نص الشريط
الدرس 2
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 9/11/1436 هـ
تعريف: انحلال العلم الإجمالي
مرات العرض: 2961
المدة: 00:33:13
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (242) حجم الملف: 15.2 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

سبق أن قلنا: بأن انحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي يتوقف على عرض صور للعلم الاجمالي، وذكرنا أن هناك صورتين:

الصورة الأولى: أن يكون للمعلوم بالإجمال علامة مميَّزة.

الصورة الثانية: أن لا يكون له علامةٌ مميّزة.

فبالنسبة للصورة الأولى: وهي ما إذا كان للمعلوم بالإجمال علامة مميزة: كما إذا علم بوقوع قطرة دم محددة في أحد الإناءين. وهنا فرضان:

الفرض الاول: أن يحصل له علم تفصيلي معينٌ للمعلوم بالإجمال. كما إذا علم تفصيلاً أنّ تلك القطرة من الدم وقعت في الإناء الأبيض. ففي هذا الفرض لا اشكال في الانحلال.

الفرض الثاني: أن لا يكون العلم التفصيلي معيِّناً للمعلوم بالإجمال. كما إذا علم اجمالاً بنجاسة أحد الإناءين بقطرة معينة من الدم، ثم علم تفصيلاً بأن الإناء الأبيض متنجس بالدم. أما هل أن هذا الدم هو تلك القطرة المعلومة بالإجمال سابقاً أم لا؟، فهذا ما زال باقياً على اجماله. وفي هذه الصورة افاد السيد الشهيد «قده»: بأنه لا انحلال؛ اذ ما دامت الخصوصية وهي خصوصية كون المعلوم قطرةً معينة لم تنكشف بعد. إذا ما زال احتمال الانطباق على كل من الإناءين على سبيل البدل باقياً. ومقتضى ذلك عدم الانحلال الحقيقي.

ولكن، قد يقال: بأن المدار في الانحلال على ما يدخل في عهدة المكلف. وما يدخل في عهدة المكلف لابّد وأن يكون خصوصية يحتمل الالزام بها والإدانة عليها، فإذا كان متعلق العلم خصوصية قابلة للإدانة؟ فهي مما تدخل في العهدة. وبلحاظها يمكن القول: هل انكشفت تلك الخصوصية تفصيلاً أم لم تنكشف؟!. فإن انكشفت تفصيلا انحل العلم الاجمالي، وان لم تنكشف لم نحل.

أما إذا كان الخصوصية امراً اجنبياً ليس قابلا لتحمل العهدة له، فانكشافه وعدم انكشافه لا أثر له في تحقق الانحلال وعدمه. وبالتالي: يقال في المقام:

صحيح أن المعلوم بالإجمال ذو علامة وهي: قطرة دم محددة؛ لكن هذه العلامة ليست قابلة لتحمل العهدة بها. فسواءً انكشفت تفصيلاً كما إذا علمنا أنّ تلك القطرة وقعت في الإناء الأبيض. أم لم تنكشف وما زالت مبهمة، لكننا علمنا تفصيلاً أنّ الإناء الأبيض متنجس بالدم. فانكشاف الخصوصية المشار اليها وعدم انكشافها لا أثر له في حصول الانحلال؛ فإن ما يدخل في العهدة هو ما يقبل التنجيز على المكلف، وما يقبل التنجيز على المكلف ما له أثرٌ شرعيٌ، ككون الإناء متنجساً بالدم، اما كون الدم قطرة معينة أم لا؟ فهذا مما ليس له أثرٌ شرعيٌ كي يكون موضوعاً للتنجيز، وبالتالي: إذا لم يكن موضوعاً للتنجيز فهو لم يدخل في العهدة أصلاً. فبلحاظ ما دخل في العهدة: حصل انحلال حقيقي. إذ لدينا علمٌ تفصيليٌ بنجاسة الإناء الابيض بالدم؛ واحتمال نجاسة الإناء الأزرق. وهذا الاحتمال منفي بأصالة الطهارة أو استصحابها.

ولكن السيد الصدر حاول الإجابة عن هذا الإيراد:

الإجمال في سبب المعلوم بالإجمال يوجب الإجمال في المعلوم بالإجمال، لأنّ المسبَّب متحصص بسببه. فالسبب هو رؤية قطرة من دم محددة وقعت. والمسبب عن هذه الرؤية نجاسةٌ مميَّزة بكونها عن تلك القطرة المحدَّدة، فالمعلوم بالإجمال ذو علامة ولو كانت تلك العلامة هي النشأ من هذا السبب. وعلى هذا فما دخل في العهدة وما هو موضوع للتنجيز هو هذا المعلوم بالإجمال الخاص ذو العلامة، وبالتالي: فالعلم التفصيلي بكون الإناء الابيض متنجساً لا يجدي شيئاً مادام المعلوم بالإجمال ما زال مردداً ومحتمل الانطباق على كل من الإناءين، فالانحلال الحقيقي الوجداني لم يحصل. نعم، يمكن دعوى الانحلال الحكمي، بأن يقال:

إن اصالة الطهارة لا تجري في الإناء الأبيض للعلم بنجاسته، فتجري في الإناء الأزرق بلا معارض. وهذا بحث آخر، فإنّ محل البحث في الانحلال الحقيقي لا في الانحلال ولو كان حكمياً.

إلّا أنّ الجواب لم يضع اليد على الجرح ويعالجه، فالمفروض أن المدّعي يقول: محل البحث في الإنحلال الحقيقي الوجداني. لكن في الانحلال الحقيقي للعلم المنجَّز لا لأي علم، بمعنى: أنّ محل البحث في الانحلال الحقيقي للمعلوم القابل للتنجيز، وهو المعلوم الذي تشتغل به العهدة، وحينئذٍ فيقال:

تارة: تكون النسبة بين الصورتين نسبة التباين، ولو على مستوى الاحتمال؛ كما إذا علمنا بوقوع دم في أحد الإناءين ثم علمنا بأن في الإناء الأبيض مالاً مغصوباً؛ هنا لا ريب في عدم الانحلال، لأن لكل من المعلومين أثراً شرعياً يختص به.

أو ما إذا علمنا بوقوع دم في أحد الإناءين وعلمنا بنجاسة الإناء الأبيض الأعم من أن تكون نجاسة بالدم أو بالخمر أو بالبول وما اشبه ذلك، فهنا يأتي كلام السيد. اما إذا كان المعلوم بالتفصيل من حيث الأثر الشرعي هو نفس المعلوم بالإجمال، أي أن المعلوم بالتفصيل نجاسة الإناء الأبيض بالدم، والمعلوم بالإجمال هو وقوع قطرة دم في أحد الإناءين. فحيث لا يوجد للعلامة المميِّزة للمعلوم بالاجمال اثر شرعي، إذا هناك علم تفصيلي بأن ما اشتغلت به العهدة وهو آثار النجاسة من التكليف والوضع في الإناء الأبيض. ونحتمل أنها كذلك في الإناء الازرق، فبقاء احتمال الانطباق، اي ان تلك القطرة من الدم ما زلنا نحتمل انطباقها اما على الاناء الابيض أو الإناء الأزرق لا أثر له. فإن بقاء هذا الاحتمال بلحاظ نفس العلم الإجمالي لا بلحاظ ما يدخل في العهدة ويكون قابلا للمنجزية.

إذاً فالنتيجة: أن في المقام انحلالاً حقيقياً بلحاظ ما يدخل في العهدة، وعلى هذا: فلابّد من التفصيل في الصورة الأولى وهي: ما كان للمعلوم بالإجمال علامة، بأن يقال:

إن انكشفت العلامة تفصيلاً فلا اشكال في الانحلال الحقيقي للعلم الاجمالي.

وان لم تنكشف فإن كان للعلامة اثر شرعي فحينئذٍ لم يحصل الانحلال، وان لم يكن لها أثر شرعي بلحاظ ما يدخل في العهدة القابل للتنجيز على المكلف فحينئذٍ قد حصل الانحلال الحقيقي الوجداني بلحاظ ما في العهدة.

الصورة الثانية: أن لا يكون للمعلوم بالإجمال علامة. والوجه في ذلك:

أن المعلوم بالإجمال له سبب، فالسبب: تارة ينصب على معين. وتارة ينصب على الجامع. فإن انصب السبب على معين كان المعلوم بالاجمال ذا علاقة، كما إذا رأيت قطرة من الدم واقعة في أحد الإناءين فهنا السبب تعلق بواقع معين. لذلك كان المعلوم بالاجمال ذا علامة.

أو اخبرني الثقة الذي اطمئن بكلامه بوجود جرذ ميت في إناء معين من بين هذين الإناءين. اما إذا كان السبب منصباً على الجامع لا على واقع معين فلا محالة لا يكون للمعلوم بالاجمال علامة سواء كان السبب نقلاً أو برهاناً عقلياً أو دليلاً استقرائياً. مثلاً:

تارة: يخبرني الثقات بوجود نجاسة في أحد الإناءين، يعني ان المخبر به هو الجامع، ونتيجة إخبارهم حصل لي علم بهذا الجامع، فبما أنّ الإخبار انصب على الجامع لم يحصل للمعلوم بالاجمال علامة، فما حصل هو العلم بنجاسة أحد الإناءين. أو قام برهان عقلي: كما إذا وجدت خبرين متعارضين أحدهما يدّل على نجاسة العصير العنبي والآخر ينفي النجاسة عنه، فنتيجة التعارض والتكاذب حصل لي علم اجمالي بكذب أحدهما، فالتعارض لم ينصب على واقع معين وانما التعارض انصب على الجامع اي ان مؤدى التعارض كذب احدهما لا بعينه، فهنا: لا يكون للمعلوم بالاجمال علامة.

أو دليل استقرائي: كما إذا قام كافر غير كتابي لديه إناءان في بيته ونحن بدليل حساب الاحتمالات نقطع بانه ساور أحد الإناءين برطوبة فقطعا تنجز احدهما. ففي تمام هذه الموارد التي لا يكون للمعلوم بالاجمال علامة يقال:

إن علمنا بوحدة المعلوم بالاجمال حصل انحلال حقيقي جزماً، مثلا:

اخبرني الثقات بحدِّ العلم أن أحد الإناءين نجس لا غير، ثم علمت تفصيلاً بنجاسة الابيض فحيث ان المعلوم بالاجمال نجس واحد لا غير إذاً بمجرد ان يحصل علم تفصيلي بنجاسة أحد الإناءين ينحل العلم الاجمالي وجداناً.

وأما إذا لم أعلم بالوحدة، اي ان نتيجة اخبار الثقات أن حصل لي العلم بنجاسة أحد الإناءين واحتمل نجاسة الآخر، فالعلم التفصيلي بنجاسة الإناء الأبيض هل يوجب الانحلال أم لا؟ هذا هو محل البحث عندهم بالانحلال وعدمه. فهذه الوقعة هل العلم الإجمالي ينحل حقيقة بالعلم التفصيلي أم لا؟ كل هذه الوقائع في هذه الصورة، وهي: أن لا يكون للمعلوم بالاجمال علّامة، ولم يكن علم بالوحدة، فلو حصل علم تفصيلي بنجاسة أحد الاناءين هل ينحل العلم الاجمالي حقيقة كما يدّعيه النائيني وسيدنا الخوئي «قده» أم لا ينحل؟ كما يدّعيه المحقق العراقي «قده»؟. فكل الكلام في هذه الصورة. ويأتي الكلام عنها مفصّلاً.

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 1
الدرس 3