمامة جنازة مع أن القوى المُدركة تقول له هذا جسد ميت لا يتحرك ولن يؤذيك ولا يرجع للحياة لكن القوى المُحركة وهي القوة الخضوع لا تستجيب لقوى المدركة لماذا؟! لوجود مانع الخوف عقدت الخوف سيطرت على الإنسان فمنعت الإجابة، وردى عن الإمام علي ”إذا خفت من شيء فقع فيه، فإن انتظارك له أشد من وقوعك فيه“.

السبب الثاني عقدت الشهوة:

الكثير منَّا يعرف أن المعاصي قبيحة ولكن يصر عليها يعرف أنّ المعصية شيء قبيح شيء خطير ولكن يعود لِيكرر المعصية لماذا؟! لماذا ليس هناك استجابة من القوى المُدركة إلى القوى المدركة؟ مثلاً: الإنسان يعرف أنّ العلاقة بين المرأة الأجنبية غير مشروعة سوى كانت علاقة جسدية أم علاقة كلامية عن طريق النت لا تجوز، يعرف أنه عمل قبيح لكنه يرجع إليه يكرره مره أخرى لماذا؟ لماذا لا تستجيب القوى المُدركة لقوة الخضوع؟! سيطرت الشهوة هذا مصاب «بعقدة النهم» والنهم هو حدة الشهوة، النَّاس عندهم شهوة عادية لكن البعض عنده شهوة حادة شهوة عاتية، حدة الشهوة المُعبر عنها بِالنهم هذا أحياناً يجب استجابة القوى المُحركة للقوى المدركة.

السبب الثالث الكبر:

أحياناً الإنسان ما يصنعه من الاستجابة إلا الكبر يجد نفسه كبير يقول أنا ما أتنازل، يا أخي هذا في مصلحتك..؟ لا ما أتنازل، يُدرك أن الأمر في صالحة لكنه لا يتنازل لأنه يعيش عقدة الكبر لا يتنازل، الإنسان الذي يخضع لعقبة الكبر لا يخضع للحق وأن عرف أنه الحق، لهذا المشركون في زمن النبي مبادئ لكنهم لا يسمعون لها لأجل عقدة الكبر لذلك يقول القرآن: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَهم يعرفون أن مبادئ النبي مبادئ حق لكنهم لا يستمعون لها لِ أجل عقدة الكبر الموجودة في نفوسهم، اليهود القرآن الكريم عندما يتحدث عن اليهود يقول: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ اليهود هم الذين يقلون نحن شعب الله المُختار ونحن الشعب المُتميز، لذلك منذ زمن النبي وإِلى هذا الزمن يعتدون اعتداءات غاشمة ويرتكبوا المجازر في المسلمين بمريء ومسمع من العالم الإسلامي، كما تشاهدون المناظر المروعة للشعب الفلسطيني المظلوم البريء، كُلّ ذلك بِعقدة الكبر ﴿وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ يعني المسيحيون وَ لكن ليس كُل مسيحي بل المسيحي المؤمن لماذا قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ أذا عرفنا أنّ هناك قوى مُدركة التي هي قوة الخضوع قد لا تستجيب القوى المُدركة أم لعقدة الخوف أو عقدة الشهوة أو النهم أو عقدة الكبر.

كيف نعرف حقيقة البكاء أو حقيقة الدمعة؟!

الدمعة هي من فعل القوى المُحركة التي هي من خضوع الدمعة فعل من أفعال قوة الخضوع، فعل من أفعال القوى المُحركة. الدمعة مزيج من الانفعال والفعل في القوى المُحركة كيف؟!

مثلاً: الإنسان يفقد عزيز أخي، أب، ولد، أم، صديق، أذا مجرد أن تذكر الأخ العزيز وتصور صورته أمتلئ قلبه حزناً صار عنده انفعال هذا الانفعال في القوى المُحركة، وهي القوة الخضوع تقوم قوة الخضوع وتبعث النفس وهو عملية البكاء، البكاء عملية تقوم بها القوى المُحركة وهي قوة الخضوع، لأجل انفعال بقضية أخرى، أذا البكاء مزيج بين الانفعال والفعل، من هنا تقسيم الدمعة وهذا التقسيم ليس موجود عندنا بل حتى عند علماء الصحة النفسية أنما بِعناوين أخرى الدمعة تقسم إلى ثلاثة أقسام:

  • الدمعة النادمة.
  • الدمعة الكاذبة.
  • الدمعة الصادقة.

الدمعة النادمة:

هي الدمعة لِخسارة لا تتدارك مثلاً: واحد دخل في الأسهم وخسر كُلّ أمواله، هذا الشخص من يتذكر أمواله تسيل دموعه على خده فيبكي، هذا البكاء وهذه الدمعة دمعة نادمة، أي يتصور ثروته التي خسرها فَيبكي هذا البكاء دمعة الخسارة التي لا تتدارك، وهذه الدمعة لا يمدحها القرآن الكريم قال تعالى: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ.

الدمعة الكاذبة:

كَالممثل الذي يخرج على شاشة التلفاز وهو يبكي دموعه تتساقط على خده، تستغرب هذا كيف يبكي بهذه الطريقة، ورد عن النبي مُحمّدٍ ”المنافق من ملك دموع عينة“ الذي يملك القدرة على أن يضحك ويبكي في أي وقت هذه عنده القدرة على النفاق ”المنافق من ملك دموع عينة“.

الدمعة الصادقة:

الدمعة الصادقة تألف من عنصرين:

  • العنصر الأول: الانفعال لهدف إنساني.
  • العنصر الثاني: أنها وسيلة لتحقيق ذلك الهدف الإنساني.

فهي تجمع الانفعال والفعل، الانفعال لهدف والفعل من أجل لتحقيق الهدف، أذن الدمعة الصادقة دمعة هادفة وليست دمعة غير هادفة، الدمعة الصادقة دمعة واعية وهادفة.

المحور الثاني: بيان الحاجة الفطرية والإنسانية لدمعة الصادقة

هل الدمعة علامة ضعف؟! أم هي علامة قوة؟! ربما يتصور إِنسان أنّ الدمعة علامة ضعف، الدمعة من شؤون المرأة لأنها مخلوق ضعيف خصوصاً في المُجتمع العربي فذلك تتوسل إِلى التعبير عن ضعفها بالدمعة، والدمعة لا تنسجم مع الشخصية البطلة ذات الإرادة الحديدة والرجولة، الدمعة يحتاج إليها الإنسان حاجة إِنسانية داخلية، أنت مُحتاج بِفطرتك إلى أن تبكي إلى أن تدمع عينك كيف؟!

أذكر لك منطلقات ثلاثة للحاجة الفطرية للدمعة والبكاء

المنطلق الأول:

أنّ الدمعة والبكاء علاج لِرفع الضغوطات النفسية، وهذا يذكره علماء الصحة النفسية يقولون ضروري يأتوا معك ناس للبكاء ولو تستأجرهم بأموالك، البكاء ضروري لِ علاجك، الإنسان أحياناً يمر بضغوطات اجتماعية وأسرية، عنده مشاكل مع عائلته مع أصدقائه، أذا خيمت عليه الظروف القاسية وسيطرت عليه الهموم والغموم فهو محتاج حاجة إلى التنفيس ما لم ينفس فهو يتحول إلى إِنسان انتقامي، والإنسان الانتقامي عضو خطر على المُجتمع، أذا من أجل علاجه لكي لا يتحول إِلى شخص انتقامي يحتاج إلى أنّ يبكي لي يكون البكاء وسيلة لِ تنفيس ولتخفيف الضغوط النفسية أذا البكاء هنا حاجة فطرية.

المنطلق الثاني:

أنّ البكاء يا أخوان وسيلة الردع الذات كيف؟! طريق التغير هو ردع الذات، تقدر تغير ذاتك من غير أن تردعها؟ لا يمكن، طريق ردع الذات قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْالإنسان أحياناً يفرط في المعاصي والرذائل يفرط في الذنوب ثم يلتفت إلى نفسه وجد نفسه مُظلمة مكفهرة نتيجة كثرة الذنوب والمعاصي، أذا وجد نفسه مظلم مسود ومكفهرة حتى الإنسان الملحد الذي لا يعترف بالذنوب أحياناً يفرط في الخطأ والجرائم فيلتفت إلى نفسه يجدها مُظلمة مسودة ومكفهرة نتيجة كثرة الذنوب والأخطاء والمعاصي، ما هو طريق التغير؟! كيف أغير ذاتي؟!

طريق التغير يقول علماء العرفان: «مُراقبة، مُحاسبة، مُعاتبة، محاربة» أربع مراحل يمر بها طريق التغير يبدأ أولاً:

المرحلة الأولى مرحلة المُراقبة:

أُراقب ذاتي في أين أمشي وَ إلى أين أمشي ومع من أمشي، الإنسان الذي ينفس في المعاصي ولا يتلفت إلى ذاته، الإنسان الذي يتغافل عن أخطائه، الآخرين عندهم أخطأ أم أنا لا ليس عندي أخطأ، الإنسان الذي يكون قادراً على تغافل أخطائه، لن يكون قادراً على تغير ذاته أبداً، أذا المرحلة الأولى مرحلة المراقبة. قرأت الذات ما هي سلبياتي؟ ما هي أخطائي؟ ما هي نقاط الضعف في شخصيتي؟ ما هي تجاوزاتي؟

المرحلة الثانية مرحلة محاسبة النفس:

ورد عن النبي مُحمَّدٍ ”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا“ يعني أفرزوا الأخطاء عن الإيجابيات وركز وعلى السلبيات، وكُلّ سلبية ما هو خطائها؟ ما هي أضرارها؟ ما هو أثارها؟ هذه محاسبة النفس.

المرحلة الثالثة مرحلة المُعاتبة:

إلى متى أنا هكذا؟ أذا كل واحد يسأل نفسه هذه السؤال إلى متى أنا هكذا؟ يتغير، إِلى متى أنا مع المعصية؟ إلى متى أنا مع الرذيلة؟! إلى متى أنا عندي علاقة غير مشروعة؟! إلى متى أنا أسمع الأغنية؟! إلى متى أنا عندي عقوق للوالدين؟! إلى متى إلى متى.؟ هذه مرحلة المُعاتبة.

المرحلة الرابعة مرحلة المُحاربة:

المُحاربة يعني بداية الردع بداية ردع الذات بالمُحاربة ورد عن النبي مُحمّدٍ : ”أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه“ جهاد مرير صارع، أقف، إلى متى أنا لا أوقف نفسي عند حدها وأقف أمام نفسي قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى نصل إلى مرحلة المُحاربة المحاربة يا أخوان أذا تفاعل مع محاربة النفس سيصل إلى البكاء سيصل إلى الدمعة الصادقة.

الدمعة الصادقة هي علامة المُحاربة، أنت وصلت إلى المُحاربة، وصولك إلى مُحاربة النفس الدليل عليه هو الدمعة الصادقة، الدمعة الصادقة طريق لردع الذات وهي طريق التغير، وأنت محتاج إلى الدمعة الصادقة، أذا الحاجة إلى الدمعة الصادقة حاجة فطرية.

المنطلق الثالث:

الدمعة الصادقة أذات لترسيخ القيم الضميرية هذه القيم الضميرية مصطلح نُعبر عنها بالمبدأ العملية كيف؟! المبادئ على قسمين:

  • هناك مبادئ نظرية.
  • هناك مبادئ عملية.

2+2 =4 هذه قضية نظرية وليس لها ربط بِالسلوك، المسافة بين الشمس والأرض كذا ميل هذه أيضاً قضية نطريه ليس لها ربط بِالسلوك، أما العدل جميل، الظلم قبيح، الأمانة جميلة، الخيانة قبيحة، هذه قضايا سلوكية عملية. القضايا السلوكية والعملية لا ترسخ في الإنسان إلا أذا تفاعل القلب مع العقل، القلب لا يكفي، الظالم يعرف أن الظلم قبيح مع ذلك يظلم، وكذلك الكاذب يعرف أن الكذب قبيح مع ذلك يكذب، أذن القضايا العملية وإلا لا ترسخ في الإنسان إلا أذا تفاعل القلب مع العقل، أن يصل التفاعل إلى حد البكاء ”الدمعة الصادقة“.

إذا بكاء الإنسان لقضية سلوكية رسخت في قلبه ورسخت في سلوكه مثلاً: أنا مؤمن بِقيمة جمالية وهي قيمة الولاء للوطن، الولاء للوطن من القيم الجمالية لكن أذا أشاهد فلم عمر المختار وتفاعلت مع قصة عمر المختار ووصل التفاعل إلى حد البكاء هذه الدمعة الصادقة ليس تفاعل مع شخصية عمر المختار مع قيمة جمالية وهي الولاء لتربة، مبدأ هذه القيمة تحولت إلى سلوك راسخ لأنني تفاعلت معها حد البكاء والدمعة الصادقة.

أذن بالنتيجة: الطريق لتقوية المبدأ والقيم وهي الدمعة الصادقة، من القيم الجمالية التي لا يمكن للنفس إلا أن تتفاعل معها إلا بالدمعة لصادقة قيمة ”رقة القلب“ نحن مبتلون بِمرض قسوة القلب قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِقسوة القلب التي عبرنا عنها في الليلة السابقة بالجفاف، أنا لا أتفاعل مع الدعاء أقرأ دعاء كميل لكن ما أتأثر أصلي نافلة لكن لا أتأثر، أرى الجنازة أمامي لكن لا أتأثر، أذا أنا مصاب بِمرض قسوة القلب، هذا المرض له أسباب من أسبابه:

كثرة الذنوب: الإنسان أذا تمادى بالذنوب قسا قلبه قال تعالى: ﴿كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ رين صبغ قلبي من ذنوبي.

اللهو: مثلاً: الإنسان طول وقته يسمع أغاني مشغول بالطرب يموت قلبه لا يتأثر بجنازة ولا دعاء، لان وقته مشغول بالاهتزازات النفسية الداخلية نتيجة انغماسه في الطرب لذلك ورد عن النبي مُحمّدٍ : ”الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع“.

الشره: يعني الحرص على الدنيا يطلع من الصبح يرجع متى؟ الليل، كم تقضي من النهار والليل أفترض 16 ساعة، 16 ساعة يقضيها في ماذا؟! في جمع الأموال هل 16 ساعة تقضيها لقبرك أم تقضيها لِجيبك..؟ 16 ساعة..! ولا منها عشر لِقبرك.! أذن متى تتهيأ لقبرك؟ شره شره على الدنيا والأموال. ورد عن الإمام علي ”مَثَلُ الحريص على الدنيا، مثل دودة القز كلّما ازدادت من القز على نفسها لفّاً، كان أبعد لها من الخروج، حتى تموت غمّاً“ مر الإمام علي يوم من الأيام بسوق الكوفة وهو خليفة نظر إلى السوق شاهد هذه يحلف وهذا يتشاجر وهذا يسوق وهذا يغش ”سوق“ وقف وصار يبكي وقال عبيد الله أذا كنتم بالليل تنامون وبِالنهار تحلفون ومابين ذلك أنتم غافلون متى تهيؤن لِزاد وتستعدون للميعاد ”متى وأي وقت الذي بقي للقبر.؟ كُلّ الوقت لأمولانا بطوننا لراحتنا لجيوبنا ومساندنا، ما بقي وقت لقبرنا، لذلك ورد عن النبي مُحمّدٍ صلى الله علهي وآله“ لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإن القلب كالزرع يموت إذا كثر عليه الماء ".

مجالسة الموتى: أتدري من الموتى..؟ ورد عن النبي مُحمّدٍ ”خمس تقسي القلب، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: ترادف الذنب على الذنب «ذنب على ذنب ما عنده توبة ريح من ذنب إلى ذنب»، ومجاراة الأحمق يجلس مع ناس حمقه، وكثرة منافسة النساء“ كيف يعني هذه الآن المرأة طبيعتها لأنها امرأة تحافظ على جمالها، تصرف ساعات على شكلها على زينتها وجهه وشعرها.. الخ وكذلك الشباب أصبحوا ينافسونها يصرفون الساعات على أشاكاهم وشعورهم ساعة هنا وساعة هنا ساعة كيف يرتب شكله ساعة كيف يرتب نفسه هذه الانشغالات تقسي القلب ”وطول ملازمة المنزل على سبيل الإنفراد والوحدة والجلوس مع الموتى. قيل وما الموتى؟ قال“ كلّ عبدٍ مترف فهو ميت، وكلّ من لا يعمل لآخر ته فهو ميت "، أنا أجلس مع فاسق أجلس إلى ما همه إلا المباره الفلانية واللعب الفلاني والمسلسل الفلاني والفلم الفلاني، طول وقته مشغول بهذه القضايا الدنيوية، يوم ما تسمع منه شيء في الآخرة ما تسمع منه شيء أبداً، هذا لا ينفعك. الذي تجلس معه يتحدث عن المعاصي والرذائل ويتحدث عن فلان عنده علاقة مع فلانة وفلان فيه كذا وكذا..

هؤلاء موتى مجالستهم تقسي القلب، جالس من يذكرك بالآخرة جالس الشخص الذي يوم من الأيام يقول خلينا نروح المسجد خلينا نروح حسينية نسمع الخطيب الفلاني أو المحاضرة الفلانية، نصغي لقول كذا، الشخص الذي يذكرك بالله والآخرة أو لعلك رأيتني آلف مجالس البطّالين فبيني وبينهم خلّيتني، أذن قسوة القلب مرض ورقة القلب قيمة من القيم الجمالية، ما هو الطريق لاكتسابها؟

الطريق لاكتسابها الدمعة الصادقة، أذا تفاعل الإنسان مع الآخرة ورقة القلب بدمعة صادقة فهو طريق لكسب قيمة جمالية وهي رقة القلب ومالي لا أبكي ولا أدري إلى ما يكون مصيري، وأرى نفسي تخادعني، وأيامي تخاتلني، وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت. فما لي لا أبكي، أبكي لخروج نفسي، أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكر ونكير إياي، أبكي لخروجي من قبري عريانا ذليلا حاملا ثقلي على ظهري، أنظر مرة عن يميني وأخرى عن شمالي، إذ الخلائق في شأن غير شأني..... البكاء والدمعة الصادقة تغذيك برقة القلب.

المحور الثالث: بيان أهمية الدمعة الصادقة على الحُسين .

أهمية البكاء على الحُسين ، أكثر من سبعين روية وردة عن الأئمة تحث على البكاء على الحُسين يعني هناك تواتر معنوي فضلاً عن التواتر الإجمالي كما يقلون، هناك شبهات حول البكاء على الحسين أثرتها بعض الأقلام الشيعية أتعرض لبعض الشبهات منها:

الشبهة الأولى:

أن بعض الروايات التي تحث على البكاء على الحُسين مضمونها يتصادم مع منطق العقل؟ مضمونها لا يقبله العقل، مثلاً معتبرة الفضيل بن يسار عن الصادق : ”من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب، غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر“ هذه المضمون يصطدم مع العقل لان هذا المضمون أغرار على المعصية وتشجيع لذنب فكأنك تقول أذنبوا ثم أبكوا وإذا بكيتم غفرت ذنوبكم؟!

الجواب عن الشبهة بالنقض والحل:

النقض: هناك آيات قرآنية تفيد نفس هذا المضمون، مثلاً قول الله تعالى ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً هناك كبائر وهناك سيئات، أذا الكبائر تجتنبها السيئات احنا نتجاوزها، هل هذا تشجيع على السيئات؟ هل هذا أغراء على المعصية وتشجيع العبد على أن يرتكب المعاصي؟!

مثلاً: ً قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ هل هذا تشجيع على ارتكاب الذنوب ما سوى الشرك؟! هذا النقض.

الحل: علمائنا يقولون مفاد هذه الروايات على سبيل الاقتضاء لا على سبيل العلية التامة، ما معنى هذا الكلام؟! على سبيل الاقتضاء لا على سبيل العلية التامة؟ يعني مثلاً عندما يرد عن النبي مُحمّدٍ ”صلت الرحم تزكي الأموال وتزكي الأعمال وتنمي الأموال وتطيل الأعمار“ ما معنى هذا الكلام؟ معناه صلت الرحم فيها أقتضى لن يطول عمرك أم أن طول عمرك يتحقق فعلاً قد يحتاج إِلى شروط أخرى صلت الرحم تعطيك استعداد ليطول عمرك أما متى يكون هذا الاستعداد فعلي قد يحتاج إلى أفعال أخرى شرط أخرى، هذا يسمى أقتضى لا على نحو العلية التامة.

مثلاً: ورد ع النبي مُحَمَّدٍ ”من ذكر ذنبه فسالت دموعها على لحيته حرم الله ديباجة وجه على النّار“ يعني الإنسان من يبكي يصبح مِنْ أهل الجنة ”لا“ هذا أقتضى وليس علة تامة، يعني بكاء على ذنبه يخلق له استعداد أن يكون من أهل الجنّة، أما أنّ يصر من أهل الجنّة فعلاً فهذا يحتاج إلى أنّ يرجع إلى الذنب مرة أخرى، أيضاً هذا ما ورد في البكاء على الحُسين وزيارة الحُسين أقتضى وليس علة تامة، زيارة الحُسين تقتضي دخول الجنة وليس علة تامة لدخول الجنّة، أي أن البكاء والزيارة يعطي الإنسان الاستعداد لأنّ يكون من هل الجنّة، لكن بشرط أن يموت على الإيمان والتوبة والولاية. إذن هذه أقتضى وليس على نحو العلية التامة حتى يكون تشجيع على المعاصي.

الشبهة الثانية:

أنّ هذه الروايات الوردة في البكاء لا تنسجم مع فترات التشيع وهي فترة التقية، التشيع مر بفترات ومن ضمنها فترة التقية التي كانت في الحكومة الأموية والعباسية، في تلك الفترة لا يمكنهم التعبير عن الظلم وتضامن منهم مع أهل بيت النبوة إلا بالبكاء فكان البكاء هي الوسيلة الوحيدة لرفض الظلم والتضامن مع أهل البيت، فحث الأئمة على البكاء، لكن التشيع انتهى هذه الفترة وأصبح التشيع رقماً عالمياً مهاباً يحسب له حساباً، التشيع الآن يملك مراكز اقتصادية إعلامية مراكز عملية تملك مراكز قوى، التشيع أصبح ينظر له بعين الاعتبار في العالم كله، بما أن التشيع أنتقل من فترة التقية إلى أنّ صبح رقماً عالمياً مهاباً النتيجة المنسجم مع العصر الحالي، التشيع أن لا يستخدم الأساليب العاطفية التي أستخدمها الشيعة في فترة التقية كالبكاء والنحيب كأنّ يستخدم الأساليب الفكرية في الدعوة إلى مذهب أهل البيت والدعوة على القضايا أهل البيت .

الجواب البكاء له زاويتنا:

  1. زاوية أنه وسليه إعلامية.
  2. زاوية أنه أسلوب تربوي للقيم الضميرية.

أذا نظرنا للبكاء بزاوية إعلامية ربما يحق لك أن تقول البكاء في عصرناً الحاضر لا يصح أن يكون وسيلة إعلامية، لان زمان التقية قد انتهى، وإلا البكاء لا ينحصر في هذه الزاوية، البكاء له أسلوب تربوي لتربية الإنسان على القيم الضميرية من هذه الزاوية البكاء لا يختص بزمن ولا يختص بفترة لان أسلوب تربوي فهو صالح لكل فترة، ما رأيك في البكاء من خشية الله..؟ هل يوجد أحد يقول أن البكاء من خشية الله لأهل زمان؟ والآن الزمن تغير ولابد أن تخشى الله بطريقة جديدة تواكب هذا التطور والتغير..! لازم تخشى الله بطريقة حضارية جديدة غير البكاء..! تقول ما ربط هذا بِالبكاء من خشية الله..؟ البكاء من خشية الله أسلوب تربوي، يربي المسلم على الخوف من الله وهذا لا يختص بزمن ولا فترة معينة. القرآن الكريم يقول﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً.

هذا أسلوب تربوي لا يختص بزمن كما أن البكاء من خشية الله أسلوب تربوي صالح لجميع الأزمنة، البكاء على الحُسين ، الدمعة الصادقة على الحُسين الدمعة الهادفة على الحسين أسلوب تربوي يربي المسلم على التفاعل مع قيم الحُسين ومبدأ الحسين الآباء والحرية وجميع المبدأ التي تجسدي في شخصية الحسين بن علي .

الشبهة الثالثة:

البكاء تفريغ لشحنة، يعني المرأة أذا شحنت بهموم ماذا تفعل لِ تفريغ هذه الشحنة تبكي، البكاء مفرغ لشحنة وهذا يتنافى مع مبادئ الحُسين، فأن مبادئ الحُسين أعداد المسلم لمبدأ الظلم أم البكاء فهو خمود كيف البكاء يخدره؟! هذا يذكروه علماً الاجتماع يقول لك، لا تعارض صرخت ولدك فأن تعبيره عن ذاته خيراً من اختزان البركان كيف؟ يعني أنت أذا عندك ولد يوم تضربه يوم تنصحه يوم تقول له بابا كذا إذا رأيت ولدك مشحون يريد أن يعترض عليك لا تمنعه اتركه يطلع ما في قلبه هو صحيح سوف يتجاوز الأدب ويقول أنت وأنت وأنت وأنت أنزل رأسك وأسكت عنه لماذا؟! إذا عبر عن ذاته أنت تستفيد أمرين: أولاً: عرفت ما يجول في خاطره، ثانياً أفرغت شحنته لو أن الشحنة بقيت في نفسه تتحول إلى بركان.

إذن معارضة التعبير عن الذات توجب اختزان البركان هذا موجود في علم الاجتماع لذلك صاحب الشبة يريد يطبقها على البكاء، يقول الإنسان ما لم يبكي فهو بركان على الظلم والطغيان ولكن إذا بكي فرغ الشحنة وهدئ، إذن لا تستخدم أسلوب البكاء، أسلوب البكاء يوجب تفريغ الشحنة ولكن عدم البكاء يوجب امتلاء الإنسان بالثورة والمعارضة على الظلم والطغيان، إذن البكاء يتنافي مع هدف البكاء على الحسين وهو تربية الإنسان على رفض الظلم والطغيان.

الجواب عن هذه الشبهة:

نرجع إلى المحور الأول الذي فرقنا فيه بين الدمعة النادمة والدمعة الصادقة نحن لا ندعو إلى الدمعة النادمة نحن ندعو إلى الدمعة الصادقة الدمعة النادمة تختلف عن الدمعة الصادقة، الدمعة المفرغة للشحنة هي الدمعة النادمة فهي علاج للهموم النفس هذه لا ندعو إليها ولكن الدمعة الصادقة هي الدمعة انفعال لهدف ووسيلة لتحقيق ذلك الهدف الراويات الواردة في الحث على البكاء الحسين تدعو إلى الدمعة الصادقة لا للدمعة النادمة كي يكون ذلك تفريغ لشحنة ومنافي لأهداف الحسين .

لذلك ورد في معتبرة معاوية بن وهب: ”كل البكاء والجزع مكروه ما خلا البكاء والجزع عن الحسين“ وفي رواية علي بن حمزة: ”كل البكاء والجزع مكروه وما خلا البكاء والجزع عن الحسين فإنه فيه مأجور“ لآن البكاء والجزع على الحسين يرد به الدمعة الصادقة.

الشبهة الرابعة:

البكاء يتنافي مع الصبر، والصبر فضيلة حث عليها القرآن قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ «156» الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ «157» أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَإذن البكاء يتنافى مع فضيلة قرآنية وهي فضيلة الصبر عرض الحسين إنسان باكي عندما يقول الخطباء الحسين بكى على ولده بكى على أخيه عرض الحسين إنسان باكياً يتنافى مع مبادئ الحسين لأنه إنسان قوي الإرادة حديدي صامد، الإنسان الذي لا يلين كيف لا يلين لعاطفته وينساب معها ويبكي على ولده وأخيه؟

الجواب عن هذه الشبهة:

أولاً: القرآن كما مدح فضيلة الصبر تحدث عن الأنبياء ومدح عندهم فضيلة البكاء قال تعالى: ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ «85» قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ «86» قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَإذن هذا نبي والقرآن مدح الأنبياء قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ فكيف يرتكب النبي ما يتنافى مع فضيلة الصبر التي مدحها القرآن الكريم.

ثانياً: ذكرنا في الليالي السابقة أن الصبر ليس إخماد للمشاعر والعواطف الصبر القدرة على تجاوز المرحلة أنت عندما يصيبك حدث الصبر ليس معناه أن تخمد مشاعرك وعواطفك لا الصبر معناه أن تقرأ الحدث الذي أنت فيه وتعبر به الصبر هو الاعتبار بالحدث وليس الصبر إخماد المشاعر والعواطف لذلك أمرنا القرآن بالاستعانة قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِلماذا؟! لأن الصبر عمل وهو عبارة عن الاعتبار أخد العبرة من الحدث لتجاوزه وليس إخماد لمشاعر والعواطف ورد عن النبي محمد : ”كل المسلمين اتفقوا على ذلك البخاري يروي لما مات إبراهيم بن رسول الله بكى النبي وقال: تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يغضب الرب وبكى على عمه حمزة حتى نشغ من البكاء“ يعني سيطر عليه الحزن والجزع، إذن البكاء استجابة لنداء الفطرة والطبيعة وهو لا يتنافى مع الصبر الذي هو الاعتبار بالحدث من أجل تجاوزه.

ثالثاً: الحسين عندما بكى الخطباء يقولون الحسين بكى هو بكى صحيح هذا الحسين العملاق بكى على ولده علي الأكبر، الإمام علي العملاق بكى عندما غسل فاطمة الزهراء وبكى على رسول الله الحسين عندما بكى يوم عاشوراء أراد أن يعلمنا مبادئه المبدأ الأول: أن الحسين قوي الإرادة عندما قال: ”هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك“ والحسين نفسه الذي هو قوي الإرادة تدمع عينه دمعة صادقة كلاهما من القيم، من القسم قوة الإرادة ومن القيم الدمعة الصادقة جمع الحسين بين القيمتين يم عاشوراء.

رابعاً: الحسين لا يبكي بدون هدف، الحسين بكى يوم عاشوراء ”قيل ما يبكيك وأنت سيد شباب أهل الجنة قال: ابكي على هؤلاء القوم يدخلون النار بسبب قتلي“ بكاء شفقه بكاء رحمة، وبكى على ولد علي الأكبر لماذا؟! لأن ولده مظهر لجمال الله وجلاله، لماذا بكى يعقوب على يوسف؟! لأن يوسف نبي والنبي مظهر لله ففراقه فراق مظهراً لله يعقوب عندما يبكي على يوسف هو في الواقع بكاء لله وليس بكاء على إنسان لأن يوسف مظهراً لله ففراقه فراق مظهراً لله، ولذلك الإمام علي بكى على النبي وبكى الزهراء وبكي الحسين على ولده علي الأكبر وأخيه العباس وبكت زينب على أخيها الحسين البكاء على المعصومين بكاء لمظهر من مظاهر جمال الله فهو بكاء هادف وواعي وصادق.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

الحسين و المسيح
أهمية القربان إلى الله