نص الشريط
الدرس 108
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 11/6/1436 هـ
تعريف: منجزية العلم الإجمالي
مرات العرض: 2560
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (415)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

ذكر المحقق العراقي: أنّ من ثمرات الفرق بين مسلك الاقتضاء والعلية في منجزية العلم الاجمالي هي أنه: هل ينحل العلم الاجمالي بالأصل الطولي في احد طرفيه أم لا؟، وبيانه:

إذا كان في احد طرفي العلم الاجمالي اصلان ترخيصيان طوليان وكان في الطرف الآخر أصل ترخيصي واحد، فهل يسقط الاصلان في الطرفين ويبقى الاصل الترخيصي الطولي في الطرف الأول بلا معارض فينحل به العلم الاجمالي أم لا؟!، مثلاً: إذا علم المكلف اجمالا بنجاسة احد المائين وكان الماء الف مجرى لاستصحاب الطهارة في نفسه لإحراز حالته السابقة فهنا في اناء الف يوجد اصلان ترخيصيان طوليان الاول استصحاب الطهارة والثاني اصالة الطهارة حيث إنَّ استصحاب الطهارة حاكم على اصالة الطهارة ولو لم يسقط الاستصحاب لا مجرى لاصالة الطهارة حيث إنَّ الاصل المحكوم لا جريان له مع جريان الحاكم، وفي ماء باء يوجد أصل ترخيصي واحد وهو اصالة الطهارة لعدم احراز حالته السابقة، ففي هذا المورد هل يتعارض استصحاب الطهارة في ماء الف مع اصالة الطهارة في ماء باء ويتساقطان ثم يجري اصالة الطهارة في ماء الف بلا معارض، وينحل العلم الاجمالي بجريانه حكما لأنّ العلم الاجمالي حقيقة ما زال باقياً وانما ينحل به حكما بمعنى عدم وجوب الموافقة القطعية فيجوز شرب ماء الف بناء على جريان اصالة الطهارة فيه، واما ماء باء فيبقى على المنجزية لأن معنى انحلال العلم الاجمالي حكما عدم وجوب الموافقة القطعيّة لا عدم حرمة المخالفة القطعية، فذكر المحقق العراقي انه ان قلنا بمسلك العلية أي ان العلم الإجمالي علة للمنجزية فهو بنفسه يمنع جريان الاصل الطولي كأصالة الطهارة في ماء الف كما يمنع من جريان الاصل الحاكم عليه وهو استصحاب الطهارة فلا انحلال.

اما على مسلك الاقتضاء: فإن هذا المسلك يرى ان المنجزية فرع تعارض الأصول واستصحاب الطهارة في ماء الف معارض بأصالة الطهارة في ماء باء ولكن اصالة الطهارة في ماء الف غير معارضة فبناءً على ان المنجزية بالتعارض كما يراه مسلك الاقتضاء فيمكن القول بانحلال العلم الإجمالي بجريان الاصل الترخيصي الطولي، وقد قرب جريان الاصل الطولي وانحلال العلم الاجمالي به بوجوه:

الوجه الاول: ما ذكره المحقق العراقي، وبيانه:

ان حريان الاصل الطولي وهو اصالة الطهارة في ماء الف مساوق لسقوط الاصل الحاكم في هذا الماء وهو استصحاب الطهارة اذ لا يعقل جريان الاصل المحكوم والحاكم في فرض واحد فلا محالة جريان الاصل الطولي وهو اصالة الطهارة مساوق لسقوط الاصل الحاكم عليه وهو استصحاب الطهارة وسقوط الاصل الحاكم مساوق لسقوط أصالة الطهارة في الطرف الآخر، وهو ماء باء لان العلة في سقوط الاصل الحاكم وهو استصحاب الطهارة في ماء الف هي التعارض، فهذه العلة كما تسقط الاصل الحاكم في ماء الف تسقط الاصل الترخيصي في ماء باء وهو اصالة الطهارة. والنتيجة: ان جريان اصالة الطهارة في ماء الف مساوق لسقوط استصحاب الطهارة في نفس الماء وسقوط استصحاب الطهارة في نفس الماء مساوق لسقوط اصالة الطهارة في ماء باء، وبالتالي فجريانه بلا معارض فينحل به العلم الإجمالي حكما. وقد اجيب عن هذا الوجه بأجوبة:

الجواب الاول: ما ذكره المحقق النائيني: ومحصله:

ان التعارض ليس بين مداليل ادلة الاصول وانما التعارض بين المؤديات فمثلاً في محل الكلام يوجد لدينا في ماء الف دليلان دليل استصحاب الطهارة ودليل اصالة الطهارة فهنا دليلان ومنشأن ومدلولان ولكن المؤدى لهما واحد وهو حكم الشارع بالطهارة أي ان الشارع حكم بطهارة ماء الف لاستصحاب الطهارة ولأصالتها، والتعارض أي تعارض الاصول في أطراف العلم الإجمال محطه المؤدى لا مدلول الدليل وبما ان المؤدى واحد وهو الطهارة فحكم الشارع بطهارة ماء الف وطهارة ماء باء غير معقول لأنّه ترخيص بالمخالفة القطعية فهذا معنى تعارض الاصول فبما ان مورد التعارض هو المؤدى لا مدلول الدليل والسر في ان التعارض ينصب على المؤدى ان نكتة العرض هي قبح الترخيص في المخالفة القطعية وهذه النكتة وهي حكم العقل بقبح الترخيص بالمخالفة القطعية لا تتغير بتغير المدلول والمنشأ ما دام المؤدى واحد، فالنتيجة: هي ان مقتضى هذه النكتة العقلية تعارض اصالة الطهارة في ماء باء مع اصلين في ماء الف، وهما استصحاب الطهارة واصالة الطهارة وان كان بينهما طولية.

لكن المحقق العراقي في تعليقته على الفوائد لم يقبل ذلك واشكل عليه بثلاث اشكالات:

الاشكال الاول: من الواضح ان المجعول متعدد فإن المجعول في باب الاستصحاب استصحاب الطهارة عند احراز الحالة السابقة والمجعول في اصالة الطهارة التعبد بالطهارة عند الشك فيها فهناك مجعولان لا واحد كي يقال بأن محط التعارض في المؤدى وهو واحد بل هو متعدد.

ولكن المحقق النائيني يفترض انّ ما هو محط المعارضة في أطراف العلم الإجمالي ليس هو المنشأ فالمنشأ متعدد بلا اشكال، وهذا معترف به المحقق انما يقول المجعول والمنشأ وان كان متعددا الا ان مصب التعارض ليس هو المنشأ وانما هو النتيجة أي ما الذي حكم الشارع به في هذا المورد، مع غمض النظر عن دليله فيقال بأن ما حكم الشارع به في ماء الف هو الطهارة سواء كان دليله الاستصحاب أو اصالة الطهارة أو حكم الشارع بعدم منجزية الحكم المجهول سواء كان دليله استصحاب عدم الجعل أو اصالة البراءة لا يفرق فما هو محط المعارضة وهو قبح الترخيص في المخالفة القطعية يستدعي ان المصب هو النتيجة لا ما هو مصب الدليل.

الاشكال الثاني: من العراقي ان يقول: ان المؤدى متعدد لا ان المجعول فقط متعدد، والسر في ذلك: ان مؤدى دليل الاستصحاب الاحراز خصوصاً على مبنى المحقق النائيني فالمؤدى لدليل الاستصحاب بقاء الاحراز فكما كنت محرزا سابقاً فأنت محرز بقاءً وليس المؤدى هو الطهارة بل المؤدى هو الاحزاز بقاءً بخلاف المؤدى في اصالة الطهارة فإن المؤدى هو الطهارة الظاهرية فحتى لو سلمنا مع المحقق بأن المدار على المؤدى فإن المؤدى متعدد.

ولكن، المحقق النائيني يرى ان المقصود بالمؤدى ليس هو مفاد الدليل بل هو ما يعبر عنه السيد الصدر بروح الحكم، فإنّ التشبث هنا بروح الحكم لانّ نكتة التعارض تنصب على الروح لا على مفاد الدليل، والسر في ذلك:

انه وان كان مفاد دليل الاستصحاب بالنتيجة هو الاحراز بقاء ومفاد دليل اصالة الطهارة بالنتيجة هو الطهارة الظاهرية الا انّ فعلية المفادين في المقام وهو ماء الف تعني انّ المتعبد به الفعلي هو الترخيص من جهة النجاسة فكأنه قال احتمال النجاسة في ماء الف ملغى لمفادين التعبد بالإحراز أو التعبد بالطهارة الظاهرية فعلى أية حال ليس مقصودنا بالمؤدى مؤدى مفاد الدليل وانما مقصودنا بالمؤدى الذي هو مصب التعارض هو ما يحكم العقل بعدم معقولية اجتماعه مع الآخر، وما يحكم العقل بذلك هو الترخيص وقول الشارع ان احتمال النجاسة لا أثر له.

الاشكال الثالث: قال: سلمنا ان مصب المعارضة هو المؤدى ولكن ليس المؤدى من حيث هو هو ولكن من حيث هو مدلول للدليل أي ان مصب التعارض هو بين ادلة الاصول لا بين نفس الاصول، فمرجع التعارض بين الاصول في أطراف العلم الاجمالي إلى التعارض بين ادلته واذا رجع التعارض بين الاصول إلى التعارض بين ادلتها فلا محالة مصب التعارض المؤدى لا من حيث هو بل من حيث انه مدلول دليل فكونه مدلول دليل حيثية تقييدية في المعارضة فاذا كان هناك مدلولان وبين المدلولين طولية فلا محالة إذا سقطت حيثية الدلالة الاولى برزت حيثية الدلالة الثانية ولا تجتمعان وبما انهما لا تجتمعان إذا المؤديان بما هما مدلولان لا يجتمعان فالمؤدى الطولي فرض وجوده فرض سقوط المؤدى في الطرف الآخر.

والسيد الشهيد وافق العراقي في هذا الاشكال، ولكن من تأمل أطراف كلام النائيني يرى عدم تمامية هذا الاشكال وهو ان مصب التعارض هو المؤدى من حيث انه مدلول الدليل لأن ارجاع تعارض الاصول في أطراف العلم الاجمالي إلى تعارض ادلة الأصول لا أثر له في المقام، لان المفروض ان تعارض ادلة الاصول انما هو بالعرض لا بالذات فاذا كان تعارضها بالعرض فلنرجع إلى ما هو منشأ التعارض بالعرض فاذا رجعنا اليه وجدنا ان منشأ تعارض ادلة الاصول كدليل الاستصحاب ودليل اصالة الطهارة هو العلم الاجمالي في المقام بوجود نجاسة والمفروض ان هذا العلم الاجمالي موضوع لحكم عقلي فعليّ وهو قبح الترخيص في الطرفين وما بالعرض يرجع إلى ما بالذات والنتيجة ان الذي يحدد مصب المعارضة هو منشأ التعارض واذا رجعنا اليه وجدنا بمقتضى حكم العقل بقبح الترخيص في المخالفة القطعية ان مصب المعارضة نفس الترخيص بعلة عدم الاعتناء باحتمال النجاسة فإن هذين الترخيصين بما هما ترخيصان لا بما هما مدلولا دليلين لا يجتمعان فإن ذلك ترخيص في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي.

فما ذكره العراقي لا يحل المشكلة التي طرحها الميرزا.

ونتيجة كلام الميرزا: ان مجرد وجود أصل طولي ترخيصي في احد الطرفين لا يوجب انحلال العلم الاجمالي به حكما، وان قلنا بمسلك الاقتضاء في منجزية العلم الاجمالي فلا يصلح ما ذكر ثمرة للفرق بينهما.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 107
الدرس 109