نص الشريط
الإمام علي (ع) معجزة الرسول (ص)
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مؤسسة الإمام علي عليه السلام - لندن
التاريخ: 20/9/1435 هـ
مرات العرض: 3135
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1139)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ

صدق الله العلي العظيم

إنطلاقاً من الآيه المباركة نتحدث حول علاقة الإمام أمير المؤمنين علي بالنبوة.

المحور الأول:

أن النبي في مقام إثبات نبوته وصدق دعوته أقام شاهدين ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا فيحتاج النبي في سبيل إثبات صدق نبوته أن يطرح أدلة وشواهد على ذلك ﴿قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ فاستشهد بشاهدين الله ومن عنده علم الكتاب.

من هو الذي عنده علم الكتاب؟ هناك بعض الروايات لدى بعض المذاهب الإسلامية أن المقصود بمن عنده علم الكتاب عبد الله ابن سلامة كان يهوديا ًفأسلم فأعتبره النبي بحسب هذه الرواية شاهداً على صدق دعوته وصدق نبوته، أو أن المراد بمن عنده علم الكتاب من كان مسيحياً أو يهوديا فأسلم نظير عبد الله بن سلامة، تميم الداري، سلمان الفارسي وغير ذلك، لكن هذه الروايات لا تصمد أمام النقد.

أولاً: لأن هذه الآية مكية وهؤلاء لم يسلموا إلا في المدينة عبد الله بن سلامة أو تميم الداري أو سلمان المحمدي كلهم لم يسلموا إلا في المدينة بعد أن نزلت هذه الآية بسنوات، فكيف يستشهد النبي على صدق نبوته بشهود لا وجود لهم وقت هذا الإستشهاد وإنما سيسلمون بعد سنوات وسيدخلون في الدعوة بعد عدة سنوات.

وثانياً الروايات التي نقلها صاحب البرهان عن الثعلبي في تفسيره، والسيوطي في الدر المنثور عن جابر بن عبدالله وابن عباس، وعن ابن مسعود وعن أبي سعيد الخدري؛ أن المقصود بأن من عنده علم الكتاب علي بن ابي طالب، ونقل السيوطي عن ابن منذرعن الشعبي قال: ما نزل في عبدالله بن سلامة شئ من القرآن، وثانيا الآية تقرر ﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ أي أن الشاهد على صدق نبوة النبي شخص أحاط بالكتاب كله لم يقل ﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ من الْكِتَابِ قال ﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ.

فالشاهد الذي إستشهد به من كان يحيط بأسرار الكتاب كله وهذا لاينطبق على أحد من هؤلاء الذين وردت بعض الروايات بأسمائهم لاينطبق إلا على من لقبه النبي المصطفى عند المسلمين جميعاً بأنه باب مدينة العلم حيث قال: ”أنا مدينة العلم وعلي بابها“.

المحور الثاني: لايمكن أن يكون الشاهد على صدق النبوة إلا شخصاً يُعد معجزة في حد ذاته، لماذا؟

نحن عندما نرجع إلى علم المنطق، في علم المنطق هناك قاعدة وهي لزوم التناسخ بين الدليل وبين المدعى، عندما تريد أن تستدل على شئ يجب أن يكون الدليل من سِنخ المُستدل عليه وليس من غيره.

مثال: تارة يطرح الإنسان قضية تجريبية فلابد أن يكون الدليل عليها أيضاً أمراً تجريبياً، تارة يطرح الإنسان قضية عقلية لابد أن يكون الدليل عليها أمراً عقلياً، كل مُدعى وكل قضية لابد أن يكون دليلها من سنخها.

مثلا: عندما تقول عندي قضية وهي أن الماء إذا بلغت درجة حرارته 100 فإنه يغلي هذه قضية حسية تجريبية، لا يمكن أن تستدل على هذه القضية إلا بدليلٍ تجريبي، عندما يقال لك: ما دليلك على هذه القضية، تقول دليلي أننا أقمنا التجربة على 1000 فرد من الماء، على مليون فرد من الماء وجدنا أن الماء إذا بلغت درجة حرارته 100 فإنه يغلي، القضية التجريبية والدليل أيضاً تجريبي علمي.

عندما تطرح قضية عقلية تقول زوايا المثلث تساوي 180 درجة بما أن القضية رياضية لابد أن يكون الدليل عليها دليلا رياضيا أيضاً، عندما تكون القضية قضية غيبية إذن لابد أن يكون الدليل عليها شئ من عالم الغيب ايضاً، النبوة مسألة غيبية، النبوة: عبارة عن إتصال عالم المادة بعالم الغيب، عندما يقال هذا نبي يعني هذا شخص من عالم المادة لكنه متصل بعلم الغيب. فبما أن النبوة اتصال بعالم الغيب إذن أي نبي لا يستطيع أن يثبت نبوته إلا بدليل من عالم الغيب لأنه يطرح قضية غيبية، يقول أنا نبي يعني يوحى إلي ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ بما أن النبوة قضية غيبية إذن الدليل عليها يجب أن يكون دليلاً غيبياً، ما معنى الدليل الغيبي؟ معناها إقامة المعجزة، من المستحيل أن نثبت النبوة بدليل تجريبي أو بدليل رياضي، لا يمكن أن تثبت النبوة إلا بدليلٍ غيبي، والدليل الغيبي يكون خارقاً لنواميس الطبيعة حينئذ يُعد دليلا غيبيا، ودليلا على اثبات النبوة إذن الدليل عليها غيبي والدليل الغيبي هو إقامة المعجزة.

النبي المصطفى قال أنا رسول الله﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا أعطنا دليل على إنك مرسل أنت تدعي قضية غيبية أنت تدعي أنك تتصل بالسماء إطرح لنا دليلا غيبيا على أنك متصل بالسماء، الكافرين يطالبون النبي بإقامة المعجزة لأن الدليل الغيبي إقامة المعجزة من هنا أنبأه الله تبارك وتعالى ”بأنك يامحمد بإمكانك أن تثبت نبوتك وصدق دعوتك عن طريق معجزتين“ لا معجزة واحدة، لا يمكن للنبي أن يثبت النبوة إلا بمعجزة فكيف يستشهد النبي بعبد الله بن سلامة حتى يكون دليلاً على صدق النبوة

إذن الآية المباركة ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ

يعني عندي شاهدان يثبتان صدق نبوتي وكلا هذين الشاهدين دليلين غيبين

الشاهد الأول: هو الله. والشاهد الثاني: ﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ التفصيل في هذين الشاهدين:

الشاهد الأول: هو الله ﴿قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا

ماهو المقصود بشهادة الله؟ شهادة الله هي الشهادة الفعلية إذ ليس لله شهادة خطابية أو قولية فشهادة الله بصدق النبوة شهادة فعلية يعني أن الله أعطى النبي كتاباً مُعجزا لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه وقال ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا

شهادة الله أنه أعطاه معجزة وهي القرآن الكريم فالشهادة الأولى شهادة فعلية ﴿قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ

كيف صار القرآن الكريم معجزة؟ ببلاغته؟ لا. بلاغة القرآن تخص العرب بينما القرآن معجزة لكل العالم ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ القرآن الكريم لا تختص معجزته ببلاغته، إعجاز القرآن في القضايا العلمية التي طرحها القرآن وسبقها بها زمانه هنا تبين الإعجاز.

الإعجاز: هو العلم الذي يسبق زمانه. فبما أن القرآن طرح قضايا علمية سبق بها الإنسانية كان القرآنُ معجزة ً وكان دليلا غيبيا يثبت صدق النبوة.

القرآن تحدث عن نظرية التمدد في الفضاء قبل أن يتكلم عنها الإنسان بقرون ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ.

القرآن الكريم طرح نظرية كروية الأرض ودورانها قبل أن يتنبه لها الإنسان بقرون ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ.

وقال: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وتحدث القرآن الكريم عن أسرار الطبيعة قبل أن يكتشفها الإنسان وقبل أن يصل إليها، إذن القرآن ليس معجزة في لفظه فقط بل سر إعجاز القرآن أنه دليل غيبي وسر كونه دليلاً غيبي أنه طرح علماً سبق زمانه سبق الإنسانية لذلك كان القرآن دليلا على صدق النبوة.

الشاهد الثاني: ﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ

الذي عنده علم الكتاب معجزة في حد ذاته لماذا؟ لأن الذي عنده علم الكتاب يعني شخص ملك إحاطة بأسرار الطبيعة وبأسرار التشريع قبل أن يصل الإنسان إلى هذه الأسرار بمئات السنين وبقرون متماديه.

لاحظ القرآن عندما يعبر بالكتاب لايقصد بكتاب التشريع والأحكام التشريعية يقصد بكتاب الكون وأسرار الطبيعة، القرآن عندما يتكلم عن آصف بن مرخية وهم وزراء نبي الله سليمان يقول قال ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ* قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ* قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ

ما معنى عنده علم الكتاب؟ هل يعرف الأحكام الشرعية؟ ماعلاقة الأحكام الشرعية بالإتيان بعرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس ليس له علاقة.

إذن لابد أن يكون العلم الذي عنده علم يتناسب مع العمل الذي أتى به ﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ وليس بعلم كتاب التشريع فقط، علم بكتاب الكون وبأسرار الطبيعة والوجود، قال آصف بن مرخية لأنه يمتلك علم بأسرار الكون وأسرار الطبيعة، قال: أنا قادر أن أسحب هذا العرش من اليمن إلى بيت المقدس خلال لحظة واحدة، إذن عندما يقول القرآن علم من الكتاب وعلم الكتاب يقصد الإحاطة بأسرار الكون وأسرار الطبيعة فالمعجزة الثانية التي إستشهد بها النبي على صدق دعوته شخصٌ محيط بأسرار الكون محيط بأسرار الطبيعة ولأنه محيط فإذا أخبر الناس بشئ سيخبرهم بأمر لم يتوصلوا إليه بتجاربهم العلمية البشرية وحينئذٍ سوف يكون إخباره كإخبار القرآن الكريم معجزةً في حد ذاته ويكون ذلك شاهد صدقٍ على نبوة محمد .

إذن كما قلنا النبوة أمر غيبي فالدليل عليها غيبي وقد إستدل النبي بدليلين إذن كلا الدليلين هو معجزة، فكما أن الدليل الأول على نبوته وهو القرآن الكريم معجزة، وإنما كان القرآن معجزة لأنه طرح علوماً سبق بها الإنسانية، فكذلك الدليل الثاني الذي إستدل به على نبوته هو أيضاً معجزة لأنه طرح علوما سبق بها الإنسانية جمعاء ألا وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ﴿ويقول الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ فإذا كان آصف ابن مرخية لأن عنده علماً من الكتاب نقل العرش من اليمن إلى فلسطين، فكيف بمن عنده علم الكتاب كله هل يستغرب في حقه أن ترد إليه الشمس بعد مغيبها.

يا      من      له     ردت     iiذُكاء

أأقول    فيك    سميدعٌ   كلا   iiولا

بل     أنت     في    يوم    iiالقيامة



 
ولم يفز بنظيرها من قبل إلا يوشع

حاشا   لمثلك   أن   يقال  iiسميدعُ

حاكمٌ في العالمين وشافعٌ iiومشفعُ
المحور الثالث: كيف كان علي بن أبي طالب معجزة؟ كيف أفاض علي بن أبي طالب علوماً ومعارف سبق بها الإنسانية؟

ما وجدت لدى أحد من البشر كما وجدت في نهج البلاغة وفي لسان علي بن ابي طالب. نذكر أمثلة:

المورد الأول: على مستوى علم النفس.

في علم النفس يوجد الهوا والأنا والأنا الأعلى: الهوا: عبارة عن الذاكرة التي تختزن المعلومات. الأنا: عبارة عن العقل الواعي الذي يحلل ويستنتج.

الأنا الأعلى: وراء العقل الواعي يوجد منطقة تسمى بالعقل الباطن، والعقل الباطن: هو الذي يختزن المعلومات ويختزن الميول والنزعات، هذا العقل الباطن عندما إكتشفه فرويد بعد مئات السنين وقال هناك منطقة تسمى بالعقل الباطن فيها ميول الإنسان، فيها سر شخصيته، باكتشاف منطقة العقل الباطن يمكن أن نفك كثير من الجرائم، ويمكن أن نروض الخائف وبإكتشاف هذا العقل نصل إلى كنوز وفيرة. هذه المنطقة تحدث عنها الإمام علي بن أبي طالب عندما قال: ”ما أضمر إمرأٌ في قلبه شيئاً إلا وظهر على قسمات وجهه وفلتات لسانه“. العقل الباطن يظهر في وقت الغفلة وقت غفلة الإنسان ينطق بكلمات من دون وعي هي تكشف عن ميوله وسر شخصيته.

وقال الإمام في دعاء كميل: ”والملائكة الذين وكلتهم بحفظ ما يكون مني وجعلتهم شهوداً علي مع جوارحي وكنت أنت الرقيب علي من ورائهم والشاهد لما خفي عنهم“، مالذي يخفي على الملائكة؟ يخفي عليهم منطقة العقل الباطن التي لا يعلم بها إلا الخالق تبارك وتعالى ”والشاهد لما خفي عنهم“ علي تحدث عن العقل الباطن قبل أن يتحدث عنها الإنسان في تجاربه وعلومه.

المورد الثاني: في علم الحقوق والقانون.

نضرب مثالين:

الأول القضاء: هناك بحث فقهي موجود عند علمائنا وجميع علماء المسلمين حول قول النبي : ”إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان“ ما معنى البينات؟ بعض الفقهاء يقول البينات جمع بينة، والبينة: عبارة عن شهادة رجلين عدلين أو رجل وإمرأتين ”إنما أقضي بينكم بالبينات“ يعني الشهود العدول.

وهناك رأي فقهي آخر يطرحه سيدنا الخوئي، وتبعه على ذلك الشهيد الصدر «قدس» سرهما، البينة لاتختص بالشهود العدول، البينة كل دليل أوجب البيان والوضوح فهو بينة، لأن الله عز وجل يقول في القرآن ﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ماذا بينة؟ معناها دليل علمي، ليهلك من هلك بعد أن إتضح الدليل العلمي ويحى من حي بعد أن إتضح الدليل العلمي.

البينة: الدليل الموجب للعلم ما أوجب البيان فهو بينة ﴿حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ يعني الحجة الدليل العلمي.

إذن قول الرسول: ”إنما اقضي بينكم بالبينات“ لا ينحصرالقضاء في الشهود العدول أو في القسم، قد يكون القضاء بالأدلة العلمية، يعني الأدلة التي توجب العلم والوضوح.

مثلاً: هل البصمة الوراثية يُقضى بها؟ هل حامض الDNA يُقضى به؟ هذه أدلة علمية.

لو مات شخصٌ وشككنا أن هذا الطفل ولده أم لا، حتى يرثه أو لا يرثه، هل يمكن أن نثبت أنه ولده عن طريق دليل علمي مثل حامض ال DNA؟ هل يدخل هذا ضمن قوله ”إنما اقضي بينكم بالبينات والأيمان“، او لا يمكن؟ هذا بحث فقهي.

الإمام أمير المؤمنين علي قبل ذلك في زمانه وفي عهده هو أقام أمورا في القضاء أثبت من خلالها أن الدليل العلمي يمكن أن يستند إليه في القضاء وفي حسم القضايا كيف؟ أنتم تسمعون هذه القضية منذ زمن أن هناك إمرأتين تنازعتا في ولد ذكر إحداهما ولدت أنثى والأخرى ولدت ذكراً، وتنازعا في الولد الذكر، فالإمام أمير المؤمنين ما مشى على شهود عدول أو حلف لذلك إتجه إتجاهاً آخرأمر بأن يُؤخذ بشئ من حليب كل من المرأتين ووضع نسبة متساوية من كلا الحليبين فوق كفة ميزان فلما وجد أن أحداها أثقل من الآخر بنسبةٍ ضئيلة قال: ”صاحبة الحليب الأثقل وزناً هي أم الولد الذكر“.

هذا استخدام للبينة بمعنى ما يوجب البيان والوضوح، حسم أمرا قضائيا بدليل علمي، عندما سئل في ذلك الزمان قالوا من أين عرفت قال: ”من قوله عز وجل ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ

مثال آخر: في مجال علم الحقوق والقانون الإمام أمير المؤمنين علي أقام دولة الإنسان قبل أن يتوصل المجتمع البشري بقرون عديدة، الإمام في عهده لمالك الأشترعندما كتب إليه قال له: ”وأشعر قلبك الرحمة للرعية واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا يأكل غنمهم أو يغتنم أكلهم فإن الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق“، ماوردت هذه الكلمة لا على لسان نبي ولا على لسان رسول ولا على لسان مفكر ولا مثقف، وإنما وردت على لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فهو بذلك سن حقيقة المواطنة وأن المواطنة ترتبط بالإنسان بما هو إنسان مع غض النظرعن دينه ومذهبه ونحلته، ”فإن الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق“، ومر وهو ذاهب إلى صفين على كنيسه ”وقال بعض أصحابه هذا مكان طالما عُصي فيه الله قال:“ مه قل طالما عُبد فيه الله فإن الرب واحد والأب واحد والأم واحدة"، أمير المؤمنين علي مُعجزة بما أفاض من هذه المعارف التي سبق بها المجتمع البشري بمئات السنين.

المورد الثالث: في مجال الإقتصاد.

يوجد مادة إنتاج ومادة توزيع، فرق بين الإنتاج والتوزيع مثلا: عندنا ماكينة تصنع علب هذه وسيلة إنتاج، وعندنا سيارة تنقل بضاعة هذه وسيلة توزيع. التجارة كعمل، هل التجارة وسيلة إنتاج أو وسيلة توزيع؟

طبعا هناك خلاف في هذا المجال، التجارة نعتبرها وسيلة إنتاج أو وسيلة توزيع، الإمام أمير المؤمنين في عهده لمالك الأشتر وقبل عدة قرون تحدث عن التجارة وإعتبرها مادة إنتاج وليست وسيلة توزيع فكتب إلى مالك ”وإستوصي بالتجار وأوصي بهم خير فإنهم مادة المنافع“ مادة المنافع يعني وسيلة إنتاج، ”وأسباب المرافق وجلابها من المباعد والمطارح“ هذا التاجر الذي يُقرب المادة المصنوعة إلى يد المستهلك تقريب المادة الى يد المستهلك جهدٌ لايقل عن جهد اليد العاملة التي قامت بصنع هذه المادة لذا إعتبرالإمام التجارة وسيلة إنتاج.

المورد الرابع: أمير المؤمنين في مجال علم الإجتماع.

في علم الإجتماع يركزوا على نظرية العقل الجمعي، مادور العقل الجمعي؟ العقل الجمعي على قسمين: عقل إنفعالي وعقل فعلي.

العقل الإنفعالي لا قيمة له، العقل الجمعي المؤثر في حركات الشعوب وثوراتها وحضارتها هو العقل الجمعي الفعلي لا العقل الجمعي الإنفعالي.

العقل الجمعي الإنفعالي: أن يعيش الإنسان في بيئة فيتأثر في عاداتها وتقاليدها والقرآن أشار الى هذا العقل ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ.

العقل الجمعي الفعلي: هو تنامي مجموعة من أبناء المجتمع على عملٍ معين بوعي وتخطيط.

هذا العقل الجمعي الفعلي هو الذي يبني المجتمعات ويبني الحضارات، وقد أشار عليه علي بن أبي طالب : ”أعقل الناس من جمع عقول الناس إليه“، وقال : ”من شاور الناس شاركهم في عقولهم“ هذه المشاورة هي التي تبني عقلاً جمعياً فعلياً واعياً.

المورد الأخير: في علم الإدارة.

مصطلح القيادة في علم الإدارة:

مامعنى القيادة كمصطلح في علم الإدارة؟ القيادة ليست منصب ولا كفاءة ولا ترشيح، إذن ماهي القيادة؟

إفترض أن هذا عنده شهادة هل يصبح قائد؟ لا. ولذلك يقال فرق بين المدير والقائد هذا عنده شهادة دكتوراه ممكن يكون مدير شركة ولكن ليس من الممكن أن يكون قائد. ليست القيادة كفاءة علمية وليست القيادة منصب، هذا وزير يجب أن يكون قائد؛ لا. إذن ماهي القيادة؟

القيادة في علم الإدارة موقف، من إستطاع أن يتخذ الموقف المناسب في الظرف المناسب بالإسلوب المناسب فهو القيادة.

القيادة: هي القدرة السريعة الذكية أن تتخذ الموقف المناسب في الظرف المناسب بالإسلوب المناسب هذه قدرة خاصة، هذه موهبة خاصة ومنحة خاصة، ربما يكون الشخص متفوق علمياً أنشتاين مثلاً متفوق علميا، لكنه فرق بين التفوق العلمي والقيادة.

ماهي القيادة عند أمير المؤمنين؟ القيادة عند علي بن ابي طالب ماجمعت ركنين، الركن الأول: المواقف والركن الثاني: الإنصهار بالمبادئ.

الركن الأول: علي بعمله وهو الذي كان يقول: ”قيمة كل امرئ ما يحسنه“ لذلك الإمام علي كان يحتج بمواقفه، عندما كان رسول الله في الرُحبة قال: ”من فيكم قال فيه جبرئيل لاسيف إلا ذو الفقار ولافتى إلا علي“، من فيكم وقف بين يدي رسول الله يجادل عنه بسيفه ولسانه يوم بدر وأحد.

من فيكم وقف حمل راية النبي يوم خيبر وقال فيه رسول الله: ”لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه“.

يذكرهم بمواقف يريد أن يقول لهم القيادة مواقف منذ بدء إلى يومنا هذا هذه هي مواقفي كلها بطولات كلها تضحيات كلها نتاج كلها عطاء، القيادة مواقف والقيادة إنصهار بالمبادئ.

علي كانت مبادئه حاكمة عليه ولم تكن مصالحه حاكمة عليه، القيادة أن يكون الحاكم على مسيرتك مبادئك لا مصالحك وهكذا كان علي بن ابي طالب.

عاصم بن زياد تخلى عن الدنيا وجلس في المحراب ووصل الخبر الإمام علي أن عاصم بن زياد لبس الجشم من الثياب وترك الناس وتفرغ للعبادة وترك أولاده وأطفاله يتكففون الناس، أقبل إليه الإمام وقال: ”ياعاص لقد استهان بك الخليف، أتظن الذي أحل لك الطيبات حرمك منها، أتظن الذي أحل لك النعم منعك منها قال: إنني أقتدي بك ياسيدي ها أنت في خشونة ملبسك وجشونة مطعمك أنا أقتدي بك، قال: لا، لست أنت كأنا الإمام“، يوضح لنا صفات القائد. ”أن الله فرض على أئمة العدل أن يساووا أنفسهم بضعفةِ الناس كي لا يتبيض بالفقير فقره“ إمام العدالة قائد الناس يعيش عيشة تساوي عيشة الفقراء.

علي بن ابي طالب يبين لنا أن القيادة إنصهار بالمبادئ، علي دخل عليه ابن عباس في ذي غار وهو يصلح نعله إلتفت إليه الإمام قال: يابن عباس ما قيمة هذا النعل قال: لاقيمة له، قال: يابن عباس إنه خير لي من إمرتكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلاً ثم نظر إلى قطيفته «القميص الذي كان يلبسه» قال: يابن عباس لقد جئت من المدينة وما أرزء من دنياكم شيئاً، وإنها لقطيفتي التي جئت بها من المدينة".

إذن الإمام علي ضرب لنا المثل الرائع في أن القيادة تتألف من عنصرين: مواقف، وإنصهار بالمبادئ. فكان علي القائد الأمثل والقائد الأروع، لأنه مثل المواقف من جهة، ومثل الإنصهار بالمبادئ من جهة أخرى كما أخبر عنه النبي محمد : ”علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار“.

ويوم الخندق عندما تجاوز الخندق عمر بن عبد ود العامري، ووقف أمام المسلمين وقال: أيها المسلمون هل من مبارز أين الجنة التي تزعمون أن من قتل دخلها فسكت المسلمون، صحابة رسول الله أحجموا وسكتوا فنادى مرة أخرى، هل من مبارز؟ فستكوا، فقال مرة ثالثة هل من مبارز؟ فأحجموا وكان في كل مرة لا يقوم إلا علي بن أبي طالب ففي المرة الثالثة قام رسول الله وقال: ”تقدم يا علي ومسح على رأسه وسلمه الراية وسيفه وقال:“ بارز الإسلام كله إلى الشرك كله".

وإذا    هم    بفارس    iiقرشي

قائلا    مالها    سواي   iiكفيلٌ

فامتطى      مشرفيه     فتلقى

يالها   ضربة  حوت  iiمكرماتٍ

هذه  من  عُلا  إحدى iiالمعالي







 
ترجف الأرض خيفة أن يطاها

إنها     ذمة     علي     وفاها

ساق   عمر   بضربة  iiفبراها

لم   يزل   ثقل  أجرها  iiثقلاها

وعلى   هذه   فقس  iiماسواها

إحتدم مع عمر بن ود الى ضربه على ساقه ثم قتله ورجع الى رسول الله وإذا بنداء جبرائيل من السماء والأرض ”لاسيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي“، وهذه الكلمة رددها جبرئيل في عدة مناسبات، ولكن هل سمع المسلمون كلمة أخرى من جبرائيل في حق أمير المؤمنين علي في يوم التاسع عشر في فجر ذلك اليوم سمع المسلمون كلمة مروعة، كلمة مهولة وعظيمة بين السماء والأرض.

تهدمت والله أركان الهدى، وإنفصمت والله العروة الوثقى، قتل علي المرتضى، قتل ابن عم المصطفى

في رحاب عبادة أمير المؤمنين (ع)
الإمامة والوساطة في الفيض