نص الشريط
ارتكاز العلاقة الزوجية على الحقوق
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 29/2/1424 هـ
مرات العرض: 4755
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2821)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا

صدق الله العلي العظيم

حديثنا من خلال الآية المباركة في نقطتين:

  • في ركائز العلاقة الزوجية.
  • وفي إمامة المتقين.
النقطة الأولى: ركائز العلاقة الزوجية.

العلاقة الزوجية من أجل أن تضمن وهجها واستمرارها وحيويتها، لا بد أن تستند إلى ركيزةٍ محدّدةٍ، وهذه الركيزة هي الاحترام المتبادل بين الزوجين، إذا كان هناك احترام متبادل بين الزوجين، الزوج يحترم شخصية المرأة، والمرأة تحترم شخصية الزوج، الاحترام المتبادل هو الركيزة الأساس لبقاء العلاقة الزوجية، وبقاء نضارتها وحيويتها. الاحترام المتبادل بين الزوجين يبتني على أداء الحقوق، أن يكون الزوج مؤديًا لحقوق الزوجة، وأن تكون الزوجة مؤدية لحقوق الزوج، فما هي حقوق الزوج؟ وما هي حقوق الزوجة؟ نحن نتعرض لحقين من حقوق الزوج، وحقين من حقوق الزوجة.

أولًا: حقوق الزوجة.

الزوجة من حقوقها حقان أساسيان، لا بد من أن يفهمها كل زوج، وأن يتأمل فيهما.

الحق الأول: مسألة نفقة المرأة.

إعطاء المرأة لباسها ومطعمها ومشربها، وتوفير المسكن اللائق بها، اللائق بعائلها، اللائق بمقامها الاجتماعي، لا بد للزوج من توفير اللباس بالشكل المتعارف بين أبناء المجتمع، وتوفير المؤونة بالشكل المتعارف بين أبناء المجتمع، وتوفير المنزل الذي يليق بزوجته كبنت من وسط اجتماعي معين، ومن عائلة اجتماعية معينة. النفقة يركّز عليها الإسلام كأمر ضروري في تقدير الزوجة للزوج، الزوج إذا رأت زوجها ملتزمًا بتوفير ملبسها ومسكنها ومطعمها ومشربها، أحست منه بالحب والمودة، فانجذبت إليه، ومتى ما رأت زوجها بخيلًا عليها في بعض شؤونها، أو بعض أوضاعها، بحسب الحد المتعارف، نحن لا نتكلم عن حد الغنى، بل نتحدث عن الحد المتوسط في المجتمع، متى ما رأت أن عند زوجها تقصيرًا في توفير اللباس أو المطعم أو المشرب أو المسكن، أقل من الحد المتوسط في المجتمع، أحست بأن الزوج لا يحمل لها حبًا وودادًا صادقًا، ويكون هذا منشأ لحدوث كثير من المشاكل الاجتماعية والخلافات الأسرية بين الزوجين.

حتى الإرضاع، كل الفقهاء الشيعة يقولون: من حق الزوجة أن تطلب أجرًا على إرضاعها لطفلها، صحيح أن عملية الإرضاع عملية طبيعية إنسانية، الأم بحنانها على ولدها وطفلها تقوم بإرضاعه، هذا أمر موجود حتى في الحيوانات، الأم من أي حيوان ترضع ولدها، ترضع طفلها، غريزة حيوانية موجودة عند الإنسان والحيوان على حد سواء، هي غريزة طبيعية، حنان الأم على وليدها، ولكن لو أن المرأة طالبت الزوج بأجرة على إرضاعها لولده، بألا ترضعه إلا بأجرة، فلها الحق في ذلك، وجميع الفقهاء بلا استثناء يقرون هذا الحق، ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ. نعم، إذا تبرعت بالإرضاع بدون أجر، فذاك أمر يرجع إليها، أما إذا طالبت بالأجر فهذا من حقها بلا كلام عند أحد من الفقهاء.

إذن بالنتيجة: هذه القضايا المادية، صحيح أنها قضايا مادية، لكنها تعطي المرأة شعورًا بحب زوجها لها، بذل الزوج لزوجته ما يغطي نفقتها، ويغطي لوازم الحياة، أمر حيوي عند المرأة، أمر قد لا يكون مهمًا عند الرجل، لكنه مهم عند المرأة، تغطيات نفقات المرأة أمر حيوي عند المرأة، ليس أمرًا ماديًا محضًا، بل له مداليل نفسية، وله مداليل اجتماعية، يحسّس المرأة بحنان زوجها، وعطف زوجها عليها، ومحبة زوجها لها. لذلك، ورد عن الرسول محمد : ”عيال الرجل أسراؤه، وأحبكم إلى الله أكثركم توسعةً على أسرائه وعياله“، من كان أكثر توسعة، أكثر نفقة على عياله وأسرائه - ومنهم زوجته - كان هذا عاملًا نفسيًا لجذب الزوجة إليه، ولجذب الزوجة إلى قربه.

الحق الثاني: حسن المعاشرة.

القرآن الكريم يقول: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، كيف يعاشر الزوجة بالمعروف؟ مع الأسف، كثير من شبابنا، كثير من إخواننا، يعامل زوجته معاملة الاستصغار، والاحتقار، أو يعامل زوجته معاملة المخلوق القوي للمخلوق الضعيف، وبالتالي، يكون ذلك منشأ للخلافات الأسرية، والمشاكل الزوجية، التي قد تصل إلى حد الطلاق. المرأة مظلومة في مجتمعاتنا أكثر من الرجل، المرأة مضطهدة في مجتمعاتنا أكثر من الرجل، المجتمعات التي تسمى بالمجتمعات الإسلامية أو مجتمعات الشرق الأوسط، أكثر ظلمًا للمرأة من أي مجتمعات أخرى، اضطهاد المرأة بهذه الطريقة القاسية، وبهذه الطريقة اللاذعة من قِبَل الزوج أو من قِبَل الرجل، هو منشأ وبابٌ كبيرٌ لكثير من الخلافات والمشاكل الاجتماعية، من الذي يدفع الرجل إلى أن يتعامل مع المرأة هذه المعاملة القاسية؟! يدفع به أحد سببين: السبب الأول: الشعور بعزة الرجولة، والسبب الثاني: الشعور بضعف المرأة.

السبب الأول: الشعور بعزة الرجولة.

بعض الرجال يرى نفسه ما دام رجلًا إذن هو الذي يفهم، هو الذي يعرف، هو الذي يقرّر، هو الذي يقول نعم أو لا في أي شيء، والمرأة لا مجال لإعطائها أي نوع من حق الحديث أو حق التصويت أو حق القرار أبدًا، ما دمت أنا الرجل، فالأمر كله بيدي، أولًا وآخرًا، وعليها أن تسمع وتطيع، وأن تكون منقادة لي في جميع ما يصدر عن مقامي السامي، من الأوامر والنواهي تجاه هذه المرأة، وتجاه هذه الزوجة! هذا الرجل لا يجلس مع زوجته ليتحدث معها حديثًا إنسانيًا كما يتحدث مع صديقه، من الممكن أن يجلس مع صديقه خمس ساعات، ثرثرة ثرثرة من مكان إلى مكان، لكن لا يمكن أن يجلس مع زوجته نصف ساعة يتحدث معها حديثًا إنسانيًا وديًا! يفضّل أن يجلس مع شلته ومع أصدقائه على شارع الكورنيش، أو أي مكان آخر، ليفرغ ما في جعبته من الأحاديث، ولكنه لا يستطيع أن يجلس مع هذه المرأة نصف ساعة ليخفّف عنها عناءها، ليخفّف عنها أتعابها، ليخفّف عنها شعورها بالكآبة، شعورها بالمصاعب، شعورها بأتعاب الحياة، ليس مستعدًا لأن يعطي المرأة حتى هذا المقدار من الحنان والعطف، وهذه مشكلة خطيرة، ومشكلة كبيرة جدًا.

بعض الإخوة، لا يحب أن يقول للمرأة كلمة أحبكِ! حتى لهذا المقدار، يبخل عليها حتى بكلمات الحب، يبخل عليها حتى بكلمات الوداد، لماذا؟ لأنه رجل! والرجل لا يصدر منه هذه الكلمات! مع أن هذه الكلمات هي وثائق العلاقة المتينة بين الرجل والمرأة. لذلك، ورد عن الرسول محمد : ”قول الرجل لامرأته: «أحبكِ» لا يذهب من قلبها أبدًا“، تبقى له آثار نفسية على روح زوجته، وهذه الآثار النفسية تنعكس على سلوكها وتعاملها معه ومع أولاده ومع أسرته، إذا شعرت بحب زوجها لها، إذا شعرت بالراحة والاستقرار العاطفي، تعاملت مع أبنائها معاملة حسنة تفيض محبة وودادًا، أما إذا رأت زوجها معرضًا عنها، صادًا عنها، أو لا يفكر إلا في شهوته، إذا جاء وقت إشباع شهوته عليها أن تستجيب له، وإلا عاملها معاملة قاسية، وإلا هدّدها بمختلف الأساليب، وإلا وعد بها وندّد بها، ولكنه غير مستعد لأن يعطي من نفسه، وأن يعطي من قلبه، وأن يعطي من روحه، طاقة حنان، وطاقة عطف على هذه المرأة، وعلى هذه الزوجة، ليتحدث معها حديثًا وديًا، أو يجلس معها جلسةً وديةً، أو يتكلم معها بكلمات تجذبها إليه، وتربطها به ربطًا عاطفيًا وثيقًا.

وهذه مشكلة عويصة، أن الرجل يفكر فقط في إشباع شهوته، ينظر للمرأة كجهاز معد لإشباع الشهوة! وعلى هذا الجهاز أن يبقى سليمًا في كل وقت! متى ما مرضت الزوجة المسكينة فوا ويلاه! ومتى ما تعبت هذه المرأة المسكينة - نتيجة لأشغال البيت ومتاعب الأسرة - فوا ويلاه! إذا جاء وقت غليان شهوته واستعار غريزته فعليها أن تستجيب حتمًا، ويقرأ عليها الروايات التي تلعن المرأة التي لا تستجيب لزوجها، ويستغل الروايات ضدها، على المرأة أن تستجيب لزوجها ولو كان على ظهر قتب، على المرأة أن تطيع زوجها ولا تخرج من بيته إلا بإذنه، يبحث عن هذه الروايات ويحفظها حفظًا كاملًا، لماذا؟! لأنها وسيلته في استغلال هذه الزوجة، والضغط عليها، لا لأجل أنه يعطيها من حبه وحنانه ووداده، بل لأجل فقط وفقط إشباع إلحاح الغريزة ونداء الشهوة ليس إلا، وكأن الحياة الزوجية ليست إلا شهوة، وليست إلا علاقة جنسية، وليس لها معان سامية، ومضامين رائعة من الحب والوداد، والعلاقة الإنسانية الوثيقة المعمّقة المركّزة بين الزوجين.

السبب الآخر: الشعور بضعف المرأة.

هذه المرأة مسكينة! أين يتذهب؟! هي مضطرة، هو بإمكانه أن يطلقها ويتزوج بأي امرأة أخرى، رجل، لا أحد يرفضه! حتى لو طلّق زوجته الأولى لا أحد يرفضه، يقبلونه، لأنه رجل! حتى لو لوّث تاريخه ببعض الأعمال السيئة، يغفرونها له بمرور الأيام، المجتمع يغفر للرجل حتى بعض المعاصي، وحتى بعض الألوان السيئة القاتمة التي لُوِّثت شخصيته به، لكن المسكينة كل المسكين هي المرأة، المرأة المطلقة لا أحد يرغب فيها، المرأة التي كانت على علاقة مع رجل لا أحد يرغب فيها، المرأة التي لوّثت سمعتها ولو بشيء طفيف لا أحد يرغب فيها، أي ظلم وأي اضطهاد أعظم من هذا؟! أي ظلم وأي اضطهاد للمرأة أعظم من عدم التوازن في تعامل المجتمع مع الرجل والمرأة؟! لا يتعاملون مع الرجل والمرأة على حد سواء.

وبالتالي، فهذه المرأة المسكينة مضطرة إلى أن تصبر وتبلع، تجرع تجرع من الآلام التي تتحملها من زوجها، تصبر على آلام شديدة من زوجها، في سبيل ألا تُطلَّق، في سبيل ألا تنفصل، في سبيل ألا تبقى بدون أسرة، وفي سبيل ألا تبقى بدون عائلة، في سبيل ألا تبقى صفرًا على الهامش في المجتمع الذي تعيش فيه، لذلك الزوج يشعر بأنها ضعيفة، المجتمع لا يقف معها، المجتمع لا يعينها، شعور الزوج بضعفها يعطيه روح الاستغلال لها، يستغلها من مناطق ضعفها، فيقول لها: من يريدكِ أنتِ إذا تركتيني؟! من سيقبل عليكِ غيري؟! أنا أصلًا متفضل عليكِ حيث أخذتكِ وعشتُ معكِ! يستغل ضعف المرأة في سبيل أن يوفّر لنفسه وسائل الراحة.

متى ما جاء من العمل، فأين الغذاء اللذيذ؟! ومتى ما جاء الليل فأين الوسادة الناعمة والراحة والاستقرار؟! وأما تلك فما هي مشاعرها؟! ما هي عواطفها؟! ما هي حياتها؟! ما هي أتعابها؟! هذا شيء ليس في قاموسه، في قاموسه أن يشبع البطن، وأن ينام على الوسادة الناعمة، وليس في قاموسه، وليس في جدوله أن يراعي شعور هذه المرأة، عواطف هذه المرأة، إحساسات هذه المرأة. من هنا، تنشأ المشاكل.

من هنا، أئمة أهل البيت يحثون على العلاقة الحسنة الوسيجة مع الزوجة، كما ورد عن الإمام علي يوصي ولده محمد بن الحنفية لما تزوّج: ”بني، المرأة ريحانة، وليست قهرمانة“. ليس أمامك ملاكم حتى تلاكمه! الزواج ليس لعبة ملاكمة ولا لعبة مصارعة ولا لعبة رياضية! لا تظن أن الزوجة ملاعب حتى تفتح مشكلة معها كل يوم وتتصارع معها! هذا ليس زواجًا، وليست هذه الزوجة جهازًا من الأجهزة الكهربائية، كجهاز الغسّالة أو الثلاجة أو التلفون، حتى تعاملها سائر أجهزة البيت التي تعمل لخدمة الأسرة، فكما أن الغسالة جهاز يشتغل لخدمة الأسرة، كذلك هذه المسكينة جهاز يشتغل لخدمة الأسرة في الطبخ والنفخ والتربية والاهتمام بالأسرة! وكأن وظيفتها هو هذا فقط، وليس لها مشاعر ولا شخصية ولا حق في أن تعطى وقتًا من الأحاديث الودية، وليس لها حق أن تعطى حقها من العواطف والمشاعر، وليس لها حق أن تعطى شخصية استقلالية، لها قرارها، لها صوتها، لها كلمتها في الأسرة. قد يهينها أمام أولادها، قد يهينها أمام أسرتها، قد يحقّرها أمام أبنائها.

إذن، فالتعامل مع الزوجة كسائر أجهزة البيت من الأخطار الكبيرة. يقول عليٌ لابنه محمد: ”المرأة ريحانة، وليست قهرمانة، فدارها على كل حال“، أنت المأمور بأن تتحملها، لأنها عاطفية، قد تتعب فتخرج منها كلمات قاسية، قد تخيّم عليها متاعب الأسرة ومتاعب الحياة فترمي عليك كلمات نابية أو كلمات لاذعة أو كلمات قاسية، عليك أن تتحملها، ”فدارها على كل حال، حتى يصفو لك العيش معها“.

وهكذا رسول الإنسانية محمد : ”خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله“، الرسول يقول كما ورد عنه: ”أحب من دنياكم ثلاثًا: الطيب، والنساء، وقرة عيني الصلاة“، يجعلها في صف الصلاة، كما يشتاق إلى الصلاة، كما يلتذ بالصلاة، يشتاق للمرأة، أعطى المرأة منزلة، أعطى المرأة شخصية، بأن جعلها في صف الصلاة، كما للطيب لذة روحية، ليست لذة حسية فقط، لأن الطيب يحسّس الإنسان بالراحة النفسية، كما أن الصلاة لها لذة روحية، لأنها تعطي النفس إقبالًا على الملكوت الأعلى، وعروجًا نحو الملكوت الأعلى، فللمرأة طيب الأثر على النفس وعلى المشاعر.

ثانيًا: حقوق الزوج.

ربما يقول بعض الرجال: السيد داس علينا وما تكلم عن حقوقنا، ولا عن قضايانا، وظلمنا ظلمًا فاضحًا! فإذن، ما هي حقوقنا نحن الرجال، ونحن الآن المتجمهرون أمامك، نطالب بعرض حقوقنا عرضًا تفصيليًا، وإلا كنتَ جائرًا وظالمًا لنا! نتعرض أيضًا لحقوق الزوج على الزوجة كما تعرضنا لحقوق الزوجة على الزوج، ونذكر من حقوق الزوج على الزوجة حقين.

الحق الأول: ألا تخرج من بيته إلا بإذنه.

بعض الفقهاء يقول: واجب، بعض الفقهاء يقول: الأحوط وجوبًا. السيد السيستاني: واجب، يحرم عليها الخروج من بيت زوجها إلا بإذنها، السيد الخوئي يقول: الأحوط وجوبًا، نعم يحرم عليها أن تعرض عن زوجها، أي: أن تخرج معرضة عن زوجها، هذا حرام بلا كلام، أما لو خرجت لأمر عادي، خرجت لتزور صديقتها، أو خرجت لتذهب إلى عرس معين، مسألة اجتماعية، ولم تستأذن زوجها، فالأحوط وجوبًا ألا يكون ذلك إلا بإذن زوجها، السيد السيستاني عنده: مطلقًا يحرم على المرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه.

ورد عن الرسول محمد : ”أن تطيعه ولا تعصيه، وألا تصدق من بيته إلا بإذنه، فإن هي خرجت من دون إذن زوجها لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض حتى ترجع إلى بيت زوجها“، ماذا تريد أيضًا؟! احفظ هذه الرواية جيدة؛ فإنها تفيدك! نعم، لا يصح للزوج أن يستغل ذلك، فيمنعها عن زيارة صديقاتها، أو زيارة أرحامها، مع أن صلة الرحم واجبة على المرأة، فلا يصح له منعها من هذا الواجب، ألا وهو صلة أرحامها مثلًا، كما لا يصح أن يمنعها عن النوافل والمستحبات، إذا لم يكن هناك منافاة بين النافلة وبين أداء حقوقه.

الحق الثاني: حسن العشرة.

ورد عن الرسول محمد : ”جهاد المرأة حسن التبعّل“، المرأة لا يجب عليها الجهاد الابتدائي، الجهاد يقسّمه العلماء إلى ابتدائي ودفاعي، الجهاد الابتدائي هو أن نجاهد الكفّار ابتداء، هذا واجب على الرجل إذا نادى به إمام المسلمين، ولكن ليس واجبًا على المرأة، وإن كان جائزًا لها، ليس واجبًا لكنه جائز، أما الجهاد الدفاعي فواجب على كل من الرجل والمرأة، إذا هجم الكفار على بلاد المسلمين، وخيف من هجومه محو بيضة الإسلام، أو إهانة كيان الإسلام، وجب على الجميع الدفاع بمقتضى طاقته رجلًا أو امرأةً، كل يجب عليه الجهاد الدفاعي.

ولكن الجهاد الابتدائي الواجب على المرأة ابتداءً هو حسن التبعّل، أي: أن تحسن عشرة زوجها، كيف تحسن عشرة زوجها؟ مع الأسف، بعض شاباتنا المؤمنات يأخذها الغرور بجمالها، ويأخذها الغرور بشخصيتها، وربما تكون قد رُبِّيَت من قِبَل والديها على الدلال، ربّاها والداها على الدلال، وعلى أن تكون لها شخصية مستقلة، وبالتالي فهي تطالب زوجها أن يعاملها كطفلة صغيرة، كما كان يعاملها أبوها وأمها، وأن يحفظ لها الدلال الكافي الذي حفظه لها أبوها وأمها، فإذا قصّر الزوج في شيء من الدلال، وفي شيء من هذه المعاملة بالنسبة للزوجة، تعتبر أن ذلك جرح لشخصيتها، واعتداء على كرامتها، وعلى شخصيتها الاستقلالية، فلا يقبل الزوج منها أي رحمة، وأي عطف، لأنه لم يوفّر لها الدلال الذي وفّرته لها أسرتها قبل أن تتزوج به.

وهذا خطأ كبير، الكثير من الشابات تريد أن يكون زوجها مقدّسًا لها لجمالها! كيف يصلي الشخص المسيحي؟! أن يكون هذا مقدِّسًا لجمالها، ولشخصيتها، بكل إجلال واحترام، فإذا قصّر الزوج في ذلك، فحينئذ الزوج لا رحمة له ولا غفران له! الكثير من الأخوات - مع الأسف - بمجرد أن تشعر أن الزوج يستجيب لها، أو ضعيف الشخصية أمامها، استولت عليه! المرأة ليست سهلة، بل هي ذكية! متى ما رأت الزوج ضعيف الشخصية أمامها، متى ما رأت الزوج عنده نقطة ضعف، إذا أرادت أن تُخْرِج من جيبه بعض الأموال، ضغطت عليه، إذا أرادت أن يسافر بها إلى أوروبا ضغطت عليه، إذا أرادت أن يوفّر لها ما تريد ضغطت عليه، فتقول له مثلًا: أريد أن تسافر بي هذه السنة إلى أوروبا وإلا أقاطعك شهرًا كاملًا! وهو لا يتحمل شهرًا، فيستجيب لها! إذا لم توفر لي الفستان الفلاني، وإذا لم تشترِ لي الأزياء الفلانية، فسوف لن أغفر لك، ولن أكلمك أبدًا! ويضطر أن يشتري لها من أجل أن يحصل على مراده معها.

تستغل هذه النقطة فيه، نقطة الضعف، إذا رأته يستجيب لطلباتها لا لأجل حفظ كيان الأسرة، بل من أجل أن يحصل على قضاء غريزته، وأن يحصل على إشباع مشاعره، تعتبر هذه نقطة ضعف في الزوج، فتستغلها في قضاء مآربها، وفي الوصول إلى أهدافها، وبالتالي، تسيطر على شخصية الزوج. ومن هنا، تقدّم له قائمة مشتريات فيها عشرة أشياء مثلًا، وبمجرد أن يرجع من السوق وهي واقفة على الباب، وتقرأ القائمة، وتراه قد قصّر في شراء بعض الحاجيات، فوا ويلاه! وا مصيبتاه! تصب عليه اللوم والعتاب الذي لا يرحمه ولا يغفر له زللًا ولا خطأ؛ لأنه لم يشترِ كما أرادت، أو لم يأتِ بالقائمة كاملة، وهذا خلاف الروح الزوجية، خلاف روح التفاهم، خلاف روح التعامل.

ورد عن الرسول محمد : ”ما استفاد امرؤ بعد الإسلام فائدة أفضل من زوجة تسره إلى نظر إليها“، يعني يراها مخلصة لها، متنافية فيه، تحبه، تعطف عليه، ترحمه، تغفر له خطيئته، أما إذا كانت لا ترحمه، فكيف تسره إذا نظر إليها؟! ”تسره إذا نظر إليها، وتحفظه إذا غاب عنها، في نفسها وماله“. سأل الرسول محمد رجلًا، الرسول يربّي الإنسانية، يسأل من حوله عن أحوالهم، سأل رجلًا من الرجال: كيف وضعك مع زوجتك؟ قال: يا رسول الله، إن لي زوجة إذا أقبلت استقبلتني بالبشر، وإذا خرجت شيّعتني بالبشر، وإذا رأتني مهمومًا مغمومًا قالت: ما يهمك يا فلان؟ قال: ”بشّرها بالجنة“.

هذه المرأة بشّرها بالجنة، المرأة التي تراعي زوجها.. أنتِ كما أنكِ متعبة، كذلك هذا الزوج يرجع من العمل متعبًا مرهقًا، فعليكِ أن تراعي تعبه، أن تراعي إرهاقه، لا تحمّليه صيحات ونوحات وأوامر ونواهي، وهو رجل متعب مرهق، عاد من العمل يريد أن يخلد إلى الراحة، ويريد أن يخلد إلى الاستقرار، عليكِ أن تراعي أتعابه. إذا غضب الزوج مثلًا، طبيعة الرجل أنه لا يتحمل، يغضب بسرعة، إذا خُدِشَت رجولته يغلي، هذا الرجل إذا صدرت منه كلمات قاسية أو نابية عليكِ، فما هي إلا كلمات غضب، عليكِ أن تراعيه، وأن تغفري له، وأن تتحملي آلامه، ”أيما امرأة صبرت على لآواء زوجها، كانت من أهل الجنة“ كما ورد عن الرسول محمد .

إذن، على الزوجة أن تتحمل آلام زوجها ومتاعبه، وأن تخفّف عنه عناءه وأتعابه، وأن تستقبله دائمًا بالبسرة، بالبسمة، وبالزينة، وبالبهجة، وبالبشر، وبحسن الترحيب، وأن تشاركه في همومه وغمومه وقضاياه، لكي تخفّف عنه آلامه النفسية. وكثيرًا ما تصاب العلاقة الزوجية بين الزوج والزوجة بالفتور، بعد خمس سنوات من الزواج تصبح العلاقة علاقة فتور، يصبح الزوج لا يشعر بحب الزوجة، وتصبح الزوجة لا تشعر بحب الزوج، فإذا أصيبت العلاقة الزوجية بعد خمس أو ست أو عشر أو سنة بالفتور، كان فتور العلاقة الزوجية سببًا خطيرًا للانحراف.

يبدأ الزوج في التفكير بامرأة أخرى ولو بالعلاقة غير المشروعة؛ لأن زوجته لا تشبع مشاعره، وتبدأ المرأة أيضًا في التفكير من خلال الشاتنق أو من خلال وسيلة أخرى في علاقة أخرى؛ لأن زوجها لا يشبعها حنانًا وعطفًا ورأفةً، فما هو الحل حينئذ؟! هناك خطأ من جهة الزوج، وهناك خطأ من جهة الزوجة، أما الخطأ من جهة الزوج: فكثير من إخواننا الشباب يقيس زوجته على ما يشاهده في شاشة التلفزيون، يريد زوجته كالجالسة في شاشة التلفزيون، تذيع وتقرأ الأخبار، يريدها أن تكون أنيقة، ويريدها أن تكون جذّابة، ويريدها أن تكون عامل إثارة، كما يشاهد هذه الفتاة الجالسة من خلال شاشة التلفزيون.

هذا القياس خلاف الإنصاف، هذه زوجتك تتعرض لحمل، تتعرض لولادة، تتعرض لتربية، تتعرض لأتعاب الأسرة، تتعرض للطبخ والنفخ، وكل ذلك يؤثر على البدن، وكل ذلك يؤثر على الزوجة، يجب عليك أن تكون منصفًا، يجب عليك أن تحمل روح الإنصاف. لا معنى لمطالبة الزوجة كهذه الفتاة الجذّابة المثيرة من خلال شاشة التلفزيون، زوجتك تتعرض لظواهر الحمل والولادة والتربية والإرضاع والطبخ والنفخ، وهذا يؤثر على كيانها، وهذا يؤثر على صورتها وشكلها، فلتكن منصفًا، هذه المرأة تضحي من أجلك، وتقوم بهذه الأمور كلها، ومن أجل أسرتك، ثم تبيعها بأبخس ثمن، أو تلقي بها إلى مكان آخر، أو تعرض عنها، أو تقهرها بأن تقيم علاقات أخرى مع نساء أخريات، لأنها ليست مثل تلك الفتاة الجذّابة! هذه مشكلة كبيرة.

وبالعكس، بعض أخواتنا الشابات تنشغل بالتربية، تنشغل بالحمل، تنشغل بالإرضاع، تنشغل بالبيت عن زوجها، فلا توفّر له الزينة المطلوبة، لا توفّر له المثيرات المطلوبة، لا توفّر له عوامل الجذب المطلوبة، وهذا ما يؤدي بالزوج إلى التفكير في امرأة أخرى. على الزوجة أن تبقى جذّابة دائمًا، عليها أن تحافظ على عوامل الجذب، وعوامل الإثارة دائمًا، من خلال رائحتها، من خلال مظهرها، من خلال زينتها، من خلال بسمتها، من خلال حسن تعاملها. محافظة الزوجة على عوامل الجذب هي التي تحفظ الزوج عن الانحراف والتفكير في ألوان من العلاقات الأخرى، والارتباطات الأخرى.

النقطة الثانية: إمامة المتقين.

كيف نكون إمامًا للمتقين؟ كيف نكون قدوةً للآخرين؟ ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا أي: اجعلنا قدوة لغيرنا، اجعلنا مثلًا يحتذى به ويسار عليه، فكيف نكون قدوةً لغيرنا؟

من أراد أن يكون قدوةً لغيره، فعليه بمبدأ المحاسبة، محاسبة النفس ومراجعة الخطوات. الشخص الذي يحاسب نفسه لن يكون قدوةً لغيره، الشخص الذي لا يقرأ خطواته لن يكون قدوةً لغيره، الشخص الذي لا يراجع شريطه بين فترة وأخرى، لن يكون قدوةً لغيره. إذا أردت أن تكون قدوة لغيرك فعليك بالتكامل، وطريق التكامل أن تحاسب نفسك في كل مرحلة. بعد كل عشرة أو خمسة أيام أخاطب خطواتي السابقة في التعامل مع الناس، هل كانت خطوات جيدة أم لا؟ كلما مشيت على مبدأ المحاسبة، وعلى عملية النقد الذاتي، تكاملت وأصبحت قدوةً للآخرين، وكلما استرخيت وتكاسلت وأهملت نفسي من دون مبدأ المحاسبة تأخرت وتراجعت إلى الوراء. ورد عن الرسول محمد : ”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا“، وقال الله «تبارك وتعالى»: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، حتى تكون عندهم عملية النقد، وعملية المحاسبة، وعملية قراءة التاريخ، لكي يعرفوا نقاط ضعفهم، وعثراتهم، ويحاولوا أن يتجنبوا هذه الأخطاء والعثرات.

وانطلاقًا من مبدأ المحاسبة ومبدأ قراءة المنهج، نرجع إلى بعض القراءات، أو بعض الموضوعات التي طرحناها في الليالي السابقة، وحولها توجد الكثير من الاستفهامات والأسئلة.

الموضوع الأول: ما حصل في ليلة العشرين من صفر.

أنا أطلب من جميع الإخوة، كبارًا وصغارًا، أن يتعاونوا معي أو مع أي خطيب آخر في سبيل تنظيم الأمور، كما قرئ الإعلان في الليلة السابقة من قِبَل شيخ القبيلة الحاج عبد الحسين باقر «حفظه الله»، وكما اتفقنا مع الأخ الجليل حسن سعيد «حفظه الله»، وأيضًا الإخوة الذين شاركوا في العزاء ليلة العشرين من صفر، أنا لا أحفظ أسماءهم كاملة، ولكنهم جاؤوني، وجلسوا معي، وشعرت منهم أنهم جماعةٌ مخلصون وأودّاء وأعزاء، وليس عندهم أي نية للإساءة إلى أحد، ولا إلى مهاجمة أحد، ولا إلى معارضة أحد، هم جاؤوني بأنفسهم.

نفس الجماعة الذين في ليلة العشرين من صفر كانوا مثلًا مصرين على هذه الطريقة من العزاء، هم بأنفسهم جاؤوني إلى الفندق، وجلسوا معي جلسةً أخويةً وديةً، وطرحوا فيها أفكارهم وآراءهم، واعتبروني أخًا لهم، وتقبلوا مني ما صدر مني تجاههم، وكانت جلسةً أخويةً حميمةً بيننا، فأنا لهذا أهيب بالجميع، كبار الجماعة وشباب الجماعة، وجميع الحاضرين إن شاء الله في السنوات القادمة، معي أو مع غيري، أن يكون العزاء عزاءً منظّمًا هادئًا، وأن يكون بالشكل المفيد، وبالشكل الجذّاب لجميع أبناء المسلمين، هذا بالنسبة للموضوع الذي حصل.

وهذا أيضًا ما لمسته من شيخ القبيلة، ومن الأخ حسن سعيد، أنهم مخلصون تمام الإخلاص للشعائر الحسينية، ومخلصون لأجل المحافظة عليها، ولأجل بقائها حية غضة، ولكن بالأسلوب المقنّن الجذّاب، وبالأسلوب المنسجم مع طبيعة الأوضاع الفعلية، ومع طبيعة هذا المسجد الذي يقام فيه هذا العزاء، وهم مستعدون - الإخوة الكبار - لأي حوار، وأي تفاهم، من قِبَل أي شخص صغيرًا أو كبيرًا، كما لمسته منهم.

الموضوع الثاني: ما جرى ليلة الحوار الأخير.

لا أقصد ليلة الحوار الأول، بل أقصد ما حصل في الحوار الأخير حول العمل التطوعي. ربما بعض الجماعة أخذهم الحماس، أو أخذتهم حرارة الاندفاع للعمل التطوعي إلى أن ألقوا بعض الكلمات من خلال الحوار ضد كبار الجماعة، أو ضد المسؤولين عن العمل الديني في الجماعة، أو أخذتهم الحرارة الدينية، وأخذتهم الغيرة على الدين، نحن لا نشك في دين هؤلاء الذين تكلموا وانتقدوا، ما انتقدوا إلا بدافع حب الدين، والغيرة على الدين، ومن أجل خدمة الدين، ولكن ساقتهم هذه الحرارة، أو هذا الحماس، إلى إلقاء بعض الكلمات، أو بعض الانتقادات، على المسؤولين في الجماعة عن العمل الديني، أو طرح بعض المشاريع الكبيرة التي لا يمكن لهذا المجتمع القيام بها، بمقتضى ظروفه الموضوعية، وبمقتضى ما يعيشه من ظروف معينة وأوضاع معينة.

لذلك، أنا أكرّر ما ذكرته في تلك الليلة، أقول: الإخوة كبار الجماعة، شيخ القبيلة، الأخ حجي حسن سعيد، غيرهم من كبار الجماعة، الآباء الكبار بصفة عامة، يجب أخذ رأيهم في أي مشروع، وفي أي عمل تطوعي، وفي أي عمل اجتماعي، أخذ آراء الآباء، والاستفادة من تجاربهم، والاستفادة من خبراتهم، وهم فاتحون الباب على مصراعيه لأي حوار وتفاهم في سبيل إنجاح العمل التطوعي، فهم حريصون كلَّ الحرص على خدمة الدين الحنيف بالأساليب المعقولة المقبولة.

كما أني أيضًا أخاطب كبار الجماعة والآباء بأن يحتضنوا الشباب العامل، أن يفتحوا لهم مجال الحوار، هذا الشاب إذا كان عنده حماس للعمل، وإذا كان عنده اندفاع للعمل، ولم يُحْتَضَن، ولم تُفْتَح له الأبواب، قد يلجأ إلى وسائل أخرى، وقد تكون هذه الوسائل مضرة بالجماعة، مضرة بتماسك الجماعة، مضرة بوحدة الكلمة، مضرة بوحدة الصف، فمن أجل منع هذه التجاوزات وهذه الاختراقات، علينا نحن الآباء أن نحتضن الشباب، وأن نقرأ مشاريعهم، وأن نقرأ أفكارهم، ثم ندرسها دراسة جيدة، ونقبل منها ما يتناسب مع أوضاعنا، ومع ظروفنا الموضوعية، ومع قدراتنا في سائر المجالات.

الموضوع الثالث: بحث البارحة حول المرجعية.

الموضوع الأخير الذي طرحته في الليلة السابقة حول المرجعية، وتحدثت فيه عن شروط المرجعية، وبعض الإخوة قال: أنت تعرّض بفلان، وأنت ضد فلان، وأنت تريد أن تكسر فلانًا، وأنت تريد أن تقف ضد فلان! وأنا لا أفهم ما هذه التفسيرات وما هذه التحليلات؟! لماذا تحمّل الموضوعات أكبر من حجمها، وتفسّر أكثر من واقعها، وتُذْكَر لها لوازم وملزومات وتوابع ومتبوعات؟! هذا شيء محرم في الإسلام، يعني: أن تسيء الظن بالمؤمن، وأن تحمّل كلامه أكثر مما هو مقصده، ومما هو غايته، فهذا بابٌ منعه الإسلام أشد المنع.

لذلك، أنا لا أطلب رضا أحد، ولا أطلب أن يحبني أحد، ولذلك أراعيه ولا أتكلم! لا، أنا أتكلم بالموازين الشرعية التي تفرضها عليَّ الأحكام الشرعية، وأنا تكلمتُ بالموازين الشرعية من يرضى ومن يزعل! أنا أؤكد وأكرّر، ولو فُتِح لي المجال أي مرة فإنني أكرّر هذا الموضوع: التقليد مسؤولية خطيرة، تقلّد يعني أن تجعل دينك أمانة بيد شخص، معنى أقلد: أجعل ديني أمانة عند الذي أقلده، معنى التقليد أن أضع ديني أمانة عند المرجع الذي أقلده، والدين أثمن كل شيء، وأهم من كل شيء، فيجب أن نضع ديننا أمانةً فيما هو منطبق على طريق الاحتياط، الاحتياط سبيل النجاة، ”أخوك دينك فاحتط لدينك“.

يجب أن تضع دينك فيما يناسب الاحتياط، كي تكون إنسانًا محتاطًا، الاحتياط سبيل النجاة، ومقتضى الاحتياط أن تمشي على الموازين الشرعية المتفق عليها بين العلماء، جميع العلماء متفقون على أن تقليد الأعلم تقليدٌ مبرئٌ للذمة، جميع العلماء، فلماذا تذهب للمسائل الخلافية؟! اذهب للمسائل الاتفاقية. إذا كنتَ محتاطًا لدينك، وإذا كان دينك عندك عزيزًا، وإذا كان دينك عندك غاليًا، وإذا كان دينة أمانة في عنقك، يجب أن تضع هذه الأمانة في أوثق الطرق، الطرق الموثوقة، الطرق المتسالم عليها، الطرق التي ليست محل كلام ومحل خلاف.

إذن، ضع دينك في الطرق المتسالَم عليها والمتفق عليها، وقد اتفق العلماء كلهم على أن تقليد الفقيه الأعلم مبرئٌ للذمة، لكن بعضهم اختلف في تقليد غير الأعلم، بعضهم قال: تقليد غير الأعلم مجزئ، وبعضهم قال: تقليد غير الأعلم ليس بمجزئ، فنحن ندع ما اختلفوا فيه ونمشي على ما اتفقوا عليه؛ لأننا إذا مشينا على ما اتفقوا عليه كان ذلك أحوط لديننا، وأصون لسلوكنا، وأصون لدنيانا ولآخرتنا، نمشي على المتفق عليه، نمشي على ما هو مبرئ للذمة يقينًا وحتمًا، ألا وهو تقليد الأعلم.

اتجه للأشخاص المتفق عليهم، ولا تتجه للأشخاص المختلف فيهم، أين الشخص المتفق عليه؟ المتفق على عدالته، المتفق على علمه، المتفق على فقاهته، المتفق على أستاذيته في الحوزة، المتفق على فضله، على ورعه، على تقواه، نحن نمشي معه، ”أخوك دينك فاحتط لدينك“، الاحتياط يفرض عليك أن تسلّم دينك وأن تقلّده للشخص المتسالَم عليه، شخص متسالم عليه بين الكل أنه ورع تقي فقيه لا كلام ولا نبز ولا خلاف فيه، وهكذا. إذن، مقتضى الاحتياط منا أن يكون هكذا، وهذا ما ذكرته في الليلة السابقة، وذكرت عليه الأدلة، وذكرت أن الأعلم هو الأقدر على استنباط الأحكام الشرعية الفرعية، من يعرف الأقدر؟ من يحدّد لنا الأعلم من غيره؟

العلماء لا الجهلاء، لا يحدّد لنا الأعلم أشخاص عاديون لا يملكون خبرة ولا معرفة بالفقه! هؤلاء لا يحدّدون لنا الأعلم ولا المرجع، وإنما يحدّد لنا الأعلم العلماءُ، فنرجع إلى الحوزات العلمية، حوزة قم المقدسة، حوزة النجف الأشرف، نسأل في هذه الحوزات العلمية: من هم الفقهاء البارزون؟ من هم أساتذة الحوزة؟ من هم الذين بيدهم الدروس المعروفة والكتب المعروفة والتلامذة المعروفون؟ الناس لماذا قلّدوا السيد الخوئي في زمانه؟! قلّدوه لأن عنده أكثر من ألف طالب، وعنده كذا كتاب في الفقه، وعنده كذا وكذا، أستاذ بارز في الحوزة. لماذا قلّدوا السيد الإمام؟! لماذا قلّدوا السيد الكلبيكاني؟! لماذا قلدوا غيرهم وغيرهم؟! لماذا قلدوا هؤلاء؟! لأنهم فقهاء معروفون في الحوزة العلمية، معروفون في النجف، معروفون في قم، معروفون بالعلم وكثرة التدريس وكثرة الطلاب وكثرة الآراء المعروفة الواضحة العلمية المتينة.

هذا هو طريق الاحتياط، طريق الاحتياط أن تضع دينك عند الفقيه الأعلم، يعني: عند أستاذ من أساتذة الحوزة المعروفين في الحوزات العلمية، يعني: عند شخص متفق بين العلماء، ليس من اللازم أن يكون متفق على أنه أعلم، الأعلم دائمًا يختلفون فيه، تدور شبهة الأعملية بين خمسة أو أربعة أو ثلاثة، لكن هو على الأقل أحدهم، يكون المرجع الذي أقلده أحد الخمسة أو الستة أو الأربعة الذين هم أساتذة الحوزة وأقطابها المعروفون في الحوزة العلمية بعلمهم وكتبهم وتلامذتهم، على الأقل أن يكون أحد أساتذة الحوزة، على الأقل، هذا هو سبيل الاحتياط. إذا لم يمكن لي تحديد الأعلم، فعلى الأقل شخص معروف في الحوزة بفضله، بفقهه، بعلمه، بتلامذته، بأفكاره، وهكذا.

وأنا عندما أتكلم هذا الكلام لا يهمني من يرضى ومن يزعل أبدًا. صحيح، قد يكون البعض أصدقائي وإخواني ولا يرغبون في هذا الكلام، فليكن! صداقتي الشخصية شيء، وعلاقاتي الشخصية شيء، والمسؤولية الدينية شيء آخر. أنا عليَّ أن أطرح الأحكام الشرعية على طبق الموازين الشرعية، ولا يهمني من يرضى أو من يزعل في هذه الجهة، وأنا أكرّر هذا في كل مقام، وفي كل ما وسعني من مجال أن أطرح هذا الطرح، نسأل الله لنا ولكم التوفيق، وأن يتقبل أعمالنا وأعمالكم، وأن نسير معًا على خطى أهل بيت النبوة «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين».

عصمة النبي وأخلاقه في المنظور القرآني
الليلة السادسة عشر