نص الشريط
الأُخوَّة الإسلاميّة وإعصار الطائفيّة
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مأتم السيدة الزهراء (ع) - صفوى
التاريخ: 7/1/1436 هـ
تعريف: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} - الحجرات، 10 -. المحاور: 1- الأُخوَّة في المنظور القرآنيّ. 2- إعصار الطائفيّة وخطره. 3- معالم الأُخوَّة الإيمانيّة.
مرات العرض: 3678
المدة: 01:03:45
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (3195) حجم الملف: 14.5 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

انطلاقا من الآية المباركة نتحدث عن الأخوة الدينية وذلك من خلال محاور ثلاثة:

المحور الأول: الأخوة بالمنظور القرآني.

قبل أن ندخل في تحليل مفردة الأخوة بحسب المنظور القرآني نتعرض هنا لقاعدة فلسفية وهي التشكيك في الوجود لا في الماهية.

بيان هذه القاعدة أن المقصود بالتشكيك في مصطلح الفلاسفة هو التفاوت، مثلا عندما نقول النور مشكك يعني أن النور متفاوت، فنور المصباح يختلف عن نور القمر، ونور القمر يختلف عن نور الشمس، إذا فدرجات النور متفاوتة، وهذا معناه التشكيك بحسب مصطلح الفلاسفة، التشكيك هو التفاوت، لا تفاوت في الماهية، وانما التفاوت في الوجود بمعنى أن أي مفهوم نضع أيدينا عليه فهو من حيث كونه مفهوم وحقيقة من الحقائق لا يوجد تفاوت فيه، وإنما يقع التفاوت في وجوده، وفي مصاديقه، وفي أفراده، مثلا عندما نأتي إلى مفهوم النور، مفهوم النور إذا لاحظناه في حد ذاته لا يوجد فيه تفاوت، مفهوم النور واحد، النور هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره، لكن متى يحصل التفاوت؟ عندما يوجد النور، أما كمفهوم لا تفاوت فيه، عندما يوجد النور ويتحقق تكون له درجات مختلفة، فنور المصباح أقل من نور القمر، ونور القمر أقل من نور الشمس شعاعا، فالتفاوت جاء في مرحلة الوجود والتحقق، وإلا فالنور كمفهوم من المفاهيم لا تفاوت فيه، فلا تفاوت في الماهية، وإنما التفاوت والتشكيك في الوجود، من هنا أيضا نقول مثلا، الإنسانية كمفهوم ليس بمتفاوت، كل البشر لهم حصة متساوية من الإنسانية، الإنسانية كمفهوم مفهوم واحد، وهي حركة تكاملية، لكن في مرحلة الوجود عندما يوجد الإنسان على الأرض هنا يحصل تفاوت في درجات الإنسانية، فهناك من يمتلك من الإنسانية أعلى درجاتها وأعلى مستوياتها كالإمام أمير المؤمنين علي الذي يقول: ”لو أعطيت الأقاليم السبعة على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت“ وهناك من لا يمتلك من الإنسانية إلا العقل والإرادة مثل معاوية بن أبي سفيان ولذلك كان يقول علي : ”أنزلني الدهر حتى قيل علي ومعاوية“.

إذا المفهوم لا تشكيك فيه أي لا تفاوت فيه وإنما التفاوت في الوجود وفي مرحلة التحقق من هنا نأتي إلى مفردتين من المفردات التي طرحها القرآن الكريم، مفردة الأنفس، ومفردة الأخوة.

هاتان المفردتان متفاوتتان أي لكل مفردة درجات متفاوتة.

مفردة الأنفس:

الأنفس جمع نفس والنفس هي الهوية، والهوية لها درجات، تارة تكون هوية شخصية يعبر عنها القرآن الكريم بقوله: ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ وتارة الهوية هوية نورية يعني أن تجد شخصين لكن متحدين في هوية نورية واحدة، كالنبي محمد وعلي ولذلك يقول القرآن الكريم: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا عبر عن الإمام علي بأنه النفس لأنهما - النبي وعلي - متحدان في هوية نورية واحدة، وقد تكون الهوية هوية جنسية، أن ترى اثنين متحدين في جنس واحد يعبر عنه القرآن بالأنفس، مثل قوله عز وجل: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا معنى من أنفسكم أي من جنسكم أي أن الله أعطاكم أزواج من جنس الإنسانية وليس من جنس آخر الأنفس هنا بمعنى الهوية الجنسية، وتارة تكون الهوية هوية صنفية، اثنان يتحدان في صنف واحد، لاحظوا قوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ الرسول من أنفسنا، أي الرسول من قومكم فهو معكم من قوم واحد، هذه هوية قومية، صنفية، أشار إليها القرآن الكريم أيضا بقوله: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وتارة تكون الهوية، هوية دينية أحيانا القرآن يعبر بالأنفس ويقصد الهوية الدينية مثل قوله عز وجل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ الإنسان لا يلمز نفسه حتى يقال لا تلمزوا أنفسكم المراد بأنفسكم من اتحد معكم في دين واحد، بناء على أن المراد بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ يا أيها الذين آمنوا بمعنى يا أيها المسلمون.

مفردة الأخوة:

مفهوم الأخوة بالمنظور القرآني واحد لكن درجاتها متفاوتة، الأخوة هي الشراكة لكن الشراكة على درجات، تارة شراكة صلبية أي يشترك شخصان في صلب واحد ﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي ﴿وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ.

وتارة تكون الشراكة شراكة في القوم، اثنان يشتركان في قوم معين، مثلا قوله تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ﴿وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ أخاهم يعني من يشترك معهم في قوم، الاشتراك في القومية يعبر عنه القرآن بالأخوة ﴿أَخَاهُمْ صَالِحًا﴿أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴿أَخَاهُمْ هُودًا إلى غير ذلك من الآيات القرآنية.

وقد تكون الشراكة المعبر عنها في القرآن بالأخوة الشراكة الدينية، أن يشترك فردان في دين واحد، مثل قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً إخوان يعني في الدين، أو مثلا قوله عز وجل: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُم وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ هذه الآية نزلت في خلاف بين الأوس والخزرج، قبيلتين من الدينة كلاهما من المسلمين عبر عنهم القرآن بالإخوان ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ إذا الأخوة هنا بمعنى الشراكة في الدين.

والمرتبة الأخيرة من الأخوة الشراكة في الإيمان، الإيمان أعلى درجة من الإسلام، من الدين، كما في رواية سليمان بن خالد عن الصادق : ”المؤمن من ائتمنه الناس على أموالهم وأنفسهم والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده“ فالأخوة الإيمانية أعلى درجة عبر عنها القرآن الكريم بقوله: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا وقال في آية أخرى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ.

هذه القاعدة قد تكون الأخوة في الإسلام، وقد تكون أخوة في الإيمان، بعض العلماء لديه نظرة أخرى، أن الأخوة تنحصر بالأخوة في الإيمان وهذا رأي الإمام الخميني قدس سره في كتابه «المكاسب المحرمة» ص250.

إذا عندما نقرر، أو نتبنى هذا المفهوم فعندنا أن للأخوة درجات، أخوة صلبية، أخوة قومية، أخوة دينية، أخوة إيمانية.

المحور الثاني: الأخوة ماذا تعني؟

عندما نقول بأن جميع المسلمين إخوة مقتضى الأخوة الدينية ومقتضى قوله عز وجل: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ مقتضى ذلك احترام كل مذهب من المذاهب الإسلامية، شيعة، سنة، زيدية، إسماعيلية، أباضية، احترام كل مذهب من المذاهب الإسلامية وإعطاءه الحرية التامة لممارسة شعائره، وطقوسه، وتعاليم مذهبه، فإن هذا هو مقتضى الأخوة الإسلامية، والوحدة الإسلامية التي نادى بها القرآن الكريم فإن هذه الأخوة تعني أن لكل مذهب تعاليمه الخاصة به، ولا يطلب من مذهب أن يتنازل عن شعائره وطقوسه لأجل مذهب آخر، ولا يفرض مذهب على أهل مذهب آخر بالقوة لكل مذهب حريته.

لكن في الآونة الأخيرة عصف بالمسلمين إعصار الطائفية، وتمثل هذا الإعصار في حركة داعش وغيرها من فرق القاعدة، التي استباحت الدماء، وهتكت الأعراض، وقتلت الحياة، وأبادت الحضارة.

هذا الإعصار الطائفي عندما نقوم بتحليله ما هو منشؤه وما هي أخطاره؟

منشأ الإعصار الطائفي احتكار الحقيقة على نحو لا يبقي للآخر معذورية، هناك فرق بين احتكار الحقيقة، وبين التصويب، التصويب موجود في كل المذاهب، كل مذهب يعتقد بأنه على الصواب، حتى أبناء المذهب الواحد إذا اختلفوا، كل فرقة تعتبر نفسها هي المصيبة، إذا اختلف فقيهان في الرأي، كل فقيه يرى أنه هو على الصواب، التصويب أن تعتقد أنك على صواب هذا شيء، واحتكار الحقيقة بحد لا يبقي معذورية للآخر هذا شيء آخر، مثلا المذهب الإمامي نحن نعتقد أننا على صواب لكن مع أننا نعتقد بأننا على صواب إلا أن بيننا وبين المذاهب الأخرى اشتراك في زاويتين لا نهملهما ولا نرفع يدنا عنهما:

الزاوية الأولى: أنهم إخواننا في الإسلام ويشتركون معنا في الأسس العقائدية وفي الأصول الإيمانية، إذا المشتركات بيننا وبينهم في هذه الأصول والأسس تجعلنا نعتبر أنهم إخواننا، أنفسنا، شركاءنا في هذا الدين الذي أعده الله نعمة لهذه الأمة الإسلامية وهذه الزاوية استفدناها من القرآن الكريم ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ‏.

الزاوية الثانية: أن من لم يصل إلى الحق لعجزه فهو معذور، ورد عن النبي محمد : ”رفع عن أمتي مالا يعلمون وما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه“.

إذا التصويب لا يلغي الآخر لأنه يحتفظ مع الآخر بزاويتين زاوية الأخوة الإسلامية وهي الاشتراك في الأصول الإيمان بالله وبالرسول وبالمعاد والزاوية الثانية المعذورية.

لكن في المقابل الفكر الداعشي المنطلق عنده احتكار الحقيقة الإسلامية بحد لا يبقي للآخر معذورية، الإسلام عنده هو فقط أما غيره فليس لديه إسلام، وهذا غير خاص بالشيعة كل من ليس على هذا الفكر فهو مشرك، كافر، إذا هذا الفكر الذي يقول نحن نحتكر الدين، حقيقة الإسلام، ولا عذر لغيرنا في عدم انتهاجه نهجنا، هذا المنشأ هو الذي ولد هذه الحركة الداعشية.

هذا الإعصار الطائفي له أخطار:

الخطر الأول: لغة التكفير.

عندما تفتح قاموسه لا تجد غير كلمة مشرك وكافر، وغيره، لا توجد كلمة أخرى في القاموس، لغة التكفير وإن لم يترتب عليها أثر، هي في حد ذاتها جريمة، لأن لغة التكفير تقسم المجتمع الإسلامي وتحدث شرخا نفسيا واجتماعيا في صفوفه، وهذا يتنافى مع ماورد عن النبي محمد : ”الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله به حقنت الدماء وجرت المناكح والمواريث“.

الخطر الثاني: إهدار الحياة.

هو يعتبرك كافر إذا لا حق لك في الحياة، المال، الكرامة، إهدار الآخر في دمه وماله وعرضه وكرامته، إهدار الآخر بتمام شئونه، هذا الإهدار الذي نراه يتجسد في بعض المجتمعات هو من الأخطار الناجمة عن احتكار الحقيقة وهذا الإهدار يتنافى مع ما ورد عن النبي : ”المسلم من سلم الناس من لسانه ويده“.

الخطر الثالث: فرض الدين بالقوة.

لابد أن يستجيب المجتمع لهذا الفكر، ولهذا النمط من التفكير وإلا، فالمصير هو قتل الحياة، إبادة الحضارة، الأضرحة والمساجد والآثار والفنون، إبادة الحضارة بكل أشكالها لأن الحضارة والحياة لا تجتمع عند هذا الفكر أبدا، لذلك هذا الإعصار الطائفي الخطير هو مضمون الآيات المباركات ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ

ويقول في آية أخرى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ.

إذا بالنتيجة هذا الفساد في الأرض الذي هو من أشد الأمور مبغوضية في نظر القرآن الكريم هو من أخطار هذا الفكر الداعشي ومن يتبناه.

في المقابل انظر إلى أدب أئمتنا وإلى أدب الآخرين، كيف يفكر أئمتنا وكيف يفكر هؤلاء، لاحظ ماورد عن الامام الصادق عن أبي أسامة زيد الشحام قال: قال لي أبو عبدالله: ”اقرأ على من ترى أنه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام أوصيكم بتقوى الله عز وجل والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة وطول السجود وحسن الجوار فبهذا جاء محمد أدوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برا أو فاجرا فإن الرسول كان يأمر بأداء الخيط والمخيط صلوا عشائركم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدوا حقوقهم فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل هذا جعفري فيسرني ذلك ويدخل علي منه السرور وقيل هذا أدب جعفر وإذا كان على غير ذلك دخل علي بلاؤه وعاره وقيل هذا أدب جعفر والله لحدثني أبي - الإمام الباقر - إن الرجل يكون في القبيلة من شيعة علي فيكون زينها أداهم للأمانة أقضاهم للحقوق أصدقهم للحديث إليه وصاياهم وودائعهم تسأل العشيرة عنه فتقول من مثل فلان إنه أدانا للأمانة وأصدقنا للحديث“ «حديث2 باب1 من أبواب أحكام العشرة».

المحور الثالث: معالم الأخوة الإيمانية.

الأخوة على درجات ثلاث، الأخوة العامة، الأخوة الخاصة، الأخوة الحقيقية الحقة:

1 - الأخوة العامة: يعني الأخوة النابعة من الإيمان، الأخوة الإسلامية نابعة عن الأخوة الإيمانية، فلابد من تحقيق الأخوة الإمامية أولا لكي تكون منطلقا للأخوة الإسلامية وبالتالي لابد أن نراعي معالم الأخوة الإمامية، الإيمانية التي تكون منطلقا للأخوة الإسلامية.

ماهي معالم الأخوة الإيمانية؟

هناك حقوق عامة تعرضت لها النصوص للأخوة الإيمانية وهناك حقوق خاصة:

أولا: مادل من الأحاديث على الحقوق العامة:

معتبرة إبراهيم ابن عمر اليماني «حديث8 باب122 من كتاب العشرة من وسائل الشيعة الجزء12» قال: ”ما أعظم حق المسلم على أخيه المسلم أحب لأخيك المسلم ما تحب لنفسك وإن احتجت فسله وإن سألك فأعطه كن له ظهرا فإنه لك ظهر إذا غاب فاحفظه في غيبته وإذا شهد فزره وأجله وأكرمه فإنه منك وأنت منه وإن كان عليك عاتبا فلا تفارقه حتى تسل سخيمته وإن أصابه خير فاحمد الله وإن ابتلى فاعضده وإن تمحل فأعنه وإذا قال الرجل لأخيه أف انقطع ما بينهما من الولاية وإذا قال له أنت عدوي كفر أحدهما فإن اتهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء“.

ثانيا: الحقوق الخاصة:

الحق الأول: الصفح

عن علي بن الحسن بن فضال «حديث6 باب112» عن الإمام الرضا في قول الله عز وجل: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ قال: ”العفو من غير عتاب“.

الحق الثاني: اجتناب الخصومة

في موثقة مسعدة بن صدقة «حديث1 باب135» عن أبي عبدالله الصادق قال: قال أمير المؤمنين: ”إياكم والمراء والخصومة فإنهما يمرضان القلوب على الإخوان وينبت عليهما النفاق“ وفي رواية أخرى «حديث5 باب135» عن أبي عبدالله : ”إياكم والخصومة فإنها تشغل القلب وتورث النفاق وتكسب الضغائن“.

الحق الثالث: التواصل

صحيحة محمد بن حمران عن أبيه «حديث10 باب144» عن أبي جعفر الباقر : ”ما من مؤمنين اهتجرا فوق ثلاث إلا وبرئت منهما في الثالثة“ قيل: هذا حال الظالم، فما بال المظلوم؟ فقال: ”فما بال المظلوم لا يصير إلى الظالم فيقول أنا الظالم حتى يصطلحا“.

الحق الرابع: حفظ الكرامة

صحيحة هشام بن سالم «حديث1 باب145» قال: سمعت أبا عبدالله يقول: قال الله عز وجل: ”ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن“ وفي رواية المعلى بن خنيس «حديث2 باب146» قال: سمعت أبا عبدالله يقول: إن الله تبارك وتعالى يقول: ”من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي“

هنا نذكر مثالين يرتبطان بحفظ كرامة المؤمن وهما مثالان نحن نعيشهما في واقعنا المعاصر:

المثال الأول: البراءة، مع الأسف الآن لدينا ظاهرة عند بعض الشيعة، البراءة من الشيعة من أجل اختلاف بسيط، البراءة من المشركين، وليس براءة المؤمنين بعضهم من بعض، في رواية الصياح بن سيابة عن الصادق : ”ما أنتم والبراءة بعضكم من بعض إن بعض المؤمنين أكثر صلاة من بعض وبعض المؤمنين أفضل درجة من بعض“.

المثال الثاني: قضاء حاجة المؤمن، ترى بعض المؤمنين موظف يأتيه أخوه المؤمن في حاجة وهو يقدر عليها فيشيح عنه بوجهه، بينما يأتيه شخص آخر ليس له علاقة به ويقضي حاجته، هذا المثال تعرض له الأئمة في أحاديثهم منذ تلك الأزمنة، في رواية أبي بصير عن الإمام الصادق : ”أيما رجل من شيعتنا أتى رجلا آخر فاستعانه في قضاء حاجته فلم يعنه وهو قادر إلا ابتلاه الله بقضاء حاجات غيره من أعدائنا يعذبه الله عليها يوم القيامة“ إذا حفظ كرامة المؤمن والاهتمام بشأن المؤمن من خصائص الأخوة الإيمانية التي لا يمكن إغفالها.

الحق الخامس: الستر على المؤمن

في موثقة إسحاق ابن عمار «حديث3 باب150» سمعت أبا عبدالله يقول: قال رسول الله : ”يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه لا تذموا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته“ وفي رواية أخرى، أيضا موثقة إسحاق ابن عمار «حديث2 باب150» عن أبي عبدالله قال: قال رسول الله : ”من أذاع فاحشة كان كمبتدئها ومن عير مؤمنا بشيء لم يمت حتى يركبه“ ومن تلك الروايات الشريفة في هذا الباب هذه الرواية العظيمة، رواية المفضل بن عمر «حديث2 باب157» قال لي أبو عبدالله : ”من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان“.

2 - الأخوة الخاصة المعبر عنها بالصداقة فما هي أسس الصداقة؟

عن الإمام زين العابدين علي «حديث1 باب17» عن أبي عبدالله عن أبيه قال: قال لي أبي علي بن الحسين : ”يابني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم“ فقلت: يا أبا من هم عرفنيهم، فقال: "إياك ومصاحبة الكذاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك بأكلة وأقل من ذلك وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه وإياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثة مواضع، قال الله عز وجل: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ.

3 - الدرجة العليا من الأخوة هي الأخوة الحقيقية الحقة وهي الأخوة بمعنى الفناء

عندما يؤثر إنسان إنسانا آخر على نفسه، يضحي من أجله، عندما يبذل ما عنده من النفس والنفيس له.

خطر الذنوب على الشخصيّة الإنسانيّة
الإسلام والحريّة الفكريّة