نص الشريط
البعد الروحي في الفكر الإمامي
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 7/1/1435 هـ
تعريف: البعد الروحي في الفكر الإمامي \\
مرات العرض: 3250
المدة: 01:10:01
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (31312)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ

صدق الله العلي العظيم

انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث في محورين:

  • المحور الأول: حول حقيقة الإنسان وصفاته.
  • المحور الثاني: حول تقوم العبادة بجناحيه الحب والخوف.

المحور الأول: وهو الحديث عن حقيقة الإنسان:

ذكر الفلاسفة أن الوجود على ثلاثة أنواع: الوجود النفسي، والوجود الغيري، والوجود الرابط.

  1. الوجود النفسي: هو وجود الشيء في نفسه ولنفسه كجسم الإنسان مثلاً أو روح الإنسان مثلاً هذا موجود في الوجود النفسي لأنه موجود في نفسه ولنفسه.
  2. الوجود الغيري: كوجود العلم فأن العلم وأن كان وجود في حد ذاته لكن لا يمكن أن يوجد العلم إلا مع وجود إنسان يحل فيه ذالك العلم فالعلم موجود في نفسه لكن وجوده لغيره فوجوده غيري.
  3. الوجود الرابط: وهناك وجود ثالث يربط بين هذين الوجوديين وهما وجود الإنسان وجود العلم وهذا الوجود الثالث الذي يربط بينهما يمسى بالوجود الرابط فهو وجود لكن لا في نفسه لأنه حقيقته الربط بين الوجوديين.

ثم يقع السؤال إذا قارنا بين وجود الإنسان وجود الله فماذا يكون وجود الإنسان هل يكون وجود نفسي مقابل وجود الله عز وجل؟

ذهب بعض الفلاسفة إلى أن وجود الإنسان بالمقارنة مع وجود الله وجود نفسي أيضا لأنه الفرق بين وجود الإنسان وجود الله هو النقص والكمال وإلا كلاهما وجود الإنسان وجود في نفسه والله وجود في نفسه لكن وجود الإنسان وجود محدود ناقص ووجود الباري تعالى وجود كامل فكلاهما وجود إنما الفرق بينهما بالنقص والكمال نظير الفرق بين نور المصباح ونور الشمس فأن نور المصباح بالنسبة لنور الشمس ناقص ونور الشمس بالنسبة لنور المصباح كمال ولكن الفلاسفة المتألهون والعرفاء قالوا أن وجود الإنسان هو عين الربط بالله وجود الإنسان ليس وجود نفسي بالمقارنة مع الله.

وجود الإنسان مجرد تدلي كالخيط الذي يتدلى من شيء معين وجود الإنسان عين التدلي عين الربط بالله عز وجل ليس وجود نفسي الإنسان لأنه ممكن فالإمكان يعني أنه عين الفقر عين الحاجة عين الربط بالله عز وجل ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ فوجود الإنسان رابط لا بمعنى الربط بين وجوديين بل بمعنى أنه عين الربط والتعلق بالله، ولأجل ذالك فإن وجود الإنسان يحمل التزاوج بين الأضداد فالإنسان يعيش الموت والحياة في آن واحد ويعيش اللذة والألم في آن واحد وعيش الحب والخوف في آن واحد فالآن الإنسان هو النقص هو المحدودية هو الفقر ذلك لا يعيش حياة محضة وإنما يعيش حياة مطعمة بالموت فهو يموت في كل لحظة ويحي في كل لحظة هو يحي لأنه نفخة من الله ومدد من الله وهو يموت لأنه نقص ومحدودية وقيود وأغلال تعيش في صميم وجود الإنسان هذا الإنسان يعيش اللذة والألم في آن واحد لا يمكن للإنسان أن يحصل على لذة خالصة دائما تكون الذة محفوفة بالألم إذا ما دام يعيش الموت والحياة فهو يعيش اللذة والألم لو حصل على الثروة فلذة الثروة مصوبة ومبتلاة بالقلق والتوتر لو حصل على لذة الزواج فهذا الاستقرار العاطفي مشوب أيضاً بالنقص ومشوب بالمحدودية فأي لذة يحصل عليها الإنسان فهي لذة مشوبة بالألم ولو عاش لذة بدون ألم لم يذق طعم اللذة ولو عاش ألم بدون لذة لم يذق طعم الألم فأن الأشياء تعرف بأضدادها لا يمكن للإنسان أن يحس بطعم الألم حتى يشعر بطعم اللذة والعكس.

إذن حقيقة الإنسان هي امتزاج بين نقص وكمال بين موت وحياة بين لذة وألم بين حب وخوف ولذلك ذكرت النصوص الشريفة أن الحياة العبادية للإنسان مستقاة من الحياة الحقيقة للإنسان فعبادة الإنسان منسجمة مع ذات الإنسان ولأن العبادة منسجمة مع ذات الإنسان قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا ليعبدون فكما أن ذات الإنسان تعيش قلق بين نقص وكمال بين ألم ولذة فالعبادة أيضاً تعيش تأرجح بين خوف ورجاء لا تكون العبادة عبادة حقيقة حتى تعيش هذا التزاوج بين الخوف والرجاء فمن خاف الله بدون رجاء يأس من رحمته وأصبح هالك ومن رجا الله من دون خوف تجرأ على المعاصي وأرتكب الذنوب فالعبادة تعيش تزاوج بين الحب والخوف بين الخوف والرجاء كما ورد عن النبي محمد : ”لا يكون المؤمن مؤمن حتى يكون خائف راجي ولا يكون خائفا راجي حتى يحذر مما يخاف ويعمل لما يرجوا“ وهذا ما تكلم عنه الإمام الحسن الزكي سلام الله عليه كما في قوله ”أعمل لدنيا كأنك تعيش أبد“ هذا هو الرجاء ”وأعمل لأخرتك كأنك تموت غدا“ هذا هو الخوف.

المحور الثاني: العبادة قائمة على جناحين: جناح الحب، وجناح الخوف

ونحن نتحدث عن كل واحد من الجناحين:

الجناح الأول: جناح الحب، يعتمد على عدة عناصر:

العنصر الأول: حب الإنسان إلى الله: هل يمكن أن يحب الإنسان ربه؟

بعض المتكلمين يقول لا يمكن لأنه الحب نوع من الإرادة والإرادة تتعلق بالحوادث والله ليس حادث، إذن ما يحبه الإنسان هو ثواب الله وليس الله فإذا قال الإنسان أحب ربي فهو يحبه ثوبه لا أنه يحب ذاته حب الله لا يقع من الإنسان ولكن في المقابل الفلاسفة العرفاء قالوا: الإنسان يحب الله يحب ذات الله حب فطري ذاتي إي أن الإنسان خلق وهو يحب ذات الله تبارك وتعالى، كيف ذالك؟

الله علة والإنسان معلول والمعلوليه تعني الشعور بالنقص فالإنسان دائما في حالة الشعور بالنقص دائما في حالة الشعور بالمحدودية قدرته محدود علمه محدود حياته محدودة أيامه محدودة رزقه محدود فبما أن الإنسان معلول والمعلولية تعني الحدود إذن فالإنسان دائما يشعر بالوحدة يشعر بالمحدودية بالنقص وشعور الإنسان بالنقص والمحدودية يقوده إلى حب الله عز وجل لأنه الله عين الكمال هو العلة التي تفيض الكمال فهو عين الكمال عين لا محدودية فمن الطبيعي أن يحب المحدود إلا محدود وأن يحب النقص الكمال وأن يحب المقيد المطلق ليهبه الحدود ويهبه الكمال ويهبه الرزق فحب الإنسان إلى الله حب ذاتي فطري تقتضيه طبيعة الإنسان، وكما يقول أهل العرفان الإنسان بطبعة وفطرته يحب الجمال والجمال مركزه الله هو مفيض الجمال فهو عين الجمال وبما أن الإنسان يحب الجمال فهو بفطرته وطبعه يحب الله عز وجل والآية الكريمة تقول: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ.

العنصر الثاني: الحب على أقسام ثلاثة: الحب المعلل، والحب المجرد، والحب الإلهي.

الحب الأول: الحب المعلل.

أن أحبك لأنك تخدمني الحب المصلحي الحب البرجماتي وهذا الذي عبر عنه القرآن الكريم: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ حب الإنسان للمرأة حب الإنسان للولد نفعي حب معلل.

الحب الثاني: الحب المجرد.

أن أحبك لأجلك لا لأجلي أن أحبك ولو كان حبك ضرر عليّ أن أحبك وأضحي لأجل حبك وهذا الحب المجرد هو أعلى درجات الحب الإنساني هو الذي عبر عنه العابس اليشكري: ”حب الحسين أجنني“.

الحب الثالث: الحب الإلهي.

 حب الله لنا، كيف يحبنا الله؟! الحب عند الإنسان انفعال والله ليس قوة تنفعل بغيرة، إذن ما معنى حب الله للإنسان؟ هنا يتكلم العرفاء عن هذه الآية المباركة يقولون الحب الحقيقي بين كلمتين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ بين الكلمتين ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وبين الكلمتين مهج تذوب وأرواح تطير إلى المحبوب حبنا لله لأنه يحبنا هو الذي أحبنا فأحببناه نحن لم نحب الله ابتداء «لا» فهو أحبنا فأحببناه يحبهم ثم يحبونه إذا رأى الإنسان أنه يحب الله فهذا معناه أن الله يحبه لا يمكن للإنسان أن يحب ربه إلا إذا أحبه ربه ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، كيف يحبنا الله؟!

حب الله على ثلاث درجات:

الدرجة الأول: التجلي.

إذا تجلى الله في قلب الإنسان المؤمن فهذه أول درجة من درجات الحب، كيف يتجلى الله؟ انشراح الصدر إذا وجت صدرك منشرح إذا وجدت صدرك مطمئن أنت منشرح للعبادة منشرح للصلاة قلبك مطمئن بالصلاة هذا الانشراح وهذا الاطمئنان معناه أن الله تجلى بنور جماله في قلبك فنشرح قلبك وأطمئن بذكر الله وهذه أول درجة من درجات حب الله لك﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ

الدرجة الثانية: درجة الجذب.

 أن الله تعالى يعطي عبادة المؤمنين جذبات في أوقات معينة جذب، كيف؟

تمر علينا بعض الأوقات لا نمل من الصلاة نريد دائما نصلي تمر علينا بعض الأوقات لا نسئم من الدعاء دائما نقرأ الدعاء دائما نناجي نناغي تمر علينا بعض الأوقات لا نسئم من البكاء على أنفسنا على ذنوبنا على معاصينا هذه الحالات حالات جذب الله رزقنا حالات جذب﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا، ونحن نقرأ في الدعاء ”أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أحبائك حتى فذاقوا حلاوة مؤنستك“ ويقول الإمام الحسين في دعاؤه ”اَنْتَ الَّذي اَزَلْتَ الاغْيارَ عَنْ قُلُوبِ اَحِبّائِكَ حَتّى لَمْ يُحِبُّوا سِواكَ“ ويقول الإمام زين العبدين «علي السلام» في دعائه: ”اللّهُمَّ امْلا قَلْبي حُبا لَكَ وَخَشْيَةً مِنْكَ، اللّهُمَّ حَبِّبْ اِلَيَّ لِقاءِكَ وَاَحْبِبْ لِقائي“ حب الله إذا ملئ القلب حصلت حالة الجذب لذا الإنسان.

الدرجة الثالثة: أن يصل الحب إلى درجة سلب الحواس.

 لا يبقى للإنسان حاسة إلا وهي تفكير في الله وهذه الدرجة يعبر عنها النبي : ”مَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا“ يسطرعليك حب الله على كل جوانحك على كل جوارحك حتى لا تتفاعل مع غير الله وهذا ما عبر عنه الإمام أمير المؤمنين : ”ما رأيت شيئ إلا ورأيت الله قبله بعده فوقه تحته فيه“ وعبر عنه الإمام الحسين في دعائه حيث قال: ”مَتى غِبْتَ حَتى تَحْتاجَ إِلى دَليل يَدُلُّ عَلَيْكَ مَتى غبْتَ حَتَّى تَحْتاجَ إِلى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ وَمَتى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الآثارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ عمِيتْ عينٌ لا تراكَ عليها رقيباً، وخسرتْ صفقةٌ عبدِ لمْ تجعلْ له مِنْ حُبِّك نصيبا“،. إذن هذا هو حب الله وحب الله يقود الإنسان إلى أن يحب ربه من احبه ربه أحب ربه.

الدرجة الثالثة: حبنا لله له درجات حتى حب البشر للبشر له درجات:

الدرجة الأولى: الاستحسان: إذا قدمت ليّ خدمة استحسنت هذه الخدمة هذه أول درجات الحب الاستحسان.

الدرجة الثانية: المودة: أن يحصل في قلبي ميل لك نزوع نحوك.

الدرجة الثالثة: الخلى: أن الله أتخذ إبراهيم عبد قبل أن يتخذه نبي وأن الله أتخذه نبي قبل أن يتخذه رسولا وأن الله أتخذه رسول قبل أن يتخذه خليل.

الخليل: هو الذي يتمكن حبه من قلبك فلان خليلي يعني حبه يسطر على قلبي متمكن من فؤادي فمرتبة الخلى أن تشعر أن حب يسطر على قلبك وسيطر على فؤادك.

الدرجة الرابعة: درجة العشق: قد يقول الإنسان العشق ليس موجود في قاموس العبادة الحب موجود في قاموس الدنيوي أما الحب الإلهي فليس في قاموسه كلمة العشق هذا ليس صحيح العشق موجود في قاموس العلاقة مع الله، الشيخ الكليني في كتاب الكافي يروي عن أبي عبدالله الصادق : ”من عشق العبادة وعانقها وأحبها بقلبه وتفرغ لها فهو لا يبالي أصبح على يسر أم على عسر“ وصل إلى درجة العشق.

الدرجة الخامسة: الوله: ما معنى الوله؟ أن لا تذكر إلا الله ولا تتكلم إلا بسم الله ولا تتصور إلا الله ولا تعيش إلا مع الله وصلت إلى درجة الوله وهذا ما يعبر عنه الإمام علي في دعاء كميل: ”وجعل لساني بذكرك لهجا وقلبي بحبك متيما“ لساني لهجي بذكرك قلبي متيم بحبك.

الدرجة السادسة: لذة الذكر: هذا هو العنصر الرابع من عناصر الحب لذة الذكر ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ هل وصلت إلى لذة الذكر؟ هل وصلت إلى درجة أن ترى ذكر الله لذيذ في قلبك؟

هناك درجات لذكر يذكرها العرفاء:

الدرجة الأولى: الذكر باللسان: شكر الله ﴿وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ، وقال تعالى: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ.

الدرجة الثانية: ذكر القلب: وهو تصور عظمة الله ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

الدرجة الثالثة: ذكر الروح: أن تشهد روحك عناية الله، هل تشعر أنت أن الله يعتني بك؟ أم أن هذا كلام تقوله على لسانك؟ كثير منا يقول الله يحبني الله يعتني بي الله يرحمني لكنه لا يشعر بذالك في قلبه إذا وصلت إلى درجة تشعر بعناية الله بك برحمة بك فرج عنك كرب فرج عنك دفع عنك شدائد عافاك من أمراض خلصك من محن إذا وصلت إلى درجة تشعر من داخل روحك وصميم وجدانك بعناية الله وبرحمته فأنت وصلت إلى هذه المرتبة من الذكر المسماة «ذكر الروح».

الدرجة الرابعة: ذكر السر: والمقصود بذكر السر صلاة الليل الخلوة مع الله ما أجمل هذا الذكر أن يترك الإنسان أهله ويترك الإنسان عياله ويترك الإنسان الدنيا كلها ويجلس في ظلام الليل يتذكر ذنوبه يتذكر معاصيه يتذكر أوساخه يتذكر قذارته يتذكر شريطه الأسود يتذكر ماضيه النتن ثم يتحسر ويتألم هذه الخلوة مع الله هذه المناجاة مع الله عندما يخرج الصوت من صدرك صوت الأنين صوت الحنين صوت الحسرة صوت الألم فهذا الصوت هو ذكر من ذكر الله هو مرتبة من ذكر الله هو مرتبة السر مرتبة المناجاة مع الله فكانت فاطمة أعبد الناس في زمانها فاطمة الزهراء لا يمر عليها الليل وهي نائمة بل يمر عليها الليل وهي في مصلاها تبتهل وتدعوا وتأن وتحن تمثل لنا مرتبة ذكرالسر مرتبة ذكر المناجاة.

الدرجة الخامسة: الذكر الخفي: والمقصود بالذكر الخفي: المناجاة عن عشق ووله، كيف المناجاة عن عشق ووله؟ نحن نناجي ربنا نجلس في الليل ونصلي صلاة اليل وندعو ربنا لكن هل يخرج الدعاء من جميع قوانا؟! أم يخرج الدعاء من قوة واحدة وهي اللسان فقط؟

عندما تصل إلى مرحلة الذكر الخفي يعني كل قواك تذكر الله كل قواك تناجي الله إذا جلست أمام ربي في ظلام الليل وتحركت دموعي على المعاصي التي فعلتها وأنفعل قلبي بالحسرة والألم وأرتعد بدني وارتعدت فرائسي فانشغلت جميع جوارحي وجوانحي بالعبادة وبالمناجاة مع الله فأن أناجيه قلب لسان دموع جوانح جوارح حسرة ألم حين أذن أكون قد وصلت إلى الذكر الخفي ”اللهم استعملنا بالذكر الخفي والسعي المرضي“ كما في دعاء الإمام زين العابدين الذكر الخفي، ولهذا الذكر الخفي لذة لا تضاهيها لذة رسول الله يقول: أرحنا يا بلال من شدة شوقنا للصلاة لأنه الصلاة لقائنا بالمحبوب لأنه الصلاة معراج المؤمنون لأنه الصلاة لقاء مع الله فنحن نشتاق إليها أرحنا يا بلال وأذن حتى نلتقي بمحبوبنا ”هذه الذة التي تجعل علي أبن أبي طالب ينهار إذا وقف أمام ربه يصلي ركعتين فيغشى عليه من صعقات النور التي تملئ وجدانه علي يعبر عن هذه اللذة“ ركعة لي في دنياكم أحب لي من الجنة وما فيها"هذا هو جناح الحب.

عندنا جناح أخر يطير به المؤمن نحو الله إلا وهو جناح الخوف، الخوف:

  1. قد يكون غريزي كالخوف من الأمراض من الكوارث من الفقر.
  2. وقد يكون خوف إيماني وهو الخوف من الله.

الخوف من الله له درجات أيضاً نبدأ من الأعلى للأدنى:

الدرجة الأعلى: خوف المقام.

يقول القرآن الكريم: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى «40» فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى خوف المقام لأنه هذا الخوف ينطلق من إدراك عظمة الله وجبروت الله وملكوت الله فمن ادرك عظمته وجبروته وملكوته خاف مقامه الإمام الحسن الزكي يقف على باب المسجد فترتعد فرائصه ويصفر لونه ويقول أتدرون أني أقف بين يدي من؟ أنني أقف بين يدي جبار الجبابرة وملك الملكوت ”إلهي مسكينك بابك أسيرك بفنائك يا محسن قد أتاك المسيء أنت المحسن وأنا المسيء يا محسن تجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم“، وورد عن النبي : أي عبد عرضت له فاحشة أو معصية أو شهوته فتجنبها مخافة من الله حرم الله عليه النار وآمنه يوم الفزع الكبرى ووهبه ما وعده في كتابه وهو قوله عز وجل: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ‎، أما الإنسان الذي أنساق مع الشهوة أنساق مع المعصية أنساق مع الرذيلة﴿فَأَمَّا مَن طَغَى «37» وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا «38» فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى.

الدرجة الثانية: درجة الخوف.

الخوف من الآخرة وما أدراك ما الآخرة ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ «34» وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، ”أنظر مرة عن يمني وأخرى عن شمالي إذ الخلائق في شأن غير شأني“ ويقول القرآن الكريم: ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، في الرواية الصحيحة عن أبي بصير نزل جبرائيل قاطب الوجه عابس على رسول الله فقال رسول الله يا جبرائيل مالي أرائك قاطب هذا اليوم، قال: وضعت اليوم منافخ النار، قال: وما منافخ النار؟ قال الله أمر بالنار أن تنفخ فنفخت ألف عام حتى أبيضت ثم نفخت آلف عام حتى أحمرت ثم نفخت ألف عام حتى أسودت فهي سوداء مظلمة لو قطر من ضريعها قطرة على شرب أهل الدنيا لماتوا من متن ريحها ولو وضعت حلقة من سلسلة ذرعها سبعون ذراع على الدنيا لماتت من حرها، جبرائيل يصف العبد أن العبد يسعى أن يخرج منها من النار فينزلق فيها﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ فبكى رسول الله وهو سيد المخلوقات فكيف نحن لا نبكي ونتألم فبكى رسول الله وبكى من معه وما لم يرى باسم بعد ذلك".

الدرجة الثالثة: الخوف من النفس.

أنا أخاف من نفسي أنا الآن إنسان مؤمن أصلي أصوم أترك المحرمات لكني أخاف من نفسي لعلها تنزلق يوم من الأيام لعلها تخطيء يوم من الأيام ورد عن النبي : ”أن المؤمن بين مخافتين ذنب قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه «ليس كل ذنوبنا غفرت لا أحتمال بعض ذنوبنا ما زالت باقية لم تغفر لأنه فيها ظلم للناس لأنه فيها اعتداء على الناس» ذنب قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه“ اللهم أرزقنا حسن الخاتمة، فهو لا يزال في خوف ولا يصلحه إلا الخوف لن يصلحنا إلا الخوف ثقوا يا أخوان لا يصلح الإنسان إلا إذا خاف الله من ليس في قلبه خوف الله أقتحم المعاصي وتجرأ على الذنوب نحن نحتاج إلى الخوف وليس الخوف المؤقت نحن إذا سمعنا الموعظة خفنا لكن هذا الخوف مؤقت إذا رئينا الجنازة خفنا لكن هذا خوف مؤقت إذا زرنا القبور خفنا لكن هذا خوف مؤقت، الخوف المؤقت لا يجدي نحن نحتاج إلى خوف مستقر خوف مستحكم في قلوبنا الخوف المستقر هو الذي ينفعنا عندما نقرأ قصص الأئمة قصص خوفهم من الله وهم أفضل الخلق وسادة الخلق نستلهم منهم الخوف.

ورد عن الإمام الصادق : ”خف الله كأنك تراه فأن لم تكن تراه فأنه يراك“ أنا أخاف من والدي أن يراني في المعصية أخاف من زوجتي وتراني وأنا أرتكب المعاصي أخاف من جيراني أن يروني وأنا أرتكب المعصية فلماذا لا أخاف الله لو أن العبد خاف الله كما يخاف العباد لنجى من لفح جهنم، وإذا قرئنا الأدعية الشريفة أدعية الطاهرين نتعلم منها نبرة الخوف من الله طعم الخوف من الله، الحاجة إلى الخوف من الله نحن في أيام الحسين سيد الدعاء كما كان الحسين سيد الشهادة سيد الكلمة سيد الإرادة فالحسين سيد المحراب سيد الدعاء سيد العلاقة مع الله الحسين في دعائه يعلمنا كيف نخاف الله ”إلهي بذنوبي فلا تفضحني وبسريرتي فلا تخزني وبعملي فلا تبتلني ونعمك فلا تسلبني وإلى غيرك فلا تكلني إلهي إلى من تكلني“ يعلمنا على الشعور، الشعور بالغربة غربة الروح نحن نعيش بين زوجاتنا غربة وأولادنا لكننا غرباء نعيش غربة الروح لأننا نشعر أن عمرنا محدود وأننا راحلون وأننا سائرون إلى الطريق، إذن نحن نعيش غربة الروح ”إِلى مَنْ تَكِلُنِي إِلى قَرِيبٍ فَيَقْطَعُنِي أَمْ إِلى بَعِيدٍ فَيَتَجَهَّمُنِي أَمْ إِلى المُسْتَضْعِفِينَ لِي وَأَنْتَ رَبِّي وَمَلِيكُ أَمْرِي؟ أَشْكُو إِلَيْكَ غُرْبَتِي وَبُعْدَ دارِي وَهَوانِي عَلى مَنْ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، إِلهِي فَلا تُحْلِلْ عَلَيَّ غَضَبَك“ الحسين يعلمنا كيف نشعر بالضعف أمام الله ”اَنْتَ كَهْفي حينَ تُعْيينِي الْمَذاهِبُ في سَعَتِها، وَتَضيقُ بِيَ الارْضُ بِرُحْبِها، وَلَوْلا رَحْمَتُكَ لَكُنْتُ مِنَ الْهالِكينَ، وَاَنْتَ مُقيلُ عَثْرَتي، وَلَوْلا سَتْرُكَ اِيّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَفْضُوحِينَ“ إلهي يا عدتي في كربتي، ويا صاحبي في وحدتي ويا غياثي في غربتي ويا ولي في نعمتي ”إلا نشعر بالخجل أمام الله إلا نشعر بقلة الحياة أمام الله أننا لا نستحي منه ولا نخجل منه الحسين يعلمنا كيف نخجل من ربنا“ يا مَنْ قَلَّ لَهُ شُكْري فَلَمْ يَحْرِمْني، وَعَظُمَتْ خَطيَئَتي فَلَمْ يَفْضَحْني، وَرَآني عَلَى الْمَعاصي فَلَمْ يَشْهَرْني، يا مَنْ دَعَوْتُهُ مَرِيضاً فَشَفانِي، وَعُرْياناً فَكَسانِي، وَجائعاً فَاَشْبَعَنِي".

الآن ندخل في مقارنة بين العبد وبين ربه من أنت؟ أنت الله، من أنا؟! أنا العبد أنا المخطئ أنا المذنب أنا مخطئ أنا عاصي هو راحم هو غافر هو عافي من هو من أنا؟ الحسين يعلمنا هذه المقارنة ”يا مَوْلاىَ اَنْتَ الَّذى مَنْنْتَ، اَنْتَ الَّذى اَنْعَمْتَ، اَنْتَ الَّذى اَحْسَنْتَ، اَنْتَ الَّذى اَجْمَلْتَ، اَنْتَ الَّذى اَفْضَلْتَ، اَنْتَ الَّذى اَكْمَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي رَزَقْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَغْنَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَقْنَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي آوَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي كَفَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي عَصَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي سَتَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي غَفَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَقَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي مَكَّنْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعْزَزْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعَنْتَ، أَنْتَ الَّذِي عَضَدْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَيَّدْتَ، أَنْتَ الَّذِي نَصَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي شَفَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي عَافَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَكْرَمْتَ، تَبَارَكْتَ رَبِّي وَ تَعَالَيْتَ، فَلَكَ الْحَمْدُ دَائِماً، وَ لَكَ الشُّكْرُ وَاصِباً ثُمَّ أَنَا يَا إِلَهِي الْمُعْتَرِفُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْهَا لِي، أَنَا الَّذِي أَخْطَأْتُ، أَنَا الَّذِي أَغْفَلْتُ، أَنَا الَّذِي جَهِلْتُ، أَنَا الَّذِي هَمَمْتُ، أَنَا الَّذِي سَهَوْتُ، أَنَا الَّذِي اعْتَمَدْتُ، أَنَا الَّذِي تَعَمَّدْتُ، أَنَا الَّذِي وَعَدْتُ، أَنَا الَّذِي أَخْلَفْتُ، أَنَا الَّذِي نَكَثْتُ، أَنَا الَّذِي أَقْرَرْتُ اَنَا الَّذى نَكَثْتُ، اَنَا الَّذى اَقْرَرْتُ، اَنَا الَّذِى اعْتَرَفْتُ بِنِعْمَتِكَ عَلَىَّ وَعِنْدى، وَاَبُوءُ بِذُنُوبى فَاغْفِرْها لى، يا مَنْ لا تَضُرُّهُ ذُنُوبُ عِبادِهِ، وهُوَ الَغَنِىُّ عَنْ طاعَتِهِمْ، فَبِأَيِّ شيءٍ اَسْتَقْبِلُكَ يا مَوْلايَ، اَبِسَمْعي اَمْ بِبَصَري أْم بِلِساني اَمْ بِيَدي اَمْ بِرِجْلي، اَلَيْسَ كُلُّها نِعَمَكَ عِندي، وَبِكُلِّها عَصَيْتُكَ يا مَوْلايَ، فَلَكَ الْحُجَّةُ وَالسَّبيلُ عَليَّ، يا مَنْ سَتَرَني مِنَ الاْباءِ وَالاْمَّهاتِ اَنْ يَزجُرُوني، وَمِنَ الْعَشائِرِ وَالإخْوانِ اَنْ يُعَيِّرُوني، وَمِنَ السَّلاطينِ اَنْ يُعاقِبُوني، اَنْ يَزجُرُوني، وَمِنَ الْعَشائِرِ وَالإخْوانِ اَنْ يُعَيِّرُوني، وَمِنَ السَّلاطينِ اَنْ يُعاقِبُوني، وَلَوِ اطَّلَعُوا يا مَوْلايَ عَلى مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنّي اِذاً ما اَنْظَرُوني، وَلَرَفَضُوني وَقَطَعُوني، فَها اَنَا ذا يا اِلهي بَيْنَ يَدَيْكَ يا سَيِّدي خاضِعٌ ذَليلٌ، حَصيرٌ حَقيرٌ، لا ذُو بَرآئة فَاَعْتَذِرَ، وَلا ذُو قُوَّةٍ فَاَنْتَصِرُ“، كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاث: عين بكت من خشيت الله وعين غضت من محارم الله وعين بكت على أبي عبدالله كلنا نبكي الحسين من قلوبنا نبكي الحسين أبا عبدالله.

وصلى الله على محمد وآل محمد

شعاع القرآن في التراث الإمامي
محورية القرآن في الفكر الإمامي