نص الشريط
الدرس 102
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 20/5/1436 هـ
تعريف: منجزية العلم الإجمالي
مرات العرض: 2564
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (280)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

الرواية الاخيرة: التي استدل بها على عدم منجزية العلم الاجمالي موثقة سماعة الحديث الثاني، الباب الرابع من ابواب ما يتكسب به:

«عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ مَالًا مِنْ عَمَلِ بَنِي أُمَيَّةَ وهُوَ يَتَصَدَّقُ مِنْهُ ويَصِلُ مِنْهُ قَرَابَتَهُ ويَحُجُّ لِيُغْفَرَ لَهُ مَا اكْتَسَبَ وهُوَ يَقُولُ - إِنَّ الْحَسَنٰاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئٰاتِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ الْخَطِيئَةَ لَا تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ ولَكِنَّ الْحَسَنَةَ تَحُطُّ الْخَطِيئَةَ ثُمَّ قَالَ إِنْ كَانَ خَلَطَ الْحَلَالَ بِالْحَرَامِ فَاخْتَلَطَا جَمِيعاً فَلَا يَعْرِفُ الْحَلَالَ مِنَ الْحَرَامِ فَلَا بَأْسَ».

وتقريب الاستدلال بهذه الفقرة على عدم منجزية العلم الإجمالي: ما ذكره السيد اليزدي في حاشيته على المكاسب: من ان ظاهر الرواية ان منشأ الحلية هو الاختلاط حيث قال ان كان خلط الحرام حلالا فاختلطا فلا بأس لا ان منشأها ان الأطراف غير محصورة ولا ان منشأ الحلية هو مثلاً هو خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء، بل ظاهرها ان منشأ الحلية نفس الاختلاط ومقتضى ذلك عدم منجزية العلم التفصيلي بوجود الحرام ضمن المال فضلا عن العلم الاجمالي، لان المال المختلط يعلم تفصيلا ان فيه حراماً ومع ذلك اجاز الإمام التصرف فيه فضلا عما اذا علم اجمالا ان بعض الأموال حرام ولا غرابة في ذلك فإن منجزية العلم تعليقية على عدم ترخيص الشارع وهذا من الترخيص.

ولكن قد يجاب عن هذا الاستدلال بوجوه: الوجه الاول: ما ذكره السيد اليزدي من ان هذه الرواية معارضة بصحيحة ضريس الكناسي حيث قال: «الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ ضُرَيْسٍ الْكُنَاسِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنِ السَّمْنِ والْجُبُنِّ نَجِدُهُ فِي أَرْضِ الْمُشْرِكِينَ - بِالرُّومِ أَ نَأْكُلُهُ فَقَالَ أَمَّا مَا عَلِمْتَ أَنَّهُ قَدْ خَلَطَهُ الْحَرَامُ فَلَا تَأْكُلْ وأَمَّا مَا لَمْ تَعْلَمْ فَكُلْهُ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ».

فان ظاهره ان العلم بوجود حرام ضمن المأكول المختلط مانع من حليته اما ما علمت انه قد خلطه الحرام فلا تأكله.

وقد تحل هذه المعارضة: تارة بأن صحيحة ضريس هي المقدمة على موثقة سماعة بلحاظ انها مخالفة للعامة فتقدم عليها، وتارة يعالج أصل المنع فيقال بأن صحيحة ضريس ظاهرة في الحرمة بمقتضى النهي بينما موثق سماعة صريح بالجواز فمقتضى قرينية النص على الظاهر حمل النهي في صحيحة ضريس على التنزه.

وتارة يقال: بأن صحيح ضريس مورده السمن والجبن اما السمن فالأصل فيه عدم التذكية لان السمن مأخوذ من الشحم والحيوان المشكوك التذكية مجرى لأصالة عدم التذكية بجميع اجزائه ومنها الشحم فإنما منع الإمام في هذا المورد من اكله لوجود أصل مانع في مورده وهو اصالة عدم التذكية فلا يقاس عليه الموارد التي يكون الاصل فيها مرخصا وليس مانعا كما في محل كلامنا اذا اختلط الحرام والحلال فإن الاصل الجاري لولا العلم الاجمالي اصالة الحل ففرق بين المقامين او يقال بأن مورد الرواية هو الجبن وهو الحليب مع الانفحة، والمفروض ان الروايات قد دلت على جواز انفحة الميتة، اي جواز استخدام انفحة الميتة فتجويز اكل الجبن بلحاظ الروايات الدالة على جواز انفحة الميتة وليس لعدم منجزية العلم الاجمالي ولكن الرواية مطلقة من الجهتين اي كما ان السمن قد يؤخذ من الشحم والاصل فيه هو اصالة عدم التذكية فانه يؤخذ من اللبن وهذا هو المتعارف في ذلك الزمان كما ان الجبن أيضاً قد يكون العلة المانعة هو استخدام الانفحة فيه وهي وان كانت طاهرة الا انها تتنجس بالعرض بملاقاتها لأجزاء الميتة وحيث لا يحرز تطهيرهم لها فاستصحاب النجاسة مانع من استعمالها او من جهة أخرى قد تكون الانفحة طاهرة الا ان عمل الجبن بما انه يدوي وافترض انه مصنوع في بلاد المشركين فلأجل النجاسة تم المنع فعلى اية احال بما ان الرواية مطلقة من كلا الامرين لذلك يصح الاستدلال بها على ان مجرد الاختلاط ليس محللاً فتكون معارضة لموثق سماعة الدال على ان الاختلاط محلل فلابد اما من حمل الصحيحة على الاستحباب او تقديم الصحيحة على موثقة سماعة لمخالفتها للعامة.

هذا هو الوجه الاول في منع الاستدلال بالموثقة.

الوجه الثاني: ما ذكره صاحب الوسائل «ج 17، ص89»:

اقول المراد اذا لم يعرف قدر الحرام ولا صاحبه فيجب فيه الخمس ويحل الباقي فقول الإمام ان كان خلط الحرام حلال فاختلطا جميعاً فلم يعرف الحرام من الحلال فلا بأس اي فلا بأس بواسطة اخراج الخمس لعدم معرفته قدر الحرام ولا صاحبه.

ولكن هذا الحمل بلا شاهد فإن ظاهره ان مجرد اختلاطه المانع من تمييزه محلل له لا ان المحلل له هو اخراج الخمس.

الوجه الثالث: ان يقال بأن هذه الرواية معارضة بموثقة اسحاق التي سبق ذكرها:

«مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبَانٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَشْتَرِي مِنَ الْعَامِلِ وهُوَ يَظْلِمُ قَالَ يَشْتَرِي مِنْهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ ظَلَمَ فِيهِ أَحَداً».

فان ظاهره انه معلوم الحرمة بأن علمت الحرمة تفصيلا فهو مانع من استحلاله، فبتالي تكون هذه الرواية معارضة لموثقة سماعة الدالة على اختلاط الحرام بالحلال مسوغ له.

ونتيجة البحث كله ان يقال: بأن بناءً على مسلك الاقتضاء حيث إنَّ منجزية العلم الاجمالي معلقة على عدم الترخيص فمقتضى الادلة العامة للأصول الترخيصية كدليل اصالة الحل والبراءة ودليل الاستصحاب هو عدم منجزية العلم الاجمالي للموافقة القطعية للأدلة هذه الدالة على الترخيص المشروط او الترخيص في العنوان الاجمالي، وبالتالي لا منجزية لوجوب الموافقة القطعية نعم تحرم المخالفة القطعية بلحاظ انصراف ادلة الاصول عن الترخيص عن كلا الطرفين اما لما ذكره السيد الصدر من اباء المرتكز بالتضحية بالغرض الإلزامي لأجل الترخيصي واما لما ذكره السيد الاستاذ ان عنوان ما لم يعلم لا يشمل موارد العلم الاجمالي. ولكن بازاء ذلك وردت روايات ظاهرها المنع ووجوب الموافقة القطعية وهو ما ورد في الانائين المشتبهين والثوبتين المشتبهين وهي لا تصلح معارضتها بالروايات التي تحدثنا عنه وقلنا بانه قد يستدل بها على عدم منجزية العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية فضلا عن وجوب الموافقة القطعية وذلك لان هذه الروايات اما مبتلاة بالمعارض او ان هذه الروايات واردة في موارد يحتمل فيها الخصوصية بحيث تحمل على الحلية الواقعية كما في جوائز السلطان او الأخذ من عامل الزكاة... الخ. مما كثر فيه الترخيص من المعصومين وبالتالي فلا معارض لما دل على منجزية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية وهو ما ورد في الانائين المشتبهين والثوبين المشتبهين. نعم لما كان موثق سماعة وكذلك ما ورد في الثوبين المشتبهين خاصا بالعلم الاجمالي في مقام الشك في الامتثال أي انهما واردان في الشبهة الموضوعية تعين علينا التفصيل بين الشبهة الموضوعية والحكمية فبالنسبة للموضوعية نقول ان العلم الاجمالي منجز لوجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية ببركة هذه الروايات، واما في الشبهات الحكمية فهو وان كان منجزا لحرمة المخالفة القطعية لانصراف الادلة العامة للأصول الترخيصية عن ذلك الا انه ليس منجزا لوجوب الموافقة القطعية وذلك لاستفادة الترخيص في العنوان الاجمالي او الترخيص المشروط من هذه الادلة العامة، هذا تمام الكلام في الثمرة الاولى من ثمرات الخلاف في ان المنجزية مبنية على الاقتضاء او العلية التامة.

الثمرة الثانية: ما ذكره السيد الشهيد حيث استعرض عدة ثمرات في «ج5 من البحوث»: انه اذا ورد لدينا دليل خاص تام السند والدلالة على جواز اقتحام أطراف العلم الاجمالي، كما ادعاه المحقق النائيني فيما ورد في جواز الاخذ من العامل او ما ورد في حلية المال المختلط بالربا اذا تاب العبد بعد جهله بحرمة الربا فحيث ورد دليل خاص فحينئذٍ يقول السيد الشهيد ان كان المانع من الترخيص في أطراف العلم الإجمالي ثبوتيا وهو ما اذا بنينا على مسلك العلية فإن المانع من الترخيص هو ثبوتي عقلي فلابد من تأويل هذا الخبر ولا يمكن العمل به اذ المفروض حكم العقل على نحو التنجيز باستحالة الترخيص في أطراف العلم الاجمالي واما اذا قلنا بالاقتضاء اي ان المنجزية على نحو الاقتضاء فالمانع من جريان الاصل الترخيصي في اطرافه ليس ثبوتيا وانما اثباتي فهذا المانع الاثباتي يختص بما اذا كان الاصل المرخص دليلا عاما لا ما اذا كان دليلا خاصا والسر في ذلك انه اذا كان دليلا عاما مثل الاطلاق اي عندنا دليل اصالة الحل وهو بإطلاقه يدل على الترخيص في أطراف العلم الإجمالي فنقول مقتضى احتفاف اصالة الحل بالمرتكز العقلائي الآبي عن تقديم الغرض الترخيصي على اللزومي هو انصرافه.

اما اذا كان دليل الترخيص خاصا فالمرتكز لا يصلح للتصرف فيه لان المرتكز اما معتبر اي امضاه الشارع فهو بنفسه دليل على المنع واما إذا لم يكن معتبرا فهو انما يصلح موجبا لانصراف المطلقات لا الادلة الخاصة بل يقدم عليه الدليل الخاص ويردع عن المرتكز العقلائي بهذا الدليل الخاص فيؤخذ به بناءً على القول بالاقتضاء.

ولكن يلاحظ على ما افيد: حتّى لو فرضنا ان دليل الترخيص خاصا وكان في مقابله ارتكاز على انه لا يرضى بالغرض اللزومي من أجل غرض ترخيصي فاحتفاف الدليل بهذا المرتكز العقلائي مانع من ظهوره ومنبه اما على خصوصية في المورد او على ان الحلية واقعية لا ظاهرية بمعنى انه اخذ في الحرمة العلم التفصيلي فلا فعلية للحرمة مع عدم العلم التفصيلي واما دعوى ظهور الدليل في حلية اقتحام أطراف العلم الاجمالي مع وجود ارتكاز عقلائي واضح على اباء ذلك فغير تامة ولو سلمنا جدلا ان الدليل واضح على جواز الاقتحام وفي مقابله الإرتكاز على العدم فعلى مبنانا وافاقا للمحقق الاصفهاني من ان حجية الظهور منوطة بعدم قيام امارة عقلائية على الخلاف او منشأ عقلائي موجب للظن الشخصي بالخلاف وحينئذٍ مع وجود ارتكاز فلا يمكن العمل بهذا الظهور.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 101
الدرس 103