نص الشريط
التربية الروحية بين الدعاء والمناجآة
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الرسول الأعظم - مطرح
التاريخ: 14/2/1426 هـ
مرات العرض: 4101
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1282)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ

إنطلاقاً من الآية المباركه نتناول نقاطاً ثلاث:

  • الحاجة إلى الغذاء الروحي
  • والفارق بين الدعاء والمناجآة
  • وعناصر تربية الروح في مناجآة الإمام زين العابدين .
الأولى: هي بيان الحاجة للغذاء الروحي:

العرفاء يقسمون النفس إلى ثلاثة أقسام: النفس الأماره، والنفس اللوامة، والنفس المطمئنة.

فالنفس الأماره: هي الشهوات التي تُلح على الإنسان أن يشبعها سواءاً كان بطريق مباح أو بطريقٍ ممنوع وهذا ما أشار إليه قوله تعالى: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ.

والنفس اللوامه: هي التي يعبر عنها بالضمير، فالإنسان إذا صنع ذنباً أو رذيلة شعر بوجدانه أن هناك توبيخاً وتأنيباً داخلياً وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ «1» وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ أي أن هناك محكمتين محكمه خارجيه يحاسب فيها الإنسان وهي محكمة يوم القيامه، وهناك محكمة داخليه تحاسب الإنسان وتوبخه ألا وهي محكمة الضمير: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ «1» وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ

وأما النفس المطمئنه: هي النفس التي إمتلكت رصيد الآخره فأطمئنت وإستقرت: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ «27» ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً «28» فَادْخُلِي فِي عِبَادِي «29» وَادْخُلِي جَنَّتِي. الإستقرار فرع إمتلاك الرصيد أنا بدون إستقرار وبدون إطمئنان لا يمكنني أن أبدع ولا أنتج ولا أعطي، لكن من أين أحصل على الإستقرار؟ أحصل على الإستقرار النفسي إذا إمتلكت الرصيد مثلا أنا إذا لم امتلك رصيداً في البنك يوفر لي معيشتي ومعيشة أطفالي فإني أصبح متوتراً قلقاً لا يمكن أن أصبح مستقراً مطمئناً إلا إذا امتلكت الرصيد المادي الذي يوفر لي الإستقرار والإطمئنان، كذلك لا يمكنني أن أطمئن لمسيرتي الطويله ولمسيرتي الآخرويه إلا إذا امتلكتُ رصيداً روحياً، إذا لم امتلك رصيداً روحياً فأنا سأبقى متوتراً قلقاً لا أدري ماهي آخرتي ماهو مصيري ماهي نتيجتي ماهي عاقبتي لا يمكن أن يزول هذا التوتر وهذا القلق من نفسي ولا يمكن أن تطمئن نفسي إلا إذا ملكت رصيدا روحيا فأنا محتاج إلى الرصيد الروحي لأنني مُحتاج إلى الإستقرار والإطمئنان: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ.

النقطة الثانيه: نحن نحتاج إلى الرصيد الروحي وهذا الرصيد الروحي من أين نحصل عليه؟ هناك طرق متعدده للحصول على الرصيد الروحي القرآن الكريم يقول: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ولكن أقرب الطرق وأقصر الطرق الذي يوصلني إلى الرصيد الروحي هو طريق المناجآة هناك فرق بين الدعاء وبين المناجآة الدعاء، طلب الداني من العالي أنا داني والمولى عزوجل عالي وطلب الداني من العالي دعاء لكن هذا الطلب قد يكون مقترناً بالتثاقل، قد يكون مقترناً بالكراهه، قد يكون بداعي أغراض وأهداف دنيويه هذا كله دعاء. ولكن المناجآة ليست طلباً من الداني إلى العالي المناجآة حديث بين المحب ومحبوبه والعاشق ومعشوقه الحديث بين المحب ومحبوبه ليس دعاءا لكنه مناجآة، الحديث بين المشتاق والمشتاق إليه ليس دعاءا بل هو مناجآة، المناجآة حديث بين الحبيبين، وبين العاشقين، وبين المشتاقين، ونحن نحتاج إلى المناجآة لا أننا نحتاج إلى الدعاء، أنا أحتاج أن أقوم في ظلام الليل وأهجر لذة النوم وأهجر لذة الدنيا وأجلس بيني وبين ربي لأبث همومي، لأبث غمومي لأتحدث عن ذنوبي وعن جرمي وعن معاصي لأتحدث عن ظروفي القاسيه، حديثي مع ربي عن ذنوبي وغمومي وهمومي هو المناجآة وهذه هي أقصر الطرق إلى التقوى أقصرها إلى الغذاء الروحي، أقصر الطرق التي توصلني إلى الله تبارك وتعالى ألا وهو طريق المناجآة.

النقطة الثالثه: بما أننا نحتاج إلى المناجآة فمناجآة الإمام زين العابدين هي المناجآة التي تلبي حاجاتنا وهي المناجآة التي تغذي أرواحنا لأن مناجآة الإمام زين العابدين تشتمل على عناصر تربية الروح نحن نحتاج إلى أن نتعرف على عناصر تربية الروح ماهي هذه العناصر؟

العنصر الأول: الفحص عن سبب المشكله ماهي المشكله وماهو سببها؟

المشكله أنني كلما أخلصت لربي وصرت إنساناً مطيعاً وملتزماً أصلي وأصوم، أعود إلى الذنب مرة آخرى فلماذا أعود إلى الذنب مرة آخرى؟ لماذا أصبح إنساناً مؤمناً فترة من الزمن ثم أعود إلى الذنب ثم إلى الخطيئه ثم أعود إلى المعصيه، وماهي المشكله التي تجعلني أعود إلى الذنب وأعود إلى المعصيه أنا تُبتُ إلى ربي صممّت على التوبه ندمت على مافعلت، بكيت على مافعلت، ولكن بمجرد أن تمر فترةً على الطاعه وعلى الإلتزام أجد نفسي أنساق إلى المعصيه، بمجرد أن أسمع الأغنيه أنساق إليها، بمجرد أن أتعرض لإغراء من امرأة أو صوت جميل أنساق إليه، بمجرد أن تفتح لي معاملات تجاريه مربحه أنساق إليها حتى لو كانت طرقاً محرمه.

لماذا أعود إلى الذنب مع أنني صممت على الإلتزام وصممت على الطاعه؟ ماهو السبب في أنني أعود إلى الذنوب مع أنني صممت على الإلتزام ماهي الأسباب؟ الإمام زين العابدرين يشرح لي هذه الأسباب، ”إلهي كلما قلت قد تعبأت وتهيأت وقمت إلى الصلاة بين يديك ألقيت علي نعاساً إذا أنا صليت وسلبتني مناجآتك إذا أنا ناجيت مالي ماهو السبب؟ مالي كلما قلت قد صلحت سريرتي وقرب من مجالس التوابين مجلسي، عرضت لي بلية أزالت قدمي. إلهي لعلك عن بابك طردتني، أو لعلك عن خدمتك نحيتني، أو لعلك رأيتني مستخفاً بحقك فأقصيتني أو لعلك رأيتني معرضاً عنك فقليتني، أو لعلك وجدتني غير شاكراً لأنعمك فحرمتني أو لعلك وجدتني في مقام الكاذبين فرفضتني، أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني، أو لعلك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني، أو لعلك رأيتني آلفُ مجالس البطاليين فبيني وبينهم خليتني أو لعلك لم تُحب أن تسمع دعائي فباعدتني، أو لعلك بجرمي وجريرتي كافيتني، أو لعلك لِقلة حيائي منك جازيتني“. ماهو السبب لماذا أنا أعود إلى الذنب مرة أخرى؟

الإمام في مناجآته يعرض لي أربعة أسباب:

السبب الأول: عدم التوبه لعل هناك معصية أو فاحشة كبيرة إرتكبتها ولم أتب منها توبة نصوح، لعلي ارتكبت كبيرة في الزمن الماضي ولم يرضى عني إلهي لأجلها لأنني لم أتب توبة نصوحا ”أو لعلك من بابك طردتني“، فإذا لابد أن أجدد التوبه لابد أن أندم وأتحسر وأتأسف على ما مضى لابد أن أذيق جسمي ألم الطاعه كما أذقته حلاوة المعصيه.

السبب الثاني: هو الإعراض أنا مُعرض عن ربي أنا أصلي لكنني مُعرض عن ربي لا أحب النافله لا أحب دعاء كميل، لا أحب أن أسمع موعظه أوعبره، لا أحب أن أغير أجوائي أو أن أغير حياتي، أحب أن أبقى نافراً معرضاً متثاقلاً كسولا أحب أن أبقى تحت الآيه: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ أنا معرضٌ أنا نافر أنا خال لربي ولأجل هذا الإعراض وهذا النفور قال لي تبارك وتعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ”أو لعلك رأيتني معرضا عنك فقليتني“.

السبب الثالث: الكفران بالنعمه الله أنعم علي أعطاني نعمة المال وأعطاني نعمة الثروه لكنني لم أخرج الحقوق الشرعيه وهذا كفرانٌ بالنعمه، أعطاني منصباً عظيماً ولكنني لم أساعد إخواني ولم أقضي حوائجهم خوفاً على منصبي وعلى منزلتي وخوفاً على ثروتي، أعطاني نعماً كثيره ولكنني لم أشكره عليها وهذا الكفران، هو سبب العود إلى الذنب ”أو لعلك رأيتني غير شاكر لأنعمك فحرمتني“.

السبب الرابع: مجالس الحياة ومجالس الموت، أنا لا أحب مجالس الحياة، مجالس الحياة هي مجالس العلماء أنا لا أحب مجالس العلماء، لأن مجالس العلماء فيها فكر وأنا لا أريد أن أفكر، ولأن فيها فقه وحلال وحرام وأنا لا أريد كلمة الحلال والحرام، أنا أريد أن أبقى حُر طليق أعمل ما أشاء وأصنع ما أشاء من دون قيد ومن دون رادع، أنا لا أحب مجالس العلماء لأنها تذكرني بالآخره وبالقبر وأنا لا أريد أن أتذكر، أنا أحب مجالس الموت والبطاليين والضحك والمزاح والأحاديث التافهه، المجالس التي تقضي أوقاتها في رؤية الأفلام والمسلسلات والدخول على المواقع الإباحيه أنا أحب مجالس الموت ومجالس البطاليين، ولا أحب مجالس الحياة مجالس العلماء ”أو لعلك فقدتني في مجالس العلماء فخذلتني أو لعلك رأيتني آلف مجالس البطاليين فبيني وبينهم خلّيتني“ هذه الأسباب هي التي تُرجعني إلى الذنب وإلى المعصيه مرة أخرى.

العنصر الثاني: الإقرار بالذنب

الإقرار بالذنب تفصيلاً واحداً واحداً أنا لا أريد أن أقر بذنوبي لا أريد أن أقول أنا أخطأت وأنا أذنبت اليوم الفلاني والساعة الفلانيه، أنا لا أريد أن أتحدث بهذا الحديث أبداً. أنا أذنب وأخرج للعمل وأرجع وأتغذى وأزور أصدقائي كأنني لم أفعل شيء ولم أصنع شي، أحاول أنا أتعامى وأن أتناسى وأتغافل عن الذنب، أحاول أن لا أتذكر ذنوبي أصلاً ولذلك إذا سمعت الدعاء أحاول أن أخفي صوت الدعاء حتى لا ينبهني على ذنوبي، إذا سمعت الخطيب يتكلم عن المعاصي والذنوب أقول لا لست أنا المقصود المقصود هو غيري أنا بريء من الذنوب ومن المعاصي، الكلام لا يعنيني بشيء الكلام لغيري أحاول أن لا أقر، أحاول أن أتناسى ضميري من داخلي يدعوني ويقول لي أجلس ولو فترة قصيره لتتذكر ذنوبك لتتذكر معاصيك لكنني أتعامى عن صوت الضمير ونداءه، لا أريد أن أقر بالذنوب، لماذا؟ لأن الإقرار بالذنوب ينغص علي حياتي لأن تُكسبني الحزن والأسى وأنا أريد أن أبقى مبتهجاً مرفهاً فرحاً لا أريد أن أنغص علي حياتي ومعيشتي، أنا لا أريد أن أقر بالذنوب لأنه يسوقني إلى التوبه من تذكر ذنوبه تاب وأنا لا أريد أن أتوب لأن المعصية جميله ومحبوبه ولأن المعصية تُغذيني باللذه التي أريدها وأنا أريد أن يبقى خيط صله بيني وبين المعصيه فلا أريد أن أتوب حتى لا أبتعد عن لذة المعصيه، إن عندي أموال كثيره اكتسبتها من طرق الحرام من المعاملات الربويه وإذا تبت يعني أنني أخسر هذه الثروه وأسلمها لأصحابها فأنا لا أريد أن أتوب ولا أريد أن أتذكر ذنوبي كي لا تجرُني إلى المعصيه، إذاً أنا لا أريد الإقرار بالذنب، الإمام زين العابدين في مناجآته يخاطبني يقول لي، لا أنت مخطئ أنت محتاج إلى أن تقر بذنوبك أنت محتاج إلى أن تقر بأخطائك تفصيلا ذنباً ذنباً وخطئيةً خطئيه، ومعصية معصيه أنا محتاج إلى أن أقر بذنوبي منذ بلوغي إلى هذا اليوم معصيةً معصيه أنا مُحتاج لذلك لماذا؟ أولا لأن الإقرار بالذنب يُحسسني بشناعة المعاصي، وفضاعة الرذائل، وخطر الكبائر وإذا أحسست بفضاعة الذنوب أقتربت من عالم التوبه أقتربت من عالم الإنابه إلى الله.

وثانياً: أن الإقرار بالذنوب يُدربني على الشجاعه الشُجاع من يُقر بذنوبه، البطل هو الذي يُقر بأخطائه الشجاعه ليست شجاعة البدن وإنما هي شجاعة الروح، من كان شجاعاً بطلاً فهو قوي الإراده، ومن كان قوي الإراده فلا يخاف أن يعترف بأخطائه وأن يعترف بذنوبه أمام ربه عز وجل. الإقرار بالذنوب يُدربني على البطوله وقوة الإراده أن أعترف بذنُوبي ذنباً ذنباً بلا تخوف بلا قلق، ليس من يطوي طريقا بطلا إنما من يتقي الله البطل فالتقي الله فتقوى الله ما جاورة قلب امرئ إلا وصل.

وثالثاً: لأن الإقرار بالذنوب والإقرار بالمعاصي يُنفس عني، أنا قلق أنا متوتر أنا أعيش ضجه في داخلي نتيجة كثرة المعاصي والإقرار بالذنب يُنفس عني يزيل وهذه الغمائم المُظلمه وهذه الصخور الثقيله على قلبي الإمام زين العابدين يعلمنا على الإقرار بالذنب، ”إلهي أنا المذنب الذي سترته، وأنا الخاطئ الذي أقلته وأنا القليل الذي كثرته، وأنا المستضعف الذي نصرته، وأنا الطريد الذي آويته أنا ياربي الذي لم أستحيك في الخلاء ولم أراقبك في الملأ، أنا صاحب الدواهي العُظمى أنا الذي على سيده إجترا، أنا الذي عصيت جبار السماء، أنا الذي أخذت على معاصي الجليل الرُشى أنا الذي حين بُشرت بها خرجت إليها أسعى، أنا الذي أمهلتني فما إرعويت وسترت علي فما إستحييت وعملت بالمعاصي فتعديت وأسقطتني من عينك فما باليت فبحلمك أمهلتني، وبسترك سترتني حتى كأنك أغفلتني، ومن عقوبات المعاصي جنبتني حتى كأنك إستحييتني، إلهي لم أعصك إذ عصيتك وأنا بك شاك ولا بربوبيتك جاحد ولا بأمرك مستخف ولا لعقوبتك متعرض ولا بوعيدك مُتهاون، إذاً لماذا أذنبت؟ ولكن خطيئةٌ عرضت وسولت لي نفسي وأعانني عليها شقوتي وغرني بذلك سَترُك المُرخى علي فعصيتك وخالفتك بجهدي سيدي فأنا الآن من عذابك من يستنقظني ومن أيدي الخُصماء غداً من يُخلصني، وبحبل من أتصل إن قطعت حبلك عني، فواسوأتاه على ما أحصى كتابك من عملي“.

العنصر الثالث: عنصر الإلحاح.

أنا أحتاج أن ألح على ربي كما يلح الطفل على والده، إن الطفل إذا أراد حاجة من والده يلح عليه تارة يضحك تارة يبكي تارة يرمي بنفسه في حضن والده، تارة يوعد تارة يهدد تارة يرغب تارة يرهب إلى أن يحصل على الحاجه. أنا محتاج إلى أن ألح على ربي إلحاح الطفل على والده أحتاج أن أكرر الدعاء والإستغفار، أكررالبكاء أكرر الندم أكرر الأسف لعلي أنال رشحة من المغفره، لعلي أنال قطرة من الرحمه وأنال غيضاً من فيض العناية الربانيه. "إلهي لإن طالبتني بذنوبي لأطالبنك بعفوك ولإن طالبتني بلؤمي لأطالبنك بكرمك، ولإن أمرت بي إلى النار لأخبرن أهل النار بحبي لك، إلهي إن أدخلتني النار ففي ذلك سرور عدوك، وإن أدخلتني الجنه ففي ذلك سرور نبيك، وأنا أعلم أن سُرور نبيك أحب إليك من سرور عدوك.

العنصر الرابع والأخير: البكاء.

هل أنا محتاج إلى البكاء؟ ربما يخاطبني شخص ويقول لي لا تبكي لا تستخدم لغة البكاء، لماذا؟ لسببين:

أولاً: لأن البكاء مظهر ضعف وأنت إنسان قوي أنت إنسان وجيه في المجتمع أنت إنسان رئيس شركه أنت رجل والبكاء عادة النساء وشيمة النساء فلا تضعف ولا تنهار ولا تبكي، البكاء مظهر الضعف وأنت قويٌ فلا تضعف ولا تبكي.

ثانياً: أن البكاء يزرع في قلبك الكآبه والآسى ويجعلك إنساناً متراجعاً ومتخاذلاً إنسانا بعيداً عن الحياة فلا تبكي حاول أن تنفر حاول أن تذهب حاول أن تفر من البكاء ولا تبكي ولكن هذا الكلام خطأ أنا أحتاج إلى البكاء، زين العابدين يقول لي أنا أحتاج إلى البكاء أحتاج إلى عنصر البكاء ولغة البكاء حاجة ماسه، لماذا؟ لا لأن البكاء انفعال نتيجة تذكر المعاصي وتذكر الذنوب نتيجه لتذكر الماضي المظلم والشريط الأسود المليء بالرذائل والأخطاء لا، ليس البكاء إنفعال بل البكاء فعل، البكاء عمليه فعليه وليست انفعاليه البكاء عمليه واعيه أمارسها بوعي وأمارسها بالفتات لا لأجل التنفيس عن نفسي ولا لأجل التنفيس عن همومي وإنما أمارس البكاء لكي أتعرف على نقاط الضعف في شخصيتي وتوجد مواطن ضعف أنا أحتاج أن أتعرف عليها وأن أشعر بها، أنا أحتاج أن أحس بها. ماهي مناطق الضعف؟

أولاً: أنني لا حول لي ولا قوه وجودي ليس بيدي صحتي وعمري ليس بيدي رزقي ليس بيدي، موتي ليس بيدي أي ضعف أكثر من هذا. أنا مخلوقٌ ضعيف كل أموري ليست بيدي، أنا مخلوق هزيل تؤلمه البقه وتنتنه العرقه وتقتله الشرقه، ما لابن آدم والفخر وإنما أوله نُطفه وآخره جيفه، أنا مخلوق ضعيف فلماذا لا أبكي على ضعفي.

ثانياً: أنا مسافر ولست حاضر أتصور أنني حاضر وأنني باقي ولكنني مسافر، ألا إنما الإنسان ضيف لأهله يُقيم زماناً بينهم ثم يرحل، هذا البيت الفخم الذي أعيش فيه ليس هو بيتي، بيتي الحقيقي قبري الذي ينتظرني والذي يستقبلني، زوجتي ليست هي الرفيق الحقيقي لي، أولادي ليسوا هم الرفقاء الحقيقيين لي رفيقي الحقيقي عملي صاحبي الحقيقي عملي، إذاً بيتي زوجتي أولادي أموالي كلها أمور زائله أمور قصيره. فأنا مسافر وينتظرني خط طويل لابد أن أسير عليه فلابد أن أتحسس نقاط ضعفي زين العابدين يحسسني بنقاط ضعفي ويأمرني ويحثني بالبكاء على نفسي. ”اللهم أنقلني إلى درجة التوبة إليك وأعني في البكاء على نفسي، فقد أفنيت في التسويف والآمال عمري، وقد نزلت منزلة الآيسيين من خيري، ومالي لا أبكي ولا أدري إلى أين مصيري وأرى نفسي تخادعني وأيامي تخاتلني وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت ومالي لا أبكي، أبكي لخروجي نفسي أبكي لظلمة قبري أبكي لضيق لحدي أبكي لسؤال منكر ونكير إياي أبكي لخروجي من قبري عريان ذليل حاملا ثقلي على ظهري أنظر مرة عن يميني ومرة عن شمالي إذ الخلائق في شأن غير شأني، إلهي إن عفوت عني فمن أولى منك بالعفو وإن عذبتني فمن أعدل منك في الحكم، إلهي إرحم في هذه الدنيا كربتي «أنظر لمناطق الضعف» وعند الموت غربتي وفي اللحد وحشتي وفي القبر وحدتي، إلهي وأرحمني صريعا على الفراش تقلبني أيدي أحبتي وتفضل علي ممدودا على المغتسل يغسلني صالح جيرتي وتحنن علي محمولا قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي وجد علي قد نزلت فيك وحيدا في حفرتي وأرحم في ذلك البيت الجديد غربتي ووحشتي“.

كل عين باكيه يوم القيامه إلا ثلاث: عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ غضت عن محارم الله، وعين بكت على أبي عبدالله.

(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ... )
حوار مفتوح