نص الشريط
الدرس 74
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 4/4/1436 هـ
تعريف: منجزية العلم الإجمالي
مرات العرض: 2816
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (336)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم أنّ سيد المنتقى أفاد: بأنّ من الشواهد على القول بالعليّة:

ما إذا تعذّر الامتثال القطعي في أطراف العلم الإجمالي لاتلاف بعض الأطراف أو خروجها عن محل الابتلاء أو الاضطرار إلى المعين منها، ففي مثل هذا المورد يجري الأصل المرخص في الطرف الآخر بلا معارض؛ فلو قلنا بالاقتضاء وأنّ المنجزية فرع تعارض الأصول فمقتضى ذلك ان نقول بعدم المنجزية في هذه الموارد لجريان الأصل في الطرف الآخر بلا معارض.

ولكنَّ ما أفاده محل تأمل؛ إذ المفروض أنّ خروج أحد الطرفين عن دائرة الامتثال إمّا بالتلف أو الخروج عن محل الابتلاء أو الاضطرار إن كان مقارناً لحصول العلم الإجمالي أو سابقاً عليه فالعلم الإجمالي غير منجز من الأصل حتّى لو قلنا بالعلية التامة، فضلاً عن القول بالاقتضاء؛ والسر في ذلك: كما ذكرنا أنّه يعتبر في منجزية العلم الإجمالي تعلقه بتكليف فعلي على كل تقدير وحيث إنّ هذا الشرط لم يتوفر في هذا العلم الإجمالي باعتبار ان أحد طرفيه من حين حدوث العلم مما لا فعلية للتكليف فيه إذا فالعلم الإجمالي غير منجز فلا يصح الاستشهاد بهذا الفرض. وإن كان هذا التعذر حاصلا بعد منجزية العلم الاجمالي، أي: بعد أن تحقق العلم الإجمالي وتعارضت الأصول تعذر امتثاله القطعي بخروج أحد الطرفين عن دائرة الامثال فهذا لدى الجميع قائلا بالعلية أو الاقتضاء لا يرفع منجزية العلم الاجمالي. فالعلم الإجمالي باقٍ على المنجزية وإن تعذر بعض الطرفين، لأنّه يكفي في منجزيته تعارض الأصول في رتبة سابقة على خروج أحد الطرفين عن دائرة الامتثال، وذلك: لانّ نكتة التعارض كما كرره سيّدنا ليست هي التزاحم والتنافي في مقام الامتثال كي يقال بأنّ المزاحم ارتفع لتعذره وإنّما سر تعارض الأصول هو انّ دليل الأصل لا إطلاق له ليشمل ما يؤدي إلى المخالفة القطعية، وهذه النكتة - أي أنّ دليل الأصل - لا إطلاق له لما يؤدي إلى المخالفة القطعي أو إلى الترخيص القطعي في المخالفة باقية حتّى وإن تعذر أحد الطرفين لأنّه بعد تعذر الطرفين لو أنّ دليل الأصل شمل هذا الفرض بأن قال المولى: أنت مرخّص لك في ارتكاب أطراف العلم الإجمالي، فإنّ دليل الأصل لا إطلاق له لمثل هذه الصورة، فإنّه إن لم يكن ترخيصا في المخالفة القطعية فإنّه ترخيص قطعي في المخالفة. فتحصل: أنّ هذا لا يصلح شاهدا للقول بالعلية مقابل القول بالاقتضاء.

ومما تشبث به المحقق العراقي، واعتبره السيد الشهيد اشكالاً مستحكماً على القائلين بالاقتضاء: ما يعبر عنه بشبهة التخيير، ومحصل ذلك: أنّه بناءً على القول بالاقتضاء يجوز شمول دليل الأصل لأحد طرفي العلم الإجمالي فالترخيص في أحد الطرفين ممكن، عقلاً وشرعاً هذا لا كلام فيه، فإذا كان الترخيص بناءً على القول بالاقتضاء في أحد الطرفين ممكنا فأي مانع منه في مقام الاثبات؟.

قال القائلون بالاقتضاء: أنّ دليل الأصل لا يشمل كلا الطرفين لأنّه ترخيص في المخالفة القطعية، ولا يشمل أحدهما المعين لأنّه ترجيح بلا مرجح، إذاً فلا شاهد في مقام الإثبات على شموله لأحد الطرفين.

وجواب ذلك: هناك شق ثالث: وهو أن لا يشمل كليهما ولا يشمل أحدهما المعين، وإنّما يشمل الجامع، أي: أحدهما والتطبيق باختيار المكلف، فهو أن لم يشمل العنوان التفصيلي وهو الإناء الأزرق، لأنّه لو شمل كليهما فهو ترخيص في المخالفة القطعية ولو شمل الإناء الأزرق بخصوصه فهو ترجيح بلا مرجح فيشمل العنوان الإجمالي وهو عنوان أحدهما، فمقتضى إطلاق «كل شيء لك نظيف حتّى تعلم أنّه قذر» شموله لعنوان أحدهما فإنّ هذا العنوان مشكوك الطهارة، فيشمله كل شيء لك نظيف؛ وعليه: لابُّد أن يلتزم القائلون بالاقتضاء بجواز ارتكاب أحد طرفي العلم الإجمالي، وهو مما لا يمكن الالتزام به عندهم.

وحيث إنّ هذا المطلب سيال في الفقه لأنّهم ذكروه في بحث الاجتهاد والتقليد، إذ ذهب البعض إلى حجية إحدى الفتويين من الفقيهين المتساويين أو من لم يحرز أعلمية أحدهما، انطلاقا من أنّ دليل حجية الفتوى يشمل الجامع.

كما أنّه ذكر في بحث تعارض الخبرين: فقد قال جمع بأنّه لا موجب للتساقط، فلماذا لا تقولون بالتخيير، أي: أن دليل حجية خبر الثقة لا يشمل كليهما، لأنّه تعبّد بالمتعارضين ولا أحدهما المعين، لأنّه ترجيح بلا مرجح، فيشمل الجامع وهو أحدهما، والنتيجة: هي التخيير.

فلأجل ذلك: لابُّد أن يبحث بحثا كبروياً: في أنّ الاطلاقات والعمومات سواء كانت أدلة واقعية أو ظاهرية هل تشمل العنوان الإجمالي وهو عنوان أحدهما أم لا؟. وعلى فرض إطلاقها وظهورها في الشمول فهل هذا الظهور حجة أم لا؟.

ولأجل ذلك: طبقت هذه الكبرى وهي «حجية الإطلاق أو العموم في الأحد» - أي في العنوان الإجمالي أو الانتزاعي - على موارد في الأصول:

منها: ما إذا خصص العام بمخصص مجمل بين المتباينين، مثلاً: لو قال أكرم كل عالم إلّا زيداً، أو قال: اكرم كل عالم، وقال في دليل منفصل: لا تكرم زيدا، وتردد زيد بين متباينين، فهل هنا يسقط العام في كليهما أم أنّه حجة في أحدهما؟.

فمن قال بالسقوط فنتيجته أن لا يجب اكرام أي منهما. ومن قال بحجيته في أحدهما لانّ الخارج عنه واقعاً أحدهما فيبقى تحت أحدهما إذ متى ما خرج الأحد بقي الأحد المقابل له، فهو حجة في أحدهما ومقتضاه وجوب اكرام كل منهما وصولاً للموافقة القطعية بعد العلم بحجية العام في أحدهما. ومن الغريب أنّ سيّدنا قال في المخصص المتصل: بحجية العام في أحدهما؛ بينما قال في المخصص المنفصل: بالسقوط عن الحجية؛ وقال: إنّ إطلاق العام لكل منهما معارض بإطلاقه للآخر بعد العلم بخروج أحدهما، ونتيجة تعارض إطلاقي هذا الدليل الواحد يسقط عن الحجية في كليهما، فهذه من الصغريات التي طبق فيه البحث وهو حجية العموم أو الإطلاق في العنوان الانتزاعي أو العنوان الإجمالي وهو عنوان أحدهما. وهو ما عبّر عنه السيد الاستاذ «دام ظله» في بحوثه بالحجة الاجمالية؛ أي: كما أننا لو علمنا إجمالاً بوجوب اكرام أحد الزيدين لكان مقتضى منجزية العلم الإجمالي اكرامهما، كذلك إذا قامت حجة على أكرام أحدهما، ويعبر عنها بالحجة الاجمالية، فإذا قال: أكرم كل عالم إلّا زيداً، ونعلم أنّ أحدهما خارج وأحدهما باقٍ إذا قامت حجة إجمالية وهي عموم العام لأحدهما فدورها دور العلم الإجمالي. ومن صغريات هذه القاعدة: تعارض الخبرين؛ حيث ذهب سيّدنا بل تمام مدرسة المحقق النائيني: إلى التساقط إن لم يكن مرجّح لأحد الطرفين، فقالوا بأنه إذا تعارض الخبران أو الفتويان أو الاجماعان أو أي أمارتين ولم يكن مرجح لأحدهما على الآخر فإنّ دليل الحجية لا يشمل أيّاً منهما.

ولكن ذهب صاحب الكفاية: إلى الحجة الاجمالية؛ وقال: في فرض التساوي بينهما إن لم يكن دليل الحجية شاملاً لكل منهما لأنّه تعبد بالمتعارضين وهو قبيح؛ أو لأحدهما المعين، لأنّه ترجيح بلا مرجح؛ فهو يشمل أحدهما بمقتضى إطلاقه؛ وثمرة شموله لاحدهما: نفي الثالث. فإذا قام لدينا خبران أحدهما يدل على وجوب الجمعة والآخر على وجوب الظهر يوم الجمعة، فهنا بحسب تعبير السيد الأستاذ في المنهاج قامت حجة إجمالية على نفي التخيير، لأنّه إذا قام خبر الثقة أو فتوى أحد الفقيهين على وجوب الجمعة تعيينا وقام الآخر على وجوب الظهر تعيينا فهما متفقان على نفي الثالث وهو احتمال التخيير، فالتخيير قامت عليه حجة إجمالية، وإن لم يقم عليه علم إجمالي لأنّ المكلف ليس لديه علمٌ إجمالي بالتخيير بل يحتمل التعيين ويحتمل التخيير، أي أنّ مقتضى شمول دليل حجية خبر الثقة، أو دليل حجية الفتوى لعنوان أحدهما هو نفي الثالث. بل يظهر من بعض كلمات الميرزا: أنّه قال أيضاً بحجيتهما في نفي الثالث، وقد اختلف في تفسير كلامه هل أنّه يرجع إلى دعوى الحجة الإجمالي، أو يلتزم بأنّ هذا المقدار لا يسقط عن الحجية.

ومن تطبيقات هذه القاعدة: ما هو محل الكلام وهو شمول دليل الأصل الترخيصي كأصالة الطهارة لأحد طرفي العلم الإجمالي بنفس التقريب.

ومن تطبيقات هذه القاعدة: ما بحثناه في مبحث الاستصحاب، وأيدنا به مبنى شيخنا الأستاذ «قده»: من جريان الاستصحاب في الفرد المردد؛ مثلاً: إذا كان لدينا جلد لا ندري أنّه جلد الشاة المذكاة أو جلد الشاة الميتة؟! فهناك شاتان أحدهما مذكاة والأخرى ميتة، ولا ندري أنّ هذا الجلد من جلد الشاة المذكاة أو الميتة، فهل يمكن أن يجري دليل الأصل وهو الاستصحاب في العنوان الإجمالي، بأن يقال: صاحب هذا الجلد لم يكن مذكّى يوماً من الأيام ونشكّ أنّه حين موته صار مذكى أم لا؟؛ فنستصحب عدم تذكيته؛ لأننا لو لم نجري الاستصحاب لم نثبت أنّ هذا الجلد من غير المذكى بحيث تترتب عليه آثار غير المذكى بخلاف ما لو جرى فيه الاستصحاب.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 73
الدرس 75