نص الشريط
الدرس 88
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 4/5/1435 هـ
مرات العرض: 2924
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (599)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا امس أنه إذا انكشف خلاف ما استند إليه المكلف بالاصل العملي حيث إن الأصل العملي تارة يكون تعذيريا وتارة يكون تنجيزيا فمثلا إذا شك المكلف في أنه هل زاد في صلاته أم لا فهنا استصحاب عدم الزيادة أصل معذر وليس الكلام فيه واما إذا شك المكلف أنه نقص من صلاته أم لا فهنا استصحاب عدم الإتيان بالعمل المشكوك أصل منجز فالكلام في الأصل المنجز أي لو أن المكلف استند في عمله سابقا إلى قاعدة ثم شكك في حجيتها كما لو افترضنا أنه شك في الركوع بعدما هوى إلى السجود فحينئذ بنى على قاعدة التجاوز ولكن بعد الفراغ من عمله شك في شمول قاعدة التجاوز لهذا المورد فكان مقتضى الأصل التنجيزي ألا وهو استصحاب عدم الإتيان بالركوع هو عدم الامتثال في مثل هذه الصورة لو التفت المكلف بعد الوقت إلى أن الأصل التنجيزي وهو استصحاب عدم الركوع جار في حقه فهل أن استصحاب عدم الركوع يثبت وجوب موضوع وجوب القضاء أم لا هل يجب عليه قضاء هذه الصلاة بعد جريان استصحاب عدم الركوع أم لا وهذا يتوقف على أن نبحث في موضوع وجوب القضاء ما هو؟

فهنا امور عديدة لا بد من البحث فيها:

وهي هل ظاهر الأدلة أن القضاء بالامر الأول أم أن ظاهر الأدلة أن القضاء بامر جديد؟ هل أن موضوع الأمر الجديد لو سلمنا به هو الفوت أم عدم الإتيان بالفعل.

الأمر الثالث هل أن الفوت - يعني لو سلمنا أن موضوع القضاء هو الفوت - عنوان عدمي أم عنوان انتزاعي؟

الأمر الرابع: أن موضوع وجوب القضاء فوت الفريضة فما هو المراد بالفريضة هل تشمل الفريضة الظاهرية والفريضة العقلية أم تختص بالفرضية الواقعية الشرعية هذه امور كلها لابد من بحثها، فنبدا اولا بالامر الأول ألا وهو هل أن ظاهر أدلة القضاء أن القضاء الأمر الأول أم أن القضاء بامر جديد؟ لأنه إذا شك المكلف هل شك في صلاته أم لم يركع هل صلى في الوقت أم لم يصل فلو كان القضاء بنفس الأمر الأول لكان استصحاب عدم الركوع أو استصحاب عدم الإتيان بالصلاة منقحا لوجوب القضاء لأن موضوع القضاء هو موضوع الأمر الأول وموضع الأمر الأول في الوقت هو من لم يصل فليصلي إذن لو كان القضاء تابعا للاداء بمعنى أن المأمور به قضاء هو نفس الأمر المأمور به بالامر الأول لتنقح موضوع وجوب القضاء بنفس استصحاب عدم الامتثال وعدم الإتيان.

فقد ذهب سيد المستمسك في ج1 ص68 إلى أن القضاء بالامر الأول وليس بامر جديد وذلك لقرينتين:

القرينة الأولى قال مقتضى الجمع بين الأمر بالاداء في الوقت وبين دليل القضاء حمل الأمر الأول على تعدد المطلوب، فلو كنا نحن والامر الأول وهو قوله صل في الوقت لاستفدنا منه وحدة المطلوب أي أن المأمور به حصة خاصة صلاة في الوقت وبالتالي فإن هذا الأمر ينتفي بخروج الوقت ولكن ببركة دليل القضاء يعني ببركة الجمع العرفي بين دليل القضاء وبين هذا الأمر استفدنا أن هذا الأمر على نحو تعدد المطلوب فاصل الإتيان بالصلاة مطلوب وكونها في الوقت مطلوب آخر فإذا انتفى المطلوب الثاني بخروج الوقت بقي المطلوب الأول.

القرينة الثانية قال أن ظاهر الأمر بالقضاء الارشاد إلى بقاء الأمر لا أنه تاسيس إلى أمر جديد بل ارشاد إلى أن الأمر الأول ما زال باقيا وهذا شاهد على أن القضاء تابع للاداء أي مأمور به بالامر الأول فنقرا هذه الرواية ح1 ب6 من ابواب قضاء الصلوات صحيحة زاررة قلت له رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر قال يقضي ما فاته كما فاته إن كانت صلاة السفر مثلها وان كانت صلاة الحضر فليقضي في السفر كما فاتته فيدعى أن قوله يقضي ما فاته كما فاته يعني أن الأمر بالتقيد بنفس ما فات اما قرينة على أن الأمر بالصلاة في الوقت كان على نحو تعدد المطلوب أو أن هذا ارشاد إلى أن هذا الأمر الأول ما زال باقيا في حق المكلف ولذلك قال يقضي ما فاته كما فاته.

ولكن الظاهر وهو سيد الظهور «قدّس سرّه» صاحب المستمسك يتميز عن باقي الفقهاء بحسن السليقة ولطف الاستظهار ولكن بحسب ما نستظهره أن ظاهر قوله يقضي ما فاته كما فاته أمر جديد غاية ما في الباب أن متعلق هذا الامر الجديد هو نفس الكيفية السابقة فلا يستفاد من قوله يقضي ما فاته اكثر من أن المأمور به بالامر القضائي الجديد متحد مع المأمور به بالامر الادائي في الكيفية اما أنه ارشاد إلى بقاء الأمر الأول أو قرينة على أن الأمر الأول بنحو تعدد المطلوب فهذا لا يستفاد منه ولعل التعبير بما فاته ارشاد إلى بقاء الملاك أي أن ملاك الصلاة ما زال باقيا لم يستوفى فمقتضى بقاء ملاكها دون استيفاء هو استيفاء هذا الملاك ولذلك عبر بعنوان الفوت يقضي ما فاته كما فاته.

الأمر الثاني بعد الفراغ عن كون الأمر بالقضاء امرا جديدا فهل أن موضوع الأمر الجديد الفوت أم عدم الفعل ذهب السيد الامام «قدّس سرّه» في كتاب الخلل في أول الكتاب إلى أن موضوع الأمر القضائي عدم الإتيان بالصلاة وليس الفوت ولذلك يثبت في الاستصحاب فلذلك لو شككنا إلى أنه صلى أم لم يصل؟ مقتضى استصحاب عدم الصلاة تنقيح موضوع الأمر القضائي أو شككنا أنه ركع في صلاته أم لم يركع مقتضى استصحاب عدم الركوع تنقيح موضوع الأمر القضائي فالامر بالقضاء موضوعه نفس العدم نفس عدم الإتيان بالفعل والشاهد على ذلك: روايات الناسي في ب1 من ابواب قضاء الصلوات ح1 صحيحة زرارة عن أبي جعفر أنه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو لام عنها قال يقضيها إذا ذكرها ليس يقضي ما فات بل يقضيها يعيني يقضي ما لم يصله يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها في ليل أو نهار فإن ظاهر هذه الروايات أن الموضوع ما لم يصله وكذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر الحديث الرابع من نفس الباب إذا نسيت الصلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدا باولهن فإذن لها واقم ثم صلها وصل ما بعدها إلى آخر الرواية فإن ظاهرها أن موضع وجوب القضاء هو عدم الإتيان بالصلاة.

ولكن في مقابل ما افاده «قدّس سرّه» يقال هنا طائفتان من الروايات: طائفة عبرت بالفوت نحو ما قراناه سابقا من أنه ح1 ب2 صحيحة زرارة عن أبي جعفر اربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة صلاة فاتتك فمتى ذكرتها اديتها لم يقل صلاة لم تصلها بل قال صلاة فاتتك وايضا ح1 ب6 يقضي ما فاته كما فاته هذه طائفة اخذ في موضوعها الفوت وطائفة أخرى اخذ في موضوعها من لم يصل التي استند السيد إليها.

فإذا كانت امامنا هاتان الطائفتان فنحن بين ثلاث محتملات:

المحتمل الأول أن نقول كل منهما موضوع كما أن الفوت موضوع لوجوب القضاء فإن عدم الإتيان بالاصلاة أيضاً موضوع فكل منهما موضوع لوجوب القضاء ولا موجب لحمل احدهما على الاخر لأن لسانهما واحد وهذا يقول من لم يصل يقضي وهذا يقول من فاتته صلاة فليقضها فبما أن لسانهما واحد فلا موجب لحمل احدهما على الاخر فيقال أن هنا موضوعين مستقلين لوجوب القضاء.

وهذا المحتمل باطل للقطع بوحدة الحكم أن من لم يصل حكمه واحد ليس هناك حكمان بل حكم واحد والحكم الواحد لا يكون موضوعه متعددا موضوعه عدم الإتيان موضوعه الفوت لا محالة موضوعه واحد اما المطلق وهو من لم يصل وهو من لم يصل واما المقيد ألا وهو الفوت بل يلزم لغوية تعدد الأمر في حق الناسي لاننا لو التزمنا بأن هناك موضوعين لحكمين فمعنى أن من نسي ولم يصل يخاطب بخطابين خطاب بالقضاء لأجل الصلاة وخطاب بالقضاء لأجل الفوت وتعدد الأمر لغو فلا محال مقتضى وحدة الحكم في المقام حمل إحدى الطائفتين على الأخرى.

المحتل الثاني ما ذكره السيد «قدّس سرّه» من أنه يحمل ما اخذ في موضوعه الفوت على ما اخذ في موضعه عدم الصلاة.

فقد يقال في توجيه كلام السيد الامام أنه إذا ورد في الأدلة في تحديد موضوع الحكم عنوانان عنوان عام وعنوان خاص حمل العرف العنوان الخاص على أنه مصداق ومثال من مصاديق العنوان العام وان الموضوع هو العام وان الخاص إنما هو ذكر على سبيل المصداقية وعلى سبيل المثالية، نظير ما ذكره الفقهاء في موضوع حرمة الاكل فهل أن موضوع حرمة الاكل الميتة أو ما لم يذكى وقد ورد العنوانان في لسان الأدلة فقالوا بما أن هذه الأدلة في مقام بيان ما هو موضوع حرمة الاكل وقد ورد فيها عنوانان عنوان عام المذكى عنوان خاص الميتة فإن العرف يستظهر من ذلك أن الميتة إنما ذكرت كمصداق من مصاديق ما لم يذكى فكذلك الأمر في المقام.

إلا أن يقال أن النسبة بينهما عموم من وجه حيث إن عدم الصلاة اعم من الفوت والفوت اعم من عدم الصلاة اما كون عدم الصلاة اعم من الفوت فمن الواضح أن عدم الصلاة قد يحصل ممن ليس مكلفا أصلا كالحائض والمجنون وما اشبه ذلك واما أن عنوان الفوت اعم من عدم الصلاة من جهة فإنه قد يأت الانسان بالصلاة ولكن لفسادها أو لعدم وجود مؤمن يقال فاتته فيكون بينهما عموم من وجه وبالتالي لا موجب لحمل احدهما على الاخر بأن يحمل ما نص على الفوت على أنه مصداق.

لكن الصحيح أنه بحسب النظر العرفي أن عنوان الفوت اخص ومقتضى أصالة الاحتراز والموضوعية هو حمل المقيد على المقيد فيستفاد من ذلك أن موضوع الأمر القضاء هو الفوت وهذا هو المحتمل الثالث فلاجل ذلك إذا شككنا أنه صلى أو لم يصل أو صلى صلاة صحيحة أم لا فاستصحاب عدم الصلاة أو عدم الامتثال لا يثبت عنوان الفوت.

ناتي إلى الأمر الثالث: هل أن الفوت عبارة عن عنوان عدمي كما استظهره أيضاً السيد الحكيم حيث قال في ص68 ج1 حتى لو سلمنا أن القضاء مأمور بامر جديد وان العنوان الماخوذ فيه هو الفوت مع ذلك فإن المقصود بالفوت عدم الإتيان بالصلاة ممن كلف بالصلاة فمن لم يصل مع كونه مكلفا بالصلاة فيجب عليه القضاء فعنوان الفوت لا يراد به إلا هذا عدم الصلاة ممن كلف بالصلاة وبالتالي إذا شككنا في وجوب القضاء امكن تنقح موضع وجوب القضاء بضم الوجدان إلى الأصل فهذا المكلف ممن كلف بالصلاة ولم يصلي بالاستصحاب فتنقح بذلك موضوع وجوب القضاء فإن المراد بالفوت هو ذلك لكن سيدنا الخوئي «قدّس سرّه» وتلامذته...

أن الظاهر عرفا من عنوان الفوت أنه عنوان انتزاعي كعنوان العمى فكما أن عنوان العمى بنظر العرف ليس عبارة عن عدم البصر بل منتزع من عدم البصر ممن شانه أن يبصر كذلك عنوان الفوت منتزع من عدم الإتيان بالصلاة ممن من شانه أن يكلف بالصلاة كما أن عنوان الميتة - كما ذكر السيد الخوئي أيضاً في بحث التذكية أيضاً كذلك - ليس هو عبارة عما لم يذكى بل هو عنوان منتزع ممن لم يذكى مما من شانه أن يؤكل وينتفع به ففي جميع هذه الموارد يكون العنوان عنوانا انتزاعيا فكما أن استصحاب عدم التذكية إذا شككنا أن هذا مذكى أم لا فاستصحاب عدم التذكية لا يثبت عنوان الميتة لأن جريان الأصل في منشا الانتزاع لا يثبت العنوان الانتزاعي فمشكوك التذكية لا يجوز اكله لكن ليس بنجس لأن موضوع النجاسة هو الميتة ولم يثبت أنه ميتة وذلك يجوز لك أن تشرب ماء اللحم الذي فيه لحم مشكوك التذكية اخرج اللحم مشكوك التذكية واشرب الماء، لم؟ لأن استصحاب عدم التذكية في هذا اللحم لا يثبت أنه ميتة فإذا لم يثبت أنه ميتة لم يثبت أن الماء قد تنجس بملاقاته فيجوز لك شرب المرق.

وكذلك لا يثبت كما ذكرنا عنوان الفوت باستصحاب عدم الصلاة لأن عنوان الفوت منتزع من عدم الصلاة ممن شانه أن يكلف بها وجريان الأصل في منشا الانتزاع لا يثبت العنوان الانتزاعي.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 87
الدرس 89