نص الشريط
الدرس 113
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 24/6/1435 هـ
مرات العرض: 2560
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (635)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق أنّ سيّدنا «قده» أفاد في بحث نيّة الصلاة في الجزء الرابع عشر صفحة 14: أنّ الأداء والقضاء من ممّا لا يجب مراعتهما في مقام النيّة؛ لأنّ المأمور فيهما واحد غاية الأمر أنّ الأداء اُعتبر فيه قيد الوقت وهو قيد توصلي كالاستقبال، والقضاء لم يُعتبر فيه قيد لأنّ وقوع الصلاة خارج الوقت لازم عقلي وليس قيدا شرعيا، بينما ظاهر كلامه في بحث الصوم - الجزء 21 صفحة 23 - أنّ القضاء والأداء من العناوين التي يجب مراعتها في مقام القصد والنية، والسرّ في ذلك: ليس هو دلالة النصوص على أنّ للأداء والقضاء آثاراً يتميز بها كل منهما عن الآخر، كما ذكره - في الجزء 14 في صفحة 12 - كي يُقال بأنّه لا تنافي بينهما، فهو تارة يتكلم عن مقتضى القاعدة الأولية وتارة يتكلم عن مفاد النصوص، فبلحاظ القاعدة الأولية القضاء والأداء حقيقة واحدة، وبلحاظ ما دلّت عليه النصوص هما حقيقتان، بل علل لزوم قصد الأداء والقضاء في باب الصوم لم يعلله بالنصوص بل علله بأنّ المتعلّق مختلف حقيقة، حيث قال: بأنّ القضاء والأداء مختلفان أمراً ومأمورا به، ولأجل اختلافهما في الأمر والمتعلّق لذلك لابد من التعرض لقصدهما، وهذا ما اختاره في تعليقته على العروة في المقام وفي باب الصوم، حيث قال في المقام: لا أثر للتقييد فيما لا يُعتبر فيه قصد ولو إجمالا كالقصر والإتمام والوجوب والندب، فإنّ العبرة في الصحة في هذه الموارد إنّما هي بتحقق ذات المأمور به مع الإتيان على نحو قربي، يصح ذلك في مثل الأداء والقضاء ونحوهما، يعني ما يكون العناوين القصدية.

والصحيح: هو ما ذكره في بحث الصوم واختاره في تعليقته على العروة من أنّ الأداء والقضاء متمايزان، فإنّ قيد الإيقاع في الوقت وإن كان قيدا شرعيا توصليا، إلّا أنّ كاف في التمايز بين المتعلقين، فالنتيجة: أنّ متعلق الأمر الأدائي حصة خاصّة، بينما متعلّق الأمر القضائي هو طبيعي الصلاة خارج الوقت، فيكفينا في المغايرة بين المتعلقين أنّ أحدهما أُخذ فيه قيد شرعي لم يؤخذ في الآخر، وإن كان هذا القيد قيدا توصليا، فبمجرد اختلاف المتعلّقين إذاً فلا يقع الإتيان بالطبيعي امتثالا للأمر بأحدهما ما لم يُقصد،؛ إذ الفرض أنّ المتعلقين مختلفان، هذا ما يتعلّق بهذه النقطة.

وليس اعتبار القصد هنا لأن القيد توصلي او تعبدي، وإنما وجه اعتبار القصد أنّه متى ما كان بين متعلّقي الأمرين تمايز واقعي - حتى لو كان القيد توصلي - لم يتحقق امتثال أحدهما بقصد الطبيعي بل لابد من قصد المتعلق نفسه، ولو بعنوان إجمالي كأن يقصد امتثال الامر الفعلي في حقه إذا كان واحدا، فليس بحثنا في قصد القيد كي يُقال بأنّ القيد توصلي لا تعبدي، فهذا لا علاقة له بالمطلب، إنما ما له علاقة بالمطلب، هو أنّه لما كان متعلّق أحدهما ممتازا واقعا عن متعلّق الآخر لم يتحقق امتثاله بقصد الطبيعي، بل لابد من قصد ذلك المتعلّق الممتاز عن غيره ولو بعنوان إجمالي، هذه هي النكتة.

الأمر الثالث: قال صاحب العروة: بل لو قصد احد الأمرين في مقام الآخر، صحّ إذا كان على وجه الاشتباه في التطبيق، كأن قصد امتثال الامر المتعلّق به فعلا - الأمر الفعلي - وتخيل أنّه أمر أدائي، فبان قضائيا، كمن صلّى الفجر قبل الوقت، فمن صلى الفجر قبل الوقت معتقدا دخول الوقت، كمن يعتقد دخول فيصلي الفجر فيتبين أنّه صلّى قبل دخول الوقت، فهو عندما صلّى قصد امتثال الامر الفعلي في حقه لكنه تخيل أنّه ادائي فبان قضائيا، أو تخيل أنّه وجوبي فتبيّن أنّه ندبي أو بالعكس.

وكذا القصر والتمام - هذا إذا كان على نحو الخطأ في التطبيق - وأمّا إذا كان على وجه التقييد فلا يقع صحيحا، كما إذا قصد امتثال الامر الادائي ليس إلّا، بأن قال: لو لم يكن الامر بصلاة الفجر أدائيا لما صليتها، فبان الخلاف وهو أنّه ليس ادائيا فإنه باطل، هذا كلام صاحب العروة.

أفاد سيّدنا «قده» فصّل «قده» في مفروض المسألة بين كون قصد الخصوصية من باب الخطأ في التطبيق أو من باب التقييد، فحكم في الاول بالصحة والثاني بالبطلان، أمّا الأوّل: فظاهر الوجه إذ بعد أن كانت الحقيقة واحدة وهي صلاة الفجر على كل حال قضائية او ادائية هي واحدة، وجوبية او ندبية هي واحدة، وكان لها امر واحد على الفرض؛ إذ لا يوجد فرضان فهو إما مامور بالاداء أو مأمور بالقضاء، فتخيّل المصلي أنّه أدائي فبان أنّه قضائي، رجع إلى الاشتباه في خصوصية لا مدخل في صحة العبادة، خصوصية الاداء والقضاء ليس لها مدخلية، بعد اشتمال العبادة على تمام ما هو المقوم لها، والمقوّم لها ذات العمل مع قصد التقرب، حيث اتى بذات العمل وهو صلاة الفجر مع قصد التقرّب فحصلت العبادية، ومقتضى هذا الكلام أنّه لو صلى سنين قبل طلوع الفجر فإنّ كل فجر تقع قضاء عمّا سبقها، ولا يجب عليه إلّا قضاء صلاة واحدة.

فظاهر هذا الكلام أنّ سيّدنا «قده» يرى أنّه يُتصوّر الاشتباه في التطبيق في العناوين القصدية؛ لأنّه مع اعترافه أنّ الاداء والقضاء من العناوين القصدية في بحث آخر ومع ذلك تصوّر الاشتباه في التطبيق، وإنما قلنا هذا لأنّه في نفس هذا الجزء - جزء 14، مسألة 18 ص56 و57 - قال: لو دخل في فريضة فأتمها بزعم أنّها نافلة غفلة أو بالعكس دخل نافلة فاتهما بزعم أنّها فريضة صحّت» هذا كلام صاحب العروة، وهنا السيّد الخوئي يُعلّق: ربّما يُعلّل الحكم يعني صحّت بمقتضى مطابقته للقاعدة، حيث إنّ الاتمام منبعث عن النية الاولى لا غير، فغايته أنّه تخيل الخلاف. يعني هو قصد بالصلاة امتثال الامر الفعلي فغايته أنّه تخيّل الخلاف فيكون باب الخطأ في التطبيق في تعيين المنوي، وهذا لا يقح في الصحّة، نفس كلامه هذا ذكره في صفحة 16 الآن يقرره مرة أخرى يقول: وفيه إنّ باب الخطأ في التطبيق اجنبي عن امثال المقام ممّا يتوقم الامتثال بالقصد، يعني بالعناوين القصدية، ولا واقع له وراء ما نواه وقصده - واقع الامتثال بالقصد وليس له واقع آخر - وإنما يجري - أي الخطأ في التطبيق - فيما لو كان الاشتباه في الامور الخارجية الاجنبية عن حريم الامتثال، كما لو اتى بالعمل بداعي قربي باعتقاد أنّه واجب، اتى بغسل الجمعة على أساس أنّه واجب، فتبيّن أنّه مستحب او بالعكس اتى بغسل مس الميت على أساس أنّه مستحب فتبين أنّه واجب، او صام يوما بتخيل أنّه يوم مبارك كالجمعة مثلاً فتبين أنه يوم السبت، فإن كون الامر وجوبيا او استحبابيا خارج عن حريم المأمور به، او كون اليوم ذا فضيلة او غير ذي فضلية خارج عن المأمور به، أو كون من في المحراب زيد أو عمر، لا دخل لشيء من ذلك في تحقق الامتثال بعد أن اتى بالعمل على وجه قربي، فتخيل الخلاف والاشتباه في التطبيق غير قادح في الصحة في امثال ذلك، لكون المأتي به مصداقا للمامور به لأنّه لم يُعتبر في المأمور به هذه العناوين فهي خارجة عن حريم الامتثال، فالانطباق قهري والاجزاء عقلي.

وأمّا - هذا هو المهم - إذا كان المأمور به متقوما بالقصد بحيث لا واقع له وراء القصد فقصد الخلاف قادح بالضرورة، لعدم انطباق المأمور به على المأتي به بعد أن أخّل بالقصد، فلو اعتقد أن عليه فريضة قضائية، فنوى الفجر قضاءً ثم تبين أنّ الذمة لم تكن مشغولة إلا بالادائية، او اعتقد الإتيان بنافلة الفجر فصلّى الفريضة، او اراد بيع شيء، قال أنا ابيع هذا الشيء لزيد فاشتبه ووهبه اياه، فإنّها لا تقع اداء في الاول ولا نافلة في الثاني ولا بيعا في الثالث بلا إشكال، والسرّ هو ما عرفت من تقوّم تلك الأمور بالقصود ودخلها - أي القصود - في تحقق الامتثال فقد تجرّد العمل عنها فلا تقع مصداقا للمأمور به قطعا ولا شك أنّ المقام من هذا القبيل - أي الفريضة والنافلة - فإن قصد الفريضة إلى اخر العمل دخيل في صحتها ووقوعها فريضة، فلو عدل عنها بالاثناء إلى النافلة غفلة فهي لا تقع مصداقا للفريضة للإخلال بالنية بقاء كما لا تقع مصداقا للنافلة لعدم القصد إليها حدوثا.

فالنتيجة هي: أنّ سيّدنا «قده» افاد في صفحة 16 من هذا الجزء أنّه لو قصد الأداء مكان القضاء أو بالعكس من باب الاشتباه في التطبيق صحّ، وذكر في صفحة 57 أنه لا يمكن أن يكون اداء ما قصده قضاء أو بالعكس لأنّ هذه العناوين دخيلة في المأمور به فمالم تُقصد لا يتحقق الامتثال بدونها، وما اطلقه من الكلام في صفحة 16 وهو أنّه يصح الامتثال من باب الخطأ في التطبيق اوضحه هنا بأنّه إنما يتم ذلك في العناوين التي لا دخل لها فيما هو المأمور دون ما هو دخيل، هذا بالنسبة إلى الأمر الثالث.

وأمّا الثاني: - أي التقييد - حيث أفاد سيّد العروة «قده» إذا كان الاشتباه من باب التقييد لا من باب الخطأ في التطبيق، كأن قال: إنما امتثل الامر بصلاة الفجر إن كان ادائيا، وأمّا إن كان قضائيا فلست قاصدا لامتثاله، فقد أفاد صاحب العروة بأنّ صلاته باطلة؛ لأنّه انكشف أنّ الامر ليس ادائيا.

السيّد الخوئي، يقول وأمّا الثاني، أي الذي ذكره في باب التقييد، بل في حيز المنع، لِمَ؟

طبعا هنا كلام اشرحه، يقول: لا يُتصوّر التقييد في مقام الامتثال أبدا، سواء كان العنوان من العناوين القصدية أم من غيرها، فإنّ مسألة التقييد غير متصورة في مقام الامتثال اطلاقا، والسرّ في ذلك: أنّ التقييد فرع الاطلاق، فلابد أن يكون الامتثال أمرا كليا حتّى يكون قابلا للتقيد، بأن يقول قيّدت الامتثال بفرض الاداء دون فرض القضاء، فلو كان الامتثال أمرا كليا لصح تقييده، أمّا في الحقيقة والواقع فإنّ الامتثال أمر جزئي خارجي، فإنّ هذه الصلاة الخارجية إما امتثال أو ليست امتثالا، لا أنّ الامتثال متصوّر على كل حال ويقوم المكلف بتقييده، فالامتثال جزئي خارجي والجزئي الخارجي لا يقبل التقييد، فبناء على ذلك، هو قيّد ولكن الآن قيّد، قال: إنّما امتثل إن كان الأمر ادائيا، يقول: فمرجع التقييد إلى حصر الداعي، فإذا انكشف أنّ الامر قضائي فقد تخلّف الداعي وتخلف الداعي غير ضائر، لا بصحة المعاملة ولا بصحة العبادة، أمّا صحة المعاملة فهو من الواضحات التي درسناها في اللمعة، فلو اشترى اللحم بداعي أن يُطعمه الضيف فما اتى الضيف، فإنّ الشراء قد وقع صحيحا وإن انحصر داعي الشراء في إطعام الضيف؛ إذ ما دام لم يأخذ الداعي قيدا في المعاملة فلا أثر له، فإن المعاملة وقعت على المعاوضة بين المالين على نحو اللا بشرط، وإطعام الضيف بقي مجرد داعي.

وكذلك الأمر في العبادة، فإنّ المناط في صحة العبادة هو الاتيان بالعمل بنحو قربي، فإذا اتى بالعمل بنحو قربي فقد تحققت العبادة وسقط الأمر وإن كان داعيه لهذا العمل القربي منحصرا في كون الأمر ادائيا، غايته أنّه تخلف الداعي لكن العبادة وقعت صحيحة، ولذلك لو قال إنما اصلي خلف هذا الإمام الجالس في المحراب إن كان هذا الامام وإلّا فإن كان غيره فلا اصلي خلفه، ثم انكشف أنّ من في المحراب غيره وأتم به، يقول: فالائتمام جزئي خارجي لأن الائتمام هو عبارة متابعة هذا الامام الجالس في المحراب، والائتمام بهذا الإمام أمر جزئي خارجي لا يقبل التقييد، فإذا تخلّف فهو من باب تخلّف الداعي.

يقول: فإن مستند البطلان - عند صاحب العروة - هو أنّ المصلّي بعد أن قيّد عمله بالخصوصية التي زعمها بحيث لو علم بفقدها لم يمتثل، لا أنّه يعمل على كل تقدير مثل الاشتباه في التطبيق، فهو في الحقيقة فاقد للنية بالاضافة إلى ما صدر منه، فما وقع منه لم يُقصد وما قُصد لم يقع، هذا كلام سيّد العروة، ولكنه كما ترى لامتناع التقييد حسب ما تكررت الاشارة إليه في مطاوي هذا الشرح ضرورة أنّه إنما يتصوّر فيما هو قابل للتقييد كالمطلقات والكليات التي هي ذات حصص واصناف كبيع منٍّ من الحنطة هذا امر كلي قابل للتقييد بكون حنطة ايرانية لا عراقية، وأمّا الجزئي الحقيقي كما في المقام - امتثال جزئي حقيقي - فإنه لا سعة فيه ليقبل التضييق والتقييد، فلو اعتقد أنّ زيدا صديقه فأكرمه فبان أنّ عدوه فالإكرام انتهى، أو أنّ المال الفلاني سوف يترقّى، فاشتراه ليربح فنزل، أو أنّ من في المحراب زيد فبان أنّه عمر وهو لا يريد الاقتداء بعمر وإن كان عادلا، فهذه الأفعال من إكرام وشراء واقتداء، ومنها الصلاة في المقام قد صدرته منه بالضرورة وهي جزئيات خارجية لا يُعقل فيه التقييد، فإنّ الفاعل وإن كان بحيث لو علم لم يفعل إلّا أنّه في النهاية فعل واتى بالعمل بقصد القربة، وهذا العمل جزئي لا إطلاق فيه ليقبل التقييد، فلا جرم يكون التقييد المزعوم من قبيل التخلف في الداعي؛ لأنّ ما وقع لا ينقلب عمّا هو عليه فهو مقصود لا محالة لا أنّه غير مقصود، وإنّما الخطأ في الداعي فلا مناصّ من الحكم بالصحة في جميع هذه الموارد، وكيف لا يُحكم بالصحة فيمن صلى نافلة الليل بزعم أنّها ليلة الجمعة، أو زار الإمام كذلك بزعم أنّها ليلة الجمعة بحيث لو كانت ليلة أخرى لم يصلي ولم يزر، فان الحكم ببطلان الصلاة والزيارة كما ترى، ضرورة أنّ المعتبر في صحة العبادة إنما هو الإتيان بذات العمل مع قصد التقرب وقد فعل حسب الفرض ومعه لا مقتضي للبطلان بوجه.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 112
الدرس 114