نص الشريط
الدرس 6
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 16/11/1436 هـ
تعريف: انحلال العلم الإجمالي
مرات العرض: 2582
المدة: 00:33:43
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (258) حجم الملف: 15.4 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في الانحلال الحقيقي للعلم الاجمالي بالعلم التفصيلي، وذكرنا ان الوجه الاخير من وجوه اثبات الانحلال:

أنه: لو لم نقل بالانحلال لزم اجتماع علمين على معلوم واحد. وهو من قبيل اجتماع المثلين. واجتماع المثلين محال.

وذكرنا: أنه أُجيِبَ عن هذا الوجه. ووصل الكلام الى:

الجواب الثالث: وهو ما أفاده السيد الشهيد «قده»: «ص272، ج5، من البحوث». ومحصل كلامه: أن هذا الوجه مدفوع بالنقض والحل.

أما النقض: فبمورد عدم الانحلال. كما إذا علمنا إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين، وعلمنا تفصيلاً بنجاسة الإناء الأبيض بالدّم.

فبناءً على عدم الانحلال: سوف يكون الجامع، وهو: نجاسة أحد الإناءين مجمعاً للعلمين، حيث إن هذا الجامع معلوم اجمالا ومعلوم تفصيلا. إذ الجامع وهو نجاسة الاحد كما يصدق قبل العلم التفصيلي يصدق ايضا على المعلوم بالتفصيل حيث انه احد الاناءين، فلازم ذلك: ان الجامع مجمع لعلمين، ومحل لاجتماع المثلين، فما هو الجواب عن هذا النقض هو الجواب عن اصل الاستدلال.

واما الحل: فإن الميزان في الانحلال وعدمه اجنبي عن مسألة ورود العلمين على الجامع وعدمه، وبيان ذلك:

أنه إذا افترضنا أن الجامع خالٍ عن أي خصوصية تأبى الانبطاق على المعلوم بالتفصيل. فسوف يحصل الانحلال، إذ لا خصوصية في الجامع المعلوم تأبى الانبطاق على ما علم بالتفصيل. إذا هنا يتعين الانحلال وان قلنا بامكان اجتماع المثلين. فمجرد القول بامكان اجتماع المثلين. لا يوجب المصير الى القول بعدم الانحلال بأن اجتماعهما ممكن بل يتعين الانحلال.

واما إذا افترضنا: أنّ الجامع واجد لخصوصية يحتمل عدم انطباقها على المعلوم بالتفصيل. فلا يتحقق الانحلال. وإن كان اجتماع المثلين محالاً. يبقى العلمان على ما هما عليه.

اذاً فمسألة الانحلال تبتني على هذا الميزان، فإن تحقق وقع الانحلال، والا لم يقع، قلنا بامكان اجتماع المثلين أم لم نقل.

ولكن الجواب يحتاج الى ضميمة، لأن المستشكل يقول: صحيح أنّ ميزان الانحلال هو: بوجدان الجامع للخصوصية وعدم وجدانه، الا انه في فرض وجودان الجامع لخصوصية يحتمل عدم انطباقها على المعلوم بالتفصيل يعود اشكال اجتماع المثلين فما هو الجواب انه؟.

فإن قلتم: ان الجواب عنه ان المعلوم هو الجامع بشرط، والمعلوم بالتفصيل الجامع بشرط شيء، وبين المعلومين تغاير فلم يحصل اجتماع المثلين، فهذا رجوع للجواب السابق وليس جواباً جديدا عن المطلب، فجعل ما ذكر جواباً مستقلا عن الاستدلال غير فني.

فالمتحصّل: أن الصحيح في الجواب: ما ذكرناه سابقاً من تقريب كلام المحقق العراقي «قده».

هذا تمام الكلام في الوجوه التي أقيمت لاثبات الانحلال. وقد تبين النقاش فيها.

وفي مقابل ذلك: ذكر المحقق العراقي «قده» في «نهاية الأفكار، ج3، ص250»: منبهين وجدانيين على عدم انحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي:

بيان ذلك: أما المنبه الأول:

فقد أفاد: بأن المكلف إذا علم إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين فالمعلوم بالإجمال هو الجامع بحدّه الجامعي. والمقصود بالحد الجامعي: احتمال انطباقه على كل من الطرفين على سبيل البدل. وهذا الاحتمال - احتمال الانطباق - ما زال قائما بالوجدان حتى بعد العلم التفصيلي بنجاسة الاناء الابيض، فاننا وان علمنا تفصيلا بنجاسة الاناء الابيض الا اننا ما زلنا نحتمل انطباق المعلوم بالاجمال على الاناء الازرق. فما دام احتمال الانطباق باقيا وهو لازم للعلم الاجمالي، فبقاء اللازم يعني بقاء الملزوم، فلم يتحقق انحلال حقيقي.

وأجاب عن ذلك السيد الشهيد على ضوء مبانيه: قال: إن مجرد احتمال الانطباق لا يعني عدم الانحلال، والوجه في ذلك بالنقض والحل:

اما النقض: فبموارد العلم التفصيلي. مثلاً: إذا علمت تفصيلاً بوجود زيد في الدار ولكنني مع ذلك احتمل وجود الانسان ضمن شخص آخر. فجامع الانسان المعلوم تفصيلا وجوده ضمن زيد محتمل الانطباق على شخص آخر فهل يعني هذا ان هنا علما اجماليا بوجود انسان اما زيد واما شخص آخر؟. من الواضح انه لا يوجد علم اجمالي، يعني ذلك: ان العلم الاجمالي منحل حقيقة مع ان احتمال الانطباق موجود، فمجرد احتمال انطباق الجامع على فرد آخر غير الفرد المعلوم تفصيلاً لا يعني وجود علم إجمالي.

وأما الحل: إذا كان الجامع بحده المعلوم محتمل الانطباق كان العلم الاجمالي باقياً، وأما إذا كان الجامع بحده المعلوم ليس محتمل الانطباق فحينئذٍ يتحقق الانحلال. وتوضيح ذلك:

أن الجامع المعلوم بالاجمال من حيث هو معلوم لا من حيث واقعه، بل من حيث من انكشف للذهن منه، هل هو واجد لخصوصية يحتمل عدم انطباقها على المعلوم بالتفصيل؟ أم لا؟.

فاذا افترضنا ان الجامع من حيث هو معلوم لا من حيث واقعه ليس واجدا لخصوصية يحتمل عدم انطباقه على المعلوم بالتفصيل وان كنا نحتمل ذلك لكن بما هو معلوم ليس واجدا للخصوصية اي الخصوصية المحتملة ليست معلومة، كما إذا علمنا اجمالاً بنجاسة احد الاناءين ثم علمنا تفصيلا بنجاسة الاناء الابيض، فإن الجامع بما هو معلوم ليس واجداً لخصوصية تأبى الانطباق على المعلوم بالتفصيل وان كنا نحتمل انه بواقعه واجد لخصوصية ولكنه بمقدار ما هو معلوم ليس واجدا.

وتارة: يكون الجامع بما هو معلوم واجد للخصوصية، كما إذا افترضنا اننا رأينا قطرة دم واقعة على احد الاناءين فالجامع المعلوم نجاسة عن قطرة دم، ثم علمنا تفصيلا بنجاسة الاناء الابيض ولا ندري ان تلك الخصوصية المعلومة تأبى للانطباق على هذا المعلوم بالتفصيل أم لا تأبى الانبطاق. فمع اتضاح ان الجامع بما هو معلوم على نحوين. فحينئذ نقول:

إن كان الجامع بما هو معلوم خالياً عن الخصوصية ثم صار معلوماً بالتفصيل، إذا بالنتيجة: الجامع بما هو معلوم غير الجامع بما هو محتمل الانطباق، الجامع بحده العلمي غير الجامع بحده الاحتمالي، لان الجامع بحده العلمي لم يكن واجدا لأي خصوصية، الان علمنا تفصيلا بنجاسة الابيض فبعد ان علمنا تفصيلا بنجاسة الاناء الابيض إذا الجامع بحده العلمي قد زال لانطباقه وجدانا على المعلوم بالتفصيل، إذ الجامع المعرى عن الخصوصية ينطبق على الجامع المتصف بالخصوصية، فالجامع بحده العلم قد زال، وبقي الجامع بحدة الاحتمالي، اي: احتمال انطباق ذاك المعلوم بالإجمال على الطرف الآخر وهو الإناء الأزرق ويحتمل عدم انطباقه. لأجل ذلك: فما هو محتمل الانطباق غير ما هو المعلوم بالاجمال، الجامع بحده العلمي غير ما هو الجامع بحده الاحتمالي. وبناء على ذلك: فمجرد احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على الطرف الثاني لا يعني بقاء العلم الاجمالي.

واما إذا بقي الجامع بما هو معلوم هو محتمل الانطباق، اي الحد ما زال كما هو، حيث أن الجامع الذي علمنا به نجاسة عن قطرة دم ولما علمنا تفصيلا إنما علمنا بنجاسة الابيض الابيض بالدم أو بغيره لا ندري. إذا الجامع بحده العلمي ما زال باقياً اي الجامع ذو الخصوصية. فالجامع بحده العلمي هو الجامع بحده الاحتمالي. وحيث إن الجماع بحده المعلوم هو الجامع بحده المحتمل، فحينئذٍ أن يقال بعدم الانحلال.

فتلخّص من ذلك: في مناقشة المنبه الوجداني الذي أشار اليه المحقق العراقي «قده»: من أن لازم العلم الإجمالي هو احتمال الانطباق، واحتمال الانطباق ما زال باقياً، إذا الملزوم ما زال باقياً. وهو العلم الإجمالي.

الجواب: أن احتمال الانطباق لازم أعم، فإن احتمال الانطباق أنما يكون منبها على بقاء العلم الاجمالي إذا كان الحد المحتمل هو الحد المعلوم لا ما إذا زال الحد المعلوم.

المنبه الثاني: الذي ذكره المحقق العراقي: قال: لا اشكال في انّ العلم التفصيلي إذا كان معيِّناً للمعلوم بالإجمال يتحقق الانحلال. كما إذا علمنا اجمالاً بنجاسة احد الإناءين بقطرة دم وحصل لنا العلم التفصيلي بأن تلك القطرة وقعت في الاناء الابيض وهنا لا يتردد احد في حصول الانحلال لان العلم التفصيلي محدد ومعين للمعلوم بالاجمال.

وإن قلنا بالانحلال ايضا، في الصورة الثانية: وهي: إذا لم يكن العلم التفصيلي محدداً، كما إذا علمنا اجمالا بنجاسة أحد الإناءين، ثم علمنا تفصيلا بنجاسة الاناء الابيض بقطرة دم ولا ندري هو ذاك المعلوم بالاجمال أم غيره، فالعلم التفصيلي هنا ليس معينا للمعلوم بالإجمال، فلو قلتم بالانحلال هنا حتى في هذه الصورة الثانية لم يبق فرق بين الصورتين، مع أن الوجدان شاهد للفرق بينهما. فإنه في الصورة الاولى: يقول: ان النجاسة في الابيض وليست في الازرق، بينما في الصورة الثانية لا يستطيع ان ما علم اجمالا بنجاسته هو في الاناء الابيض وليس الازرق.

فالفرق الوجداني بين الصورتين: عدم الانحلال في الصورة الثانية.

وأجاب السيد الشهيد «قده» عن كلام المحقق العراقي: بأن وجود الفرق في الوجدان بين الصورتين مسلم ولكن هذا لا يعني عدم الانحلال، فإن الانحلال الحقيقي حاصل في كلتا الصورتين، غاية ما في الباب اختلاف في درجة الانحلال ومرتبة الانحلال والا فالانحلال الحقيقي حاصل. وبيان ذلك:

اما في الصورة الاولى: وهي ما إذا كان للمعلوم بالاجمال خصوصية. لاننا علمنا بوقوع قطرة دم في احد الاناءين وجاء المعلوم بالتفصيل ليحدد لنا موقع تلك الخصوصية، فهنا في هذه الصورة: إذا كان للمعلوم بالاجمال خصوصية والعلم التفصيلي ناظر لها محدد لموقعها، يكون المتحقق بالعلم التفصيلي منطوق ومفهوم:

اما المنطوق: فهو ان النجاسة في الاناء الابيض. واما المفمهوم: ان لا نجاسة في الاناء الأزرق.

الصورة الثانية: وهي ما إذا كان المعلوم بالاجمال خالٍ من الخصوصية. كما إذا علمنا اجمالا بنجاسة احد الإناءين فقط. فمن الطبيعي ان المعلوم بالتفصيل لا يكون ناظرا للمعلوم بالإجمال، لانه ليس له خصوصية كي يكون ناظراً لها محدداً لموقعها، فعلمنا تفصيلا بنجاسة الاناء الابيض فهنا نقول: بما ان الجامع المعلوم بالاجمال خالٍ بما هو معلوم عن أي خصوصية يحتمل عدم انطباقها على المعلوم بالتفصيل، إذا فالجامع بالمقدار المعلوم منه انطبق حتما على المعلوم بالتفصيل، لان المعلوم نجاسة الاحد وهذا الاحد، فالجامع بالمقدار المعلوم منه ينطبق على المعلوم بالتفصيل، فاذا انطبق على المعلوم بالتفصيل فماذا بقي للجامع؟ بقي احتمال انطباقه على الطرف الآخر ألا ان احتمال انطباقه لا بحده المعلوم فانه بحده المعلوم قد انطبق على المعلوم بالتفصيل. والنتيجة: انه في مثل هذا المورد حصل الانحلال إذ لا معنى للانحلال الا انطباق المعلوم بالاجمال على المعلوم بالتفصيل. لا أن معنى الانحلال عدم زوال الاحتمال وان بقي الاحتمال، إلا ان المعلوم بمقدار ما هو معلوم قد انطبق على المعلوم بالتفصيل. فاذا كان قد انطبق على المعلوم بالتفصيل فالعلم التفصيلي اوجد منطوقا ولم يوجد مفهوماً، ففي كلتا الصورتين تحقق الانحلال الا ان مرتبة الانحلال في الصورة الأولى اشد.

فهل أن ما ذكره السيد الشهيد صحيح أم لا؟. حيث أنه تعرض لهذا الكلام مفصلا: في «ج5، ص243 و244» فراجعوا.

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 5
الدرس 7