نص الشريط
الدرس 61
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 25/3/1435 هـ
مرات العرض: 2890
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (466)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان البحث في فرض الإخلال بشرط أو جزء إخلالاً اضطراريا وقسمنا الإخلال إلى أربع صور:

الصورة الأولى: الاضطرار المستوعب ومر بيان حكمها.

والصورة الثانية: الاضطرار غير المستوعب مع البناء على أنه إذا ارتفع الاضطرار يكون مشمولا لخطاب الصلاة الاختيارية.

والصورة الثالثة: أن يحدث اضطرار في أول الوقت لكنه استصحب بقاء الاضطرار إلى آخر الوقت ولأجل ذلك بادر للعمل ثم انكشف خطأ استصحابه.

والصورة الرابعة: أن يتخيل أنه مضطر فيصلي جالسا ثم ينكشف أنه قادر على الصلاة قائما.

وفي هاتين الصورتين الأخيرتين، أي من اعتمد على الاستصحاب الاستقبالي فأتى بالصلاة الاضطرارية ثم انكشف خطأ استصحابه، أو من تخيل أنه مضطر ثم انكشف أنه ليس بمضطر أصلا، يكون اجزاء ما أتى به من الصلاة - في هذين الفرضين الأخيرين والصورتين الأخيرتين - من باب إجزاء الأمر الظاهري عن الأمر الواقعي لا من باب إجزاء الأمر الاضطراري عن الأمر الاختياري، فلذلك لم نتعرض لحكم هاتين الصورتين فإنه سيتبين حكمهما من خلال بحثنا في فرض الإخلال عن جهل.

لذلك نحن الآن ندخل في بحث جديد فقد مضى البحث عن الإخلال عن الاضطرار والآن ندخل في بحث الإخلال عن جهل، إذا اخل بشرط أو جزء زيادة كان الإخلال أو نقيصة، وكان الإخلال عن جهل سواء كان عن جهل قصوري أو تقصيري وسواء كان الإخلال في ركن أو غير ركن، فهذا البحث بسائر تفاصيله هو الذي نتعرض له في الأيام القادمة.

فالبحث حينئذ في عدة جهات:

الجهة الأولى: التمسك بحديث الرفع لإثبات الإجزاء من فقرة «ما لا يعلمون» بأن يقال: من أخل بشرط كالإخلال بشرط الاطمئنان أو بجزء كالإخلال بالسورة، أو أخل بركن كما لو أخل بشرطية القيام قبل الركوع وسواء كان إخلاله عن جهل بسيط أو جهل مركب، فقد بنى بعض الأكابر ومنهم السيد الإمام «قدّس سرّه» على صحة عمله تمسكا بفقرة «ما لا يعلمون» من حديث الرفع. والكلام فعلا في هذا البحث.

والبحث في التمسك بحديث الرفع لإثبات الإجزاء في عدة مطالب:

المطلب الأول: - وهذا قد سبق بحثه - أنه هل أن رفع الجزئية أو الشرطية بحديث الرفع يثبت الأمر بالباقي أم لا فإذا افترضنا أنه لم يأتِ بالسورة جهلا فرفعت جزئية السورة بحديث الرفع من خلال فقرة «ما لا يعلمون» فهل يعني ذلك أن هناك أمرا بباقي أجزاء العمل كي يكون ذلك الأمر هو المصحح للعمل؟

فإن مدرسة النائيني ومنهم سيدنا «قدّس سرّه» ذهبت إلى رفع الجزئية أو الشرطية لا يثبت أمرا بالباقي؛ والسر في ذلك أن الجزئية والشرطية من العناوين الانتزاعية ولا يمكن رفع الأمر الانتزاعي برفع منشأ انتزاعه، ومنشأ انتزاعه هو الأمر بالمركب فرفع الجزئية والشرطية إنما يكون برفع أصل الأمر بالمركب وإذا ارتفع أصل الأمر بالمركب فثبوت أمرٍ بفاقد ذلك الجزء أو الشرط يحتاج إلى دليل خاص.

ولكن السيد الإمام «قدّس سرّه» أفاد في تهذيب الأصول بحسب ما قرر من بحثه أن الأدلة ثلاثة:

القسم الأول من الأدلة: هو المطلقات ك «أقم الصلاة لدلوك الشمس».

والقسم الثاني من الأدلة: أدلة الجزئية والشرطية كأن يقول: لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الصلاة، لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، هذا القسم الثاني من الأدلة المتعرض لتفاصيل الأجزاء والشرائط.

والقسم الثالث من الأدلة: هي الأدلة الحاكمة التي تضيق دائرة الجزئية أو الشرطية، وحديث الرفع من القسم الثالث فإن حديث الرفع يقول: «رفع عن أمتي ما لا يعلمون» ومقتضى حكومته تضييق القسم الثاني من الأدلة وهو ما دل على جزئية الفاتحة بغير صورة الجهل، أو يقيد دليل: «لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الصلاة» بغير صورة الجهل، وبعد حكومة حديث الرفع على القسم الثاني من الأدلة فصحة صلاة من ترك السورة وصحة صلاة من اخل بالقيام في الصلاة بالأمر الأول وهو ما دل على الأمر بالصلاة على نحو اللابشرط كقوله: أقم الصلاة لدلوك الشمس، فالمصحح لصلاته القسم الأول من الأدلة بعد حكومة القسم الثالث على القسم الثاني.

وذكرنا فيما سبق مناقشة هذا البيان وهذا التصوير وهو: أنه لو كان القسم الثالث دليلا خاصا بهذا المركب كأن يقول: لا يجب عليك قراءة السورة إن كنت في حاجة وهنا يتم كلامه، حيث إن القسم الثالث مقيد للقسم الثاني ويثبت صحة العمل الفاقد لهذا القيد بالقسم الأول، وأما اذا افترضنا بأن القسم الثالث لا ربط له بالمقام بل هو اعم منه من وجه كحديث الرفع الذي لم يرد في خصوص باب الصلاة «رفع عن أمتي ما لا يعلمون» كسائر الأدلة العامة، فإذا كان القسم الثالث من الأدلة العامة التي تشمل المركبات والتكاليف الاستقلالية ومثلا الأحكام الوضعية والأحكام التكليفية وما أشبه ذلك بحيث يكون بينها وبين القسم الثاني من الأدلة وبينها وبين القسم الأول من الأدلة العموم من وجه، فهنا لا موجب ولا مرجح لحكومة القسم الثالث على القسم الثاني دون القسم الأول فلماذا لا يكون القسم الثالث حاكما على القسم الأول من الأدلة، فإن ورود القسم الثالث مورد الامتنان يجعله متساوي النسبة مع القسم الثاني والقسم الأول إذ كما يتحقق الامتنان برفع الجزئية مع بقاء أصل الأمر بالمركب تحصل الامتنان برفع أصل الأمر بالمركب من هذا الجزء أو الشرط المجهول، إذن فصرف حكومة القسم الثالث إلى القسم الثاني إنما يصح عرفا لو كان القسم الثالث ناظرا للقسم الثاني كما لو ورد في هذا الباب وأما إذا لم يرد في هذا الباب فصرفه إلى القسم الثاني دون القسم الأول مع إطلاقه وتساوي نسبة الامتنان إلى كليهما بلا مرجح عرفي، فحينئذ ما أفاده من المحاولة لجعل ضم دليل الرفع - بحسب تعبيره - إلى أدلة الصلاة من قبيل ضم الاستثناء إلى المستثنى منه ليس عرفيا.

المطلب الثاني: - وهو عصب البحث - هل أن حديث الرفع مفاده الرفع الظاهري أي مجرد رفع وجوب الاحتياط عند الشك أم أن مفاد حديث الرفع رفع الفعلية؟ ومن الواضح أنه إذا كان مفاده الرفع الظاهري كما هو رأي سيدنا الخوئي فلا يترتب عليه صحة العمل؛ لأن المرفوع عند الجهل بوجوب السورة أو عند الجهل بوجوب الاطمئنان عدم ايجاب الاحتياط فإذا انكشف له بعد ذلك أنه يجب عليه السورة أو يجب عليه القيام المتصل بالركوع وجب عليه القضاء أو الإعادة لأن الرفع مجرد رفع ظاهري. بخلاف ما إذا قلنا بأن المرفوع هو الفعلية بمعنى أن جزئية السورة المجهولة أصلا لا فعلية لها بحق الجاهل فلم يخاطب بالسورة خطابا فعليا إذن فقد امتثل ما خوطب به وبالتالي صح عمله، فالاستدلال بحديث الرفع على الإجزاء والصحة الواقعية مبني على أن الرفع رفع للفعلية لا أنه رفع ظاهري.

فإذا رجعنا لسيد المنتقى «قدّس سرّه» فقد صرح بشكل واضح أنه يرى أن مفاد حديث الرفعِ الرفع الواقعي بمعنى أن الفعلية مرفوعة لوجود المقتضي وفقد المانع أما المقتضي فلأن سياق حديث الرفع هو الرفع الواقعي حيث إن الرفع في فقرة «ما اضطروا إليه» وفي فقرة «ما استكرهوا عليه» وفي فقرة «الخطأ» وفي فقرة «النسيان» الرفع الواقعي فمقتضى السياق أن يكون الرفع في فقرة «ما لا يعلمون» رفعا واقعيا أيضاً، وأما فقد المانع فليس المانع إلا ما ادعاه السيد الخوئي في مصباح الأصول من وجود الأخبار المتواترة الدالة على اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل وأجاب سيد المنتقى بأنه لا يوجد من هذه الأخبار عين ولا اثر.

لذلك استقرب أن مفاد حديث الرفع بالنسبة إلى الشبهات الحكمية رفع واقعي فعلى هذا المبنى واضح أنه يصح الاستدلال بحديث الرفع على صحة عمل هذا الجاهل مع البناء في المطلب السابق على ثبوت أمر بالباقي بعد رفع الجزئية المجهولة أو الشرطية المجهولة.

ولكن المشكلة في تقريرات كلمات السيد الإمام «قدّس سرّه» فإن الكلمات بظاهرها متهافتة - كلمات التقريرات - فإذا قرأنا تهذيب الأصول ج1 الطبعة القديمة طبع مؤسسة النشر الإسلامي 195قال: وأما البراءة الشرعية فإن الظاهر من قوله رفع عن أمتي تسعة هو رفع الحكم في الشبهات الحكمية حقيقة واختصاصه بالعالمين ولكن لما كان ذلك مستلزما للتصويب الباطل حمل لا محالة على رفعه ظاهرا بعد ثبوته واقعا ووجه الرفع هو الامتنان للأمة وتوسيع الأمر عليهم.

ومن عباراته في ج3 ص35. من تهذيب الأصول الطبعة الجديدة قال: وأما «ما لا يعلمون» فالرفع فيه لأجل إطلاق الأدلة وظهورها في شمول الحكم للعالم والجاهل فالرفع لأجل ثبوت الحكم حسب الإرادة الاستعمالية لكل عالم وجاهل وإن كان الجاهل خارجا حسب الإرادة الجدية - أي أن الحكم لا يشمله جدا وإن كان يشمله صورة واستعمالا - غير أن المناط في حسن الاستعمال على المراد الاستعمالي.

نأتي إلى كتابه الخلل - الذي كتبه بقلمه لا بتقرير -، حيث قال ص24: إن التصويب - حيث قال هناك: إن التصويب بالمعنى الذي ادعى قوم من مخالفينا معقول ولا يلزم منه الدور كما قيل لإمكان كون الحكم الجدي أو الفعلي تابعا لاجتهاد المجتهد فما في الكتاب والسنة أحكام إنشائية ويقتضي الأصل العقلائي الحمل على الجد إلا إذا دل الدليل على التخصيص والتقييد فلا مانع هناك من أن يكون حكم الله الواقعي تابعا لاجتهاد المجتهد وفي المقام يمكن أن تكون الجزئية والشرطية والمانعية مشتركة بين العالم والجاهل ومع تعلق العلم منها تصير جدية أو فعلية فلا إشكال عقلي في المقام واثبات الإجماع في المقام محل تأمل بعد استناد فتوى المعظم إلى الأمر العقلي الذي تشبث فيه كثير من المحققين.

ويمكن أن يقال في الجمع بين كلماته التي خطها بقلمه وبين ما قرر عنه بأن يقال: الحكم الواقعي الإنشائي ثابت ومشترك بين العالم والجاهل فلذلك لا تصويب وما يقال من استلزام التصويب فلا يرد لأننا نلتزم باشتراك الحكم الواقعي الإنشائي بين العالم والجاهل ولكن كون هذا الحكم جديا فعليا إنما هو في حق العالم دون الجاهل.

وتقريب كلامه بوجوه ثلاثة يمكن أن تستفاد من بحثه في كتاب الخلل حيث قال: ويدل على الصحة - الصحة يعني فرض الإخلال عن جهل - حديث الرفع لأن ضم دليل الرفع إلى دليل وجوب الصلاة ينتج أن المأمور به ما عدى المرفوع وعليه فالإتيان بالفاقد موجب للصحة، وقد يستشكل في شموله للشبهة الحكمية - يعني تارة الشبهة موضوعية لا يدري ثوبه مما يؤكل أو مما لا يؤكل هذا يمكن أن يقال ليس فيه تصويب لأن المسالة مسألة شبهة موضوعية أما إذا كانت شبهة حكمية أصلا لا يدري أن القيام المتصل بالركوع شرط أو ليس بشرط فما أتى به - بلزوم المحال ضرورة أن اختصاص الحكم بالعالم به دور صريح، وفيه: - الآن يتعرض لوجوه ثلاثة نستفيد منها أنه من جهة لا يرى التصويب ويقول بأن الحكم الواقعي ثابت في حق الجاهل ومن جهة أخرى يقول بالصحة والإجزاء وان العمل الذي أتى به الجاهل فاقدا لجزء أو شرط صحيح واقعا.

التقريب الأول: قال: الرفع في حديث الرفع ليس رفعا حقيقيا إذ لا يعقل أن يكون العلم بالشيء شرطا في وجوده بمعنى أن وجود الحكم في عالم الجعل مشروط بالعلم به فإذا لم يعلم به أصلا لا وجود له وهذا غير معقول - أو يكون الجهل به مانعا من حدوثه لمحذور الخلف فإن العلم بالشيء والجهل به فرع أن يكون للشيء تقرر مع غمض النظر عن العلم والجهل به فلو كان تقرره بالعلم به ورد محذور الدور فالرفع لا محالة رفع مجازي لا رفع حقيقي والمصحح لهذا الرفع المجازي رفع تمام الآثار فالحكم لم يرتفع وإنما ارتفعت تمام آثاره ومن آثاره الأمر بالإعادة والقضاء فالحكم ثابت واقعا لكن لا اثر له ومن آثاره الإعادة والقضاء فهي قد ارتفعت بحديث الرفع ومقتضى ذلك عدم ورود محذور الدور لأن الحكم نفسه لم يرتفع بالجهل به ولا يرد محذور التصويب، فلا يلزم اختصاص الحكم بالعالم به، إذن الحكم - بناء على هذا التقريب - حكم إنشائي لكن لا اثر له.

التقريب الثاني: أن الحكم الواقعي في حق الجاهل ليس جديا ولا فعليا فالجدية بمعنى تعلق الإرادة على طبقه والفعلية بمعنى ترتب الآثار عليه كلاهما منوطان بالعلم فما يدل عليه حديث الرفع شرطية العلم في الجدية والفعلية فهل يوجد فرق بين التقريبين، ولذلك - هو يقول - فنحن لا ندعي خلو صفحة الواقع من الحكم وتبعيته لفتوى المجتهد كما يقول به المصوبون كما لا نقول بأن الحكم الواقعي ثابت لكنه يرتفع عند فتوى المجتهد على خلافه بل نقول إن هناك حكما ثابتا إلا أنه ليس جديا ولا فعليا في حق الجاهل به.

التقريب الثالث يأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 60
الدرس 62