نص الشريط
الدرس 20
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 26/11/1434 هـ
مرات العرض: 3059
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (513)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

وقع الكلام في: هل يُتصوّر تبديل الامتثال بالامتثال؟ وعلى فرض تصوره فهل يترتب على ذلك أن نحكم بالزيادة بالنسبة إلى الجزء المكرر أم لا؟ وعلى فرض صحة ذلك فهل يشمله دليل مانعية الزيادة، أم لا؟

فهنا عدّة جهات في البحث:

الجهة الأوّلى: هل أنّ تبديل الامتثال بالامتثال معقول، أم ليس بمعقول؟ فمن شرع في الطواف أو الوضوء أو السعي وأتى بجزء منه فهل له أن يستأنف العمل ويبدأ الطواف من جديد، أم لا؟

فهنا نظران مختلفان:

النظر الأوّل: أنّ تبديل الامتثال بالامتثال معقولٌ في المركبات الارتباطية القصدية، فإنّ المركب تارة يكون ارتباطياً قصدياً،  كالصلاة والطواف ، وتارة لا يكون كذلك كرمي الجمرة بسبع حُصيّات مثلاً. فإن كان المركب ارتباطياً قصدياً فيقال: مقتضى ارتباطيته أنّ صحة كل جزء منه مشروطة بلحوق باقي الأجزاء بقصد أن يكون المجموع هو المركب.

مثلاً: لا يكون الركوع جزءاً من المركب الصلاتي القصدي إلاّ إذا جيء ببقية الأجزاء بقصد أنّ هذا المجموع هو المركب، فإنّ مقتضى الارتباطية الإتيان ببقية الأجزاء، ومقتضى القصدية بمعنى أن لا ارتباط بين أجزاءه إلاّ بالقصد، وإلاّ فلا يتحقق الارتباط بين أجزاءه تكويناً وإن لم يقصد المكلف، فبما أنّ تحقيق الارتباط بالقصد فما لم يقصد المصلي أو الطائف أو المتوضئ أنّ البقية متممة للأوّل في أنّ المجموع هو المركب، فلا يقع الجزء الأوّل جزءاً وامتثالاً.

فبناءً على ذلك لو أنّ المصلي بعد أن أتى بركعة من الصلاة قال: «سأستأنف العمل من جديد»، فبمجرد أن يقصد الاستئناف إذاً لم يأت ببقية الأجزاء بقصد المتممية وأنّ المجموع هو المركب، وبذلك يخرج ما أتى به من ركعة عن كونه جزءاً من هذا المركب، حيث إن جزئيته  كما ذكرنا  مشروطة ومنوطة بلحوق البقية بقصد التتميم وإلا فلا.

إذاً من حق المكلف أن يستأنف العمل ما دام جزئية أي جزء منه مشروطة بشرط متأخر، ألا وهو لحوق البقية بقصد التتميم، وهذا ما عُبر عنه ب «تبديل الامتثال بالامتثال» بمعنى القيام بأمر يكشف عن عدم صدق الامتثال على ما أتى به من أوّل الأمر؛ إذ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه المتأخر أيضاً.

وهذا لا يتنافى مع حرمة إبطال العمل، لو سلّمنا بأنّه في الصلاة أو الطواف يحرم إبطاله فإنّ هذا لا يتنافى معه، لوجهين:

إمّا لأن حرمة الإبطال تكليفية فلا تنافي الحكم الوضعي، بمعنى أنّه يحرم عليه الإبطال لكن لو وقع منه فإنه يقع مبطلاً، فيحرم عليه الاستئناف تكليفا، لكنه لو قصد الاستئناف انتفى ما أتى به عن كونه جزءاً أو خرج ما أتى به عن كونه جزءاً وامتثالاً، فالحرمة التكليفية شيءٌ وترتب الأثر على هذه الحرمة شيءٌ آخر، فغايته أنّه يحرم عليه الاستئناف تكليفاً، ولكنه لو استأنف ارتفع ما أتى به عن كونه جزءاً وامتثالاً.

وإما لأنّ حرمة القطع أو حرمة الإبطال  سواءً استُفيدت من الإجماع أو استُفيدت من بعض الروايات الخاصّة  موردها إبطال العمل بأجنبي، كأن يُحدث كأن يستدبر، لا تغيّر صورة العمل، حيث كان بنحو من الامتثال وقد انتقل إلى نحو آخر من الامتثال، فإنّه إن كان دليل حرمة المبطلية، الإجماع فهو لُبي والقدر المتيقن منه الإبطال بمعنى إحداث المانع والقاطع، وإن كان دليل الحرمة هو الأدّلة اللفظية «لا تقطع صلاتك» فإنّ غاية مفادها قطع الصلاة بإيجاد مانع أو قاطع.

وأمّا النظر الثاني: أنه تبديل الامتثال بالامتثال غير يمكن؛ والوجه في ذلك: أنّ ما أتى به طابق ما هو المأمور به، فحيث أتى بالركوع جامعاً للشرائط انطبق على الركوع عنوان المأمور به، فحيث انطبق عليه سقط الأمر الضمني المتعلّق بالركوع، وحينئذ فإذا أعاد العمل من جديد فأعاد الركوع من جديد لم يتصف الركوع الثاني بكونه امتثالاً؛ لأن الأمر الضمني المتعلّق بهذا الركوع قد سقط، ولم يتصف أيضاً باقي الأعمال من بعد الركوع إلى أخر الصلاة بالمتممية؛ لأنّه لم يقصد بها المتممية وإنما قصد بها عملاً جديداً، فأصبح العمل باطلاً. إذاً فمتى ما كان الأوّل  أي الذي أتى به  قد أتى به جامعاً للشرائط سقط الأمر الضمني، ومع سقوط الأمر الضمني لا يُتصوّر تبديله، فدعوى تبديل الامتثال بالامتثال غير معقولة.

ولكن ظهر الخلل في هذا من خلال تقريب النظر الأوّل، وهو: أنّ الأمر الضمني مجرد تحليل عقلي، وإلاّ ليس لدينا إلاّ أمر استقلالي واحدٌ تعلّق بالمركب الصلاتي، وكما عبّر السيّد الأستاذ «دام ظله»: إنّ الحكم يكتسب من متعلّقه الكثرة، ويكتسب متعلّقه منه الوحدة، فإذا تعلّق وجوب بمركب من عدّة من أجزاء، اكتسب الوجوب من المركب الكثرة مع أنه واحد؛ لأنّ هذا الوجوب ينحل  انحلالاً عقلي لا حقيقياً  إلى أوامر بعدد الأجزاء، فاكتسب الواحد الكثرة من متعلّقه.

وإذا نظرنا إلى المتعلّق في نفسه نراه كثيراً، لكنه اكتسب الوحدة من الحكم المتعلّق به، فيقال: هذا واجبٌ واحد، فكلٌ من الحكم والمتعلّق نتيجة الاندماج بينهما  أو كما يقول الأصفهاني: إنّ نسبة الحكم لمتعلّقه نسبة الوجود إلى الماهية  فكلٌ منهما يكتسب صفةً من الآخر، إلاّ أنّ هذا الاكتساب تحليلي وليس حقيقياً.

فليس هناك في الواقع أمرٌ ضمني تعلّق بهذا الركوع؛ كي يقال: بعد أن أتى بالركوع جامعاً للشرائط سقط الأمر الضمني المتعلّق به، وبعد سقوط الأمر الضمني المتعلّق به، فلا مجال لتبديل الامتثال.

بل يُقال: ليس هناك إلاّ الأمر بالمركب، ولا يكون أيّ عمل جزءاً من هذا المركب إلا إذا لحقته سائر الأجزاء بقصد المتممية، فما لم تلحقه سائر الأجزاء بقصد المتممية لا يكون ما أتى به امتثالاً لذلك الأمر الاستقلالي بالمركب.

فتلّخص بذلك: أن هناك فرق بين الواجب المستقل والواجب الضمني، ففي الواجب المستقل لا يُعقل الامتثال بعد الامتثال؛ لأنّه سقط أمره الاستقلالي بالإتيان به، أمّا الواجب الضمني فحيث إنّه لا يقع جزءاً من العمل حتّى تلحقه البقية بقصد المتممية، فمتى قصد المكلف الاستئناف انكشف أنّ ما أتى به  من أول الأمر  لم يقع جزءاً وامتثالاً.

الجهة الثانية: إن قلت بأنه قامت الأدّلة الخاصة على وقوع الامتثال بعد الامتثال فضلاً عن تبديل الامتثال بالامتثال، وذلك من خلال النصوص الدالّة على استحباب إعادة الصلاة الفرادى جماعةً.

وهذه النصوص على طوائف ثلاث:

الطائفة الأولى: موثقة عمار، حديث 9 باب 54 من أبواب صلاة الجماعة، قال: «سألت أبا عبد الله عن الرجل يصلي الفريضة ثمّ يجد قوماً يصلون جماعة، أيجوز له أن يُعيد الصلاة معهم؟ قال: نعم، وهو أفضل».

وقد أُجيب عن هذه الطائفة: بأنّ غاية مفاد هذه الطائفة: استحباب الإعادة، بمعنى: أنّ الامتثال وقع وسقط الأمر بالصلاة، والأمر الجديد أمرٌ بالإعادة بحيث تكون الإعادة في حدّ ذاتها مستحبٌ نفسي مأمور به لا أنّ الأمر الأوّل يعود امتثاله مرةً أخرى.

الطائفة الثانية: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله : «في الرجل يصلي الصلاة وحده، ثم يجد جماعة؟ قال: يصلي معهم ويجعلها الفريضة إن شاء».

فقد يُدّعى أنّ ظاهرها هو الامتثال بعد الامتثال، بمعنى أنّه يجعل ما هو مصداق الواجب هو الثاني دون الأوّل فإنّ له الحق في ذلك، ويجعلها الفريضة فذلك بيده، يعني الثاني دون الأوّل.

ولكنّ سيّدنا «قدس سره» أفاد: بأنّ عنوان الفريضة ليس ظاهراً في الواجب بالفعل، وإنما عنوان «الفريضة» مشيرٌ إلى الصلوات اليومية، فإنّه يصدق على صلاة الظهر أنّها فريضة من الفرائض ولو كان الإتيان بها مستحباً، فلو أتى الصغير  مثلاً  بصلاة الظهر يُقال: أتى بالفريضة، مع أنّه في حقه مستحبٌ، فعنوان الفريضة ليس ظاهراً في الواجب بالفعل؛ كي يُقال: ظاهر الرواية «ويجعلها الفريضة» يعني ويجعلها هي الواجب، بل عنوان الفريضة  ولا أقل من احتمال ذلك  مشيرٌ للصلوات اليومية، فكأنه قال: إذا صلّى الظهر فرادى ثم وجد جماعة فإنّه يمكنه أن يجعل الثانية هي الظهر لا هي الظهر بما هي الواجب المأمور به، إنّما الشارع رخصّ لي أن أُعيد الظهر، فأنا اعتبر الثانية ظهراً لكن إعادةً «مثنى»، فالأولى ظهر واجبٌ، والثانية ظهرٌ مثنى، فيكون مفاد هذه الطائفة مفاد الطائفة الأولى وهو استحباب الإعادة.

والسيّد الصدر «قدس سره» قال: بأنّ هذا خلاف الظاهر، فحمل الرواية على أنّ ظاهر هذه الروايات أنّ الواجب من أوّل الأمر هو الجامع الانتزاعي، بين الصلاة بشرط لا وبين الصلاة بشرط شيء، فالمكلف من أوّل الأمر خوطب بالجامع، فقيل له: أنت مأمور بطبيعي الصلاة ا لجامع بين فردين، صلاة مشروطة بأن لا تلحقها جماعة بقصد أنّها هي الواجب، أو صلاة بشرط الجماعة بقصد الواجب، فإن أتى بالصلاة فرادى واقتصر عليها وقعت هي امتثالاً للواجب، وإن أتى بالصلاة جماعة بقصد أداء وامتثال الأمر الذي خوطب به، وقعت هي مصداق الواجب، فالمولى يقول له: ما دمت مأمور بالجامع فأنت مخيّر أن تجعل الفريضة الأوّل، أو تجعل الفريضة الثاني، «ويجعلها الفريضة إن شاء»؛ لأنّه من الأوّل مخيرٌ بين الفردين.

ولا يبعُد تمامية كلامه.

الطائفة الثالثة: وبإسناده عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد، عن يعقوب، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله : «أصلي ثم ادخل المسجد فتُقام الصلاة وقد صليت؟ قال: صلّ معهم يختار الله أحبهما إليه».

وقد يقال: بأنّ هذه الرواية ظاهرة في صحّة الامتثال بعد الامتثال. ولكن مضافاً لضعف السند بسهل واحتمال أنّها ناظرة للصلاة مع العامّة، حيث قال: «يُصلي معهم» خصوصاً وأنّها مسبوقة بروايات في نفس الباب تتحدث عن الصلاة مع العامّة، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله : «إذا صليت وأنت في المسجد وأُقيمت الصلاة فإن شئت فاخرج وإن شئت فصلّي معهم واجعلها تسبيحاً».

وقد يقال: إنها ناظرة في قوله «صلّي معهم» بحكم أنّ هذا اللفظ استُعمل في النصوص أشار إلى الصلاة مع العامّة، قد يُقال أنها ناظرة للصلاة مع العامّة، ليست ظاهرة في إعادة الصلاة الفرادى جماعة مطلقاً، مضافاً لذلك غاية مفادها هو اختيار الأفضل في مقام الثواب لا في مقام الصحّة، لا بمعنى أنّ العملين صلاة الفرادى وصلاة الجماعة يختار الله الثاني بمعنى أنّ الصحيح هو الثاني دون الأوّل، فليس الاختيار بلحاظ مقام الصحة وإنما الاختيار بلحاظ مقام الثواب والقبول، بمعنى أنّ الله يُرتب الثواب على الثاني باعتبار أنّه الأفضل، «يختار الله أحبهما إليه» «». فهل هذا مسوق مساق التعليل، بحيث نعممه لغير الجماعة؟

الجهة الثالثة: أنّه فرض إمكان تبديل الامتثال بالامتثال، فلو أبدل السجدة سجدةً أخرى مع وقوع الأولى صحيحة لا بغرض حذفها وإنما بغرض مجرد تنويع الامتثال، فهل تقع الأولى زيادةً، أم لا؟

فقد أفاد الأصفهاني «قدس سره»: أنّ الأولى وإن كانت حين وقوعها زيادة؛ لأنها وقعت صحيحة، ولكن بعد أن ألحق بها الثانية صدق على الأولى أنّها زيادةٌ؛ لأنّ الأمر قد سقط بالثانية، فالأولى زيادةٌ.

ولكن كما ذكرنا سابقاً: هذا الكلام محلّ تأمّل؛ لأنّه إن كانت الأولى مشروطة بشرط لا  يعني بعدم لحوق الثانية  فلا محالة يكون لحوق الثانية نقيصة وليس زيادة؛ لأنّه لم يأت بالأولى، حيث إنّ الأولى مشروطة بعدم الثانية، والمشروط عدم عند عدم شرطه. وإن كانت الأولى مأخوذة لا بشرط من حيث الثانية، أو كان المأمور به هو الطبيعي الصادق على القليل والكثير، فحينئذ نقول:

إن قلنا بعدم إمكان تبديل الامتثال بالامتثال، فالثانية هي الزيادة وليست الأولى؛ لأنّ الأولى هي التي وقعت مأموراً بها، والثانية لا محالة هي الزيادة.

وإن قلنا بإمكان تبديل الامتثال بالامتثال بحيث يتعامل مع الأوامر مثل الخيط، جرّ الخيط بدل أن يقع الأولى وقع الخيط على الثانية، فجرّ خيط الأمر وجعله مستقراً على الثانية دون الأولى. فحيث صدق المأمور به على الثانية، أصبحت الأولى لا محالة زائدةً. هذا من غير فرق أن بين أن يقصد حذف الأولى من الصلاة أو لا يقصد  كما ذكرنا  فإنّ هذا لا دخل في صدق الزيادة على الأولى.

الجهة الثالثة: ذكر المحقق الهمداني «قدس سره»: حتّى لو صدقت الزيادة على السجدة الأولى مع ذلك لا يشملها دليل «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»؛ لأنّ هذا الدليل منصرف إلى إحداث الزائد، بمعنى أنّه حين احدث أحدثه زيادة، وأمّا لو كان العمل حين وقوعه ليس زيادة؛ لأنه مطابق للمأمور به، ولكن لمّا الحق به جزءاً آخر فقد صدق عليه الزيادة، فهو زيادةٌ بقاءً وليس زيادة حدوثاً، فإن الدليل منصرف عنه، حيث إن قوله: «من زاد في صلاته» منصرف إلى من أحدث الزيادة، لا من أوجب اتصاف العمل السابق بكونه زيادة.

ولكن الصحيح  كما ذكره سيّدنا الخوئي «قدس سره» في المستند : أنه لا وجه لهذا الانصراف ولا قرينة عليه، فإنّ غاية ما قال: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» بمعنى أنّ من اوجد الزيادة سواء بإحداث الزائد أم بأن يُوجد الزيادة في عمل سابق، فعليه الإعادة، فصحيح أنّ العناوين ظاهرة في الإحداث لكن لا ظهور لها في إحداث أصل العمل، وإنما غاية ظهورها في إحداث الزيادة، إمّا بكون العمل من حين وقوعه زائداً أو باتصاف العمل بعد وقوعه بالزيادة.

فتلخص من ذلك: أنّه لو كان وجهٌ لبطلان العمل في مثل هذه الصورة فالوجه هو مانعية الزيادة.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 19
الدرس 21