نص الشريط
الدرس 37
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 11/5/1435 هـ
تعريف: أصالة التخيير 6
مرات العرض: 2822
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (412)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

المطلب الثاني ان الجامع بين الفعل والترك موضوع لحكمين عقليين، أحدهما اللا حرجية والآخر قبح الترجيح بلا مرجح وبيان ذلك: ان الجامع الانتزاعي، المعبر عنه بالأحد أي احد الامرين، تارة يكون ملحوظا على نحو الموضوعية واخرى يكون ملحوظا على نحو المشيرية، فمثلا اذا قال المولى اكرم احد الفقيهين فالجامع هنا ملحوظ على نحو الموضوعية، حيث ان المهم اكرام فقيه وأي منهما محقق لهذا الجامع، وتارة يقول قلد احد الفقيهين الاعلم منهما فالجامع هنا اخذ على نحو المشيرية أي ان مصب الحكم احد معين منهما، وليس أيا منهما.

فالجامع تارة يكون منظورا على نحو الموضوعية، واخرى على نحو المشيرية، ولكل من النظرين حكم في المقام فاذا دار الامر بين المحذورين، بان لا يعلم هل ان السفر واجب ام حرام، فحينئذ الجامع بين السفر وعدمه اذا لوحظ على نحو الموضوعية فالمكلف مضطر اليه لان المكلف مضطر اما الى الفعل او الترك، فهو مضطر لاي منهما، فبما ان الجامع على نحو الموضوعية مضطر اليه فالعقل بلحاظ هذا الجامع يقول لا حرج عليك فاللاحرجية ليست منصبة على النقيضين بل على الجامع الملحوظ على نحو الموضوعية.

واذا لوحظ هذا الجامع على نحو المشيرية، فلا محالة احدهما المعين واقعا هو الذي دخل في عهدتي اذ قطعا ان الشارع لم يلزمني بالفعل والترك فالأحد هنا مشير لاحد معين هو الذي دخل في العهدة، وهنا العقل بلحاظ ذلك المشار اليه يقول ان منجزية ذلك المشار اليه للموافقة القطعية او لحرمة المخالفة القطعية غير معقول اذ لا قدرة على الموافقة القطعية ولا على المخالفة القطعية.

ومنجزية ذلك المشار اليه للجامع غير معقول لان الجامع مضطر اليه وبعد الاضطرار اليه لا يعقل منجزيته اذ هو مباح بالضرورة ومنجزية ذلك المشار اليه لاحدهما المعين دون الآخر ترجيح بلا مرجح فمصب الحكم الاول هو الجامع على نحو الموضوعية ولذلك حكم العقل بناءً على الاضطرار حكم واقعي، بمعنى ان العقل عندما يقرر ان لا حرج أي ان لا حرج واقعا لا ظاهرا لان الاضطرار واقعي فحكمه واقعي، بينما حكم العقل ال 2 المترتب على الجامع بنحو المشيرية ظاهري، أي ان العقل يقول هناك مشار اليه معين، لم يرتفع عن الواقع بل لازال باقيا في صفحة الواقع، الا ان هذا المشار اليه ليس منجزا لا بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية او حرمة المخالفة القطعية لعدم القدرة، ولا بالنسبة للجامع للاضطرار اليه، ولا بالنسبة للمعين لأنّه ترجيح بلا مرجح فالممتنع هو المنجزية لا الحكم الواقعي، والا فالحكم الواقعي المشار اليه بكلمة احد لازال فعليا في صفحة الواقع.

ولأجل ذلك: ذهب المحقق العراقي الى ان حكم العقل بالمعذرية بملاك عدم البيان المعبر عنه بالبراءة العقلية لا وجه له بعد حكم العقل بالمعذرية بملاك الاضطرار، اذ بعد الحكم الواقعي من قبل العقل بان لا حرج بملاك الاضطرار فحكمه بالمعذرية ظاهرا بملاك عدم البيان لغو، ولا اثر له.

ولكن هذه الفقرة من كلامه محل تأمل، والسر في ذلك انها تبتني على السبق الرتبي فاذا قلنا ان حكم العقل باللاحرجية بملاك الاضطرار في رتبة سابقة على حكمه بالمعذرية بملاك عدم البيان سوف يلغو الحكم ال 2 اما اذا لم يكن الاول اسبق رتبة فلا موجب للغوية الحكم ال 2.. بيان ذلك:

ان هنا موضوعين، وحكمين، الاول الاضطرار للجامع وحكمه اللاحرجية، والثاني ان الفعل هنا وهو السفر حيث يدور امره بين الفعل والترك مجهول الحكم، ولأجل ذلك حكم العقل بالمعذرية، لأجل مجهوليته فاذا كان بين القضيتين سبق رتبي بمعنى ان موضوع الاولى سابق رتبة على موضوع الثانية، او ان محمول الاولى سابق رتبة على محمول ال 2 بان كان بينهما معلولية بان نقول موضوع الثانية معلول لموضوع الاولى او محمول الثانية معلول لمحمول الاولى لتم كلامه.

اما اذا لم يكن بينهما معلولية فلا سبق رتبي واذا لم يكن بينهما سبق رتبي اذا ففي عرض 1 يقال هذا الجامع مضطر اليه وهذا الجامع مجهول الحكم، ولكونه مضطرا اليه فهو مما لا حرج فيه ولكونه مجهول الحكم فهو معذور فيه.

اذا فاذا اغمضنا النظر عن اشكالنا على البراءة العقلية حيث قلنا انها حكم عقلي وموضوعها غير فعلي او ان الحكم العقلي لا ينبسط على النقيضين، مع غمض النظر عن ذلك لا يرد كلام المحقق العراقي لو كانت البراءة العقلية مما لا محذور فيها فمجرد حكم العقل باللاحرجية لأجل الاضطرار لا يلغي حكم العقل بالمعذرية بملاك عدم البيان، فيقال بما انهما في عرض 1 فهذا الفعل لا حرج فيه بملاك ومعذور فيه بملاك اخر.

هذا تمام الكلام فيما يرتبط بالوجه الأول لمنع البراءة العقلية، في دوران الامر بين المحذورين الذي قال به المحقق العراقي.

الوجه 2 ما يستفاد من كلمات نهاية الدراية للمحقق الاصفهاني، وبيان ذلك: بامور 3.

الأمر الاول افاد ان هناك فرقا بين عدم البيانية وعدم القدرة على الامتثال، او احراز الامتثال فكما ان فعلية الحكم الواقعي منوطة بعنصرين هما الوصول والقدرة على امتثاله فلا ربط لاحد العنصرين بالاخر، اذ قد يكون واصلا ولا قدرة وقد يكون مقدورا وليس بواصل فكذلك التنجز، منوط بعنصرين الوصول سواء كان وصولا تفصيليا كما اذا علم بوجوب الجمعة تعينيا يوم الجمعة والقدرة على احراز الامتثال، أي القدرة على الموافقة القطعية.

فان القدرة على اصل الامتثال دخيلة في مرحلة الفعلية اذ الفعل غير المقدور لا حكم له في الواقع بينما القدرة على احراز الامتثال دخيلة في مرحلة التنجز ولا ربط لاحد العنصرين بالآخر.

فبناءً على ذلك يقول المحقق الاصفهاني العلم الاجمالي في المقام وهو العلم بالإلزام المردد بين الوجوب والحرمة هذا العلم بيان لا قصور في بيانيته لان البيانية بالوصول، والعلم الاجمالي وصول، غاية ما في الباب انه ليس منجزا لا لعدم بيانيته بل لفقدان العنصر الآخر وهو عدم القدرة على احراز الامتثال حيث لا يقدر على الموافقة القطعية والمخالفة القطعية.

الامر ال 2 قال ان قلت: ان العلم الاجمالي في المقام ليس بيانا لأنّه علم بجنس التكليف أي علم بالالزام وليس علما بشخص التكليف كي يكون بيانا فالمنتفي بيانيته لا العجز عن احراز امتثاله.

قلت هذا مدفوع نقضا وحلا، اما نقضا فلانه لو علم المكلف انه اما يجب السفر اليوم او يحرم غدا فلا اشكال في منجزية العلم الاجمالي مع ان المعلوم هو جنس التكليف لا شخصه.

اما حلا فالسر في العنصر ال 2 لا في عدم البيانية، فحيث ان العنصر ال 2 في المثال المتقدم لان المكلف قادرة على الموافقة القطعية بان يسافر اليوم ويترك غدا والمخالفة القطعية بان يترك اليوم ويسافر غدا فلأجل قدرته على احراز الامتثال كان العلم بجنس التكليف منجز، ولاجل عدم قدرته في محل البحث وهو دوران الامر بين المحذورين على احراز الامتثال صار غير منجز فعدم المنجزية استند الى فقد العنصر ال 2 وهو القدرة على الاحراز لا فقد العنصر الاول وهو البيانية.

الامر ال 3 ان جريان البراءة عقلاً ونقلا، في المقام مما لا معنى له والسر في ذلك انه اذا كان تنجز الحكم وعدم تنجزه لأجل العلم والجهل فهنا تجري البراءة واما اذا كان تنجز العلم وعدمه لا لأجل الجهل فهو عالم، بل لأجل عدم القدرة على الاحراز فهنا لا معنى لجريان البراءة فموضوع البراءة عقلاً ونقلا هو نفي المنجزية لأجل الجهل لا نفي المنجزية لأجل عدم القدرة ومحل الكلام في دوران الامر بين المحذورين هو عدم التنجز لأجل عدم القدرة فليس موردا للبراءة لا عقلاً ولا نقلا.

والملاحظة على كلامه تبتني على ما سبق البحث فيه، وهو ان البيان الرافع لموضوع قبح العقاب بلا بيان هو وصول الحكم الفعلي، والحكم الفعلي متقوم بالداعوية والباعثية بالامكان.

وحيث ان الباعثية بالامكان لا تنبسط على النقيضين مع غمض النظر عن القدرة وعدمها فليس العلم بما لا يكون داعيا بالامكان علما بحكم فعلي والمفروض في المقام ان الحكم المعلوم بالاجمال الا وهو الالزام مع دوران الامر بين المحذورين في واقعة 1 هذا الحكم لا تبتني باعثيته على النقضين اذا فليس داعيا بالامكان، واذا ليس فعليا فالعلم به ليس بيان كالعلم بالجامع في الشبهة غير المحصورة، فهو ليس بيانا لأنّه ليس علما بحكم فعلي، أي ليس علما بحكم واجد للداعوية بالامكان مع غمض النظر عن القدرة والعجز حتّى لو فرضنا ان هذا المكلف قادر على الجمع بين النقيضين، مع ذلك هذا العلم ليس بيانا فالمنفتي هو عنصر البيانية لا القدرة على احراز الامتثال بل انتفاء القدرة على احراز الامتثال لاجل فقد البيانية، والا هو ليس عاجز عن اصل الامتثال اذ قد لا يسافر ويوافق الواقع، فالمنتفي القدرة على الاحراز وانفتاء القدرة على الاحراز ناشئ عن عدم البيانية، وبذلك يتنقح موضوع البراءة عقلاً ونقل لولا الاشكالات التي تقدمت سابقا.

الدرس 36
الدرس 38