نص الشريط
الدرس 38
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 23/1/1436 هـ
تعريف: حقيقة العلم الإجمالي
مرات العرض: 2629
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (338)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

المسلك الثالث: وهو ما ذهب اليه السيد الأستاذ «دام ظله». ومحصله:

ان المنجز في اطراف العلم الاجمالي هو احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على كل طرف من الاطراف.

وبيان ذلك بأمور:

الامر الاول: ان الاحتمال في نفسه قابل للمنجزية، لا كما ذكره بعض القائلين بالبراءة العقلية، حيث ادعى مثل المحقق النائيني القائل بالبراءة العقلية ان الاحتمال في نفسه ليس صالحا للمنجزية بل لابد من علم بالتكليف او علمي.

والصحيح: ان الاحتمال في نفسه قابل للمنجزية. والسر في ذلك: اما ان يرجع الى اهمية المحتمل او يرجع الى قوة الاحتمال، فمثلا: احتمال الخطر في الدماء او الاعراض منجز لدى العقلاء بلحاظ اهمية المحتمل، او ان يكون الاحتمال قوياً أي تأتيه المنجزية من خلال اهمية المحتمل، او من خلال قوة الاحتمال، كما إذا كان الاحتمال مستنداً لأمارة عقلائية، وان لم تثبت شرعاً كالشهرة مثلاً او كان الاحتمال مستنداً للعلم الاجمالي، إذ لا شكّ في وجود الفرق وجداناً بين الاحتمال البدوي والاحتمال المعتضد بالعلم الاجمالي ولأجل هذا الفرق الوجداني، فالاحتمال المقترن والمعتضد بالعلم الاجمالي خارج عن كبرى «قبح العقاب بلا بيان».

الامر الثاني: ما ندّعيه في منجزية الاحتمال في باب العلم الإجمالي ليس هو احتمال التكليف، كما سبق في المسلكين وانما هو احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على الطرف.

بيان ذلك: إذا علم المكلف بوجوب فريضة اما الجمعة او الظهر يوم الجمعة فحينئذٍ كل طرف في نفسه واجد لاحتمال التكليف، إذ يحتمل وجوب الجمعة ويحتمل وجوب الظهر، وهناك احتمال اخر غير احتمال التكليف وهو احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على هذا الطرف، أي نحتمل ان الفريضة الواقعية التي علمنا بوجوبها هي الجمعة او هي الظهر، فهذا الاحتمال غير ذلك الاحتمال، احتمال التكليف في نفسه شيء واحتمال انطباق المعلوم بالإجمال على كل طرف شيء اخر. فالأول وهو احتمال التكليف في نفسه هو الذي ذهب اليه اصحاب المسلكين السابقين فقالوا احتمال التكليف في كل طرف في نفسه منجز. اما لأنّه مساوق لاحتمال العقوبة، واحتمال العقوبة منجز او لأنّه مورد لحق الطاعة، فالمنظور في المسلكين السابقين نفس احتمال التكليف، بينما المنظور في هذا المسلك احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على كل طرف.

الامر الثالث: ان احتمال الانطباق على ثلاثة درجات: فقد يكون موهوما، وقد يكون اطمئنانا، وقد يكون وسطا بينهما، ومحل الكلام هو الثالث، لأنّ احتمال الانطباق ان كان موهوما فلا يصلح في نفسه للمنجزية، مثلاً في الشبهة غير المحصورة يكون احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على كل طرف احتمالاً موهوماً نتيجة انقسام الرقم الرياضي للمعلوم بالإجمال على عدد الاطراف، فإذا علم اجمالاً بوجود حبة رز نجسة من بين مليون حبة في السوق فانّ انقسام هذا المعلوم بالإجمال وهو نجاسة حبة من الرز على المليون يوجب ان يكون احتمال الانطباق على كل طرف واحد بالميون وهو موهوم.

وإذا كان احتمال الانطباق اطمئنان، فالاطمئنان بنفسه منجز عقلائي، مثلاً إذا طرحت مسالة فرعية معقدة وعلمنا اجمالا ان الذي توصل لحل المسالة اما العالم الفقيه او انسانٌ عامي، فلا اشكال ان انطباق المعلوم بالإجمال على الطرف الاول يوجب الاطمئنان، وعليه هذا خارج عن محل الكلام لان الاطمئنان حجة، فما هو محل الكلام هو احتمال الانطباق الوسط الذي ليس وهما ولا اطمئنانا، فهل هذا منجز ام لا.

الامر الرابع: وهو لبُّ مطلبه، لا اشكال في تقوّم العلم الإجمال بالاحتمال، إذ لا يتصور علم اجمالي بدون احتمال الانطباق والا لأصبح تفصيلياً، فمتى ما فرض وجود علم اجمالي فقد فرض معه احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على كل طرف من اطرافه، لأجل ذلك لو علمنا مثلاً بوجوب فريضة يوم الجمعة، فلا محالة مجرد كونه علما اجمالياً متقوم باحتمال انطباق هذه الفريضة على كل من الظهر والجمعة.

وانما الكلام هل ان محور المنجزية هو العلم، او ان محور المنجزية هو احتمال الانطباق، فهل احتمال الانطباق حيثية تقييدية ام تعليلية؟ أي هل ان المنجزية للعلم غاية ما في الباب ان احتمال انطباق المعلوم بالإجمال أوجب جرّ المنجزية الى الظهر، فالمنجز هو العلم وانما احتمال انطباقه على الظهر اوجب امتداد منجزية العلم الى الطرف، فاحتمال الانطباق مجرد واسطة في امتداد المنجزية من المعلوم بالإجمال الى الطرف فهو حيثية تعليلية للمنجزية، ام انّ احتمال الانطباق حيثية تقييدية، بمعنى ان لدينا منجزين لأمرين فالجامع وهو: وجوب فريضةٍ متنجز بالعلم، والطرف وهو: وجوب الظهر او الجمعة متنجز باحتمال الانطباق، فاحتمال الانطباق أيضاً محور للمنجزية فهو حيثية تقييدية، في المنجزية وليس مجرد واسطة.

وقد يقال عندما نقارن العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي سوف نصل الى ان محور المنجزية هو العلم، فلو علمنا تفصيلا بوجوب صلاة الظهر الى جهة الكعبة فالتكليف معلوم بالتفصيل ولكن حصل لدينا شك وهو احتمال انطباق المعلوم بالتفصيل وهو وجوب الظهر الى القبلة على جهة الشرق فهنا المعلوم بالتفصيل فريضة الظهر الى جهة الكعبة ولكن مع ذلك حصل احتمال انطباق هذا المعلوم بالتفصيل على جهة الشرق ففي مثل هذا الفرض لا شك ولا ريب ان المنجزية للعلم ولذلك يقال احتمال انطباق المعلوم بالتفصيل على هذا المصداق وهو الصلاة الى الشرق مورد لقاعدة الاشتغال وكونه موردا لقاعدة الاشتغال هو عبارة اخرى عن ان المنجز هو العلم التفصيلي أي لما علمت بالتكليف فلابد ان تعلم بالفراغ. إذا كما في فرض العلم التفصيلي تكون المنجزية للعلم لا لاحتمال الانطباق، واحتمال الانطباق مجرد واسطة لا اكثر، كذلك إذا علمنا مثلاً بوجود اناء نجس بين الإناءين، فليس هنا الا احتمال انطباق ذلك المعلوم على الطرف، وهو مجرد واسطة في امتداد المنجزية للطرف من باب الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني فقد يقال هكذا...

ولكن هناك فرق بين الشك في مورد العلم التفصيلي والشك في مورد العلم الاجمالي، فالشك في مورد العلم التفصيلي متمحض في كونه شكاً في الامتثال، إذ لا شبهة في التكليف ابدا، لانكشافه بتمام حدوده فلا يوجد حدّ من حدوده مازال غامضا.

واما العلم الاجمالي فإن بعض حدود التكليف مبهم، سواء كانت الشبهة حكمية او موضوعية، فإذا كانت حكمية فالأمر واضح، مثلا إذا علم اجمالا بوجوب فريضة اما الظهر او الجمعة فمن الواضح ان حد الفريضة مبهم، وهذا ما عبر عنه بعض الاعاظم ان المعلوم بالإجمال نصف مضيء ونصف مظلم، فأصل المحدود مضيء ولكن الحدّ مظلم، هذا في الشبهة الحكمية، وكذلك في الشبهة الموضوعية كما إذا علم اجمالا بوجود اناء نجس بين الانائين فانه في هذا الفرض التكليف باجتناب النجس ليس معلوما بتمام حدوده وانما هو معلوم ببعض حدوده، واما كون ذلك النجس هو هذا او ذاك مجهول فلأجل ان العلم الإجمالي يرجع الى ابهام حدّ من حدود التكليف فلا معنى لقياسه بالعلم التفصيلي، فإنما قلنا هناك ان احتمال الانطباق لا دور له الا الواسطة لأجل انكشاف التكليف بتمام حدوده فالانكشاف هو المنجز وقلنا هنا بأن الاحتمال ليس مجرد واسطة وانما هو حيثية تقييدية في المنجزية لأجل ان العلم وحده انما هو علم بالجامع، وليس علما بالحد فلأجل ذلك انما يتنجز الطرف باحتمال الانطباق لا بنفس العلم.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 37
الدرس 39