نص الشريط
القرب الإلهي وفلسفة التوسل
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الرسول الأعظم - مطرح
التاريخ: 21/2/1429 هـ
مرات العرض: 3811
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1581)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ

صدق الله العلي العظيم

حديثنا إنطلاقاً من الآية المباركه في نقطتين:

  • المحور الأول: فلسفة التوسل.
  • المحور الثاني: قرب الله من العبد بواسطة التوسل.

عندما يلقي الإنسان نظرةً على الوجود يرى أن الوجود أسرة واحده مترابطة عَلم الله تبارك وتعالى بأن حركة الوجود لا يمكن أن تتم إلا بترابط أجزائه وبتفاعل عناصره، لا يوجد جزء من الوجود مستقلاً، كل جزء من هذا الوجود مرتبط ببقية أجزاء الكون ومتفاعلٌ مع بقية عوامل الكون وأسبابه.

حركة الوجود لايمكن أن تنتظم ولا تستقر إلا عِبر التفاعل والترابط بين أجزاء الكون وأجزاء الوجود.

مثلاً: البذرة حتى تتحرك وتصبح شجرة مثمرة لا يمكن أن تكون مستقلة في مسيرتها، تحتاج إلى عوامل أرضيه وعوامل سماويه، العوامل الأرضيه: تحتاج إلى تربه وسماد وماء، أما العوامل السماويه: الغلاف الجوي وإلى أشعة الشمس، لا يمكن أن تتحرك إلا عِبر منظومة متكاملة وأسرة واحده ونتيجة ترابط هذه الأسرة تصبح شجرة مثمرة.

الإنسان لايمكن أن يتولد أو يتحقق إلا بعوامل مُختلفه هذا الإنسان منذ طفولته إلى شبابه إلى كهولته إلى شيخوخته هناك عوامل مع هذا الإنسان، الأرض والغلاف الجوي والشمس وضوء القمر كل الموجودات تتفاعل حتى تخدم هذا الإنسان، فهو لا يمكنه أن يتحرك إلا عِبر أسرة مُتفاعله ومنظومه متكاملة حتى تضمن مسيرة وحركة الإنسان ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ. ألم يكن الله قادراً على أن يخلق كل شئ مستقل البذرة مستقله والقمر مستقل وكذلك الشمس والإنسان، نعم كان قادراً ولكن لو خلق كل شئٍ مُستقلاً لما إنتظم الوجود، لا يمكن أن ينتظم الوجود ولا أن تستقر حركته إلا إذا جعل الوجود مُترابط ومُتفاعل، بعضه يخدم بعضاً وبعضه يُساعد بعضاً، وبالتالي كما أن الله جعل للبذره وسائط أيضاً هناك للإنسان وسائط، كذلك الله جعل محمداً وآل محمد جعلهم وسائط في الفيض التكويني والفيض التشريعي، أنت تقرأ في الزيارة الجامعة ”بكم فتح الله وبكم يختم وبكم يُنزل الغيث وبكم يُمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبكم يُنفس الهم وبكم يكشف الضر....“ كما أن الرياح واسطه بإنزال المطر، وكما أن الشمس واسطه لنمو النبات أنتم أيضاً جعلكم الله واسطه في الفيض التكويني، ”ماخلقت سماءً مبنيه ولا أرضاً مدحوه ولا قمراً منيراً ولاشمساً مضيئة ولا فلكاً يسري ولا بحراً يجري إلا لأجل هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء، قيل ومن تحت الكساء؟ قال: هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها“

هي النور من نوره وبالنور زُوجت
فنور  عليٍ  قد  غشى نور iiفاطمٍ
  تبارك   ربٌ   فيهما  جمع  الخير
فأولدها    بدراً    وأعقبها    iiبدرا

هذه المجموعة النورية وسائط في الفيض التكويني ووسائط في الفيض التشريعي، بمعنى أن التشريع نزل إلى المُجتمع الإنساني عِبر هؤلاء، الإمام الصادق يقول: ”وإن عندنا الجامعه، قيل ومالجامعه؟ قال كتابٌ بإملاء رسول الله وخط علي ابن أبي طالب فيه جميع مايحتاجه الناس من حلالٍ وحرام حتى إرش الخدش إلى يوم القيامة“.

النقطة الثانية:

هناك شبهةٌ وهي أن الإنسان لا يحتاج إلى وسيلة إلى الله تبارك وتعالى، القرآن واضح في أن الله أقرب إلى العباد من أي شئ آخر، القرآن الكريم يقول: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ إذا كان الله قريباً منا فلا نحتاج إلى أن نوسط له واسطة ولا نحتاج إلى أن نتخذ له وسيلة، مادام الله قريباً منا القرآن الكريم يقول: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إذا كان أقرب إلينا من حبل الوريد فالبنتيجة نحن لا نحتاج إلى واسطة ووسيلة بيننا وبينه.

الجواب عن هذه الفكرة، نذكر أوجهاً:

الوجه الأول: أن إلغاء الواسطة والوسيلة غير ممكن عقلاً، لأنه يتنافى ويتعارض مع طبيعة الوجود وذلك لأن الوجود لايسير من غير وسيلة، عندما يقول الإنسان أنا أريد شجره من دون بذرة ومن غير أي واسطة، أو أنا أريد أن الله يخلق له إنسان بدون واسطة أي شئ لا يمكن ذلك لأن هذا نظام الوجود.

أبى الله تبارك وتعالى حتى يستقر نظام الوجود وحركة الوجود أبى إلا أن يكون لكل مسببٍ سبب، أنا أقول مادام الله قريباً من مخلوقاته فليخلق شجره بدون بذره أو يخلق إنسان بدون واسطة نطفه أو خليه.

الإنسان عندما يقول الله يستجيب دعائي بدون واسطة هذا الكلام مثل أن يقول فل يوجد الله إنسان من غير واسطة، هذا إلغاء لطبيعة نظام ومسيرة الوجود، هذه المسيرة سارت على وسائط الفيض حتى تشكل أسرة واحدة متماسكة، قرب الله شئ والحاجه إلى الواسطة شئٌ آخر.

قرب الله يعتمد على هذه الوسائط صحيح الله تعالى قال: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ إلا أن قربه من عالم الماده والمخلوقات هو قربٌ منوطٌ بالواسطه وهذه الواسطه مِلاكٌ وعلةٌ في قربه، هو الذي أناط قربه وربطه بالواسطه فلا تنافي بين قربه وبين إتخاذ الواسطه.

الوجه الثاني: هناك فرق بين قربنا من الله وقرب الله منا، القرآن الكريم يتحدث عن قربه منا ولكننا نطلب قربنا منه، هناك فرق بين القرب الواقعي والقرب الروحي.

القرب الواقعي: هو قرب الله منا، لو أغمضنا عن الجواب الأول جدلاً نقول قرب الله منا لا يحتاج إلى واسطة.

القرب الروحي: هو قربنا من الله وهذا يتوقف على الواسطة فما يتحدث عنه القرآن يشير إلى القرب الواقعي ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ وما نحن نطلبه هو القرب الروحي.

الوجه الثالث: عندما نراجع النصوص قرآناً وسنة نجد أن النقد ينص على الواسطة، مثلاً إلى قوله تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ يوجد أغناهم مرتين أغناهم الله، ورسوله بمعنى الرسول واسطة في الغنى فهذا واضح، لو كان إتخاذ الواسطة شركاً أو محرماً كما ذكر القرآن الكريم ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فلم يقل أغناهم الله وسكت إنما أضاف الرسول، قوله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ لو شخص يقول أنا لا أريد وسيلة، دعاء الله وعبادته أمر توقيفي لايمكن للإنسان أن يعبد الله كما يريد الإنسان لابد أن يعبد الله كما يريد الله عزوجل. كما شخص عندما يدخل على الملك أو السلطان ويُحيه بتحيه مُخترعه من عنده فيقول له السلطان أنا لا أقبل، أنا أريد أن تحييني بالتحيه التي أنا أريدها لا بالتحيه التي أنت تريدها، العبادة والدعاء بين العبد وربه نوع من التحية، هذه التحيه لاتقربك إلى الله إلا إذا كانت كما يريدها الله لا كما تريده أنت، والكيفية التي يريدها الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ مادام الله قريباً منا إذن لا نحتاج حتى إلى الدعاء ﴿قل مايعبأ بكم ربي لولا دعائكم أنا لا أقترب منكم لولا الدعاء وهو الواسطه، قال تبارك وتعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ الصلاة وسيلة، والصدقة، وكذلك يكون الحجر وسيلة ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وكذلك مثل تربة الحسين ، وقد تكون الوسيلة زمان معين القرآن يقول: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «1» وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ «2» لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ «3» فعندما تعبد الله في ليلة القدر هذه العبادة تعدل عبادة ألف شهر، وكذلك الإنسان قد يكون وسيلة كالنبي محمد القرآن يقول: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا الرسول هو واسطة وهذه الآية مُطلقة لحياته وما بعد مماته.

وهذا ماجرت عليه النصوص الروائية أيضاً، مارواه الطبراني في معجمه الكبير لما توفيت فاطمة بنت أسد والدة الإمام علي وكان يعتبرها النبي أمه لأن النبي عاش في كنف عمه أبي طالب منذ صغره فكان تحت رعاية زوجة عمه وهي فاطمة بنت أسد، فلما توفيت وشُيعت قام الرسول وحفر قبرها بيديه المباركه ولما تم حفر قبرها إضطجع في القبر قال: ”حتى أقيها من ضغطة القبر“ نام النبي في القبر قال: ”اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق الأنبياء من قبلي إلا غفرت لأمي فاطمة بنت أسد ووسعت عليها مدخلها“ ثم دفنها وقال: ”رحمك الله يا أمي بعدهم“.

الأئمة الطاهرون يتوسل بعضهم ببعض، عندما تقرأ قصة المباهله وهي ثابته عند جميع المذاهب الإسلامية وعندما تقرأها في كتاب الكشاف للزمخشري وكتاب التفسير الكبير للرازي، عندما باهل الرسول نصارى نجران نزل قوله تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ فلما نزلت هذه الآية ﴿أبنائنا لم يدعو غير «حسناً وحسيناً» وعندما قال ﴿ونسائنا لم يدعو غير «فاطمة الزهراء» رغم أن زوجاته موجودون، ﴿وأنفسنا من الذي يُشكل نفس النبي ويعتبره قريبٌ منه مادعى إلا «علي ابن أبي طالب» ثم الرسول أمام وفاطمة خلف النبي وبيدها اليُمنى الحسن وبيدها اليسرى الحسين وعليٌ خلف فاطمة والرسول يقول: ”إذا دعوتوا فأمنوا“ هنا الرسول يدعوا وهو يتوسل بعليٍ وفاطمة والحسن والحُسين، النبي أراد أن يُعلم الأمة أن المصداق الأوضح للوسيلة في قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ الوسيلة الواضحه هم هؤلاء عليٌ وفاطمة وحسنٌ وحسين.

فلما رآهم أسقفُ نصارى نجران قالوا: إني لأرى وجوهاً لو أقسمت على الله تعالى أن يُزيل جبلاً لأزاله بها فلا تباهلوهم فتهلكوا. إذن المعصومون يتوسل بعضهم ببعض، لماذا؟ لبيان عظمتهم وقربهم من الله سبحانه وتعالى. ولدينا روايات معتبره في باب المزار في وسائل الشيعه، الإمام الجواد يتوسل بجده الحسين جاء مجموعة من الشيعه إلى الإمام الجواد عندما كان في المدينة وكان الإمام مريضاً سلموا عليه قال لهم: إلى أين؟ قالوا: إلى العراق، إلى قبر جدك الحسين، قال: إدعوا لي عند قبر جدي الحسين، ثم ذكر هذا الحديث ”الشفاء في تربته والإجابه تحت قبته“. فأنت عندما تقسم عند الحسين ياأبا عبد الله أقسم عليك بأمك، فهذا نفس قصة المباهلة بأن تقسم على المعصوم بمعصوم آخر، لا فرق بالتوسل، يا فاطمة توجهي إلى الله بقضاء حاجتي أو تقول: يافاطمة بحقك عند الله وجاهك عند الله إقضي حاجتي أو تقول: يافاطمة إشفعي لي في الجنه كل هذا توسل. مادمت تعتبرها واسطة في الفيض كله مشمولٌ لنصوص التوسل.

ومن أعظم مصاديق التوسل: التوسل بتربة الحسين وبقبره وبأرض الحسين، ولذلك عندما تسمع هذه الروايه الموجوده وليس كلام شاعر:

خذوا لكم من دم الأحباب تحفتكم   وخاطبوا  الجد هذي تحفة iiالسفرِ

أن زينب عندما وصلوا إلى قبر الحسين وأقاموا المأتم والعزاء وأرادوا الخروج، أخذت بعضاً من تربة قبر أخيها الحسين ووضعتها في الرحال وقالت: ”هي تُحفتي عند جدي محمدٍ رسول الله

فنأخذ جزءاً من تربته وهي جزء من الحسين ومن ذرات دمه، هذه التربه العظيمة، ولذلك هذه التربة أصبحت قبلة للزائرين.

يوم الأربعين: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء
أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ