نص الشريط
الدرس 27
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 9/12/1434 هـ
مرات العرض: 2957
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (427)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في أنه هل يمكن تصحيح صلاة من اخل بجزء أو شرط عمدا من باب الترتب بأن يكون المكلف مخاطبا بالصلاة التامة ولكن على فرض عصيانه للأمر بالصلاة التامة فهو مأمور بالصلاة الناقصة، فتكون الصلاة الناقصة مأموراً بها بالأمر الترتبي، وبذلك من أتى بصلاة ناقصة عمدا صحت صلاته؛ لامتثاله للأمر الترتبي وإن كان مستحقا للعقوبة بلحاظ عصيانه للأمر بالصلاة التامة، وقلنا بأن هذا المدعى أورد عليه إشكالات ثلاثة.

وصل الكلام إلى الإشكال الثالث: وهو ما ذكره المحقق النائيني «قدّس سرّه» من أنه لا يتصور الترتب في الضدين الذين لا ثلاث لهما، فإن الأمر الترتبي حينئذ طلب للحاصل وهو محال، مثلا الحركة والسكون من الضدين الذين لا ثالث لهما، بناء على أن السكون أمر وجودي، فإذا كانا من الضدين الذين لا ثالث لهما فلا يعقل أن يكون الجعل بنحو الترتب، وهو أن يقول المولى: تحرك فإن لم تتحرك فاسكن، لأنّه إذا لم يتحرك فلا محال هو ساكن، فأمر الساكن بالسكون طلب للحاصل وتحصيل الحاصل محال، إذن فلا يعقل الترتب في واجبين ضدين لا ثالث لهما.

وتطبيق ذلك على المقام أن المحقق النائيني قال: لا يخلو حال المصلي بين أن تكون صلاته تماما أو صلاته قصرا، ولا يتصور له شق ثالث، فلا وجه لأنَّ يقال للمصلي: قصر من صلاتك فإن لم تقصر فأتم، والسر في ذلك أن المصلي إذا لم يكن مقصرا في صلاته فهو لا محالة متم لها وإذا كان متما لها أي أتى بها تماما، فأمره بالتمام إذا لم يقصر يكون طلبا للحاصل وهو محال، فلا يعقل الأمر الترتبي بين القصر والتمام، كذلك لا يعقل الأمر الترتبي بين الصلاة التامة والصلاة الناقصة، والمناقشة مع الميرزا النائيني «قدّس سرّه» ليست في الكبرى، فما ذكره في الكبرى تام، من أنه لا يعقل الترتب في الضدين الذين لا ثالث لهما لاستلزامه طلب الحاصل وهو محال، وإنما الإشكال في الصغرى، حيث إن محل البحث إنما هو بين الصلاة قصرا والصلاة تماما، أي أنه هل يتصور ترتب بين الأمر بالصلاة قصرا والأمر بالصلاة تماما، أو هل يتصور ترتب بين الأمر بالصلاة والأمر بالصلاة الناقصة أم لا؟ لا أن الترتب بين خصوصية القصر وخصوصية التمام فيمن فرض أنه في الصلاة، أو بين خصوصية إتمام الصلاة أو نقصها فمن فرض أنه في الصلاة، كي يقال: إنه لا يتصور شق ثالث، وإنما محل البحث بين الأمر بصلاة القصر مستقلا والأمر بصلاة التمام، وكذلك بين الأمر بالمركب التام وبين الأمر بالمركب الناقص، وحيث يمكن للمكلف أن لا يصلي أصلا أو يصلي صلاة فاسدة، فحينئذ يتصور الترتب في حقه وهو معقول، بأن يقال: صل قصرا فإن عصيت هذا الأمر فصل تماما، أو صل صلاة تامة من حيث أجزاءها وشرائطها فإن عصيت هذا الأمر فات بالصلاة الناقصة، فالإشكال في كلام الميرزا النائيني «قدّس سرّه» إنما هو الإشكال في الصغرى وليس في الكبرى.

فتلخص بذلك أن الوجوه الثبوتية التي عرضناها لإثبات أن لا تعاد يمكن أن تشمل ثبوتا من اخل بجزء أو شرط في صلاته عمدا صح من هذه الوجوه وجوها ثلاثة وهو أن يرجع ذلك إلى أمر بالفرائض وأمر بالسنن على نحو الأمر الاستقلالي الانحلالي، أو أمرين: أمر بالجامع بين الصلاة التامة والصلاة الناقصة، وأمر بالصلاة التامة مقيدة بعدم سبق الناقصة، أو أمرين على سبيل الترتب، أي أمر بالصلاة التامة وأمر بالصلاة الناقصة على فرض عصيان الأمر بالصلاة التامة.

إنما يكون ضدين لا ثالث لهما إذا فرض أنه في الصلاة، أما إذا لم نفرض أنه في الصلاة، خطاب للمكلف: أيها المكلف صل قصرا فإن عصيت هذا الأمر فصل تمام، فصار له شق ثالث، ليس مفروض البحث من فرض أنه داخل في الصلاة من فرض أنه تلبس بالصلاة كي يقال: إنه بالنسبة إليه هو إما مقصر أو متم، لا، موضوع الخطاب هو نفس المكلف لا من فرض أنه في صلاة، وإذا فرض أنه هو المكلف فليس من الضدين الذين لا ثالث لهما.

وبعد أن بينا أن الوجوه التي يمكن أن نصحح الصلاة الناقصة من قبل العامد  وجوه ثلاثة  فأي من هذه الوجوه تنسجم مع مقام الإثبات؟

وحديثنا في مقام الإثبات في مطالب ثلاثة:

المطلب الأول: قد يقال: بأن المنسجم مع مقام الإثبات هو دعوى وجود أمرين استقلاليين: أمر بالفرائض، وأمر بالسنن إن كان آتياً بالفرائض، فإذا أتى بالفرائض والسنن فقد امتثل كلا الأمرين، وإذا أتى بالفرائض وترك السنن، أو أتى بالفرائض مع بعض السنن فقد امتثل الأمر بالفرائض وعصى الأمر بالسنن، فاستحق العقوبة على عصيان الأمر بالسنن لكن صلاته صحيحة؛ لأنَّه قد أتى بالفرائض واحدها أو مع السنن، فيدعى أن هذا هو المنسجم مع مقام الإثبات؛ وذلك بذكر مقدمات ثلاث:

المقدمة الأولى أن يقال: إن قوله: لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة، مطلق يشمل حتى العامد يشمل حتى من اخل بصلاته عمدا بجزء أو بشرط، وبيان السر في الشمول، أن الكبرى في هذه الرواية وهي صحيحة زرارة مذكورة في الذيل، وهو قوله: والتشهد سنة، والقراءة سنة والتشهد سنة، ولا تنقض السنة الفريضة، فإن ظاهر هذا الذيل أنه في مقام بيان الكبرى التي تنطبق على المورد وعلى غيره.

فإذا رجعنا لما في الذيل وهو قوله: لا تنقض السنة الفريضة، فأنها عامة للعمد وغير العمد، والسر في ذلك: أن ظاهرها أن الإخلال بالسنة من حيث هي سنة لا يوجب نقض الفريضة، فإن مقتضى أصالة الموضوعية في العناوين أن يكون لعنوان السنة مدخلية في ذلك، فهو يقول: إن الإخلال بالسنة من حيث إنها سنة لا يوجب نقض الفريضة، ومن الواضح أن هذا المضمون لا يختص بفرض الجهل أو بفرض السهو، لأنّه لو اختص بفرض السهو أو الجهل لم يكن الإخلال بالسنة من حيث هي سنة، بل صار سبب الصحة الإخلال بالسنة من حيث إنها مجهولة، أو من حيث إنها منسية، لا من حيث إنها سنة، فإنما يكون ظاهر الكبرى المذكورة في الذيل بمقتضى أصالة الموضوعية في العناوين متحفظا عليه وهو أن ظاهرها أن الإخلال بالسنة لأجل كونها سنة لا يضر بالفريضة، هذا لا يتم التحفظ عليه إلاّ إذا فرضنا عموم هذه الكبرى حتى في فرض العمد، فإذا اخل بالسنة في فرض العمد فيقال: نعم، وإن كان عامدا ولكن ما اخل به سنة والإخلال بالسنة لأجل كونها سنة لا يوجب نقض الفريضة، فمن خلال ما ذكر في الذيل يقال بإطلاق لا تعاد حتى في موارد الإخلال العمدي فهذه المقدمة لا تعين أن تصحيح الصلاة العمدية هو من باب وجود أمرين: أمر بالفرائض وأمر بالسنن، بل هذه المقدمة فقد ممهدة تبين إطلاق لا تعاد لموارد الإخلال العمدي، وأما ما هو السر في تصحيح الصلاة في وقت الإخلال بالعمد فسيأتي.

المقدمة الثانية: أن يقال: بأن هناك قرينة خارجية على كون المنظور هو تعدد الأمر بمعنى أن هناك أمراً بالفرائض وأمراً بالسنن وهو ما ورد في صحيح زرارة الآخر، قال له: ما الفرض في الصلاة  ما هي الفرائض في الصلاة  قال: الوقت، والطهور، والقبلة، والتوجه، والركوع، والسجود، والدعاء، قلت: وما سوى ذلك؟ قال: سنة في فريضة، فيدعى أن هذا التعبير: سنة في فريضة، أن السنن مأمور بها بأمر استقلالي إلاّ أن فرضها الفرائض، أي انك مأمور بالسنن حال كونك آتيا بالفرائض لا أن السنن قيد للفرائض، بحيث لو لم تأت بالسنن لم تأت بالفرائض، بل أنت مأمور استقلالا بالفرائض على نحو اللابشرط فلو أتيت بالفرائض وحدها امتثلت هذا الأمر، ومأمور بالسنن في حال الإتيان بالفرائض، فلو أرت أن تأتي بالسنن بعد أن أتيت بالفرائض فلا موضوع لها، قلت: وما سوى ذلك؟ قال: سنة في فريضة. فيدعى بأن ظاهر هذا التعبير أن هناك أمراً استقلالياً انحلالياً بالسنن، أي أن لكل سنة أمراً.

هذا من جهة القرينة الخارجية.

المقدمة الثالثة: أن يقال: من باب دفع المانع أي بعد تمامية المقتضي الإثباتي لاستكشاف وجود أمرين: أمر بالفرائض وأمر بالسنن، لا بد من دفع المانع، حيث يقال: إن تصحيح الصلاة من العامد الذي أتى بالصلاة الناقصة عمدا يوجب المناقضة ثبوتا، بين الحكم بالصحة وبين أدلة الجزئية والشرطية، فهناك مناقضة ثبوتية بأن يقال: من جهة هو مأمور بهذا المجموع من الفرائض والسنن أمراً فعليا ومن جهة أخرى إذا عصى هذا الأمر الفعلي فمع ذلك صلاته صحيحة، فهذا يوجب المناقضة الثبوتية بين الصحة وبين ظهور أدلة الأجزاء والشرائط بكونه مأموراً بالمجموع.

فالجواب عن هذا المانع: أن هذا إنما يتم لو التزمنا بوحدة الأمر، ولكننا ندعي أن الظاهر هو تعدد الأمر، فلو استظهرنا وحدة الأمر بمعنى أن هناك أمراً واحدا بمركب من فرائض وسنن، فلا محال مع وحدة الأمر الفعلي بالمركب من الفرائض والسنن يكون صحة صلاة من اقتصر على الفرائض موجبا للمناقضة الثبوتية مع وحدة الأمر، أما نحن ندعي أن ظاهر القرينة الخارجية تعدد الأمر فهناك أمر مستقل بالفرائض وهناك أمر مستقل بالسنن حال الفرائض، فلا يوجد أمر واحد كي يقال: بأن تصحيح الصلاة الصادرة من قبل العامد الذي ترك جزءا أو شرطا عن علم وعمد أنه مناقضة ثبوتية مع أدلة الأجزاء والشرائط، فهذا هو بيان لتصحيح صلاة الناقصة من العامد بنحو تعدد الأمر.

ولكن يرد على ما أفيد ملاحظتان:

الملاحظة الأولى: بأن هناك قرينتين: قرينة داخلية، وقرينة خارجية على أن السنن جزء من الصلاة ودخيلة في الواجب الارتباطي وليست مستقلة في الجعل.

أما القرينة الخارجية: فهي ما ورد في صحيح زرارة الآخر، حيث قال: والقراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة، وان تركها نسيانا فلا شيء عليه. فإن مقتضى قوله: فإن من ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة، أن القراءة جزءا من المركب الارتباطي، وان هناك أمراً واحدا بمركب ارتباطي، لا أن السنن أجزاء مستقلة، كما أن مقتضى القرينة الداخلية هو ذلك، وبيان ذلك:

إننا إذا لاحظنا سياق صحيحة زرارة الأولى، وهو قوله: لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة: القبلة والوقت والطهور والركوع والسجود والقراءة سنة والتشهد سنة ولا تنقض السنة الفريضة. إذا لاحظنا سياق الرواية فإن ما يفهمه العرف من سياقها هو أن المركب من السنن والفرائض لو اخل المكلف بسننه لم يكن ذلك موجبا للإخلال به، فإن هذا هو ظاهر السياق، وإلا لم يكن وجه للافتتاح بقوله: لا تعاد الصلاة. فإن ظاهر قوله: لا تعاد الصلاة، أن هناك مركبا أمر به فاخل به فترقب وتوقع أن يخاطب بإعادته فجاء هذا الخطاب ينفي الإعادة، فإن هذا هو ظاهر السياق أن المكلف أمر بمركب فاخل بامتثاله فتوقع أنه نتيجة الإخلال بامتثاله أن يخاطب بالإعادة فنفي الخطاب بالإعادة بقوله لا تعاد.

إذن لو كنا نحن وظاهر السياق لكان هذا السياق قرينة متصلة موجبة لظهور قوله: ولا تنقض السنة الفريضة، يعني: ولا ينقض الإخلال بسنن هذا المركب بفرائضه أو بصحته.

فحينئذ يقال: لا تنقض السنة الفريضة في نفسه مطلق وظاهره أن الإخلال بالسنة من حيث هي سنة لا يوجب نقض الفريضة فيكون مضمونها شاملا لحال العمد وغير العمد إلاّ أن السياق قرينة متصلة فإن ظاهر قوله لا تعاد الصلاة أن هناك مركبا أمر به فاخل به فتوقع أن يخاطب بالإعادة فنفي الخطاب، ومع هذه القرينة السياقية المتصلة لا يكون لقوله: لا تنقض السنة الفريضة إطلاق لحال العمد. هذه الملاحظة الأولى.

الملاحظة الثانية: أن قوله في صحيح زرارة السابق: قلت: ما الفرق؟ قال: كذا وكذا وكذا، قلت: وما سوى ذلك؟ قال: سنة في فريضة، ليس صريح بأن السنن مأموراً بها أمرا استقلاليا حال الفرائض، فإن التعبير ب «في» اعم، إذ غاية ظهورها أن السنن مأمور بها مع الفرائض، لكن هذه المعية على نحو الواجب الارتباطي أو هذه المعية على نحو المقارنة فقط؟ وإن لم تكن بينهما ارتباطية، فهذا مما لا يعينه سياق سنة في فريضة، فحيث إنه ظاهر في الأعم فبمقتضى صراحة صحيح زرارة الآخر الذي قال: فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة، هو تقرين وليس تقييد  يعني بمثابة القرينة لذي القرينة  فبمقتضى هذه الصراحة تقرين قوله: سنة في فريضة، أن المراد به الظرفية على نحو الواجب الارتباطي.

فتحصل من ذلك أن دعوى كون السنن مأمور بها بأمر استقلالي انحلالي حال الإتيان بالفرائض غير تام.

يبقى الكلام في الوجوه الباقية.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 26
الدرس 28