نص الشريط
الدرس 57
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 7/3/1436 هـ
تعريف: حقيقة العلم الإجمالي
مرات العرض: 3066
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (375)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

ويلاحظ على ما ذكر دفاعا عن المحقق النائيني «قده»:

أولاً: ما هو المقصود من علّية العلم الإجمالي في مقام التنجيز دون مقام الامتثال؟.

فهل المقصود بمقام التنجيز سببية العلم الاجمالي لاشتغال الذمة بالمقدار المعلوم بالإجمال؟، أم سببية العلم الاجمالي لاشتغال الذمة بالأطراف ايضاً؟.

فإن كان المقصود هو الأول: فهذا ليس محل نزاع بين القائلين بالعلية أو القائلين بالاقتضاء؛ فإن الجميع سواء قال بالعلّية كالعراقي أو بالاقتضاء كما هو المنسوب للنائيني الجميع يقول: أن مقدار المعلوم بالإجمال وهو الجامع مما لا ريب في تنجزه على نحو العلية التامة. ولذلك قال القائلون بالاقتضاء: بأن العلم الاجمالي علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعية، نعم من ينكر أصل المنجزية كالمحقق القمي، أو ينكر المنجزية العقلية كالسيد السيستاني أو ينكر العلية من الاصل، ويقول ان المنجزية على نحو الاقتضاء على كل حال كالسيد الصدر، ونسب إلى صاحب الكفاية فهؤلاء بالنسبة اليهم حتّى المقدار المعلوم بالإجمال ليس منجزا على كل حال، واما بين القائلين بالعلية أو الاقتضاء الفارغين عن أصل المنجزية لا كلام ان مقدار المعلوم بالإجمال منجز دون تعليق على عدم ترخيص الشارع.

وان كان المقصود هو الثاني: أي ان العلم الاجمالي علة لاشتغال الذمة بالأطراف. فهذا يحتمل أمرين في عبارة النائيني: 1 - إذ هل المقصود بذلك ان العلم الإجمالي مانع من أصل الترخيص من قبل الشارع؟. 2 - أو أن العلم الاجمالي مانع من الترخيص على نحو نفي التكليف؟.

فإن كان المقصود أن العلم الاجمالي مانع من أصل الترخيص بأي صياغة فهذا يتنافى مع صريح كلام المحقق النائيني الذي يسلّم بإمكان أصل الترخيص في أطراف العلم الاجمالي.

وإن كان المقصود ان العلم الإجمالي مانع من نوع من الترخيص وهو الترخيص على نحو نفي التكليف، وأما الترخيص على نحو جعل البدل بأن يجعل الطرف الآخر بدلا عن المعلوم بالإجمال فلا مانع منه.

فاذا كان هذا هو المقصود، لم يصلح فارقا بين مقام المنجزية ومقام الامتثال إذ كما يتصور هذا التفصيل بهذا اللحاظ يتصور هذا التفصيل بأن يقال ان العلم الاجمالي بالنسبة لمقام التنجيز يمنع من الترخيص بمعنى نفي التكليف ولا يمنع من الترخيص بمعنى جعل البدل، والعلم الإجمالي بلحاظ مقام الامتثال أيضاً يمنع الترخيص بمعنى نفي التكليف ولا يمنع منه بمعنى جعل البدل فلم يبق فارق بين الموردين كي يقال بالعلية في مقام التنجيز والاقتضاء بلحاظ مقام الامتثال.

ثانيا: عند مراجعة مطلب المحقق النائيني «قده» كما في فوائد الاصول «ج4، ص33»، فقد ذكر ما يظهر منه البناء على القول بالاقتضاء، حيث قال: «إذا جاز جريان الاصل المرخص في أطراف العلم التفصيلي كقاعدتي الفراغ والتجاوز جرى في أطراف العلم الاجمالي من باب أولى». ووجه الاولية: لأنّ الواقع لم ينكشف في العلم الاجمالي تمام الانكشاف، فيصح للشارع أن يرخص في أطرافه بنحو جعل البدل إذا كان الأصل المرخص بلا معارض. وظاهر هذا التعبير: ان المسوغ لجريان الاصل المرخص عدم المعارضة وهذا عين مطلب القول بالاقتضاء، فإن القائلين بالاقتضاء يقولون انما لا يجري الاصل لوجود المعارض والا فاطلاق دليل الاصل يشمل أطراف العلم الإجمالي.

وعلى فرض عدم ظهور العبارة في ان النائيني يتبنى الاقتضاء، فلا توجد عبارة في كلام النائيني تؤيد هذا التفصيل المذكور وهو ان العلم الاجمالي بلحاظ مقام التنجيز علّة، وبلحاظ مقام الامتثال مقتضي إلّا عبارة واحدة تكررت في كلامه، وهي: أنه قاس الاجمالي على التفصيلي، فقال: كيف لا يجري الاصل المرخص في مقام الفراغ من العلم الاجمالي وهو يجري في مقام الفراغ من العلم التفصيلي. إلّا أنّ مجرد هذا القياس ليس ظاهراً في التفصيل المذكور. والسر في ذلك:

أن من المحتمل جدا كون مراد النائيني بملاحظة ما ذكره في «اجود التقريرات» وهو الدورة الاخيرة من اصوله «ج3، ص411 - 417» ذكر هناك: ان هناك من يتصور ان العلية - أي علية العلم الإجمالي للمنجزية - بمعنى انّ العلم الإجمالي يمنع حتّى الاصل المفرغ كقاعدة الفراغ والتجاوز.

وردّ عليهم: بأن العلية لا تعني المنع من جريان الاصل المفرغ كيف وقد جرى في العلم التفصيلي، فجريان الاصل المفرغ في العلم التفصيلي معناه ان العلية لا تمنع من جريانه وانما معنى العلية كما ذكره: أنّ العلم الاجمالي يمنع من جريان الاصل النافي للتكليف دون جعل البدل، ثم قال: وهذا هو المطابق لما ذكره الشيخ الاعظم من ان العلم الاجمالي علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعية ومقتضي لوجوب الموافقة القطعية، وفسّر الاقتضاء في كلام الشيخ الاعظم أن العلم الاجمالي لا يقتضي الموافقة الوجدانية بل الاعم من الوجدانية والتعبدية، فإذا كان قد قال بأن مقصوده نفي كون العلية بمعنى المنع من جريان الاصل المفرغ فلعلّ قياسه في الفوائد بين التفصيلي والاجمالي من هذه الجهة، لا انه يفصّل بين مقام التنجيز ومقام الامتثال بالنحو الذي ذكر. وان كان في كلامه في «اجود التقريرات» تهافت في نقطة معينة بين «ص96، ج3، وبين ص98» حيث ذكر في «ص96»: ان الأصل النافي للتكليف كأصالة البراءة والاباحة لا يجري في أطراف العلم الإجمالي أبداً، بلحاظ أن نفي التكليف يصطدم مع اشتغال الذمة بالتكليف المعلوم بالإجمال، بينما ذكر في «ص98»: ان أصل البراءة وامثاله يجري بنحو جعل البدل.

ويمكن التوفيق: بأنّ المقصود المنع من جريان الاصل النافي من دون تضمنه لجعل البدل.

ويتلخص من ذلك: أن النائيني وقف في الوسط فهو قائل بالعلّية بمعنىً، وقائل بالاقتضاء بمعنى، فهو قائل بالعلية، بمعنى: ان العلم الاجمالي مانع من جريان الاصل النافي ما لم يتضمن جعل البدل، وقائل بالاقتضاء، بمعنى: ان العلم الاجمالي لا يمنع في نفسه من جريان الاصل المرخص، ولذلك ذكر العراقي في تعليقته في فوائد الاصول «ج 4، ص36» وقال: ان الانصاف ان لنا مجال ان نقول انك لم تصل إلى الغرض من منجزية العلم الاجمالي، وذكر ما هو معنى العلية وما هو معنى الاقتضاء فالعراقي فهم أيضاً ان النائيني لم يجر على نحو المصطلح لان البحث بين القالين بالعلية والقائلين بالاقتضاء، هو هل ان العلم الاجمالي مانع عن جريان الاصل المرخص أم لا؟، اما تفسير العلية بمعنى المنع من جريانه ان لم يتضمن جعل البدل والقبول به ان تضمن جعل البدل فهذا وقوف في الوسط.

وما ذكره السيد الشهيد «قده» في «ج4، من بحوثه ص168»: من أن النائيني في فوائد مشوش العبارات. وأما في اجود تقريراته: فهو ليس قائلا حتّى بالاقتضاء فضلا عن العلية.

فما ذكره بالنسبة للفوائد غير بعيد واما بالنسبة للأجود فهو مناف لصريح عباراته.

ولهذا الارتباك اشكل المحقق العراقي على النائيني «قدس سرهما» في نهاية الافكار «ج3، ص410فصاعداً»: بأنه ما هو مقصود النائيني من جعل البدلية؟، حيث قال: أنّ الاصل يجري ان تضمن جعل البدل، فالمقصود محتمل لمعنيين:

الاول: أنّ المراد انّ الاصل المرخص يجري إذا اعتبر الشارع الطرف الآخر مصداقا للمعلوم بالإجمال، فإن كان مقصوده هذا فهو صحيح ولكن لا قرينة عليه من نفس دليل الاصل أي انما نستفيد اعتبار الشارع الطرف الآخر بدلاً ومصداقاً للمعلوم بالإجمال من دليل خارجي لا من نفس دليل الاصل والا لورد محذور الدور لان شمول دليل الاصل لأطراف العلم الاجمالي لا يكفي فيه عقلاً جعل البدلية واقعا؛ لأنّ المشكلة هي في علم المكلف فلا تنحل بالجعل الواقعي بل انما يجري دليل الاصل إذا جعل البدل الواصل للمكلف لا البدل الواقعي فيتوقف جريان الاصل على وصول البدل فإذا كان وصول البدل متوقفا على جريان الاصل للزم الدور.

وان كان مقصود النائيني ليس اعتبار البدل وانما إذا رخص الشارع في أحد الطرفين استكشفنا أنّ الشارع يكتفي بالموافقة الاحتمالية بدليل إذنه في اقتحام أحد الطرفين، وان لم نحرز ان الطرف الآخر بدل ومصداق بل يكفي الموافقة الاحتمالية. فإن كان مقصوده ذلك، فلازم ذلك: الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية في أطراف العلم التفصيلي أيضاً فلو شك في جزء أو شرط في أطراف العلم التفصيلي هل اتى بالركوع أم لا مثلاً؟! صح له أيضاً جريان البراءة والاكتفاء بالموافقة الاحتمالية، وهذا مما لم يقل به أحد.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 56
الدرس 58