نص الشريط
الدرس 7
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 17/11/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2565
المدة: 00:35:07
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (274) حجم الملف: 16 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: ان ما استدل به على شرطية الاباحة في الساتر الصلاتي: هو ان الستر مصداق لما هو المنهي عنه، فلا يعقل ان يكون مصداقا لما هو المأمور به، وهو الشرط. وقد كان الجواب عن هذا الاستدلال:

بأن ما هو المأمور به غير ما هو المنهي عنه، فإن ما هو المأمور به، هو تقيد الصلاة بكون المصلي مستور العورة. والمنهي عنه هو الستر الخارجي. فلأجل تغاير متعلق الأمر ومتعلق النهي فلا يكون المورد من موارد اجتماع الأمر والنهي كي يقال بالاستحالة. وان المنهي عنه لايقع مصداقا للمأمور به. بل الستر منهي عنه ولكن إذا حصل وعصى المكلف النهي عن الستر لكونه غصباً فإن صلاته تتصف وجداناً بكونها متقيدة بستر العورة. لذلك: فالصلاة صحيحة وان عصى المكلف النهي عن الستر لكونه اصلاً.

ولكن، السيد الاستاذ وشيخنا الأستاذ: قد أفادا: بأنه حتى لو قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي وأن ما هو المأمور به غير ما هو المنهي عنه اي أن ما هو المنهي عنه هو الستر نفسه، وما هو المأمور به تقيد الصلاة لكون المصلي مستور العورة حتى لو سلمنا بذلك مع ذلك لا تصح الصلاة، وبيان ذلك بوجهين:

الوجه الاول: ما ذكره السيد الاستاذ «دام ظله» بحسب «تقريراته الاصولية»: ومحصّله يبتني على مقدمتين:

المقدمة الاولى: إن نفس التكليف يقتضي اختصاص متعلقه بالمقدور، فمتعلق التكليف مثل طبيعي الصلاة وان كان في نفسه مطلقاً يشمل الصلاة المقدورة وغير المقدور، ولكن تعلق التكليف بالصلاة اوجب ضيق المتعلق واختصاصه بالمقدور، والوجه في ذلك: أن حقيقة التكليف هي الانشاء بداعي جعل الداعي، لا أن التكليف مطلق الاعتبار كما يقول به السيد الخوئي، بل التكليف اعتبار خاص فهو الانشاء بداعي قدح الداعي في نفس المكلف، ومن الواضح: أن قدح الداعي في نفس المكلف إنما يتصور في فرض كون المكلف به مقدورا والا لا يعقل قدح الداعي في نفس المكلف نحو غير المقدور، فلا محالة، متعلق الأمر وان كان في نفسه مطلقا الا ان تعلق التكليف به اوجب ضيقه واختصاصه بالحصة المقدورة من طبيعي الصلاة.

المقدمة الثانية: إن الممنوع شرعاً كالممتنع عقلاً، فكما ان الممتنع عقلا خارج عن الممأمور به لكونه غير مقدور فكذلك الممنوع شرعاً والسر في ذلك:

أن الممنوع شرعا وان كان مقدوراً تكويناً إلا ان حكم العقل بأن مقتضى حق المولوية على العبد اجتناب هذا العمل يجعل العمل معجوزا عنه عقلا فالعقل لا يرى فرقا بين ما هو ممتنع تكوينا وما هو محظور عقلاً، إذ العقل يقول: إن هذا العمل لا يمكنك مزاولته بمقتضى حق الطاعة الثابت في عهدتك. فمقتضى حكم العقل بلزوم اجتناب المنهي عنه بمقتضى حق الطاعة أن تكون الحصة المنهي عنها خارجة موضوعا عما هو المأمور به، فنتيجة هاتين المقدمتين: تتقرر النتيجة: وهي:

ان المولى أمر بالصلاة متستراً. إلا ان المأمور به وهو الصلاة متسترا خاص بالمقدور اي الصلاة متسترا إذا كانت مقدورة والا فالامر لا يشمله، فاذا نهى المولى عن الستر لكونه غصبا حكم العقل بأن الستر فعل ممتنع بمقتضى حق المولوية، وبالتالي فستر العورة غي رمقدور، واذا كان ستر العورة غير مقدور عقلاً إذا فالامر بالصلاة متستراً لا يتوجه لهذا المكلف، فعلى هذا: حتى لو قلنا بأن هناك فرقا بين متعلق النهي ومتعلق الأمر فمتعلق النهي عملية الستر ومتعلق الأمر التقيد كون المصلي مستور العورة الا انه حيث انه لا يمكن للمكلف ان يصل إلى التقيد الا بايجاد القيد وايجاد القيد غير مقدور له عقلا بمقتضى حق الطاعة فلا محالة يكون الأمر بالصلاة متسترا غير شامل من الاول لمثل هذه الصلاة، باعتبار اختصاص المأمور به بما كان مقدوراً.

ولعل هذا هو الوجه في ذهاب سيدنا الخوئي «قده» إلى الفتوى بشرطية الاباحة، مع انه يقول: باختلاف متعلق الأمر والنهي كما في «ج12، من موسوعته، ص132».

ولكن يلاحظ على هذا الوجه:

انه: تارة: يكون بين متعلق الأمر والنهي تركيب اتحادي، أو تركيب انضمامي. وتارة: لا يكون بينهما ثمة تركيب اصلا.

فان كان بين المتعلقين تركيب اتحادي، كما يراه «دام ظله» في مسالة مسح الرأس. فلو ان المكلف اراد مسح راسه بالبلّة المغصوبة مثلا فيقال: بأن هذا المسح هو مصداق للمنهي عنه لكونه غصبا، وهذا المسح بنفسه مصداق لما هو المأمور به لأن ما هو المأمور به - على بعض المباني في الوضوء - هو فعل المسح يعني امرار اليد على العضو الممسوح كالرأس مثلا فاتحد متعلق الأمر مع متعلق النهي، فهنا يمكن ان يقال: بلحاظ التركيب الاتحادي بين المتعلقين يقال: بأن الأمر بالمسح لا يشمل هذا المسح، لأن الأمر بالمسح مختص بالمسح المقدور وهذا المسح غير مقدور عقلاً، لتعلق النهي بعنوانه، فحيث إن النهي متعلق بنفس العنوان المأمور به لذلك نقول: بأن المأمور به لا يشمل مثل هذا المسح لعدم كونه مقدوراً عقلاً.

أو كان بين المتعلقين تركيب انضمامي، مثلاً: السجود على الارض المغصوبة، فيقال: لا يوجد هنا تركيب اتحادي لان المتعلق ليس واحدا، بلحاظ ان السجود من مقولة الوضع، لأن السجود عبارة عن الهيئة، بينما وضع الجبهة على الارض المغصوبة من مقولة الفعل، فهنا مقولتان، والمقولات متباينة بتمام الذات، ومقتضى تباينها بتمام الذات تغاير الوجود، حيث إن لكل مقولة وجودا خاصا بها، ولا يعقل وجود مقولتين بوجود واحد، فحيث ان هنا مقولتين: مقولة الأين أو مقولة الفعل، ومقولة الوضع، فهناك وجودان، غاية ما في الباب ان بين هذين الوجودين تركيب انضمامي، مع أن هناك مقولتين، وضع، وأين، أو وضع، وفعل. اي ان هناك وجودين. إلا أن المحقق النائيني «قده» يقول: صحيح ان هناك وجودان ومقولتان، الا ان المكلف اوجد هاتين المقولتين بحركة واحدة. باعمال قدرة واحدة لا باعمال قدرتين، فحيث ان المكلف باعمال قدرة واحدة صنع مقولتين واوجد مقولتين كان بين المقولتين تركيب انضمامي. فهما وإن كانا وجودين الا ان صدورهما باعمال قدرة واحدة يقتضي التركيب بنيهما، فهناك تركيب جديد.

ففي مثل هذا الفرض ايضا يصح للسيد الاستاذ ان يقول: نعم، ان المأمور به وهو السجود، لا يشمل مثل هذا السجود، اي السجود في الارض الغصبية، لأن هذا المأمور به الا وهو السجود غير مقدور عقلا، لا للنهي عنه فان النهي متعلق بمقولة اخرى، بل للنهي عن ملازمه، إذ لا ينفك السجود في الدار المغصوبة عن الغصب سواء كان متحقق بمقولة الاين أو بمقولة الفعل. فعلى اية حال، بما ان المأمور به هو خصوص المقدور، والسجود غير مقدور عقلاً، والسر في عدم كونه غير مقدور عقلاً ملازمته لما هو المنهي عنه شرعا في الوجود حيث أنهما يوجدان بقدرة واحدة.

أما إذا لم يكن بين المتعلقين لا تركيب اتحادي ولا تركيب انضماني، بل كان متعلق الأمر في طول متعلق النهي: أي بين القيد والتقيد نحوان من الثبوت طوليان، فالقيد يوجد أولاً في طوله يوجد التقيد، فهنا يقال: إذا كان بين متعلق الأمر ومتعلق النهي طولية لا أنهما في عرض واحد، إذا فلم ينصبّ حكم العقل بلزوم اجتناب المنهي عنه لا بنفس متعلق المأمور به كما في التركيب الاتحادي، ولا بملازمه العرضي كما في التركيب الانضمامي، وإنما تعلق حكم العقل بعمل سابق على ما هو محقق لمصداق المأمور به. فحينئذ يمكن القول: ان المأمور به مقدور في طول معصي النهي، فالمولى يقول له: لا تتستر لأن الستر غصبي، لكن إذا تسترت صار تقيد الصلاة لكونك مستور العورة أمراً مقدوراً. إذ ما دام التقيد في طول وجود إذا فالتقيد مقدور في طول عصيان النهي الشرعي، وفي طول مخالفة حكم العقل بضرورة الاجتناب عملاً بحق الطاع. فالمكلف قادر لا انه غير قادر.

إذاً فهذا الاستدلال لو سلمت مقدماته فالمناقشة فيها بمنع الصغرى، ان التقيد غير مقدور لعدم القدرة عليه عقلا ممنوعة، بل التقيد مقدور في طول وجود القيد عصياناً غفلة، فإنّ المكلف متى ما اتى بالقيد عصيانا أو غفلة صار التقيد اي ان يصلي مستور العورة امرا مقدورا وهذه هي نكتة الترتب. فمثلا: لو وقع التزاحم بين ازالة النجاسة عن المسجد والصلاة في اخر الوقت. فالمولى يقول: ازل النجاسة عن المسجد فان لم تزل النجاسة فصل. فيقول: الكلام هو الكلام، ففي فرض مخاطبته بازالة النجاسة عن المسجد فالعقل يقول: مقتضى حق الطاعة ان تزيل النجاس، هذا المكلف خالف حكم العقل واتى بالصلاة، لماذا لا تقولون الصلاة غير مقدور عليها؟!، لأنّ الصلاة محقق لعصيان الأمر بالازالة فالصلاة غير مقدورة عقلا، لحكم العقل بضرورة صرف النجاسة عن المسجد، لكنكم لا تقولون بذلك، بل تقولون بالترتب. وتقولون: الأمر بالصلاة وان كان امر بالمقدور، الا ان الصلاة مقدورة لا في عرض الازالة بل في طول عصيان الامر.

فكما ان الأمر الترتبي بالمهم يصح عند عصيان الأهم مع فعلية حكم العقل بضرورة صرف القدرة بالأهم عملاً بحق الطاعة، ويقال بأن المهم مقدور في فرض عصيان الاهم فكذلك التقيد مقدور في فرض عصيان النهي عن القيد، وانك كان حكم العقل باجتناب المنهي عنه حكماً فعلياً، الا انه في طول عصيانه اصبح التقيد مقدوراً.

الوجه الثاني: ما ذكره شيخنا الأستاذ «قده»: في «الأصول: ج3، ص90»، وهو يبتني على مقدمتين:

المقدمة الأولى: مقدمة كبروية: إنّ اطلاق الأمر بالطبيعي متقوم بالترخيص التكليفي في التطبيق. وهو مبنى المحقق النائيني والسيد الخوئي وشيخنا الاستاذ. فمثلا: الأمر بطبيعي الصلاة انما يكون اطلاق إذا كان متقوما بالترخيص بالتطبيق على اي فرد. مثلا: هل الأمر بطبيعي الصلاة له اطلاق يشمل الصلاة في مواطن التهمة أم لا؟

نقول: إنما يكون للامر بطبيعي الصلاة يشمل الصلاة في مواطن التهمة إذا كان هناك ترخيص تكليف في تطبيق هذا الطبيعي على هذا الفرد، فالاطلاق متقوم بالترخيص التكليفي في التطبيق على الفرد.

المقدمة الثانية: مقدمة صغروية: إن هناك أمراً بالصلاة مع الساتر، ونفترض أن الأمر أمر بالتقيد اي امر بالصلاة متقيدة بكون المصلي مستور العورة. إلا أن هذا الأمر إنما يكون له اطلاق بحيث يشمل من صلى بالساتر الغصبي إذا كان هذا الأمر محتفا بالترخيص في التطبيق، والمفروض ان الترخيص في التطبيق منتفي، لان المولى ينهى عن تطبيق الصلاة متستر على هذا الستر. فبما ان هذا الفرد من الستر منهي عنه إذا فلا ترخيص تكليفي في تطبيق الطبيعي المأمور به على هذا الفر، فاذا لم يكن هناك ترخيص فليس للأمر اطلاق إذا هذه الصلاة مع الساتر الغصبي لم يشملها الأمر من الاساس.

فإن قلت: فيشملها الأمر من الاساس على سبيل الترتب. قلنا: ما هو المأمور به إطلاق له، وما له إطلاق ليس مأموراً به، فما هو المأمور به الصلاة متسترا. وهذا ليس له إطلاق، لمثل الساتر الغصبي لعدم الترخيص في التطبيق. وما له اطلاق وهو الأمر بطبيعي الصلاة ليس هو المأمور به لان المأمور به الصلاة متسترا، فكيف يدعى الترتب؟، بأن يقال: لا تتسر فان تسترت فأنت مأمور بطبعي الصلاة على اي حال. فإن هذا الأمر ليس مامورا به حتى يكون مترتبا على عصيان الأول.

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 6
الدرس 8