نص الشريط
الدرس 34
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 8/5/1435 هـ
تعريف: أصالة التخيير 3
مرات العرض: 2732
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (330)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ما زال الكلام فيما طرحه المحقق العراقي من ان جريان البراءة العقلية في دوران الامر بين المحذورين مما يعد من طلب الحاصل، وذلك لحكم العقل بالمعذرية في رتبة سابقة، وتقدم ان هناك ملاحظتين:

الملاحظة الثاني التي افادها العلمان السيد الإمام والصدر، ولكن يمكن الدفاع عن العراقي بأحد وجوه 3.

الوجه الاول: وهو مؤلف من مقدمتين:

المقدمة الاولى: ان العلم الاجمالي تارة يدور بين الاقل والاكثر، كما اذا علم اجمالا بأن الصلاة الواجبة اما ذات 10 اجزاء او 11، واما يدور بين المتباينين.

والدوران بيان المتباينين على قسمين اذ تارة يكون المتباينان بمثابة موضوعين بحيث لا يستلزم الترخيص في احدهما الترخيص في الآخر، كما لو علم اجمالا اما بوجوب الجمعة تعيينا او بوجوب الظهر تعيينا في يوم الجمعة فهنا في مثل هذا الفرض لا يلزم من جريان البراءة في احد الطرفين التعرض لحال الطرف الآخر.

وتارة يكون المتباينان بمثابة موضوع 1 وهو ما اذا دار الامر بين النقيضين، كما اذا علم اجمالا اما بالزام للفعل او الزام للترك، فهناك فرق بين القسمين، والسر في ذلك:

انه اذا دار الامر بين وجوب الجمعة او وجوب الظهر فان جريان البراءة عن وجوب الجمعة لا يلامس حال الظهر، فالغرض من جريان البراءة في وجوب الجمعة ان يكون معذورا في فعلها او تركها، وهذا لا يعني ان حال الظهر قد تنقح فلعله ملزم بالظهر، فلذلك كان احتمال وجوب الظهر موضوعاً آخر لبراءة عقلية فيقال تجري البراءة عن وجوب الظهر لبيان المعذورية في فعلها او تركها.

فحيث ان جريان البراءة في احد الطرفين لا يلامس حال الآخر كان هنا موضوعان لبراءتين.

اما في القسم 2 وهو ما اذا كان الطرفان يشكلان موضوعا واحدا كما لو علم المكلف انه اما ملزم بالسفر او بتركه فهنا وان وجد احتمالان، ولكن هذا لا يكفي لولادة موضوعين لبرائتين، فانّ الغرض من جريان البراءة عن الالزام بالسفر هو ان يكون معذورا في فعل السفر او تركه والغرض من جريان البراءة عن لزوم ترك السفر هو ان يكون معذورا في السفر او تركه فحيث ان دوران الامر بين الفعل والترك يؤدي الى ان تكون البراءة من ناحية احدهما محققة لنتيجة البراءة من ناحية العدل الآخر، اذا فليس هناك موضوعان لبرائتين بل هنا موضوع 1 لبراءة 1 وهو انه اذا علمت بالزام بين النقيضين فانت معذور في الفعل او الترك فلا يتحمل الموضوع براءة اخرى.

المقدمة الثانية: بما انّ نتيجة البراءة العقلية في دوران الامر بين النقيضين هي المعذورية في الفعل او الترك فالمفروض ان هذه النتيجة موجودة في رتبة سابقة، لان العقل في رتبة سابقة حاكم بأنه ما دام المكلف مضطرا للجامع فهو اما فاعل او تارك تكوينا، اذا فلا حرج عليه في الفعل او الترك.

فالعقل في رتبة سابقة على البراءة قد قرر ان اضطرار المكلف لاحد النقيضين سبب لعدم الحرج والمعذورية في الفعل والترك.

فالنتيجة المراد تحقيقها بالبراءة حاصل في رتبة سابقة، ومع حصولها في رتبة سابقة فجريان البراءة العقلية طلب للحاصل.

الا ان يقال:

ان العقل وان حكم بالمعذورية في الفعل او الترك لأجل اضطرار المكلف لاحدهما تكوينا، الا ان هذا كان مانعا من منجزية العلم الاجمالي للجامع، فحكم العقل بالمعذورية في الفعل او الترك لأجل الاضطرار انما هو للمنع من منجزية العلم الاجمالي بالجامع الالزام، فيقال ان الالزام المعلوم بالإجمال غير منجز لاضطرار المكلف تكوينا للفعل او الترك.

فمنع منجزية العلم الاجمالي بالجامع لا يعني منع منجزية الاحتمال في كل من الطرفين، فان الملاك غير الملاك حيث ان الملاك في منع منجزية العلم الاجمالي بالجامع هو الاضطرار، وهذا الملاك ليس موجودا في كل من الطرفين.

مثلاً هو يحتمل وجوب السفر، واحتمال وجوب السفر يعني احتمال انه ملزم بالفعل دون الترك، وهو ليس مضطرا لان لا يلتزم بالفعل اذ يمكنه ان يلتزم بالفعل، كذلك يحتمل وجوب الترك المساوق لاحتمال ان يكون ملزما بالترك، والمفروض انه ليس مضطرا للفعل اذ بامكانه ان يلتزم بالترك فما دام ليس مضطرا للالتزام باحدهما اذا فحينئذٍ الملاك الذي رفع منجزية الجامع وهو الاضطرار لا يوجب رفع منجزية الاحتمال في كل من الطرفين ما دام المكلف ليس مضطرا للالتزام باحد الطرفين بل هو بالخيار.

هذا هو الوجه الأول في الدفاع عن العراقي وما فيه.

الوجه 2 ان يقال ان ظاهر كلام المحقق العراقي في ص 394 من ج 4 من نهاية الافكار انه لم يستند في قوله بالمعذورية في الفعل او الترك لأجل ملاك الاضطرار وحده كي يشكل عليه بان ملاك الاضطرار انما هو في الالتزام في الجامع بل قد قال، ان ادراك العقل للاضطرار للجامع بضميمة قبح الترجيح بلا مرجح اوجب المصير الى حكم العقل بالمعذورية في الفعل والترك.

فكأنه قال انه اذا دار الامر بين الزام بالفعل او الزام بالترك فالالزام بالجامع غير منجز لاضطرار المكلف لعدمه والالزام باحدهما مع تساويهما احتمالا ومحتملا ترجيح بلا مرجح ونتيجة هذا المجموع حكم العقل بالمعذرية في الفعل او الترك، فحكم العقل بالمعذرية في الفعل او الترك لم يتكيء فقط على مسألة الاضطرار كي يقال ان المكلف ليس مضطرا لان يلتزم بالفعل او الترك بل استند الى مجموع محذورين، وبالنظر لهذا المجموع حكم بالمعذرية.

اذا فالمكلف محكوم بالمعذرية في الفعل او الترك في رتبة سابقة على البراءة فلا موضوع للبراءة.

الوجه 3 ان يقال ان منجزية الاحتمال لكل طرف بناءً على انكار البراءة العقلية تارة تستند هذه المنجزية الى قضاء الفطرة بدفع الضرر المحتمل وتارة تستند منجزية الاحتمال الى مسلك حق الطاعة.

فان قلنا بان مدرك منجزية الاحتمال هو قضاء الفطرة بدفع الضرر المحتمل بحيث لو قطع المكلف بان لا عقوبة في البين لم يكن الاحتمال منجزا، فبناءً على هذا المسلك الذي اخترناه يتصور هنا وجود منجزين احتمال وجوب الفعل واحتمال وجوب الترك.

واما اذا قلنا بان مدرك منجزية الاحتمال ما سلكه السيد الشهيد وهو مسلك حق الطاعة، فيأتي البحث هل ان هذا الحق يشمل النقيضين؟

صحيح ان موضوع هذا الحق وهو حق الطاعة للمولى الحقيقي لا يختص بفرض العلم بل يشمل فرض الاحتمال ولكن هل يشمل فرض احتمال النقيضين كما لو احتمال وجوب الفعل وحرمته فهو يحتمل السفر واللا سفر، فهل ان حق الطاعة يشمل ما اذا دار امر الاحتمال بين النقيضين ام لا،.

فلو قلنا بان مدرك منجزية الاحتمال هو قضاء الفطرة بدفع الضرر المحتمل فانه يحتمل ضرر في ترك الفعل وضرر في ترك الترك.

واما اذا لم يكن هذا هو المدرك بل كان المدرك حق الطاعة فهل لحق الطاعة شمول في نفسه لما اذا دار الامر بين النقيضين.

الجواب لا.

لا لما ذكره البعض من اضطرار المكلف للفعل او الترك والحقوق منوطة بالاختيار لا بالاضطرار فان ثبوت حق عليك لأي احد فرع اختيارك فالافعال الاختيارية هي التي تكون موضوعا للحقوق واما اذا لم يكن الفعل اختياريا فهو خارج موضوعاً عن تعلق أي حق فليس للمولى حق الطاعة في امر ليس باختيار المكلف، وحيث ان المكلف في المقام مضطر اما للفعل او الترك فلا يكون المقام موردا لحق الطاعة.

ولكننا لا نقول بهذا التعليل والتبرير اذ المفروض ان الالتزام بالفعل وحده اختياري، وكذا الالتزام بالترك وحده فلم لا يكون موضوعا لحق الطاعة.

وانما الاشكال عندنا من باب القصور في نفس الحق أي انا لحق في حد ذاته قاصر للشمول للنقيضين مع غمض النظر عن قدرة المكلف وعدمه بل لو فرضنا محالا ان المكلف يتمكن من الجمع بين النقيضين مع ذلك لا شمول في حق الطاعة لمورد النقيضين بلحاظ تكاذبها لتسويهما احتمالا ومحتملا فكما قيل في الاصول في بحث التعارض بان حجية الظهور قاصرة عن الشمول للظهورين المتكاذبين كما اذا كان تكاذبهما على نحو التناقض افعل ولا تفعل، لا لمسألة قدرة المكلف وعدمها بل لأجل ان الحجية أي حجية الظهور لا شمول لفرض التكاذب بين الظهورين، ولا شمول في حجية خبر الثقة للمتناقضين.

والسر في ذلك هذه الاحكام من الحجية والحقيّة وامثال ذلك سواء كان مدركها العقل او بناء العقلاء او الشارع قاصرة في حد ذاتها عن الشمول لمورد التكاذب فكذلك الامر في المقام فاذا لم يشمل حق الطاعة احتمال لزوم الفعل واحتمال لزوم الترك اذا فالمعذرية حصلت في نفس هذه الرتبة وهو اساسا ان هذين الاحتمالين ليسا منجزين في انفسهما لان مدرك المنجزية وهو حق الطاعة لا يشملهما لا لأجل البراءة العقلية، فاذا كان ارتفاع المنجزية في رتبة سابقة وهو عدم شمول المنجزية لفرض التناقض لم تصل النوبة لرفع المنجزية بالبراءة العقلية.

الدرس 33
الدرس 35