نص الشريط
الدرس 18
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 24/11/1434 هـ
مرات العرض: 2856
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (356)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ما زال الكلام في صور الإتيان بالعمل المشتمل على الزيادة، وهناك صورتان أخريان أشار إليهما الشيخ الأعظم «قدس سره»:

الصورة الأولى: أن يأتي بالمكرر بقصد أن يكون المجموع من الأصل والتكرار مصداقاً لما هو المأمور به، كما لو أتى بركوعين أو تشهدين بقصد أنّ المجموع منهما مصداق لما هو المأمور به، وهذا إنما يُتصور إذا اعتقد المكلف أنّ المأمور به هو الجامع بين فردين: فرد بشرط لا أي الركوع بشرط الوحدة، وفرد بشرط بشيء أي الركوع بشرط التثنية، وأنّه مأمور بالجامع بين ركوعٍ وحده أو ركوعين  نظير تخير المكلف في الركعة الثالثة بين تسبيحة أو ثلاث، أي بين تسبيحة بشرط الوحدة أو ثلاث، بحيث يرجع التخيير إلى التخيير بين المتباينين بشرط لا أو بشرط شيء  فأتى بالركوع الثاني وهو قد اختار الفرد الثاني من الجامع، فقد قصد من هذا المجموع  وهو الأصل والمكرر  أن يكون مصداقاً لما هو المأمور به؛ لأنه أحد فرديه، فما هو حكم صلاته؟ وقد قلنا سابقاً: بأن التشريع بما هو تشريع ليس مبطلاً، فما هو المبطل لصلاته؟

الصحيح أنّ حكم هذه الصورة حكم ما سبق في الصورة الأولى، وهو: إن كان المكلف قد أناط أصل الامتثال بهذه الزيادة، بحيث لو لم يكن المجموع من الركوع الأوّل والركوع الثاني مصداقاً لما هو المأمور به لما امتثل التكليف، فهو قد أناط الامتثال بكون المجموع مصداقاً، فلا محالة حيث إنّه في الواقع ليس المجموع مصداقاً وأنّ الثاني زيادة، فمقتضى ذلك أنّه لم يتمثل، فإنّ ما امتثله ليس أمراً وما هو الأمر الفعلي في حقه لم يمتثله.

وأمّا إذا افترضنا أنّ هذا المكلف بانٍ على الامتثال على كل حال، غاية الأمر أنّه اعتقد أنّ ما هو المأمور به بالأمر الضمني هو الجامع بين ركوع وحده أو ركوعين، فلأجل اعتقاده أنّ المجموع مصداقٌ للمأمور أتى به، وإلا فهو لم يُنط ولم يعلّق الامتثال على كون المجموع مصداقاً للمأمور به. فهذا قد امتثل الأمر الواقعي ما لم تكن هذه الزيادة من المنافيات السهوية، كزيادة الركوع، فإنّها زيادة مبطلة على كل حال.

الصورة الثانية: أن يأتي بالمكرر بدلاً عن الأصل، وهذا له فرضان:

الفرض الأوّل: أن يكون الأصل فاسداً فيتداركه بالمكرر، كأن يكون قد سجد سجدة واحدةً على ما لا يصح السجود عليه، ثم التفت إلى أن السجود باطلٌ، فأراد أن يتدارك هذه السجدة بسجدة أخرى، فأتى بالسجدة الثانية بدلاً عن الأولى؛ لأجل فسادها، وقصد بالسجدة الثانية امتثال الأمر الضمني بالسجدة، فما هو حكم هذه الصورة؟

فهنا أفاد المحقق الأصفهاني «أعلى الله مقامه»: بأنّه لا سبيل لبطلان عمله إلاّ دعوى الزيادة، أي أنّه لو كان هناك وجهٌ مبطلٌ لعمله فهو عنوان الزيادة، لكن هل الزيادة في السجدة الثانية البدلية أو الزيادة في السجدة الأصلية؟ فلا يمكن أن يكون الزائد هو السجدة الثانية؛ لأنها هي السجدة المطابقة للأمر، حيث إنّها هي السجدة الجامعة للشرائط، فلا محالة الزائد هو السجدة الأولى.

ولكن الكلام هل أنّ السجدة الأولى من حين وقوعها زيادة، أم أنّ اتصافها بالزيادة مشروط باللّحوق، أي بعدما الحق بها سجدة بدلية تداركية، اتصفت الأولى بالزيادة، فهل الزيادة وصفٌ للسجدة الأولى منذ وقوعها، أو الزيادة وصف لها إذا لحقتها السجدة الثانية؟

فقد يقال: إنّ اتصاف الأولى بالزيادة مشروطٌ بشرط متأخر، أي أنّها إنّما تتصف بالزيادة في ظرف وقوعها إذا لحقتها سجدة أخرى، إذ لو لم تلحقها سجدة أخرى لكان المبطل هو النقيصة وليس الزيادة، أي لو يأت بسجدة أخرى لم يمتثل الأمر الضمني، فالمحذور في صحة الصلاة هو النقيصة وليس الزيادة، فإنما تتصف السجدة الأولى بالزيادة إذا لحقها ما هو المصداق المأمور به.

وقد يقال: هل أنّ الزيادة صادقة على السجدة الأولى من حيث وقوعها لحقتها أخرى، أم لا؟

وبيان ذلك: أننا ذكرنا فيما سبق في بحث عنوان «الزيادة»: أنّ الزيادة متقومة بشرطين: المسانخة بين المزيد والمزيد فيه، ووجود حد يُقاس عليه، فيقال: ما قبل الحد أصل وما بعد زيادة.

والشرط الأولّ: إنما يتحقق في المركبات الاعتبارية  كما سبق أن اخترناه  إذا أتى بالعمل بقصد الجزئية، على مبنى سيدنا الخوئي، أو بقصد الصلاتية كما اخترناه.

والمفروض أنّ هذا متحقق في المقام، حيث أتى بالسجدة الأولى بقصد الجزئية أو الصلاتية، فتحققت المسانخة بين السجدة الأولى وبين الصلاة، بين المزيد والمزيد فيه، حيث اتى بها بقصد أن تكون من هذه الصلاة أو في هذه الصلاة.

والشرط الثاني: فالحد يُتصور في المقام: إمّا على مبنى الأصفهاني وسيدنا الخوئي «قدس الله سرهما»: أن الحد أن يكون المأمور مأخوذاً على نحو اللا بشرط، بمعنى أنّ المكرر أجنبي عن العمل، فإذا أُخذت الصلاة بنحو اللا بشرط عن سجدةٍ فاسدة وليس عن سجدة زائدة، أي أن السجدة الفاسدة ليست دخيلة في المأمور به بل هي أجنبية، فهذا يُعد حداً يجعل السجدة الفاسدة زائدة؛ لأن المأمور به مما يتحقق بدونها.

أو أنّ الحدّ  وهو ما اخترناه تبعاً للمحقق العراقي والسيّد الصدر «قدس سرهما»  أنّ الحدّ الذي على أساسه يكون ما فوقه زيادة هو أن يكون المأمور الجامع الحقيقي  أي الطبيعي  الذي ينطبق على صرف الوجود؛ إذاً فكل سجدة لا تكون جامعة للشرائط ليست مصداقاً للجامع الحقيقي المأمور به، فهي زيادة.

ونتيجة ذلك: أنّ السجدة الأولى منذ وقوعها وقعت زائدة؛ 1» إذ لا يُعتبر في الزائد سبقه بمثله حتى يقال: بأنّ الأولى لم تُسبق بمثلها. 2» كما لا يُعتبر في الزائد أن يؤتى به بقصد أنه زائد، فالزيادة قد تكون اختيارية وقد تكون قهرية. 3» كما لا يُعتبر في الزائد  وهذا دفع دخل للمحقق الهمداني «قدس سره»  أن يكون صحياً في نفسه لولا الزيادة، حيث إن المحقق الهمداني «قدس سره» قال: إن الزيادة في «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» هي العمل الصحيح في نفسه لولا محذور الزيادة، فلو أتى بركوع أو تشهد صحيح في نفسه غير انه تكرار لكان مصداقاً للزيادة، وأمّا إذا كان من فاسداً باطلاً فليس مصداقاً للزيادة، فالزيادة منصرفة إلى ما كان في نفسه صحيحاً لا ما كان فاسداً.

ونحن نقول: متى ما كان العمل مسانخاً للمزيد فيه وخارجاً عن الحدّ فهو زيادة كان صحيحاً في نفسه أو كان فاسداً، فبالنتيجة أنّ السجدة الأولى وقعت زيادةً لحقتها السجدة الثانية أم لم تلحقها.

فإن قلت: أنّه ما هي الثمرة العملية أن نقول أنّ الزيادة صدقت على السجدة الأولى من حين وقوعها أو أنّ الزيادة إنما تتصف بها السجدة الأولى إذا لحقتها الثانية، فما هي الثمرة العملية في ذلك، فإنّه إذا أتى بالثانية فالأولى على أي حال فاسدة وزيادة، وإن لم يأت بالثانية فالصلاة أيضاً باطلة لأجل النقيصة، فإن لم يأت بالثانية بطلت الصلاة للنقيصة، وإن أتى بالثانية بطلت الصلاة للزيادة، فما هو الأثر العملي المترتب على أنّ الأولى زيادة من حيث وقوعها، أو أنّ الأولى زيادة إذا لحقتها الثانية؟

والجواب: يكفي أنّ هناك ثمرة عملية على بعض المباني، ومن تلك المباني: أنّ حديث لا تُعاد خاص بالنقيصة ولا يشمل الإخلال بالزيادة. فعلى هذا المبنى إن كان الخلل نقيصة في غير الأركان فهي غير ضائرة بحديث «لا تُعاد». وأمّا إذا كان الخلل زيادةً ولو في غير الأركان فحديث «لا تُعاد» لا يدل على عدم ضائريته، والمرجع هو عموم من زاد في صلاته فعليه الإعادة.

فبناءً على هذا المبنى فلنفترض أنّ المكلف لم يأت بسجدة ثانية، فهو قد اقتصر على سجدتين إحداهما صحيحة والأخرى فاسدة، ولم يلتفت إلى ذلك إلا بعد ركوعه في الركعة الثانية أي التي بعدها، فحينئذ إن قلنا: بأنّ الفاسدة وقعت زيادة وإن لم تلحقها سجدة أخرى فهذه الصلاة فاسدة لمحذور الزيادة، وإن قلنا: بأنّ السجدة الأولى إنما تتصف بالزيادة إذا لحقتها سجدة، ولم تحلقها، فلا يوجد محذور الزيادة، لا يوجد محذور النقيصة، ونقيصة سجدةٍ غير ضائر بصحة الصلاة، فكما في الرواية: «لا يُعيد الصلاة من سجدة ويعيدها من ركعة».

فلأجل ذلك يُقال: بأنّ السجدة الأولى منذ وقوعها وقعت زيادة، ويترتب على ذلك أثرٌ عملي على بعض المباني.

الفرض الثاني: أن يأت بالمكرر هدما أو تبديلاً، فلو أراد المكلف أن يرفع يده عن السجدة السابقة وإن كانت صحيحة جامعة للشرائط لكنه أراد أن يهدمها، وأتي بالسجدة التي بعدها، فحينئذ إذا أتى بالسجدة الثانية هل تقع الأولى زيادة. أم تقع الثانية زيادة، وهو ما إذا أتى بها قاصداً هدم الأولى ورفعها من الأساس؟ فهذا يبتني على بحث: هل يمكن رفع اليد عن العمل الصحيح، بأن يرفع الإنسان يده عن عمل صحيح ويستأنف؟

فقد يقال: بأنّه يمكن؛ والسرّ في ذلك: أنّ المركب اعتباري، وليس مركباً حقيقياً، والمركب الاعتباري تركيبه بالاعتبار والجعل، فبما أنّ الصلاة مركبة من مقولات متباينة، فكون أي مقولة من الصلاة بيد المكلف، فإذا اعتبرها من الصلاة كانت منها وإلاّ فلا، فلو انحنى فإن قصد بهذا الإنحاء حك رجله أو رفع شيئاً من الأرض فليس ركوعاً وليس من الصلاة في شيء، وإن قصد أنّه من الصلاة كان ركوعاً صلاتياً، فبما أنّ الصلاة مركب اعتبار فتركيبه أيضاً بالاعتبار والجعل، فهو بيد بيد المعتبر وهو المكلف، وبناءً على ذلك فله أن يقول: ما اعتبرته من الصلاة رفعت يدي عنه، فقد كنت اعتبرت هذه السجدة من الصلاة والآن رفعت يدي عن الاعتبار واعتبرتها كالعدم فتكون خارجة عن إطار الصلاة.

ولكنّ المحقق الأصفهاني «قدس سره» قال: الفرق بين المركب الحقيقي والاعتباري في نقطة واحدة، وهي أنّه إذا كان كلٌ من الجزئين مفتقراً في فعليته إلى الآخر بحيث لا يكون الجزء الأوّل فعلياً إلاّ بانضمام الآخر إليه، فهو شأنية محضة، ولا يتحول إلى فعلية إلاّ بضميمة الثاني، فهذا هو المركب الحقيقي  كالمركب من المادة والصورة، حيث إنّ المادة قوةٌ محضة فعليتها بصورتها  والمركب الحقيقي وحدته وحدةٌ حقيقية لا تحتاج إلى اعتبار، بينما المركب الاعتباري هو ما إذا كان كل جزء في نفسه فعلياً ولا يفتقر في فعليته إلى الجزء الآخر، وإنّما الوحدة بين الجزئين وحدة عرضية لا حقيقية، جاءت هذه الوحدة من حدة الغرض، حيث إنّ الغرض المترتب على أجزاء الصلاة واحدٌ، وهو النهي عن الفحشاء والمنكر مثلاً، أو جاءت الوحدة من وحدة الأمر، حيث إنّ المتوجه إلى مجموع هذه الأجزاء أمرٌ واحد، فوحدة الأمر اقتضى وحدتها، وإلّا فهي في نفسها فعليات مختلفة لا تتحدد اتحاداً حقيقياً وإنما وحدتها بالعرض، إمّا بوحدة الغرض، إمّا بوحدة الأمر.

فبناءً على ذلك لا يوجد فرقٌ بين المركب الحقيقي والمركب الاعتباري إلاّ من هذه النقطة، وهي أنّ وحدة المركب الحقيقي حقيقية ووحدة المركب الاعتباري عرضية، وإلاّ فمجرد أن يتحقق الجزء كأن يكون لديه مركب حقيقي كالماء، فبمجرد أن يتحقق جزء الماء فقد أصبح جزءاً ولا يمكن رفعه عن جزئيته فإن الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه، فكذلك في المركبات الاعتبارية، فمن هذه الجهة لا فرق بين المركب الحقيقي والمركب الاعتباري، فمتى أتى بالسجدة بقصد أنّها من الصلاة وكانت جامعةً للشرائط انطبق المأمور به أمراً ضمنياً على السجدة، انطباقاً قهرياً، وبعد الانطباق القهري ليس بيده الرفع، فإنّ الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه، فلا معنى لأن يقال: بأن الجزء لا يرتفع إلا في المركبات الحقيقية، وأمّا في المركبات الاعتبارية فيمكن رفعه بعد تحققه صحيحاً. فإنّ هذا خيال ووهم، ولا فرق بينهما من هذه الجهة.

فبناءً على هذه المقدمة التي ذكرها الأصفهاني، يقال: إنّ ماهية الصلاة من حيث هي لا مجعولة ولا لا مجعولة، وإنما الجعل من خارجها وإلا الماهية «ليست إلا هي من حيث هي * مرتبة نقائض منتفيه» فالجعل إمّا جعل تشريعي وإمّا جعل حقيقي، والجعل التشريعي هو كون الماهية مأموراً؛ إذ لا معنى لجعل الماهية تشريعاً إلا تعلّق الأمر بها، وهذا بيد المولى وليس بيد المكلف. والجعل التكويني هو عبارة عن إيجادها في الخارج وهذا بيد المكلف وليس بيد المولى. فهناك جعلان: جعلٌ تشريعي بيد المولى لا ربط للمكلف به، وجعل تكويني بيد المكلف لا ربط للمولى به، فما الذي يريد أن يرفعه المكلف؟ إذ بعد حصول السجدة في الصلاة وأراد المكلف رفعها فما الذي يريد رفعه؟ هل يريد أن يرفع الجعل التشريعي؟ هو ليس بيده وإنما هو بيد المولى. أم يريد أن يرفع الجعل التكويني؟ وقد حصل ولا يمكن رفعه، فإذاً لا يُعقل الرفع من قبل المكلف، فإن متعلّق رفعه إما رفع الجعل التشريعي وهي خارج عن يده واختياره، وإمّا رفع الجعل التكويني، وقد وُجدت تكويناً، فلا معنى لرفعها بعد وجودها، وإنما يكون إعدام لها في الزمان الثاني، لا أنه رفعٌ لها عن وجودها في الزمن الأوّل.

فالنتيجة: أنّه لا يُعقل أن يرفع المكلف شيئاً من صلاته بعد تحققه صحيحاً، ويأتي الكلام في بقية الكلام إن شاء الله تعالى غداً.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 17
الدرس 19