نص الشريط
الدرس 72
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 29/3/1436 هـ
تعريف: منجزية العلم الإجمالي
مرات العرض: 2587
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (416)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

الثمرة الثاني: هي ما ذكرها القائلون بالاقتضاء، وبيانها:

أنّه إذا علم المكلف إجمالاً بتكليف ولكنّه كان مضطراً إلى ارتكاب أحد الأطراف لا بعينه، مثلاً: إذا علم بنجاسة أحد الإنائين ولكن كان مضطراً لشرب أحدهما لا بعينه لإرواء عطشه؛ فهنا قد يقال على مسلك الاقتضاء: هذا المورد جار على وفق القاعدة حيث إنّ المكلف في الطرف الذي يختاره لدفع اضطراره يحل له ارتكابه، وأما في الطرف الذي لا يختاره لدفع اضطراره، فمقتضى منجزية العلم الاجمالي للجامع وهو وجود إناء نجس بين الإنائين الاجتناب عنه؛ فعلى مسلك الاقتضاء: يكون الاجتناب عن الطرف الباقي على وفق القاعدة.

بينما على مسلك العلية: كما ذكر في المنتقى: يرون أنّ تأير العلم الاجمالي في المنجزية تأثير بسيط دائر بين الوجود والعدم، فإما أن يكون العلم الاجمالي منجزا أو لا، ولا تبعيض في منجزيته، وفي هذا المورد حيث إنّ العلم الاجمالي لا يعقل أن ينجز الطرف الذي يختاره المكلف لدفع اضطراره فلا محالة مقتضى مبانيهم أن يسقط العلم عن المنجزية البتة فيجوز للمكلف أن يرتكب أحد الطرفين بالاضطرار والآخر، لأجل عدم منجزية العلم الإجمالي. وهذا مناف للارتكاز المتشرعي القطعي من بقاء المنجزية في الطرف الآخر، وقد يجعل هذا دليلا على بطلان القول بالعلية.

وقد يستشهد بهذه الثمرة على العكس، فهي ضد القائلين بالاقتضاء لا منسجمة معه، والسر في ذلك من جهتين:

الجهة الأولى: أنّ القائلين الاقتضاء يرون أنّ منجزية العلم الاجمالي فرع تعارض الأصول، فمقتضى كلامهم: أنّه إذا لم تتعارض الأصول وجرى الأصل بلا معارض فلا منجزية، وفي محل كلامنا لا تتعارض الأصول، لأنّ أحد الطرفين وهو ما يدفع به اضطراره لا حاجة إلى جريان الأصل فيه، فهو حلال بملاك دفع الاضطرار. إذاً: فيجري الأصل في الطرف الآخر بلا معارض، مع ان القائلين بالاقتضاء يقولون بمنجزية العلم الإجمالي في الطرف الآخر مع انه يجري فيه الأصل بلا معارض فلو كانت المنجزية دائرة مدار تعارض الأصول لانتفت المنجزية في المقام لعدم تعارض الاصول، مع انهم لا يقولون بارتفاع المنجزية.

الجهة الثانية: أنّ بعض القائلين بمسلك الاقتضاء يرون: أنّ العلم الاجمالي علّة تامّة لمنجزية الجامع، ويرى بعضهم كالسيد الشهيد منجز على نحو الاقتضاء حتّى بالنسبة إلى الجامعة - أي لحرمة المخالفة القطعية -، فبناءً على المسلك الاول: يتضح المطلب حيث إنّ مقتضى العليّة العلم الاجمالي للمنجزية بلحاظ الجامع أن تجتنب عن الطرف الباقي. ولكن مقتضى الرأي الثاني: كرأي السيد الشهيد: من أنّ منجزية العلم الاجمالي على نحو الاقتضاء حتّى للجامع فما هو الوجه في المنجزية حينئذٍ؟. إذ ما دامت المنجزية على سبيل الاقتضاء أي أنّها معلقة على عدم ترخيص الشارع فليرخص بجريان الأصل فترتفع المنجزية.

وعليه: لا يبقى للعلم الإجمالي منجزية حتّى في الجامع، مع أنّ المرتكز المتشرعي على خلاف ذلك.

فلابُّد من الجواب عن هذه الشبهات، بأن يقال: إذا رجعنا إلى أصل هذا المطلب وتحليله، فنقول: بأن الاضطرار إلى أحد طرفي العلم الإجمالي كما لو اضطر المكلف لشرب احد المائين لإرواء عطشه، فتارة يكون الاضطرار عقلياً، وتارة يكون شرعياً؛ فإن كان عقلياً، بمعنى: أنّ المكلّف مضطرٌ عقلاً لاقتحام أحد الطرفين حيث يتوقف دفع الخطر عن نفسه على ذلك، ففي مثل هذا المورد - أي الاضطرار العقلي لاقتحام احد الطرفين - لا محالة يكون ارتكاب أحد الطرفين جائزاً عقلاً، بحيث يرى العقل المعذورية التامة في ارتكابه، وعليه: فإنّه لا تنافى مع عليّة العلم الاجمالي للمنجزية فضلاً عن القول بالاقتضاء، فلا يصلح هذا المورد شاهدا للقائلين بالاقتضاء دون القائلين بالعليّة، والسر في ذلك: أنّ الخلاف كما حررنا فيما سبق بين القول بالاقتضاء والقول بالعلية، هل أنّ الجهل مبرر للترخيص أم لا؟، لا أنّ الخلاف بينهم في أنّه هل يمكن الترخيص شرعا أم لا، فإنّ الجميع يرون ذلك ممكن.

ولأجل ذلك: إذا رخّص العقل في أحد الطرفين لأجل الاضطرار التكوينية فهذا لا تتنافى مع عليّة العلم الاجمالي للمنجزية، لأنّ العقلية تتنافى مع نقطة واحدة وهي: أنّ يكون الجهل مبرراً للترخيص الشرعي، إذاً: مجرد اضطرار المكلف عقلاً وتكوينيا لارتكاب احد الطرفين فيكون معذورا عقلاً لا يتنافى مع عليّة العلم الاجمالي للمنجزية فيبقى منجزا حتّى في الطرف الآخر، حتّى على القول بالعليّة.

وأمّا إذا كان الاضطرار شرعيا: كما لو كان اجتناب كلا الطرفين حرجياً أو ضررياً بحيث يرتفع برفع الشارع لا بحكم العقل، ففي مثل هذا المورد - أي ما إذا كان الاضطرار شرعياً لا عقلياً - فهنا اختلف اتجاه القائلين بالعلية مع اتجاه القائلين بالاقتضاء مع منجزية الجميع لعلى منجزية العلم الاجمالي للطرف الآخر كي لا يتنافى عدم المتركز المتشرعي.

أمّا بالنسبة للقائلين بالاقتضاء: فقالوا بأنّ هذا التركيز ظاهري بملاك الجهل، وهو لا تنافى مع مسلك الاقتضاء، فلأجل ذلك: قال الشارع بما أنّك مضطر لارتكاب احد الطرفين فأنّا اسوغ لك ارتكاب أحدهما لا لأجل دفع الاضطرار بل لأجل جهلك إذ لو كنت عالماً بما هو النجس لدفعت اضطرارك بغيره، فأنا وإن رخصت لك بأصل الارتكاب لأجل الاضطرار ولكن رخصت بارتكاب أي واحد منهما بملاك الجهل لا الاضطرار. فلا محالة مرجع الترخيص من قبل الشارع إلى دخالة الجهل وهو ترخيص ظاهري ولا يتنافى مع المنجزية عند القائلين بالاقتضاء.

أمّا بالنسبة إلى القائلين بالعليّة: فقد أفاد المحقق النائيني: أنّه حتّى على القول بالعليّة يمكن التحفظ على المنجزية في الطرف الآخر من باب التوسط في التكليف. وبيان ذلك: أنّه أفاد أنّ الشارع بدل أن يحرم شرب النجس حرمة مطلقة إذ إنّ تحريم شرب النجس حرمة مطلقة يتنافى مع الاضطرار إلى ارتكاب احد الطرفين لذلك جمعا بين ابقاء يده على مبغوضية شرب النجس وبين امتنانه برفع الحكم في فرض الضرر والحرج تحولت الحرمة من مطلقة إلى مشروطة، فقال: يحرم شرب النجس إن دفعت اضطرارك بغيره فلو دفعت اضطرارك بغيره فحرمة شرب النجس فعلية.

ونتيجة هذه الحرمة المشروطة - سواء ارجعنا الشرط لنفس الحرمة أو للمتعلق - فإن هذا سوف يأتي بحثه بأن نقول: يحرم إن دفعت أو نقول المحرم الشرب المقارن لدفع اضطرارك بغير النجس، فسواء الشرط للحكم أو للمتعلق؛ فالنتيجة: أنّ هناك حرمة فعلية للشرب أنّ دفع الاضطرار بالطرف الآخر، ونتيجة فعلية هذه الحرمة صورتان:

الصورة الأولى: أن يدفع الاضطرار بغير النجس فتبقى حرمة النجس الثانية أن يشرب كليهما، وحينئذٍ تبقى الحرمة وإن دفع اضطراره بالنجس، إلّا أنّه لو شرب كليهما بقيت حرمة النجس على فعليتها، فما دامت فعلية في صورة دفع اضطراره بغير النجس أو اقتحامه لكليهما، فمقتضى العلم الإجمالي بهذه الحرمة المشروطة: بقاؤه على المنجزية في الطرف الآخر. وهذا ما عبّر عنه النائيني بالتوسط بالتكليف إذ المقصود منه: ليست الحرمة فعلية مطلقاً حتى على تقدير دفع اضطراره بالنجس وترك غيره بل على تقدير دفع اضطراره بغير النجس أو ارتكابه لكليهما. فليس مجرد القول بالعلية يعني أن نقول في المقام لا منجزية كي يقال كما في المنتقى أنّ القول بالعليّة يعني أن التأثير بسيط.

بل نقول على مسلك العلية أيضاً ارتكابه لأحد الطرفين وتبقى منجزيته للطرف الآخر بالبيان الذي تقدم.

وأمّا بالاستشهاد بهذا الشاهد ضد القائلين بالاقتضاء: بأن يقال: أنّ القائلين بالاقتضاء يرون إناطة المنجزية بالتعارض وحيث لا تعارض في المقام فلابّد أن لا يرون المنجزية فإنّه غير تام، لا تعارض الأصول لازال موجوداً لأنّه لم يضطر لأحد الطرفين بعينه فقبل أن يدفع اضطراره فإن اصالة الطهارة في هذا الإناء معارضة لأصالة الطهارة في الإناء الآخر. وهذا كما لو تلف أحد الطرفين بعد منجزية العلم الاجمالي.

كما أنّ الاستشهاد به ضدّ القائلين بالاقتضاء بأنكم ترون أن أصل المنجزية معلقة على عدم ترخيص الشارع، فبما أنّ ترخيصه ممكن في الطرف الباقي لأجل عدم المعارض فلا وجه لبقاء المنجزية وهذا خلاف المتركز.

فالجواب: أنّ دليل الأصل لا يشمل الطرف الباقي لانصرافه عن مورد يترتب على جريانه فيه القطع بمخالفة التكليف، فنحن نقول بالمنجزية في الطرف الباقي لا لأجل العلية بل لأجل أنّ دليل الأصل منصرف.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 71
الدرس 73