نص الشريط
الدين بين العقلانية والغيبية
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مأتم السيدة الزهراء (ع) - صفوى
التاريخ: 13/1/1436 هـ
تعريف: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} المحاور: 1- نسبية الحقيقة. 2- انسجام العقل والدين. 3- مساحة العقل في التشريع الإسلامي.
مرات العرض: 3071
المدة: 00:55:01
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2642) حجم الملف: 12.5 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚأُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ

صدق الله العلي العظيم

نتحدث حول الدين والعقل، قد يُقال بأن مساحة التعبد والتفسيرات الغيبية هي المساحة الكبرى في الإسلام فمتى ما سأل إنسانٌ عن العلة أو الفلسفة لحكم معين يقال له إن هذا أمر تعبدي من الله عزوجل، وهذه الصفة وهي كون الأحكام الشرعية أحكاماً تعبدية لا يمكن فلسفتها ولا تعليلها تُفقد الإسلام جاذبيته للملل الأخرى ولغير المسلمين، بل أن بعض الأحكام الإسلامية تتصادم مع العقل كبعض أحكام المرأة عندما يحكم الإسلام بأن للمرأة نصف سهمٍ من الميراث بينما يُعطي الرجل سهماً كاملاً، فمثل هذه الأحكام تتنافى مع العقل فهذا ما يوجب فقدان الإسلام لجاذبيته حتى لأبناءه فضلاً عن أبناء الملل الأخرى.

هذه المقاله نسلط الضوء عليها في محاور ثلاثة:

المحور الأول: نسبية الحقيقة وعدمها.

هل الحقيقة نسبية أم أن الحقيقة مُطلقة، هنا إتجاهان؟

الإتجاه الإسلامي يقول: بأنه لا نسبية في الحقيقة وإنما النسبية في الإدراك، بمعنى أن هناك فرق بين نسبية الحقيقية ونسبية الإدراك، من أجل أن نشرح ذلك نأتي إلى الحقيقة أولاً، الحقيقة على نوعان؟

النوع الأول: يدور أمره بين الوجود وعدمه، بين الثبوت وعدمه وليس قابلاً للتفاوت والترقي مثلاً: عندما نبحث هل أن الله موجود أم لا، هذا أمر لا يقبل النسبية، لماذا؟ لأنه مفهوم يدور بين الثبوت وعدمه.

إما أن الله موجود أو غير موجود، هنا لا معنى أن يقال الحقيقة نسبية، هذه القضية دائرة بين الثبوت وعدمه ولا معنى للنسبية، إما أن يحكم العقل بأنها ثابتة أو يحكم العقل بأنها غير ثابتة ولا يُتصور في هذا النوع من الحقائق أن يكون نسبياً.

النوع الثاني: الحقائق التي لها درجات متفاوته ونتيجة هذا التفاوت قد يدرك العقل بعض درجاتها وتخفى عليه الدرجات الأخرى، مثلاً: عندما نتكلم عن حقيقة النبوة، النبوة لها درجات:

  • الدرجة الأولى: إتصال عالم المادة بعالم الغيب، لأن النبي واسطة بين العالمين. النبوة عبارة عن الحجية.
  • الدرجة الثانية: أن النبي حجة على خلقه وحجة على الناس قوله وفعله وتقريره حجة.
  • الدرجة الثالثة: القيادة العامة للمجتمع الإنساني المعبر عنها بالولاية.

النبوة لها درجات يمكن العقل يدرك درجة وتخفى عليها درجتان مخفيان، فيقال الحقيقة نسبية، هي في الواقع ليست نسبية هي لها درجات أدرك العقل بعضها ولم يدرك الدرجات الأخرى.

أما ما يتعلق بالإدراك: العقل لمحدوديته وعدم قدرته على الإحاطه بكل الأمور وكل القضايا فنتيجة قصوره ومحدوديته قد لا يدرك الواقع على ماهو عليه وهذا ما يعبر عنه بالنسبية، فالنسبية هي ليست في الواقع فهو لا يتغير، إدراك العقل هو النسبي، فالعقل لقصوره ومحدوديته لا يستطيع إدراك الواقع بعضها يدركها لكن البعض لا يدركها.

مثلاً: عندما نأتي إلى الله عزوجل الله العقل لا يستطيع أن يدرك الله، فهو يعرف أن هناك خالقاً واحداً، له صفات وأسماء لكن ماهي حقيقته؟ لأن العقل محدود لا يستطيع إدراك اللامحدود، إذن النسبية في إدراك العقل وليست المسبية في حقيقة الذات الإلهية، ولذلك ورد عن الإمام علي : ”لا تتفكروا في ذات الله فتهلكوا وإنما تفكروا في أسمائه وصفاته“، نفس الذات حقيقة الذات لا يمكن للعقل المحدود الإحاطة بها.

فهناك فرق بين نسبية الحقيقة ونسبية الإدراك فنحن نقول بنسبية الإدراك وليس الحقيقة.

الإتجاه الثاني: المادي، فهو يقول بنسبية الحقيقة، ولأجل أن الحقيقة نسبية لا يمكن لإنسان نيل الحقيقة كلها لأن الحقيقة في ذاتها نسبية.

مثال: أن الإسلام أعطى المرأة نصف سهم من الميراث قوله عزوجل: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ الرجل سهم كامل من الميراث والمرأة لها نصف سهم، يأتي إنسان ويقول أنه يتنافى مع العقل هذا ظلم للمرأة.

الجواب: إذا كان العقل لا يدرك الحقيقة وإدراكه نسبي، إذا كانت الحقيقة بحسب الإتجاه الثاني حقيقة نسبية إذن كيف حكمتم بأن هذا الحكم يتنافى مع العقل، لا يمكن أن نحكم أن هذا التشريع يتنافى مع العقل إلا إذا أدرك العقل التشريع بتمامه، وإذا كانت الحقيقة نسبية كيف تحكم بأنه يتنافى مع العقل؟ هنا نوع من المغالطة من جهة نقول أن الحقيقة نسبية ولا يوجد من ينالها ومن جهة أخرى نقول بعض تشريعات الإسلام يتنافى مع العقل هذا تناقض. بما أن العقل لا يدرك الحقيقة كلها وإنما يُدرك بعض منها إذن لا يستطيع أن يحكم بأن التشريعات الإسلامية تتنافى مع العقل.

المثال نفسه: القرآن في الوقت الذي أعطى الرجل سهماً كاملاً حمّل الرجل مسؤولية الإنفاق وليس المرأة فهو ينفق على أسرته ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فهو أعطاه سهم كامل ولكن من جهة أخرى أخذ من أمواله لأنه جعل عليه مسؤولية الإنفاق، لذلك نفقة الزوجة دين في ذمة الزوج لا يسقط منه وحتى لو الزوجة أغنى الأغنياء، ولو نفترض مثلاً أن الزوج مات ولم ينفق على زوجته سنة وأكثر.. يُؤخذ نفقة السنة من تَرِكته لأنها دينٌ في ذمته ولا ميراث إلا بعد الدين من بعد وصية يوصي بها أو دين، إذن أين الظلم للمرأة.

فإذن لأن العقل إدراكه نسبي أدرك قانون وأغفل قانون آخر ولم يجمع بينهما ليعرف التشريع الإسلامي على واقعه وحقيقته.

بما أن إدراك العقل نسبي على الإتجاه الأول أو أن الحقيقة نسبية على الإتجاه الثاني إذن لا يستطيع أحد أن يقرر أن الأحكام الشرعية تتنافى مع العقل مادامت القضية نسبية.

المحور الثاني:

نفترض أن الحقائق مطلقة وليست نسبية وأن العقل يمكنه أن يُدرك الحقائق إدراكاً تاماً هل هناك تصادم بين الدين والعقل أم هناك إنسجام بينهما أم تصادم؟

هي علاقة إنسجام، لماذا؟ نحن حتى نقول أن العقل يتعارض مع الدين لذا يجب تحديد الدين والعقل، ماهو الدين وماهو العقل؟

الدين: هو النص الثابت الواضح الدلاله، إذا كان لديك نص من القرآن ومن السنة واضح ودلالته ثابته تستطيع أن تقول هذا النص يمثل الدين، أما إذا كنت تأخذ نصوص غير واضحه أو دلالته غير ثابته تقول هذا يمثل الدين وهذا يتنافى مع العقل ويتنافى مع الموضوعية والمنهج العلمي.

مثال: ورد عن أمير المؤمنين : ”لا تُزوجوا الأكراد فإنهم حي من الجن كُشف عنهم الغطاء“ فمن يقرأ هذا النص يقول هذا الدين يتنافى مع العقل، فالعقل يرى أن بني آدم متساوون في الكرامة والإنسانية فما هو فضل العرب على الأكراد؟ نقول له هل هذا النص ثابت فهو يكون ممثلاً للدين إذا كان ثابت، إنما هذا النص لم يُحرز ثبوته، لذلك جُملة من علمائنا رفضوا العمل بهذه الرواية مثل السيد الشهيد محمد باقر الصدر «قدس»، إذن لم يثبت صدوره فيُحاكم الدين على أساس صدوره، وأحياناً يوجد نص ثابت لكن دلالته غير واضحه فهنا كيف يحاكم الدين على أساسه ودلالته غير واضحه، قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا تقول أن القرآن يقول أن المشركين أنجاس وهذا يتنافى مع العقل فما الفرق بين جسم المشرك وجسم المسلم كلاهما جسم له خلايا وأجهزة معينة، نقول أنت إعتبرة ما فهمته من الآية إعتبرته الدين وعلى أساسه حكمة أن الدين يتنافى مع العقل، بينما الدلالة غير واضحه فدلالتها مُجملة، هناك من يرى أن معنى النجاسه هي النجاسة المادية والآخر يرى أن معناها القذارة المعنوية، إذن دلالة الآية غير واضحة حتى يُعد ممثلاً للدين، الممثل هو نصٌ ثابتٌ واضح الدلالة.

مثلاً: قوله عزوجل: ﴿إِنّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرّبَا وَأَحَلّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا هو نص ثابت وواضح الدلالة، هنا يقال الدين الإسلامي من خلال القرآن يُحرم الربا.

ماهو العقل؟ العقل الذي له القيمة وعلى أساسه تُحاكم الأشياء، هو ما إتفق عليه العقلاءُ كلهم، هذا يسمى العقل الجمعي.

القضايا التي إتفق عليها العقلاء جميعاً وعلى أساسها يُحاكم الدين ليس كل قضية نقول بأنها مخالفة للعقل، مثلاً: العقلاء إتفقوا على أن الظُلم قبيح، العقلاء إتفقوا على أن قتل النفس الإنسانية بدون حق ظلم والظلم قبيح وهذا حكم عليه الدين، ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا العقل يقرر أن الظلم قبيح لأن البشرية إتفقت عليه، الإسلام لا يخالف هذا حتى تقول أن الدين يخالف العقل.

المثال نفسه: القرآن دل على حرمة الربا، هل حرمة الربا تتنافى مع العقل؟ هل تتنافى مع قضية إتفق العقلاء عليها؟ ربما يقول الإنسان صاحب المال له حقٌ في إشتراط الفائدة، مثلا البنك يقول إذا أقرضتك مائة ألف ريال أنا أقدمت على المخاطرة فمن المحتمل بأن هذا المبلغ لا يعود مرة أخرى، في مقابل عنصر المخاطرة أأخذ منك 10،000 ريال. أو مثلاً: مقابل التجميد 100،000 ريال لمدة سنتين من دون إستثمار ومقابل تجميد الأموال تأخذ فائدة 10،000 ريال. إذن إشتراط الفائدة الربوية للفرد حق للإنسان فإذا منعه الإسلام فقد سلب الإنسان حقه وسلب ذي الحق حقه ظلم، هذا الحكم يتنافى مع العقل نقول لا يتنافى، لماذا؟

هناك فرق بين حق الإستثمار وبين حق إشتراط الفائدة، لك الحق في إستثمار أموالك لكن هل من حقك أن تشترط الفائدة في القرض؟ لا، لماذا؟ لأنك تستطيع إستثمار أموالك بطرق أخرى، مثلاً: البنك عندما يريد إقراضك 100،000 يسألك لماذا تريد هذا المبلغ؟ بأنك تريد شراء سيارة، رد عليك قائلاً بأن البنك سيشتري السيارة بهذا المبلغ وأبيعك إياها أقساطاً بمئة وعشرة آلاف هذا الأمر صحيح وشرعي لا يوجد إشكال فنحن إنتقلنا من القرض إلى البيع فأنت إستطعت إستثمار أموالك من دون قرض ومن دون شرط ربوي، لك حق إستثمار أمولك لكنه لا ينحصر في أن تشترط الفائدة الربوية ضمن القرض، يمكن التحويل إلى معاملات أخرى ففرق بين الكلمتين.

إذن الدين عندما يقول عند الإستثمار يوجد معاملات أما في الإقراض ليس فيه شرط للفائدة، لما؟ لأن القرض تضحية، والدين من أجل ترسيخ روح التضحية والعطاء في نفس المؤمن يقول له لا تشترط الفائدة.

المحور الثالث: ماهي مساحة العقل في التشريعات الإسلامية؟

صاحب المقاله يقول: المساحة الكبرى من التشريعات الإسلامية هي تعبد الغيب لا يوجد شئ واضح، كيف يأتي الإسلام وهو يتعامل معهم بالغيبيات وبالتعبديات، هل فعلاً مساحة التعبد في التشريعات الإسلامية هي المساحة الكبرى أم لا؟ للإيضاح:

الوجه الأول: التشريع الإسلامي ينقسم إلى ثلاثة أقسام؟

  • الأحكام الفردية: هي أحكام العبادات «الصلا، الحج، الصوم، الطاهرة، النجاسة في الصلاة».
  • الأحكام الإجتماعية: البيع، التجارة، الطلاق، النكاح، الرضاع.
  • الأحكام التنظيمية: لتنظيم المجتمع، مثل: القضاء وأحكامه، الحدود، الديات.

أين التعبد وأين الغيبية؟ فقط في القسم الأول: وهو أحكام العبادات وهي أحكام غيبية، معنى قول الإسلام بأن صلاة الظهر أربع ركعات... لماذا؟ العدد مختلف في الصلوات هذا أمر غيبي لم تصل لنا حكمته، هذا قسم تعبدي.

القسم الثاني: وهو الأحكام الإجتماعية، أحكام معللة وذُكرت أسماؤها.

القسم الثالث: الأحكام التنظيمية، أحكام معللة وللرجوع إلى كتاب الشيخ الصدوق «علل الشرائع» بمعنى ماورد من الأئمة الطاهرين في بيان الأسباب والعلل في التشريعات الصادرة عن الأئمة وعن النبي محمد .

ورد في بعض الروايات ”إن دين الله لا يصاب عقول ليس أبعد من دين الله من عقول الرجال“ هذا في قسم الأحكام التعبدية الغيبية لماذا هذا القسم أصبح غيبي؟

من أجل تربية روح الخضوع والإطواعية لدى الإنسان المسلم، لاحظوا الجندي عندما ينتسب إلى الجيش عليه أن يخضع إلى تدريبات عسكرية فترة من الزمن، ماهو الهدف من هذه التدريبات؟ الهدف منها هو تربيته على الخضوع والإطاعة، عندما يقف الجندي ويمارس حركات إمتثالا للمدرب هدفها الخضوع والإطاعة حتى يكون جندياً مضحياً، وكذلك الإسلام في قسم العبادات يقول طف بالكعبة سبعاً لا أكثر ولا أقل، أرمي سبع حصيات وثلاث جمرات، لماذا هذه الأعداد؟ هذا لتربية المسلم على روح الخضوع والإطاعة لأنه يطبق أحكام لا يفهم عللها ولا يدرك أسبابها فعندما يطبقها تتنام لديه روح الخضوع والإطاعة لله تعالى.

الوجه الثاني: كيف يقال إن الدين يتعارض مع العقل؟ والحال بأن العقل هو أحد مصادر الإستنباط، في الفقه الإسلامي مصادر الإستنباط: القرآن الكريم - والسنة «تشمل سنة النبي وسنة أهل البيت» - والإجماع «إتفاق العلماء» - والعقل.

العقل هو القضايا التي إتفق عليها المجتمع العقلائي، يوجد في علم أصول الفقه باب حجية العقل يقسم فيه القضايا العقلية إلى: قضايا مستقلة وقضايا غير مستقلة.

القضايا المستقلة: هي التي يحكم بها العقل من دون إستناد إلى الدين، مثل: حكم العقل بقبح الظلم والكذب والخيانة وقبح الكفران بالنعمة، لأنها يستقل بها العقل تعتبر مصدر من مصادر الإستنباط.

القضايا غير المستقلة: هي جزء من الدين وجزء من العقل، هذه القضايا قسمين:

قسم برهاني: مثال: يقولون العقل يحكم أن مقدمة الواجب واجبه، كيف ذلك؟ القرآن يقول: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا الحج يتوقف عليه مقدمات، إذا كان أجنبي كيف يكون ذلك؟ أولاً: يجب إخراج فيزة الحج ويجب أن يكون لديه جواز السفر... هذه المقدمات واجبة عقلاً، هنا العلماء يقولون بأن المقدمات بما يمشي مع العقل واجبه فهي واجبه.

قسم تطبيقي: وهو مايعبر عنه باب تزاحم العقل: إذا تزاحم واجبان العقل يقول: يُقدم الأهم على المهم، مثلاً: الصلاة كما ورد عن أمير المؤمنين: ”إن قبلت قُبل ماسواها وإن ردت رد ما سواها“ لو صار تزاحم بين الصلاة وبين إنقاذ الغريق، فإذا أصلي لا أستطيع إنقاذه وإذا أنقذته خرج وقت الصلاة، هنا إنقاذ الغريق مقدم وهي إنقاذ النفس المحترمة فالعقل يقدم ذلك مع أن الصلاة عامود الدين، هذا من الأحكام العقلية التي تؤخذ مصدراً من الإستنباط.

مثال: كشف المرأة عورتها للرجل حرام وهي من أغلظ المحرمات، لو إفترضنا علاج المرأة منوط برجل طبيب كولادة المرأة ولادة سليمة إلا بطبيب رجل هنا العلاج يُقدم، إذن بالنتيجة العقل يحكم بتقديم الأهم على المهم وهذه قاعدة عقلية يقرها الشرع، فكيف يقال أن التشريعات الإسلامية تتنافى مع العقل.

الوجه الثالث: يوجد قاعدة في علم الأصول قاعدة الملازمة: كل ماحكم به العقل حكم به الشرع وكل ما حكم به الشرع حكم به العقل، لماذا؟ لأن مصدر العقل والشرع هو واحد فمن خلق العقل هو الذي أسس الشرع وهو الله عزوجل فبما أن الجاعل واحد فلا يُعقل أن يكون بينهما تعارض وتنافي.

شئ يحكم به العقل يجب الشرع يحكم بها، عندما يحكم العقل بأن الأهم يُقدم على المهم عند التزاحم هذه قاعدة يحكم بها العقل والشرع، عندما يحكم العقل بأن الظلم قبيح الشرع أيضاً يحكم به العقل.

يعبر عنها بعض العلماء الأحكام السمعية لطفٌ في الأحكام العقلية، مامعنى هذا؟ بما أن الإنسان المسلم يعتقد بحكمة الله مُقتضى الإيمان بحكمة االله أن التشريعات الصادرة من الله واقعة في محلها وغير منافية هذا معنى ماحكم به الشرع حكم به العقل، لأن المشرع حكيم تبارك وتعالى فمقتضى حكمته أن لايصدر منه تشريع يتنافى مع العقل، العقل لا يقدر على إكتشاف الحكمة لقصور إستيعابه لكن العقل يؤمن بقضية عامة ما يصدر من الحكيم تعالى فهو على طبق الحكمة وإن عجز العقل عن إدراك حكمته، وهذا ما ورد عن الإمام أمير المؤمنين قوله: ”فبعث فيهم رُسله وواتر إليهم أنبيائه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسيه نعمته وليثيروا لهم دفائن العقول“ يريد القول بأن الدين موجود في فطرة الإنسان إنما الأنبياء نبهُ الإنسان على ما يوجد في فطرته وكامنٌ فيه، فعقلك توجد فيه قضايا كثيرة ونتيجة إنشغالك بالقضايا المادية لا تلتفت على مافي عقلك.

مثلاً: تشريح جثة الميت المسلم حرام، لماذا؟ لأن التشريح تصرف في جسده ورد عن النبي : ”إن حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حياً“ كما لا يجوز التصرف في جسده وهو حي لا يجوز لك التصرف وهو ميت، لكن لو فرضنا أن إكتشاف الجريمة يتوقف على تشريح الجسد، هنا يشرح الجسد وذلك لأن إكتشاف المجرم وإثبات الحقوق أهم من حرمة جسد المؤمن.

لو إفترضنا أن هناك وباء منتشر لا نستطيع إكتشاف الوباء إلا بتشريح جثة المريض الذي مات بالوباء، هنا يجب تشريح جثته فتحول الحكم من حرام إلى وجوب، لما؟ لأن حفظ أنفس المجتمع أهم من حرمة هذا الجسد، إذن الجسد له حرمة بالعنوان الأول لكن قد نخرج بعناوين أخرى.

جسد المسلم له حرمة لا يجوز التمثيل به ولا التصرف فيه كرامة المؤمن ميتاً ككرامته حياً، ولم يخالف هذا الحكم إلا العصابة الأموية، أول رأس رُفع في الإسلام رأس عَمر ابن الحمق الخزاعي، قتله معاوية ورفع رأسه على خشبه فكان أول رأس رفع في الإسلام وبعدها حجر بن عدي وأصحابه السبعة.

وبدأ المشوار الأموي وهو منهج القتل والإبادة مستمر إلى أن وقعت المجزرة العظمة يوم كربلاء وفي ذرية رسول الله وبقيت الأجساد صرعى تظللها الطيور من حرارة الشمس.

والحمدلله رب العالمين

مصادر المعرفة الدينية
الحوار المفتوح | حول محاضرات عاشوراء 1436هـ