نص الشريط
شخصية أمير المؤمنين في أدعية أهل البيت
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 19/9/1421 هـ
تعريف: اليوم التاسع عشر من رمضان المبارك
مرات العرض: 8790
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1760)
تشغيل:

وردت هذه الفقرة في دعاء الإفتتاح الوارد عن الإمام الكاظم والإمام الحجة «عج»:

”اللهم وصلِ على عليٍ أمير المؤمنين ووصي رسول ربِ العالمين عبدك ووليك وأخي رسولك وحجتك على خلقك وآيتِك الكبرى والنبأ العظيم“

الحديث عن هذه الفقرة في عدة جهات:

الجهة الأولى:

نلاحظ أن هذه الفقرة قدمت الإمرة والوصاية على العبودية، قال: اللهم وصلِ على عليٍ، أولاً وصفه بأنه أميرٌ ثم وصيٌ ثم وصفه بأنه عبدٌ، مع أن اتصافه بالعبودية لله عزوجل سابقٌ على اتصافه بالإمرة والوصاية، كما ورد في حقِ إبراهيم الخليل ”إن الله اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخده نبياً وأن الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذ رسولاً وأن الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً وإن الله اتخذه خليلاً قبل أن يتخذه إماماً“، إذن فاتصاف المرء بالعبودية سابقٌ على اتصافه بكونه أميراً للمؤمنين أو كونه وصياً للرسول، مع أن هذه الفقرة من الدعاء قدمت وصف عليٍ بالإمره والوصاية على وصفه بالعبودية، وماهو السبب في ذلك؟ الملحوظ هنا وجهان:

الوجه الأول:

تقديم اتصافه بالإمره للتأكيد أن امرئته ووصايته أصلاً من الأصول والتأكيد على أنه الأصل الثابت، أصول الدين عندنا خمسة «التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد»، لتأكيد أن إمامته بمعنى امرته ووصايته للرسول هي أصلٌ من الأصول وحدٌ فاصل لا يقبل الحديث الا به، كما ورد عن النبي محمدٍ ”من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية“ وورد عن الإمام الصادق ”من لم يعرف ولاية ولي الله فتكون أعماله بدلالته كان الله شانئن لعمله ولم يكن له حقٌ في ثواب“.

إذن فالنتيجة: دوران العمل قبولاً عند الله تبارك وتعالى ورفضاً مدار إمامته ومدار الإذعان والإعتقاد بولايته، لذلك فإمامته أصلٌ من الأصول لايمكن حذف ذلك أو الغض عن ذلك، إذن فالبنتيجة لتأكيد هذا المعنى يعني لتأكيد أن إمامته أصلاً بدأ بالحديث عن الإمامة قبل الحديث عن العبودية.

الوجه الثاني:

أن الله تبارك وتعالى اجتباه واصطفاه لمقام الإمامة ولمقام الإمره والوصاية قبل خلق المخلوقات كلها، كما ورد في الحديث عن النبي ”إن الله خلق نوري ونورعليٍ قبل أن يخلق آدم بألفي عام“ وأنت تقرأ في زيارة الجامعة ”خلقكم الله أنوراً فجعلكم بعرشه محدقين حتى منا علينا بكم فجعلكم في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمه“.

إذن فالنتيجة: اصطفائهم وانتخابهم لمنصب الإمامة سابقٌ على خلقهم وسابق على كونهم في مقام العبودية أو في مقام التعبد والتقرب الى الله تبارك وتعالى، لذلك قدم الإمام الكلام عن إمامته وإمرءته على الكلام عن عبوديته.

الجهة الثاني:

نلاحظ في هذه الفقرة أن جُمل متعددة وأوصاف متعددة بمعنىً واحد، فلماذا ذكرها الإمام ؟ أمير المؤمنين ووصي رسول ربِ العالمين، حجتك على خلقك، وليك، كل هذه معنىً واحد، الوصي والولي والأمير والحجة بمعنىً واحد يعني خلافة النبي ”من كان خليفةً لرسول الله بالنص فهو وليٌ وحجةٌ ووصيٌ وأميرٌ“ فهذه الأوصاف المتعددة تشير الى معنىً واحد ألا وهو خلافته عن النبي محمد بالنص، فلماذا ذكرها الإمام؟ مع أن المشار إلية بهذه العناوين واحدٌ مع ذلك ذكر هذه العناوين المتعددة، هذه العناوين كما يقول الفقهاء في كلمة الفقير والمسكين أنهما إذا اتجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، يعني إذا قيل فقير ومسكين في عرض واحد.

مثلاً: قيل أعطي الفقير والمسكين، فالمقصود بالفقير معنىً غير المقصود بكلمة المسكين، إذا اجتمعا في سياقٍ واحد افترقا، يعني كان معنىً كل منهما غير معنى المقصود من الآخر، وإذا افترقا اجتمعا، يعني إذا ذُكِر كلٌ منها مستقلاً عن الآخر، قيل أعطي المسكين وبعد يوم قيل أعطي الفقير بما أنهما لم يردا في سياقٍ واحد فالمراد منهما واحد، إذا اجتمعا افترقا من حيث المعنى وإذا افترقا في الذِكر اجتمعا من حيث المعنى، هذه العناوين أيضاً إذا أُفرِد كل واحد منهما بالذكر دون الآخر فيراد منها معنىً واحد، وأما إذا اجتمعت في الذكر ووردت في سياقٍ واحد فالمراد من كل منها يختلف عن العنوان الآخر.

الإمام المعصوم خليفة رسول الله بالنص، من كان خليفةً رسول الله بالنص له حيثياتٌ أربع:

الحيثية الأولى:

أن له الولاية العامة على الأنفُس والأموال والأعراض وجميع شؤون المسلمين، ولي أمر المسلمين يعني له الولاية العامة على الأنفُس والأموال والأعراض، فله حق التصرف في هذه الأمور قبل حق تصرف الإنسان نفسه، يعني الإنسان أليست له الولاية على نفسه وأمواله وسائر شؤونه؟ الإمام المعصوم أولى بالإنسان من التصرف في نفسه وأمواله وسائر شؤونه قال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ يعني النبي أولى منك بالتصرف في نفسك وأموالك وسائر شؤونك، ولايتك على نفسك وشؤونك في طول ولاية النبي وأهل بيته، فولايتهم أسبقُ رتبةً من ولايتك على نفسك وعلى شؤونك وعلى سائر توابعك، إذن إذا نظرنا الى الولاية العامة أنهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم في سائر شؤونهم وفي سائر أمورهم عبرعنها الإمام بالإمره، امير المؤمنين. ”هذا يُعبر عنه بالولي، الولي من ثبتت له الولاية العامة“ عبارة مشتبه بها ذكرها السيد ثم صححها بما في أعلاه.

الحيثية الثانية:

أنه متصلٌ بعالم الملكوت، الإمام من ينكشف له عالم الملكوت يعني عالم حقائق الأشياء، عالم غيب الأشياء، عالم كُنه الأشياء قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ إبراهيم انكشف له عالم الملكوت، يُبصر وهو في الدنيا عالم الأرواح وعالم الأشباح ومافي عالم البرزخ ومافي عالم الملائكة والجن، يُبصر وهو في الدنيا حقائق الأعمال وحقائق الأشياء وكنه الأشياء، ونتيجة اتصال الإمام بعالم الملكوت تثبت له الولاية التكوينية، ثبوت الولاية التكوينية للإمام لأجل اتصاله بعالم الملكوت وانكشاف عالم الملكوت بين عينيه وبين يدية فتثبت له الولاية التكوينية في التصرف في سائر الأشياء ومن هذه الأشياء نفوس المؤمنين، هو قادرٌ على التصرف في نفوس المؤمنين بأن يزرع فيها نور الهداية وطيب الهداية وأن يقربها الى الله تبارك وتعالى بفيضه ورشحاته الروحية.

ولذلك نحن نؤمن بأن من فوائد الإمام المنتظر «عج» مع أنه غائبٌ عنا، غائباً غيبةً عنوانية لا غيبةً شخصية، كما ورد في الحديث ”فائدة الإمام عند غيابه أو منفعة الإمام عند غيابه كمنفعة الشمس تسترها السحاب“ الأمام وهو غائب يتصرف في نفوس بعض المؤمنين بهدايتها وبإفاضة نور الهداية والرحمة على هذه القلوب. إذا كان الشيطان يتصرف في نفوس الناس بالوسوسه وبالتأثير قال تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ «1» مَلِكِ النَّاسِ «2» إِلَهِ النَّاسِ «3» مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ «4» الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ «6» إذا كان إبليس قادراً على التصرف في صدور الناس بالوسوسة فكيف يكون الإمام غير قادر على التصرف في نفوس الناس بزرع ومضات الهداية وبزرع نور الرحمة والهداية في نفوس الناس، إذن فالبنتيجة بلإضافة الى اتصاله الغيبي بعالم الملكوت وثبوت الولاية التكوينية له يُعْبر عنه بالولي ”وليك“.

الحيثية الثالثة:

حيثية الوصاية، يعني قصور الخلق، عندما يُقال فلانٌ وصي على أبناء فلان، أبناء فلان يعني قاصرين ولذلك جُعِل عليهم وصي، معنى أن علياً وصي رسول الله أو معنى قوله ”هذا وصيي“ يعني الخلقُ قاصرٌ عن تشخيص من هو الإمام لأنهم قاصرون عن تشخيص من يطبق الأحكام الشريعية في مواضعها بدون زيادة ولا نقصان، هذا أمرٌ لا يعلمه الناس لولا أن يمسَّ الله عليه، مثلا الناس تعرف أن الإمام علي تقي وابن عباس وعمار وسلمان وأبوذر كلهم أتقياء لكن مَن مِن هؤلاء إذا طبق الأحكام الشريعية طبقها في موقعها بلا زيادة أو نقصان؟ مَن هو مِن هؤلاء يعلم علم التشريع علماً لدُنيً لا بالإكتساب ولا بالإستفادة ومتصلٌ بالواقع الشرعي دون غيره؟ الناس لا تستطيع ذلك إنما يحدده النص، فالذلك لأجل قصور الخلق عن تحديد من هو الإمام الواقعي كانت الوصاية، فالتعبير بالوصية للإشارة الى قصور الخلق عن التحديد.

الحيثية الرابعة:

أن هذا الإمام بلحاظ عصمته لأنه معصوم عن الخطأ والزلل، معصومٌ عصمةٌ علمية وتبليغية وعملية، لا يستوعب خطأ ولا يتصور الخطأ ولا تعرض على ذهنه صورةٌ مغشوشه أو صورةٌ عن نسيان أو صورةٌ عن جهل أو صورةٌ عن ارتباك، لا يقع في ذهنه إلا صورة الواقع وصورة الصواب، فهو معصومٌ عصمةً علمية ولا يُبلغ شيئاً عن الله إلا وهو مطابق للواقع قال تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى «3» إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى فهو معصومٌ عصمةٌ تبليغية، ولا يعمل إلا ماهو مطابقٌ للواقع، فهو معصومٌ عصمة تعليمية، لأجل أنه معصومٌ فقوله وعمله مطابقٌ للواقع، فإذا قال قولاً أوعِمل عملاً كان قوله حجة على الإنسان لأن قوله وعمله كاشفٌ قطعيٌ عن الواقع، فإذا انكشف الواقع انكشافاً قطعياً وجب على الإنسان عقلاً اتباع الواقع. إذن للإشارة الى حيثية كاشفيته القطعية عن الواقع عبر عنه بالحجة.

إذن فحينئذٍ لكل من هذه العناوين والتعبيرات مدلولٌ يختلف عن مدلول التعبير الآخر.

الجهة الثالثة:

هو ما ورد في الروايات في هذه الأمور، أما بالنسبة الى لفظ الأمير، فقد ورد في الرواية عن ابن قتيبة الدينوري في كتاب المعارف وروى ايضاً هذه الرواية أحمد بن حنبل في مسنده في فضائل الصحابة أن النبي ”أن الإمام نظر الى علي فقال هذا يعسوب المؤمنين وقائد الغُرِ المحجلين“ واليعسوب هو الأمير يطلق على أمير النحل، فتوصيف عليٍ بأنه يعسوب المؤمنين عبارةٌ آخرى عن توصيفه بأمير المؤمنين، وروى أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء عن ابن عباس أن الرسول كان يقول ”ما أنزل الله في القرآن آية يقول فيها يأيها الذين آمنوا إلا وعليٌ رئيسها وأميرها“ يعني أمير المؤمنين.

الوصف الثاني: وصف الوصي، ورد أيضاً في النصوص عن النبي ”لما نزل قال تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ جمع رسول الله عشيرته وقال يا بني عبد المطلب إني والله ما اعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به إني جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله تعالى أن ادعوكم إليه فأييكم يأزروني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي عليكم، قال فأحجم القوم عنها جميعاً وقلت“ علي يقول ”وإني لأحدثهم سناً، أنا يانبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقيتي ثم قال، إن هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوه“ وإذن ورد لفظ الوصية في حديث الدار الذي رُوي بعدة طرق، رواه الشافعي في السيرة الحلبية ورواه أبو الفداء في تاريخه ورواه المعتزلي في كتابه شرح النهج ورواه أحمد بن حنبل في مسنده وغيرهم مما رواى هذا الحديث.

ومن الألفاظ والعناوين التي وردت ”أخي رسول الله“ الإمام علي يقول ”آخا رسول الله بين الناس وتركني فقلت يارسول الله آخيتُ بين أصحابك وتركتني، قال ولما تركتك؟ إنما تركتك لنفسي، أنت أخي وأنا أخوك، فإن حآجك أحد فقل إني عبدُ الله وأخوه رسوله لا يدعيها أحدٌ بعدك إلا كذاب“ يعني لا يوجد هذا الوصف لأحدٍ بعدك، أنت أخو رسول الله وإنما ترك مآخاة الأنصاروآخاة علياً لِيدُل لهم على أنه مثله، المؤاخاة كناية عن مساوة عليٍ بالنبي في جميع الفضائل إلا النبوة، لولا النبوة لكان علياً مساويا في جميع الفضائل والمناقب، ولهذا عبر القرآن عن علي بأنه نفسه، القرآن الكريم يقول: قال تعالى: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَفلما صار وقت المباهلة دعى علياً وفاطمة والحسن والحسين: أبناءنا: الحسن والحسين، نسائنا: فاطمة الزهراء، أنفسنا وأنفسكم: الإمام علي .

إذن دلت هذه الآية على أن علياً نفس رسول الله ، نفسه يعني يساويه في الفضائل والمناقب التي ثبتت له إلا النبوة بعتبار أن النبي انكشف له عالم الوحي بالمباشرة وانكشف لعليٍ بالواسطة، يعني لم ينكشف عالم الوحي لعليٍ بالمباشرة وإنما بواسطة انكشافه على النبي ، فبما أن النبي انكشف له عالم الوحي بالمباشرة لا بالواسطة، انكشاف هذا العالم بالمباشرة فضيلة لا تساويها فضيلة، لذلك من هذه الناحية كان النبي أفضل من الأمام علي ولولا هذا لكان مساوياً له في سائرالفضائل والمناقب ومنها كما أنه النبي أفضل من سائر الأنبياء والرُسل بل وأفضل من سائر الخلق فكذلك علي ٌ أفضل من سائر الانبياء والرسل وأفضل من سائر الخلق لأنه نفسُ رسول الله .

ومن الأوصاف أيضاً ”أنه ولي“، يقول أبوذر كما روى الرازي في تفسيره "لما دخل السائل المسجد يسأل الحاجة ولم يكن عند الرسول ما يعطيه فمد، عليً يديه وكان فيها خاتم له وهو راكع فأخذه السائل واشترى بثمنه طعاماً له، فلما سمع بذلك رسول الله وهو في المحراب، قال: يارب إن أخي موسى سألك قال: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي «25» وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي «26» وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي «27» يَفْقَهُوا قَوْلِي «28» وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي «29» هَارُونَ أَخِي «30» اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي «31» وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِيفأنزلت عليه فنشد عضدك بأخيك ونجعل لكم سلطاناً وأنا أدعوك: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي «25» وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي «26» وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي «27» يَفْقَهُوا قَوْلِي «28» وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي «29» هَارُونَ أَخِي «30» اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي «31» وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِيفما أتم كلامه حتى نزل عليه جبرائيل بهذه الآية قال تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وقد دلت هذه الآية المباركة على أن ولاية علي فعلية في زمان فعلية ولاية النبي كما أن النبي ولي على الناس مع ولاية الله عليهم فعلي وليٌ على الناس منذ زمان النبي، عليٌ منذ ولادته هو وليٌ على سائر الخلق مع وجود النبي فهو ولي ٌ على جميع الخلق ماعدا رسول الله ، ليست ولايته بعد وفاة النبي وإنما ولايته منذ زمانه وفي وقت فعلية ولاية رسول الله ، بمقتضى دلالة هذه الآية المباركة التي دلت على فعلية الولاية لله وللرسول ولهؤلاء في وقت واحد وفي زمن واحد.

ويعترض المعترضون كيف تصدق وهو في صلاته؟ أفمن كان خاشعاً لربه كيف يلتفت للأمور الدنيوية ويمارس القضايا الإجتماعية مع أنه مشغول بلقاء الله ومشغولٌ بالصلاة؟ والجواب عن ذلك كما ذكره ابن الجوزي عن بعض الشعراء يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته عن النبيل ولا يصحو من الكاسي، أطاعه سكره حتى تمكن فعل الصحاة، فهذا أعظم الناس عليٌ ما انشغل عن عبادة بأمرٍ دنيوي وإنما جمع بين عبادتين، فإن الزكاة عبادة كما أن الصلاة عبادة، جمع بين عبادتين في وقتٍ واحد وجمع بين خشوعين وقربتين في وقتٍ واحد، وهذا دليل تعلقه بالله لا دليل انشغاله عن الله عز وجل.

وأيضاً مما ورد من الأوصاف في حقه في هذه الفقرة ”والنبأ العظيم“ فقد ذكر ابن مسعود كما نقل هذه الرواية الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء: أن النبأ العظيم قال تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَاءلُونَ «1» عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ «2» الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ قال النبأ العظيم إمامة علي بن أبي طالب وإنما الله سمها نبأً عظيماً لأنه كان ثقيلاً على نفوسهم وكانوا يبغضونه منذ زمان رسول الله ، أودع قلوبهم أحقاداً بدرية وخيبرية وحنينيه وغيرهن فأضبت على عداوته وأكبت على منابذته، امتلأت قلوبهم حقداً وبغضاً له وهو في زمان النبي ، وأنتم وادعون فاكهون في رفاهية من العيش، من الذي كان يقاتل ويحارب؟ تقول السيدة الزهراء كما ورد عنها ”وإذا ثغرت ثاغرةٌ من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفى حتى يطأ خماصها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه مكدوداً في ذات الله مجتهداً في أمر الله لا تأخذه في الله لومةُ لائم وأنتم في رفاهية من العيش“ الذي يقاتل ويتحمل ويبني الدين بجراحه وعرقه وبدنه كله عليٌ وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون تتربصون من الدوائر وتنكصون عند المزاج وتفرون عند القتال.

إذن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ولايته وإمامته الذي يُسْأل الإنسان كما ورد عن ابن عباس ونقله أيضاً صاحب ينابيع المودة " إذا وُضِعَ الميت في قبره سأُل من ربك؟ فيقول الله، مادينك؟ فيقول الإسلام، من نبيك؟ فيقول محمد ، فيقال من إمامك؟ فإن لم يكن معتقداً بإمامة علي ٌ فكيف يُجيب؟ فلابد وأن يكون معتقداً بالإمامة حتى يُجيب عن هذا السؤال فيقول إمامي عليُ بن أبي طالب ، ومن قال بإمامته وهو في قبره لم يتركه عليٌ وهو في قبره وهو في ذلك الهول العظيم وذلك الموقف الرهيب والموقف المخيف.

دعاء المعصوم و مبرراته
الحكمة في مفهومها البشري والالهي ج1