نص الشريط
علاقة الروح بعالم المادة
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 5/9/1432 هـ
مرات العرض: 3845
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (3390)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ «12» ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ «13» ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ. [1] 

صدق الله العلي العظيم.

انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث في محورين:

  • في حقيقة الخلق والأمر.
  • في تجرد النفس البشرية.
المحور الأول: في حقيقة الخلق والأمر.

ذكر الفلاسفة المسلمون نظرية ومنهم: السيد الطباطبائي صاحب الميزان «قدس سره الشريف» وهذه النظرية أن هناك فرق بين عالم الخلق وعالم الأمر، فعالم الخلق: هو الوجود الذي يحتاج إلى مادة ومدة فالجسد مثلاً من عالم الخلق لأن وجود الجسد يحتاج إلى مادة وهي النطفة ويحتاج إلى مدة يتطور فيها من نطفة إلى أن يصبح إنسان كامل كما تعرضت إليه الآية المباركة: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ «12» ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ «13» ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.

وعالم الأمر: هو الوجود الذي يوجد دفعة واحدة من دون حاجة إلى مدة ولا إلى مادة واستدلوا على ذلك بقوله عز وجل: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[2]  وقال عز وجل في آية أخرى: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ[3]  فعالم الأمر هو الوجود الذي يتحقق بكلمة الإيجاد أي بقوله﴿كُنْمن دون حاجة إلى مادة ولا إلى مدة تدريجية.

ما هو المثال لعالم الأمر؟!

مثلوا لعالم الأمر «بالروح» وقالوا بأن الروح البشرية هي وجود يوجد ويتحقق دفعة واحدة بلا مدة ولا مادة واستدلوا على ذلك بقوله عز وجل: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي[4]  ولم يقل «قل الروح من خلق ربي» بل قال: ﴿مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًاوالمقصود بأن الروح من أمره تعالى يعني أن الروح صيغة من عالم الأمر فهي وجود دفعي لا يتوقف على مادة ولا على مدة واستدلوا على هذا التقسيم بقوله عز وجل: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ[5]  أي أن هناك عالم خلق وهناك عالم أمر كما شرحنا.

لكن هناك نظرية أخرى يطرحها بعض فقهائنا المتكلمين ومنهم السيد السبزواري «قدس سره الشريف» نحن تحدثنا سنين عن نظرية الخلق والأمر باصطلاح الفلاسفة لكن لا مانع من أن نذكر هذا اليوم نظرية أخرى لأن كلام الفلاسفة لا يعني أنه وحي منزل لا يرد ولا يبدل رأي يقابله رأي أخر هناك جمع من فقهائنا المتكلمين لا يقرون هذه النظرية ويناقشونها ويقولون: «لا مانع من أن نقول أن هناك وجود يوجد بمادة ومدة وهناك وجود يوجد بدون مادة ولا مدة» هذا شيء لا يوجد عندنا مانع منه هذا شيء بيد الله إنما الكلام هل هذا يستفاد من القرآن؟! هل أن القرآن يدلنا على أن هناك نوعين من الوجود؟!

1 - نوع يسمى بعالم الخلق وهو يحتاج إلى مدة ومادة.

2 - نوع يسمى بعالم الأمر وهو لا يحتاج إلى مدة ولا إلى مادة.

هل هذا يستفاد من القرآن الكريم أم لا؟! ممكن للعقل أن يتصور ذلك؟! ممكن، لكن هل هذا يستفاد من القرآن الكريم أم لا؟! هذا هو محل النقاش ومحل البحث ومحل التأمل والتنظر.

الدليل على أن هناك عالم خلق وهناك عالم أمر قوله عز وجل: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ هذا الدليل الذي أستدل به الفلاسفة من القرآن الدليل على أن الروح من عالم الأمر يعني توجد دفعة واحدة بدون مدة ولا مادة استدلوا على ذلك بقوله عز وجل: ﴿َيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا لكن هذا محل تأمل لماذا؟!

لأن كلمة ﴿الْأَمْرُ في القرآن الكريم إذا تتبعناها وجدنا أن كلمة﴿الْأَمْرُتطلق على معاني:

المعنى الأول: أن﴿الْأَمْرُيراد به كلمة الإيجاد يعني الإيجاد والإفاضة﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُهذه الإفاضة تسمى «أمر».

كلمة﴿الْأَمْرُتطلق على الأمر التشريعي يعني على تشريع الأحكام من وجوب وحرمة واستحباب وكراهة نفس التشريع يطلق عليه كلمة «أمر» في القرآن الكريم مثلاً قوله عز وجل: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ[6]  يعني ماذا ﴿يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ؟! يعني يخالفون تشريعه يخالفون دستوره يخالفون قوانينه المراد ب ﴿الْأَمْرُ هنا التشريع ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ إذن الأمر هنا له معنى أخر.

المعنى الثالث للأمر: أن المراد بـ ﴿الْأَمْرُ التدبير تدبير الله لهذا الوجود تدبير الله لهذا الكون يطلق عليها كلمة ﴿الْأَمْرُ في الآيات الشريفة مثلاً: ﴿إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ[7]  وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا[8]  وقال تعالى: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ[9]  بتدبيره ومثلاً قوله تبارك وتعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ[10]  ثم ذكر كلمة ﴿الْأَمْرُ في هذه الآية ما مضمون الآية الشريفة ذكر كلمة ﴿الْأَمْرُ أن الأمر ينتظر.

إذن كلمة الأمر تستعمل بمعنى «التدبير» تدبير الكون أمر وإلا عندما تقول الأمر لا يتعلق بالمادة ولا بالمدة هكذا يقولون الفلاسفة يقولون كلمة ﴿الْأَمْرُتتعلق بالوجود الذي ليس له مادة ولا مدة الطيب القرآن الكريم ذكر كلمة ﴿الْأَمْرُ في الماديات مثلاً: ﴿الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ[11] وقال القرآن الكريم: ﴿أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ[12]  فإذن الأمر كما يتعلق بغير الماديات يتعلق بالماديات كما ذكر القرآن الكريم فلا يختص الأمر بالوجود الغير المادي الذي ليس له مادة ولا مدة مما يدل على أن الأمر يستعمل بمعنى «التدبير» لا الأمر المتعلق بالوجود الذي ليس له مادة ولا مدة.

المعنى الرابعة لكلمة الأمر: أن الأمر يستعمل بمعنى الشأن ﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ[13]  يعني وما شأنه برشيد الأمر هنا بمعنى الشأن الآية المباركة تقول: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «1» وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ «2» لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ «3» تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ[14]  يعني من ماذا؟! يعني من كل شأن يعني ملائكة المطر تنزل ملائكة الرياح تنزل ملائكة العذاب تنزل ملائكة الرحمة تنزل ملائكة الحياة تنزل ملائكة الموت تنزل جميع الملائكة من كل شأن تنزل ليلة القدر ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ يعني من كل شأن.

فكلمة الأمر تستعمل بمعاني عديدة في القرآن إذن كانت كلمة ﴿الْأَمْرُ تستعمل بمعاني عددية في القرآن إذن قوله لله عز وجل: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ لا يعني هناك عالمين عالم يحتاج إلى مدة ومادة نسميه «خلق» وعالم لا يحتاج إلى مدة ولا مادة نسميه «أمر» لا لعلى المقصود بالآية﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُيعني إلا له الخلق والتدبير والأمر بمعنى التدبير لعلى المقصود بالآية ذلك.

لعلى المقصود بقوله عز وجل: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ليس مقصودها عالم الأمر ﴿مِنْ أَمْرِ رَبِّي يعني من شأن ربي مثل ما أقول لك هذا ليس من شأنك هذا من شأن فلان ليس اختصاصك هذا اختصاص فلان ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي يعني من شأن ربي ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا.

إذن ليس هناك آيات واضحة وصريحة في أن هناك عالمين عالم خلق وعالم أمر وأن الروح من سنخ عالم الأمر «لا» من سنخ عالم الخلق فإذن عندنا نظريتان:

1 - نظرية الفلاسفة.

2 - ونظرية بعض فقهائنا المتكلمين «رضوان الله تعالى على الجميع»

المحور الثاني: تجرد النفس البشرية.

ذكر الفلاسفة المسلمون ومنهم السيد الطباطبائي صاحب الميزان «قدس سره الشريف» أن الروح البشرية تتميز بصفتين:

1 - الصفة الأولى: أنها غير البدن، البدن شيء والروح شيء والدليل على ذلك أن الإنسان قد يغفل عن بدنه لكن لا يغفل عن روحه وهذه عبر عنه الفلاسفة في كتبهم غير المغفول عنه غير المغفول عنه الإنسان إذا أصابه خوف شديد أو أصابه حزن شديد قد يغفل حتى عن جسده هذا الإنسان إذا رأى إمامة زلزلة أو إعصار أو انفجار أو حريق يغفل عن كل شيء لا يفكر إلا في هذه الحادثة التي أمامه قد يغفل حتى عن بدنه لكنه لا يغفل عن شيء أسمه أنا أسمه أنا أسمه نفسي أسمه روحي لا يغفل عنه هذا يدل على أن الروح غير البدن فيمكن أن يغفل عن البدن ولا يغفل عن الروح أبداً هذه السمة الأولى صحيحة لا يوجد كلام فيها.

2 - الصفة الثانية للروح: أن الروح مجردة عن البدن ولذلك يقول الفلاسفة: «الروح جوهر مجرد متعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف» بمعنى أن الروح تحرك هذا البدن، البدن آلة وأداة للروح الروح تحركه فالروح جوهر مجرد خارج البدن لأن المجرد لا يحل في المادي البدن مادي وإذا الروح مجردة عن المادة لا يعقل أن يكون البدن وعاء للروح ومكان للروح وظرف للروح فإن المجرد لا يحل في المادي إذن الروح في مكان أخر في عالم أخر وهو «عالم الأمر» والبدن في عالم ثاني وهو «عالم الخلق» والروح في عالمها تحرك هذا البدن كآلة لها ومن خلال هذا البدن تبصر وتسمع وتلمس وتذوق وتشم وتتحرك إلى غير ذلك من الاستخدامات لهذا البدن، ما هو الدليل على ذلك؟!

قالوا الدليل على ذلك أن المادة تقبل الانقسام بينما الروح لا تقبل الانقسام أي مادة خذها أنت تستطيع أن تقسمها، تقسمها يمين يسار فوق تحت طول عرض عمق كل مادة قابلة للانقسام، بينما نفسي التي أعبر عنها ب «أنا» منذ كنت صغيراً إلى أن أصبحت كهلاً هذه النفس التي أعبر عنها ب «أنا» لا تقبل الانقسام ليس لها يمين ويسار وفوق وتحت ولا طول ولا عرض ولا عمق فلو كانت النفس أمر مادي لو كانت النفس من سنخ المادة لكانت قابلة للانقسام بينما نحن نرى أن النفس لا تقبل الانقسام هذا دليل على أن النفس أمراً مجرد عن المادة وليست أمراً مادياً، هذا كلام الفلاسفة المسلمين وليس غير المسلمين لكن بعض الفقهاء المتكلمين ومنهم سيدنا الخوئي «قدس سره» لا يقر بهذا الكلام يقول لا ليس صحيح لماذا؟!

يقول لأمرين:

الأمر الأول: أن هذا الدليل لا يدل على أن الروح مجرد عن المادة كلياً لا يدل على ذلك هذا غاية ما يقول الروح لا تقبل الانقسام سلمنا الروح لا تقبل الانقسام لكن ليس كل ما لا يقبل الانقسام فهو مجرد عن المادة كلياً لماذا؟!

أبين لك كلامه يقول: المادة ما تشغل حيز من الفراغ وما يشغل حيز من الفراغ له أقسام ثلاثة ليس قسم واحد:

1 - قسم له جرم يحاز تستطيع أن تحوزه تستطيع أن تلمسه له جرم يحاز مثل الخشب مثلاً مثل حتى الماء تستطيع أن تلمسه له جرم يحاز.

2 - قسم له جرم لكن لا يحاز مثل البخار بخار مادي الماء يتحول إلى بخار البخار أنت تشعر به لكن ليس له جرم يحاز هذه مادة لكن ليس له جرم يحاز.

3 - قسم ثالث من المادة أصلاً ليس له جرم هو مادة يشغل حيز من الفراغ لكن ليس له جرم مثل الطاقة، الطاقة أمر مادي ولذلك الطاقة تتحول إلى كتلة وترجع إلى طاقة مرة أخرى حسب العوامل الطبيعية الطاقة تشغل حيز من الفراغ الطاقة أمر مادي لكن ليس لها جرم أفترض الطاقة الكهربائية المبثوثة في الكون الطاقة الغازية المبثوثة في الكون مادية لكن ليس لها جرم فضلا عن أن يكون لها جرم يحاز، نأتي إلى شعاع الشمس أنت الآن من تجلس تحت شعاع الشمس شعاع الشمس مادي أو مجرد عن المادة؟!

طبعا مادي لأنك تشعر بحرارته وتشعر بإنارته فهو شيء مادي لكن هذا الجزء من الشعاع خذا أنت جزء قدر أبره من شعاع الشمس قول هذا الجزء من الشعاع الذي هو بقدر إبرة هذا شنو الجزء؟! تستطيع أنت أن تقول هذا له جرم أو جرم يحاز أبداً.

إذن بعد أن نعرف القرآن الكريم أيضاً ذكر هذا أشار إلى أن الخلق والمادة على قسمين: ما يرى وما لا يرى هو خلق ليس أمر لكن بعضه يرى وبعضه لا يرى ما يرى وما لا يرى، بعد أن عرفنا المادة أقسام:

1 - قسم له جرم يحاز

2 - قسم له جرم لا يحاز.

3 - قسم ليس له جرم.

نأتي يقولون لو كانت الروح مادة لكانت قابلة للانقسام وبما أن الروح لا تقبل الانقسام إذن الروح ليست بمادة نقول ما معنى يقبل الانقسام؟! يقبل الانقسام الفعلي أو يقبل الانقسام الوهمي؟! إذا تقصدوا يقبل الانقسام الفعلي ذكرنا أن بعض الأجسام لا تقبل الانقسام الفعلي المادة التي ليس لها جرم كالطاقة الطاقة مادة ومع ذلك لا تقبل الانقسام الفعلي لا تستطيع أن تقسمها بالفعل، وإذا كان المقصود لا يقبل الانقسام الوهمي يعني حتى بالوهم فالروح تقبل الانقسام الوهمي أنا أستطيع أن أقسم نفسي لكن تقسيم ماذا؟! تقسيم وهمي دهني قوة الخيال عند الإنسان قوة فريدة قوة خارقة أستطيع أنا بقوة الخيال أقسم نفسي إلى أقسام فالروح تقبل الانقسام الوهمي وأن لم تقبل الانقسام الفعلي، إذن ليس كل ما لا يقبل الانقسام الفعلي فليس بمادة كي يقال بما أن الروح لا تقبل الانقسام الفعلي إذن ليست بمادة ممكن روح تكون مادة.

كلام الفلاسفة محتمل الفلاسفة يقولون الروح جوهر مجرد ليس له علاقة بالمادة أصلاً هو في عالم والجسد في عالم والروح تدير الجسد هؤلاء الفقهاء يقولون لا هذا شيء غير معلوم لعلى الروح مادة تحل في الجسد ثم تخرج منه ممكن نحن عندما نرجع للآيات الشريفة والنصوص نقرا بعض الآيات والنصوص ونختم بذلك، نأتي إلى بعض الآيات الشريفة يقولوا الفقهاء نحن والظاهر ظاهر الآيات الشريفة والنصوص ألحديثيه الواردة عن أهل بيت العصمة أن الروح جسم، جسم نوراني لطيف ليس له جرم الروح مثل الطاقة مثل ما الطاقة أمر مادي الروح أيضاً مثل الطاقة مادة نورانية لطيفة يعني ليس لها جرم مثل قوله عز وجل: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا «وأضح» وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا[15] يعني النفس حال النوم تتوفى أيضاً الله يتوفها يعني يستوفي طاقتها التوفي بمعنى استيفاء الطاقة لأن الله تبارك وتعالى يخاطب عيسى أبن مريم ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ[16]  هو لم يميت عيسى أبن مريم كيف يقول له أني متوفيك ورافعك؟!

التوفي هنا بمعنى استيفاء الطاقة يعني الطاقة التي لك على الأرض خلصت أنت لك طاقة معينة على الأرض انتهت هذه الطاقة الآن تنتقل إلى عالم ثاني ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إذن التوفي بمعنى استيفاء الطاقة النفس ما دام الإنسان في اليقظة يتحرك ويفكر ويشتغل بمجرد أن ينام تستوفى طاقة روحه هذا يسمى بالتوفي ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا أيضاً يستوفيها، بعد ذلك ماذا يحدث؟!

الآية ماذا عبرت؟! ﴿فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ التي حان أجلها لا تعود خلاص ﴿فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى ترجع النفس مرة أخرى للبدن يعي من نومه ﴿وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى يوم أن شاء الله يأتي ليس اليوم أن شاء الله يأتي يوم ثاني﴿وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى يمسك ويرسل هذا شيء مادي يمسك ويرسل ﴿فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ظاهرة أن الروح من سنخ المادة قابلة للامساك قابلة للإرسال ﴿وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى.

أنت إذا تقرأ الآيات الثانية التي ابتدأنا بها المحاضرة ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ «12» ثُمَّ جَعَلْنَاهُ «جعلنا من؟! جعلنا الإنسان نفسه ليس البدن نفس الإنسان الله أطلق الإنسان على النطفة نفس الإنسان» نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ «13» ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ «يعني هذا الجسد» خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ سماه خلق مع أنه يتحدث عن الروح ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ الخلق الأخر ما هو؟! الروح يعني أعطي الروح وهبت له الروح لكن عبر عنه بالخلق ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ هذه معناه أن النطفة تتحرك في بعدين بعد محسوس نطفة علقة مضغة عظام لحم بعد مادي لكن غير محسوس وهو الروح الحياة فالحياة طاقة متصلة بالمادة الحياة طاقة مادية متصلة بالمادة والجسم يتحرك في البعدين في البعد محسوس يتطور من شاب إلى شيخ إلى هرم وفي البعد الغير المحسوس يتطور في طاقته الحياتية من جاهل إلى عالم من شجاع إلى جبان من كريم إلى بخيل من بخيل إلى كريم وهكذا.

نأتي الآن إلى الروايات الشريفة، هذه الروايات الشريفة ذات بعد وعظي فيها موعظة فيها موعظة لنا فيها عبرة لنا أبن ضبيان يسأل الإمام الصادق الإمام الصادق يسأل أبن ضبيان يقول له ما يقول الناس في أرواح المؤمنين ماذا يتكلم الناس عن أرواح المؤمنين قال: يقولون أنها في حواصل طيور خضر الروح تصير في طير والطير يطير بها أنت شوف شنو الله يقدر لك من طير يطير بروحك أنها في حواصل طيور خضر قال: سبحان الله أن الله أكرم أن المؤمن أكرم من ذلك ثم قال أنه إذا أتاه ذلك «أتاه يعني الموت» حضر محمد وعلي «وقت الموت يأتي محمد وعلي» وفاطمة والحسن والحسين وجمع من الملائكة المقربين فإذا أنطق الله لسانه بالشهادة أفترض مؤمن صلب الإيمان نطق بالشهادة فإذا أنطق الله لسانه بالشهادة لله بالوحدانية وللنبي بالنبوة ولآل البيت بالولاية شهد عليه هؤلاء الذين أتوا شهدوا النبي وأهل البيت يشهدون شهد عليه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والملائكة المقربون يشهدوا أنه فعلاً أنه شهد.

وإذا أعتقل لسانه مؤمن لكن مثلنا يوم يغلط يوم زين يوم شين ﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا[17]  فإذا أعتقل لسانه تلكآ تعرف الموت عالم مخيف عالم مهول عالم رهيب إذا وصلت الروح التراقي ورأى الإنسان العالم المهول ربما يعتقل لسانه ربما يصيبه الخوف الذريع وإذا أعتقل لسانه خص علم ما في قلبه بنبيه محمد قال هذا خاص بالنبي هو الذي يكتشفه البقية مجرد شهود الذي يكتشف ما في قلبه هو النبي فيشهد النبي على ما في قلبه يقول ترى هذه قلبه نظيف صحيح أعتقل لسانه لكنه قلبه فيه التوحيد والنبوة والإمامة فيشهد النبي على ما في قلبه ويشهد علي وفاطمة والحسن والحسين والملائكة المقربون على شهادة النبي ثم يقبض الله الروح إليه يقبضها، كيف يقبضها؟! هي في عالم والجسد في عالم ثم يقبض الروح إليه وتصير إلى الجنة في صورة كصورته في الدنيا الروح تكون صورتها مثل صورتك في الدنيا في صورة كصورته في الدنيا فإذا أتي القادم عرفة وقال هذا فلان أبن فلان الروح متصورته بنفس الصورة التي كانت في الدنيا إذن هذا ظاهر الروح أنها تقبض الروح تتصور نحن نؤل نقول الروح تلبست بجسد ثاني وذاك الجسد هو الذي تصور هذا خلاف ظاهر الروايات.

الرواية الأخرى: رواية حمد أبن عثمان سألت الصادق عن أرواح المؤمنين يلتقون قال: نعم يلتقون ويتعارفون ويتساءلون ويأكلون ويشربون فإذا جاءت الروح عرفوها وقالوا هذا فلان قد أقبل.

الرواية الثالثة: عن الصادق : ”أن المؤمن ليزور أهله «بعد الموت يأتي ويزور أهله» فيستر عنه ما يكره ويرى ما يحب“ الأشياء الجميلة في أهله تنكشف إليه لكن الأشياء السيئة تستر عنه إلا تنغص عليه حياته "وأن الكافر ليزور أهله أيضا فيستر عنه ما يحب ويرى ما يكره الأشياء السيئة يراها الأشياء الجميلة تستر عنه وأن بعضهم ليزور أهله كل جمعة «أذا أنت عندك عزيز أم أب ترى هو يزور بيتك كل جمعة يعني ماذا يزور بيتك كل جمعة؟! يعني حاول في كل جمعة أن يكون هناك دعاء أن يكون هناك قرآن أن يكون هناك عمل، عمل مستحب في البيت حتى إذا أقبل الميت يرى ما يحب» وأن بعضهم ليزور أهله كل جمعة وأن بعضهم ليزور على قدر عمله «يعني إذا كان من الأولياء الصالحين لعله يزور في كل لحظة في كل يوم في كل ساعة على قدر عمله».

الرواية الرابعة: عن الصادق سألوه عن أرواح المؤمنين قال تتساءل وتتعارف ثم قال فإذا أقبلت الروح إليهم «توها روح جديدة توفيت من جديد» فإذا أقبلت الروح إليهم قالوا هذا فلان قد أقبل دعوها فأنها أقبلت من هول عظيم لا تحدثوها لا تكلموها» هذا الانفصال عن الجسد هول عظيم اللهم هون علينا سكرات الموت سكرات الموت شديدة الانفصال عن الجسد هول عظيم أنت الآن في الدنيا لا تشعر بالعمل «صح» أصلي أصوم أعمال والعياذ بالله قدر تصدر منك المعصية من الغيبة من النميمة من هتك حرمات المؤمنين ما أشبه ذلك من المعاصي والعياذ بالله هذه المعاصي وأنت في الدنيا لا تشعر بها بس مجرد أن تنفصل الروح عن الجسد تصبح كالصخرة على ظهرك تحملها معك ثقل على الظهر هذه المعاصي تتحول إلى ثقل باهظ يحمله الإنسان أينما مشى أينما سار وبالتالي الروح تشعر بالتغير بمجرد أن تنتقل إلى العالم الأعلى شعرت بأنها تغيرت صارت تحمل أثقال باهظة ”دعوها فأنها أقبلت من هول عظيم“.

فإذا أستقر بها المقام سألت يسألوا هذه الروح ما حال فلان فأن قال تركته حيا ارتجوا قالوا سوف يأتي يوم من الأيام وأن قالوا مات قالوا إذا هوى هوى أين؟! في جهنم لولا هوى لوصل إلينا لا تفكر أن جهنم والجنة بعدين سوف يخلقها الله يوم القيامة جنتنا ونارنا معنا القرآن الكريم يقول: ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ «22» أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ «23» إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ «24» إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ «25» قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ «بمجرد أن مات فتح له الباب جنته حاضرة» قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ «26» بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ[18] .

إذن هناك شخص يموت يرى الباب مفتوح أمامه وهناك شخص يموت يهوي ﴿وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى[19]  يفتح له باب إلى جهنم فيقال عنه هوى، إذن الروايات يزور أهله يتساءلون ويتعارفون كلها دليل على أن الروح مادة نورانية لطفيه ليس لها جرم هي الطاقة الحياتية المتصلة بالبدن هذه الطاقة تستوفى تنتزع من البدن وقت الموت ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا[20] ، ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ[21] .

ونحن نقرأ في سورة الواقعة، سورة الواقعة من السور التي يستحب حفظها، ماذا تقرأ في سورة الواقعة؟! عندما يتحدث عن الروح يتحدث عن النفس ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ «76» إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ «77» فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ «78» لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «79» تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ «80» أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ «81» وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ «82» فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ «83» وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ «أنتم جالسين معاه لكن هو جالس يعرج إلى مكان أخر» إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ «83» وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ «84» وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ، ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ «88» فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ «98» وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ «90» فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ «91» وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ «92» فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ «93» وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ «94» إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ[22] .

والحمدلله رب العالمين

 

[1]  سورة المؤمنون، آية 12 - 14
[2]  سورة يس، آية82.
[3]  سورة القمر، آية50.
[4]  سورة الإسراء، آية85.
[5]  سورة الأعراف، آية54.
[6]  سورة النور، آية 63.
[7]  سورة هود، آية 40.
[8]  سورة هود، آية82.
[9]  سورة البقرة، آية109.
[10]  سورة الأنبياء، آية37.
[11]  سورة الأعراف، 54.
[12]  سورة الروم، آية25.
[13]  سورة هود، آية97.
[14]  سورة القدر، آية1 - 4.
[15]  سورة الزمر، آية 42.
[16]  سورة آل عمران، آية55.
[17]  سورة التوبة، آية 102
[18]  سورة يس، آية 22 - 27.
[19]  سورة طه، آية81.
[20]  سورة الأنعام، آية61.
[21]  سورة السجدة، آية 11.
[22]  سورة الواقعة، آية 76 - 95.

ليلة القدر
مسائل فقهية 6