نص الشريط
الدرس 40
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 1/6/1435 هـ
تعريف: أصالة التخيير 9
مرات العرض: 2957
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (282)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

لازال الكلام في جريان البراءة الشرعية عند دوران الامر بين المحذورين، كما لو دار امر النفقة بين على الولد المرتد بين الوجوب والحرمة، والموانع على 3 اقسام،

مانع عقلي ومانع عقلائي، ومانع اثباتي.

اما القسم ال 1 وهو المانع الثبوتي العقلي فقد صور هذا المانع بوجوه وقد ذكرنا من هذه الوجوه وجوها 3 والوجه ال 3 كان ما ذكره المحقق النائيني من ان جعل الحلية سواء كانت مدلولا مطابقيا كما في قوله كل شيء لك حلال او مدلولا التزامياً كما هو المستفاد من حديث الرفع وحديث الحجب انما يصح جعل الحلية الظاهرية في فرض يحتمل مطابقتها للواقع، والمفروض في دوران الامر بين المحذورين ان هناك قطعا بعدم الحلية، لان النفقة اما واجب او حرام، فلا حلية قطعا فجعل الحلية مع القطع بانتفائها واقعا تهافت.

ولكن السيد الشهيد أفاد بأنه لا مانع من جعل الحلية الظاهرية وان كانت مدلولا مطابقيا لبعض الأدلة

والسر في ذلك ان الحلية حكم ظاهري والحكم الظاهري يعتمد على عنصرين المقتضي والشرط وكلا العنصرين متوفران في المقام.

بيان ذلك: انه لا يعتبر في الحكم الظاهري احتمال مطابقته للواقع بل حتّى لو قطعنا بعدم المطابقة كما في المقام حيث نقطع بان الواقع لا حلية فيه، بل هو اما الزام بالفعل او بالترك

ولكن مع ذلك يصح ان يكون المجعول الظاهري هو الحلية، اذا توفر المقتضي وتحقق الموضوع، والمفروض هنا ان المقتضي والموضوع متوفران.

اما المقتضي للحكم الظاهري هو ترجيح احد الملاكين المتزاحمين تزاحما حفظيا، مثلا لو كان لدينا لحم مشتبه بين الميتة، والمذكى فلديننا قطعتان من اللحم احداهما ميتة جزما والأخرى مذكى واشتبها ففي الميتة غرض لزومي بالترك، وفي المذكى غرض ترخيصي وتزاحم الغرضان في مقام الحفظ، فحيث اشبته على المكلف موطن الغرض اللزومي وموطن الغرض الترخيصي حل التزاحم بين الغرضين، في مقام الحفظ، فايهما يقوم بحفظه المولى، فاي خطاب يصدر من المولى في هذا المورد، وهو مورد اشتباه الغرضين يسمى حكما ظاهريا، لان الغرض من هذا الخطاب حفظ احد الغرضين المتزاحمين تزاحما حفظيا فاذا قال المولى احتط فمعناه انه حفظ الغرض اللزومي واذا قال المولى كل فمعناه انه حفظ الغرض الترخيص فالمقتضي للحكم الظاهري هو صدور الخطاب بداعي حفظ احد الغرضين المتزاحمين تزاحما حفظيا.

والمقام من هذا القبيل، فان هناك غرضا محتملا لوجوب النفقة، وغرضا محتملا لحرمة النفقة، ولا يمكن فرز وتمييز أي من الغرضين، فالخطاب الصادر في المقام بأي نحو كان هو حكم ظاهري فاذا قال المولى كل شيء لك حلال حتّى تعلم انه حرام فهو حكم ظاهري لأنّه صدر بداعي حفظ احد الغرضين المتزاحمين، وان كان بصيغة الحلية، ونحن نقطع بانه لا حلية، الا ان المقتضي لكونه حكما ظاهريا موجود، وهو صدوره بداعي حفظ احد الغرضين.

اما الموضوع فلا شك ان الحكم الظاهري اخذ موضوعه الشك في الحكم الواقعي، ولكن اخذ في موضوعه الشك في الحكم الذي يراد التأمين منه، لا الشك في الحكم المجعول ظاهرا، فهناك شكان شك في ان الحكم المجعول ظاهرا مطابق للواقع ام لا، هذا لا اعتبار به وهناك شك في ان الحكم الواقعي المجهول هل يؤمن بهذا الحكم الظاهري ام لا وهذا هو المناط في موضوع الحكم الظاهري.

مثلاً في المقام حيث نعلم ان هذه الواقعة وهي النفقة على الولد المرتد اما واجب او حرام، والحكم الظاهري ذو المقتضي هو الحلية فنحن لا شك عندنا في ان الحلية ليست مطابقة للواقع لانه لا حلية في الواقع، ولكن هذا لا يعني ان موضوع الحكم الظاهري منتف لأننا ما زلنا نشك في حكم واقعي نريد التأمين عنه بهذه الحلية، حيث نشك في وجوب النفقة، فنؤمن عنها بهذه الحلية، ونشك في حرمة النفقة فنؤمن عنها بهذه الحلية، فليس المعتبر في الحكم الظاهري الشك في مطابقته للواقع، قد نقطع بعدم المطابقة للواقع، بل المناط في الحكم الظاهري الشك في حكم واقعي يراد التأمين عنه بهذا الحكم الظاهري وهذا كاف.

فالنتيجة ان المقتضي للحكم الظاهري موجود وهو صدوره بداعي حفظ احد الغرضين المتزاحمين، والموضوع له موجود وهو الشك في الحكم واقعي يراد التامين عنه بهذا الحكم الظاهري، فلا مانع من جعل الحلية الظاهرية وان جزمنا انها غير مطابقة للواقع.

هذا ما افاده السيد الشهيد.

ولكن يلاحظ على ذلك ان هناك مبنيين في حقيقة الحكم الظاهري، احد المبنيين ما ذهب اليه السيد الصدر وجذوره موجودة في كلام المحقق العراقي من ان الحكم الظاهري ما كان بداعي حفظ احد الغرضين المتزاحمين كما صورنا.

فعلى هذا المبنى يقال كلام المحقق النائيني وارد، ولا يفيد تخلص السيد الصدر منه، والسر في ذلك ان الحكم الظاهري ما كان حافظا لاحد الغرضين بمجعوله، بان يكون المجعول ظاهرا هو الحافظ لذلك الغرض الأهم، فانه اذا حصل التزاحم الحفظي بين غرضين فالمولى لابد ان يحفظ الأهم منهما في مقام التزاحم، والحكم الظاهري هو ما كان حافظا لهذا الغرض الأهم بمجعوله، بان يكون المجعول هو المحقق لحفظ ذلك الغرض الأهم، وهذا مما لا ينطبق على المقام جزما لأنّه في المقام المحتمل غرضان، غرض في الفعل يقتضي وجوب النفقة، وغرض في الترك ويقتضي حرمة النفقة واحد الغرضين اهم، ويريد الشارع حفظه في مرحلة الظاهر فلابد ان يكون المجعول هو الحافظ لذلك الغرض الأهم، والمفروض ان الحلية  لان المجعول هو الحلية  والمفروض ان الحلية لا تحفظ غرض الوجوب ولا تحفظ غرض الحرمة، فكيف يصح ان يكون هذا الحكم الظاهري حافظا للغرض الأهم، من الغرضين المتزاحمين، ها مما لا منعى له والا فما هو السر في ان يختار المولى الجعل جعل الحلية اذا كان غرض المولى مجرد التامين من حكم واقعي فما هو الوجه في ان يكون التامين عنه بجعل الحلية؟ هذا مما لا وجه له.

اذا ففي النتيجة الحكم الظاهري المناط في صحته وتقنينه ان يكون المجعول فيه حافظا لاهم الغرضين في مقام التزاحم، وهذا مما لا ينطبق على المقام فان الحلية لا يصح ان تكون حافظة لا لغرض الوجوب ولا لغرض الحرمة، نعم لو كان لو كان المجعول ظاهرا رفع الالزام، رفعا ظاهريا لا جعل الحلية لكان هذا الحكم الظاهري حافظا لاهم الغرضين المتزاحمين.

هذا احد المبنين في حقيقة الحكم الظاهري، واما المبنى الآخر فهو ما سلكه المشهور من الأصوليين من ان الحكم الظاهري مجرد حكم طريقي قوامه بتنقيح الواقع تنجيزا او تعذيرا، فاي حكم اريد منه اما تنجيز الواقع او تعذيره فهو حكم ظاهري.

فمثلا حجية خبر الثقة حكم ظاهري، لان الغرض منه اما تنجيز الواقع واما التعذير عنه في فرض الخطأ وايجاب الاحتياط حكم اظهري لان الغرض منه تنجيز الواقع، وجعل الحلية حكم ظاهري لان الغرض منه التعذير من الواقع، فالحكم الظاهري لا يبتني على ”فلسفة حفظ احد الغرضين المتزاحمين“ فقد لا يوجد غرضان متزاحمان ومع ذلك يصح جعل الحكم الظاهري، بل الحكم الظاهري متقوم بأمر طريقي الغرض منه تنقيح حال الواقع تنجيزا او تعذيرا.

فعلى هذا المبنى ال 2 قد يقال ان الوجه الذي طرحه المحقق النائيني غير وارد، والوجه في ذلك ان جعل الحلية، سواء كانت الحلية مدلولا مطابقيا كما في صحيحة ابن سنان او مدلولا التزامينا كما في حديث الرفع، فان الحلية المجعولة حلية طريقية وليست حلية نفسية كي يقال بعدم مطابقتها للواقع، فلو كان المجعول حلية النفقة بما هي لقيل بان هذه الحلية قطعا غير مطابقة للواقع لان الواقع اما وجوب النفقة او حرمتها ولكن المفروض ان المجعول حلية طريقية لا حلية نفسية، والغرض من هذه الحلية الطريقية التعذير من الواقع المجهول، فان الواقع اما الوجوب او الحرمة فاريد المعذرية من كل منهما على حدة بواسطة جعل الحلية الطريقية، فلا يرد المانع الثبوتي الذي أقامه النائيني.

الوجه الرابع للمنع من جريان البراءة الشرعية، ما ذكره سيد المنتقى انتصارا للمحققين النائيني والاصفهاني وبيان مطلبه، ان جريان البراءة على كل وجه باطل، فان الطرق امامها مسدودة لان البراءة اما ان تجري عن الجامع او تجري عن كل من خصوصية الوجوب وخصوصية الحرمة او تجري عن احتمال انطباق الالزام المعلوم بالإجمال على كل طرف من اطرافه، وعلى جميع الفروض الطرق مسدودة،

اما الفروض الأول وهو جريان البراءة عن الجامع، فالمفروض ان الجامع مضطر اليه، فاذا كان الجامع مما اضطر المكلف لمساورته فهو حلال جزما بلا كلام بملاك الاضطرار فلا معنى للتأمين عنه بالبراءة.

وان كانت البراءة جارية عن اصل الإلزام فموضوعها منتف لان اصل الالزام معلوم تفصيلا فلا معنى للتامين عنه بالبراءة بل هي منتفية بانتفاء موضوعها.

وان جرت البراءة عن خصوصية الوجوب على حدة وخصوصية الحرمة على حده فيرد على ذلك انه لا موضوعية للوجوب من حيث كونه وجوب وانما الموضوعية في الوجوب وفي الحرمة، لكونهما الزاما، والا كون الالزام وجوب او حرمة مما لا دخل له في مقام التأمين، قد يكون له دخل في مقام البعث والزجر، ولكن لا دخل له في مقام التامين والمعذرية فلا خصوصية للوجوب ولا للحرمة في مقام التامين اذا التامين لم يكن عن الوجوب بما هو وجوب ولا عن الحرمة بل يكون عنهما بما هو الزام، وسوف تصبح النتيجة البراءة عن الالزام اذ لا خصوصية للوجوب والحرمة والمفروض ان الالزام المحتمل 1 والرفع حينئذٍ عنه 1.

وعليه لا يوجد رفعان رفع للوجوب ورفع للحرمة،

واذا اريد الفرض ال 3 التأمين عن احتمال انطباق الالزام لأننا نعلم بالزام ونحتمل انه ينطبق على الفعل ونحتمل انه ينطبق على الترك فنحن نريد التامين عن احتمال الانطباق أي احتمال انطباق الالزام على الفعل منفي بالبراءة واحتمال انطباق الالزام على الترك منفي بالبراءة، فيلاحظ على ذلك ان المفروض ان هذا الالزام مما لا يمكن وضعه على المكلف اذ لا يمكن موافقته القطعية، ولا مخالفته القطعية.

فان اردتم بالبراءة التامين من موافقته القطعية فهي غير مقدورة وكذا عن المخالفة القطعية، وان ارتدتم التامين عن مخالفته الاحتمالية فهي حاصلة بالضرورة، وان اردتم بالبراءة تحقيق موافقته الاحتمالية فهي حاصلة بالضرورة، فاي طرف يختاره فهو موافق للواقع فلا اثر عملي لهذه البراءة أصلا.

هذا هو الوجه ال 4 للمانع الثبوتي عن جريان البراءة الشرعية.

والجواب ان الغرض من جريان البراءة الشرعية التأمين من وجوب الاحتياط، اذ يحتمل ان يوجب المولى علينا الاحتياط بالفعل فقط او بالترك فقط، فلأجل نفي احتمال ايجاب الاحتياط بالفعل نجري البراءة ولأجل نفي احتمال ايجاب الاحتياط بالترك نجري البراءة فليس الغرض من البراءة لا التامين من الجامع ولا تأمين من خصوصية الوجوب والحرمة، ولا التامين من احتمال انطباق الالزام المعلوم بالإجمال على كل طرف، بل الغرض هو التامين عن وجوب ايجاب الإحتياط بالفعل او بالترك فصار للبراءة اثر عملي، فتلخص عما ذكرناه انه لم يقم مانع ثبوتي عقلي من جريان البراءة الشرعية عن كل طرف في مسالة دوران الامر بين المحذورين في التوصليات.

يأتي الكلام في المانع العقلائي والاثباتي.

الدرس 39
الدرس 41